إسلام ويب

الاعتناء بالضعفاءللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خص الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالترابط والتعاون فيما بينهم، وجعل لهم الرحمة سيمة يتخلق بها المؤمنين، فيرحم بعضهم بعضاً، الكبير يرحم الصغير، ويرحم الوالد الولد، والغني الفقير، والمعافى المبتلى، وبهذا يكون التكافل الاجتماعي بين المؤمنين.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن وبسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى خلق الناس من نفسٍ واحدة, وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، ولو شاء لجعل بني آدم كالشجر، كل شجرة لها جذع مستقل، ولكنه أراد ترابطهم وتعاونهم فيما بينهم, فلذلك خلقهم من نفسٍ واحدة , وجعلهم بمثابة الأسرة الواحدة, ولهذا بين سبحانه وتعالى ما يحصل من التنوع النسبي وغيره، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ [الحجرات:13].

    تعاون المؤمنين فيما بينهم

    وأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالخصوص بالتعاون فيما بينهم, فقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة:2], وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:100-105].

    مقتضى الترابط بين المؤمنين

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الترابط فيما بين المؤمنين؛ فقد أخرج الشيخان في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ).

    وأخرج الشيخان أيضاً في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه ).

    وهذا يقتضي أن يستشعر المؤمن من ضرورات إيمانه، ومن واجب عقيدته عنايته بإخوانه والسعي لعونهم، والتعاون معهم على البر والتقوى، والسعي لنفعهم جميعاً, فذلك من واجبات هذه العقيدة الإسلامية التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله.

    ولذلك أخرج ابن ماجه في السنن بإسناد صحيح ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرقى، فقال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )، فهذا أمر بأي نفع يستطيع الإنسان إيصاله إلى أي أخٍ له من المؤمنين، فليبادر إليه امتثالاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وعملاً بدافع عقيدته التي تدعوه لتحقيق أخوته للمؤمنين.

    وأولى المؤمنين بالعون والرعاية هم الضعفاء الذين يحتاجون إلى من يقوم بمصالحهم ومن يعتني بشئونهم، فالله سبحانه وتعالى إنما أصابهم بما أصابهم به امتحاناً لغيرهم، ممن قواهم، فمن آتاه الله عقلاً، وآتاه سمعاً وبصراً، وآتاه حركة وتصرفاً، وآتاه مالاً عليه أن يقوم بحق من حرمهم الله ذلك من الضعفاء، فإن الله إنما امتحنه بهم.

    قصة الفقراء الثلاثة وامتحانهم

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم قصةً عجيبة حصلت لقومٍ سابقين في الأمم السابقة, فقد كان فيهم ثلاثة من الضعفة، أحدهم كان أعمى، والآخر كان أبرص، والآخر كان أقرع, وكانت الأمم السابقة لا ترحم أصحاب العاهات، ولا يقع بينها التكافل كما هو بين المسلمين, فكل من فيه عاهة أو آفة يفر منه الأقربون، ويبقى مرذولاً بين الناس, فكان هؤلاء يعيشون على حياة الضنك والمذلة والهوان، لا يرد عليهم أحد السلام ولا يخالطهم، ولا يطعمهم، ولا يسقيهم، ولا يكسوهم, فيبقون في بثهم وحزنهم وتعبهم يكدون على أنفسهم, فأراد الله جل جلاله امتحانهم وهو أعلم بمآلات الأمور، ولا يمكن أن يقع إلا ما شاءه لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29].

    فأرسل ملكاً إليهم لامتحانهم، فجاء إلى الأبرص فسأله عن حاجته وعن أمنيته من هذه الحياة، فقال: ( إن يرد الله علي جلدي ولوني فقد قذرني الناس )، معناه: عدني الناس من جنس القذر الذي يرمى في القمامة, ( فسأله عن أحب المال إليه فذكر أنه الإبل, فدعا الله فرد عليه جلده ولونه, وأعطاه ناقةً عشراء, وقال له: بارك الله لك فيها, فأنتجها فكان له وادٍ من الإبل ).

    وجاء إلى الأقرع فسأله عن أمنيته من هذه الدنيا وأحب شيءٍ إليه, فقال: ( أن يرد الله علي شعري فقد قذرني الناس, فسأله عن أحب المال إليه فذكر البقر, فدعا الله فرد عليه شعره, وأعطاه بقرة مخاضاً, وقال له: بارك الله لك فيها, فأنتجها فكان له وادٍ من البقر ).

    فجاء إلى الأعمى فسأله عن أمنيته وحاجته, فقال: ( أن يرد الله علي بصري فقد قذرني الناس, فسأله عن أحب المال إليه, فذكر الغنم, فدعا الله فرد عليه بصره, وأعطاه شاة فأنتجها فكان له وادٍ من الغنم, وقال له: بارك الله لك في هذا فأنتجها فكان له واد من الغنم ).

    ثم أرسله الله لامتحانهم فجاء إلى الأول بالصورة التي كان عليها، في صورة رجل أبرص، في هيئة رثة، ووضع مسكنة، فملابسه لا تنبؤ بمكانة اجتماعية ولا اقتصادية، وظروفه تدل على أن الناس يقذرونه ولا يلتفتون إليه, فقال له: ( رجل مسكين ابتلاني الله بالبرص، لا بلغة لي اليوم إلا بالله ثم بك, فأسألك بالذي شفاك من سقمك وأعطاك هذا المال أن تعطيني ما يعينني, فقال له: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر والحقوق كثيرة, فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه. فأجيح ماله فافتقر ثم عاد إليه البرص فعاد كما كان ).

    ثم أتى إلى الأقرع فجاء له في صورته فقال له: ( رجل فقير ابتلاني الله بهذا القرع، ولا بلغة لي اليوم إلا بالله ثم بك، فأسألك بالذي شفاك من قرعك وأغناك أن تعطيني ما يعينني, فقال له: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر والحقوق كثيرة, فقال له: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه. فأجيح ماله وعاد إليه القرع ).

    فجاء إلى الأعمى في صورته فقال له: ( رجل ضرير فقير مسكين، قد ابتلاني الله بما ترى من العمى, لا بلغة لي اليوم إلا بالله ثم بك، فأسألك بالذي رد عليك بصرك وأغناك شاة أتبلغ بها في أموري, فقال: إنني كنت رجلاً مثلك ضريراً، فرد الله علي بصري, وكنت فقيراً فأغناني الله، فلا تسألني اليوم بالله شيئاً إلا أعطيتك إياه، فخذ ما شئت، واترك ما شئت, فقال له: بارك الله لك في مالك وتركه ).

    فهذا يدل على أن كل صاحب عاهة أو آفة أو مصيبة, إنما يبتلي الله به الآخرين ويمتحنهم به, فإذا رحموه تحققوا بصفة عظيمة هي صفة الرحمة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088791619

    عدد مرات الحفظ

    779069374