الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلما كان الفعل ينقسم إلى: مجرد من الزوائد، ومزيد فيه بدأ بالمجرد، والكلام عليه من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: من جهة بنائه ووزنه، والوجه الثاني: من جهة معانيه، والوجه الثالث: من جهة تصاريفه، وفي هذا قال ابن مالك: (أبنية المجرد وتصاريفه).
أضاف الحسن: (ومعانيه) وأدخلها بين الأبنية والتصاريف، فالأبنية: جمع بناء، والبناء والمبنى والصيغة والوزن ألفاظ مترادفة، والمقصود بها: الهيئة التي يكون عليها الفعل، والمجرد معناه: الذي لم تتصل به الزوائد، وأصلها: من جرده، بمعنى: خلع ملابسه، فكأن الزوائد ملابس فأزيلت عنه، جرد منها، وإن كان الأصل: عدم التجريد، معناه: عدم اتصالها به لا يجرد منها؛ فالأصل: أن يكون خاليًا من الزوائد، لكن لفظة الخالي استعمالها في هذا المكان استعمال قبيح؛ لأن الخالي في لغة العرب من لا زوجة له، ومنه قول أبي تمام:
إحدى بني بكر بن زيد مناهي بين الكثيب الفرد كالأمواه
ألق النصيف فأنت خاذلة المهى أمنية الخالي ولهو اللاهي
بعواذل أمثالها لم تجتمع لولا صفات في كتاب الله
فهنا قال: (أمنية الخالي ولهو اللاهي)، وكذلك قول امرئ القيس:
وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
الخالي معناه: من لا زوجة له، والمقصود بالخالي هنا: معناه: الفعل الذي ليست فيه زوائد أصلًا.
(ومعانيه): هي جمع معنًى، والمقصود بها: ما يدل عليه في الأصل، وتصاريفه: جمع تصريف، والمقصود بها: أوجه تصريفه، وإن كان الأصل أن التصريف لا يجمع؛ لأنه مصدر، والمصدر يدل على ما في علم الله من مادته كلها، فلا يحتاج إلى الجمع فيه، لكن نظرًا لاختلاف أوجه التصريف اضطررنا للجمع، وهذا الجمع للتنويع فقط.
يقول الحسن: (ومعانيه): (جمع معنًى، مفعَل بمعنى مفعول)، معانيه: جمع معنًى، وهو مفعل، هذا وزنها، مفعَل بالجر بدل قوله: معنًى، مفعَل بدل من معنى، معناه وزنها على وزن مفعل، بمعنى مفعول، معناه: معني: أي مقصود، من عناه يعنيه، بمعنى قصده.
(وهي كثيرة كالتصاريف، كما ترشد إليه الصيغة): (وهي)؛ أي: المعاني، (كثيرة): فكل وزن من أوزان المجرد له معانٍ تدل عليها، وذلك أن الاسم كل معنًى من معانيه وضع له وزن مستقل، فاسم الفاعل: يدل على الحدث وفاعله، واسم المفعول: يدل على الحدث ومفعوله، وأفعل التفضيل: تدل على التفضيل بين الأفراد المشتركة في الوصف، والمصدر: كذلك له وزن مستقل، فإذًا: المعاني يفرق بينها بالأوزان في الأسماء، وأما الأفعال فليس لها ذلك؛ لأن صيغ المجرد في الأصل أربعة فقط، كما سيتبين، ولا يمكن أن نضع لكل معنى صيغة مستقلة به ووزنًا مختصًا به؛ فلهذا احجتنا إلى أن نضع له معاني تميزه، فهذه المعاني على وجه الأغلبية والأكثرية لا على وجه الحصر، فإذا قلنا: إن (فَعَل) مثلًا تدل على الجمع فليس معناه: أنه لا يدل على الجمع سواها، وإذا قلنا: فَعِل تدل على السجايا فليس معناه: أنه لا يدل على السجايا سواها، وهكذا، لكن إذا وجدت مادة تدل على السجية وأردت أن تصوغ منها فعلًا فإن الأصل أن تصوغه على وزن (فعِل)، وإذا وجدت مادة تدل على الجمع أو التفريق وأردت أن تصوغ منها فعلًا فالأصل أن يكون ذلك على وزن (فعَل)، وهكذا، فيسهل عليك هذا؛ ولهذا قال: (وهي كثيرة، كالتصاريف): معناه: كما أن التصاريف كذلك فهي كثيرة أيضًا، (كما ترشد إليه الصيغة): كما ترشد إليه، معناه: تهدي إليه الصيغة، فالمعاني جاءت على وزن مفاعل، وهي للكثرة، والتصاريف كذلك وزن من أوزان الكثرة، بخلاف الأبنية فجاءت على وزن أفعلة التي هي من الجموع التي تدل على القلة؛ فلهذا قال: (كالتصاريف، كما ترشد إليه الصيغة): صيغة الجمعين من جموع التكثير لا من جموع التقليل.
(وأما الأبنية فأربعة على المشهور): وأما الأبنية فهي قليلة، وحدد تلك القلة بقوله: (فأربعة على المشهور)، ومقابل المشهور أنها خمسة، وهو ما ذهب إليه ابن مالك في الألفية؛ لأن ابن مالك في الألفية جعلها خمسًا، فجعل أبنية الثلاثي أربعة، وهي: فعَل وفعِل وفعُل وفُعِل، فجعل البناء للمفعول وزنًا مستقلًّا؛ لأن من الأفعال ما يكون غير مسموع في لسان العرب إلا أن يلي النائب الذي عني به ونحو ذلك؛ ولهذا قال ابن مالك:
وافتح وضم واكسر الثاني من شعر ثلاثي وزد نحو ضمن
(وزد نحو ضمن): فجعله الرابع، وعلى هذا فـ(فعلل) هي الوزن الخامس؛ ولهذا قال هنا: (فأربعة على المشهور).
ثم أراد أن يعلل انحصار الفعل المجرد في هذه الأوزان الأربعة، فقال: (إذ لا ينقص عن ثلاثة أحرف)؛ لأن الفعل لا يمكن أن ينقص عن ثلاثة أحرف، وهذه الأحرف الثلاثة كل حرف له محله، حرف ابتداء، وحرف وقف، وحرف فاصل بينهما؛ فلهذا قال: (لا ينقص عن ثلاثة أحرف): حرف ابتداء؛ لأنك حادث لا بد أن تبتدئ، وحرف وقف؛ لأنه النهاية أيضًا لا بد منه، وحرف فاصل بينهما؛ أي: بين البداية والنهاية؛ لأنه يصعب أن تكون البداية هي النهاية، يكون في حرفين فقط، (حرف ابتداء، وحرف وقف، وحرف فاصل بينهما)، (ولم يسكن ثانيه؛ لأنه قد يتصل به ضمير الرفع المتحرك فيسكن آخره فيلتقيان)، (لم يسكن ثانيه): الحرف الثاني منه لا يمكن تسكينه؛ لأنك إذا قلت: فعْل فإن ذلك يقتضي سكون الوسط فإذا اتصل به الضمير سكن آخره فيلتقي ساكنان حينئذٍ؛ لأن التاء مثلًا ونحوها من الضمائر المتحركة- ضمائر الرفع المتحركة- إذا اتصلت بآخر الفعل سكن لها، مثل: فعلْتُ، فاللام هي آخر الفعل (فعلْت) تسكن، لكن إذا كان مسكن الوسط وكانت العين ساكنة فإن العين ستسكن مع اللام ويلتقي ساكنان، ولا يمكن النطق بهما في وسط الكلمة؛ فلهذا قال: ولم يسكن ثانيه؛ لأنه قد يتصل به ضمير الرفع المتحرك فيسكن آخره فيلتقيان؛ أي: فيلتقي الساكنان، يلتقي الوسط والآخر- وهما ساكنان- وهذا محظور في لغة العرب.
(ولا يكون سداسيًّا؛ لئلا يتوهم أنه كلمتان): يقول: ولا يكون الفعل المجرد سداسيًّا؛ لئلا يتوهم أنه كلمتان؛ لأنك عرفت أنه يمكن أن يتركب من ثلاثة حروف فعل، فإذا وجدت فعلًا متركبًا من ستة أحرف كان بالإمكان أن يتوهم بعض الناس أنه كلمتان؛ لأن كل ثلاثة أحرف يمكن أن يتركب منها فعل.
(ولا خماسيًّا؛ لأنه قد يتصل به الفاعل- وهو كجزئه- فيكون به ستة): ولم يجعلوه خماسيًا أيضًا؛ لأنه قد يتصل به الفاعل، ضمير الرفع، (وهو كجزئه)؛ لأنه إذا اتصل بالفعل كان كجزئه، فيكون به ستة، وحينئذٍ تكون الكلمة ستة حروف، فنعود إلى المحظور الذي لم نجعل الفعل المجرد سداسيًّا بسببه.
(وحركوه بالفتحات تخفيفًا): يقول: إن الفعل المجرد حركه العرب بالفتحات تخفيفًا، فجعلوا الحرف الأول منه مفتوح دائمًا، والحرف الأخير مفتوح دائمًا، وفيه حرف أيضًا في الوسط مفتوح، لكنه حينئذٍ إما أن يكون الثاني، وإما أن يكون الأول؛ فلهذا قال: (وأدخلوا فيها ساكنًا): أدخلوا فيها؛ أي: في هذه الفتحات ساكنًا؛ لأنه لو كان لدينا أربع فتحات في وقت واحد لصعب النطق بذلك، فأدخلوا فيها ساكنًا، هذا الساكن، أين جعلوه؟ فـ(أدخلوا فيها ساكنًا؛ لئلا يتوالى منها أربع؛ وجعلوه الثاني؛ لئلا يسكن آخره عند اتصال ضمير الرفع المتحرك به فيلتقيا)،لم يجعلوه الثالث؛ لئلا يتصل الضمير بآخر الفعل فيسكن له آخر الفعل فيلتقي الساكنان حينئذٍ؛ فلهذا قالوا: فعْلل، ولم يقولوا: فعلْل؛ لأنه إذا سكن اللام الأخير لأجل اتصال ضمير الرفع المتحرك به (فعللت) لالتقى ساكنان حينئذٍ، فلم يبق لنا إلا أربعة أوجه: الوجه الأول: أن يكون الفعل رباعيًّا ويسكن ثانيه ويفتح ثالثه، وهذا هو (فعلل)، أو أن يكون ثلاثيًّا، والثلاثي أوله مفتوح قطعًا وآخره مفتوح قطعًا؛ ولهذا قال: فلازم أوله الفتح كآخره لخفته، والحرف الأوسط منه إما أن يكون مفتوحًا، وإما أن يكون مكسورًا، وإما أن يكون مضمومًا، ولا احتمال آخر، لا يمكن أن يزيد فيه احتمال آخر؛ لأنه لا يمكن أن يسكن وسط الثلاثي؛ لما ذكرنا؛ لأنه قد يتصل بآخره الضمير. فعلى هذا تعين انحصار أبنية الفعل المجرد في أربعة.
(وذكرها الناظم)؛ أي: وذكر هذه الأبنية الأربعة، (الناظم) وهو: محمد بن مالك (مقدمًا الأثقل فالثقيل؛ اعتناءً بما يثقل فيقل الكلام عليه)، (مقدمًا الأثقل): أشدها ثقلًا أولًا، ثم الثقيل الذي يليه في الثقل، ثم الذي يليه في الثقل، وهكذا، (اعتناءً بما يثقل فيقل الكلام عليه)؛ لأن ما يثقل النطق به يقل الكلام عليه عادة، وهو يندر في العربية، ومن هنا يسهل أن نتخلص منه فنصل إلى ما سواه، وهذه قاعدة في التأليف أن يبدأ بالأسهل، وهي أيضًا معمول بها في جدول الأعمال في الإدارة، وهو ما يسمى: بجدول أعمال الجرس، يبدأ أولًا بالقضايا السهلة التي يمكن أن يتخذ فيها القرار، وتؤخر القضايا الصعبة حتى وسط الاجتماع؛ لأنه بالإمكان أن يفشل الاجتماع عند ملاقاة القضايا الصعبة، فإذا بدئ بها فحصل الفشل كان الاجتماع غير ناجح بالكلية.
لكن إذا بدئ بالقضايا السهلة فاتخذ فيها القرار كان الاجتماع ناجحًا على كل حال؛ لأنه أسفر عن قرارات، فكذلك هنا بدأ في التأليف بالأثقل فالثقيل، فقال: بـ(فعلل)، وهذا أثقلها؛ لأنه رباعي، وثقله بزيادة حرف، ثم قال: أو فعل، وهذا ثقله بالضمة؛ لأنها أثقل من الكسرة، ثم قال: ومكسور عين، وهذا ثقله بالكسر؛ لأنه أثقل من الفتح، ثم قال: أو على (فَعَل)، وهذا أسهل.
وأعرب الحسن البيت:
بـ(فعلل) الفعل ذو التجريد أو (فعُلا) يأتي ومكسور عين أو على (فعَلا)
فقال: (الفعل: مبتدأ، ذو التجريد: نعت، يأتي: خبر، بفعلل أو فعلا ومكسور عين أو على فَعَلا: أحوال متعاطفة)، فأصل ترتيب الكلام: الفعل ذو التجريد يأتي بـ(فعلل): معناه: يأتي على وزن (فعلل)، أو فعُل، أو مكسور عين، أو على فعُل، وهذه كلها أحوال، إعرابها أنها حال، الجار والمجرور في قولنا: بـ(فعلل): حال، أو فعُلا: حال أيضًا، ومكسور عين: حال أيضًا، أو على فعلا حال أيضًا، والفعل: مبتدأ، وذو التجريد: نعت له، ويأتي: خبر الفعل، معناها: يأتي الفعل المجرد من الزوائد على وزن (فعلَلَ)، ويأتي على وزن فعُل، ويأتي مكسور عين، يأتي حال كونه مكسور عين، ويأتي حال كونه على وزن فَعَلَ.
ثم بدأ الحسن في تكميل الكلام على الأبنية- على الأوزان- وبعده ينتقل إلى المعاني.
و الحسن توفي 1315هـ. جدي قد رآه لكن لم يدرس عليه، رآه كبير السن، قد عاش هو طويلًا حتى احدودب.
قوله: (ولم يبدأ بساكن إذ يلزم منه همز الوصل) أي: معناه أنه لو كان الفعل مبدوءًا بالساكن لسُكِّنَ الحرفُ الأول منه، لاقتضى ذلك ألا يُنطق به قبل التوصل إليه بأداة الوصل، وأداة الوصل هي: الهمزة أو التاء، فيتوصل إلى الساكن بالهمزة كثيرًا، وهذا في أكثر لغة العرب، مثل: (اضرب)، فالهمزة التي فيها- همزة الوصل- يتوصل بها للساكن، وليست من أصل الكلمة، وإذا زادت فإن الفعل لم يعد مجردًا لزيادة الهمزة فيه، والتاء فالتوصل بها نادر، مثل: (ترمس) بمعنى: رمس، ولكن توصل بها للنطق بالساكن، من دفن واقتبر، والرمس: القبر، وفي هذا يقول جدي الددو رحمه الله، يقول:
أيا من حوى علم اللغات بأسره وترمس كتب الصرف طُرًا بصدره
أبن حرف وصل غير همز لسائل وإن لم تكن تدري جوابي فادره
لأنه موجود في الأبيات ..ودائمًا يأتي بالألغاز، وحلها، مثلًا قوله:
إيَّاي علم مضمرًا لمضمر أضيف تبدي غامضًا وتظهر
هو إياي هذه.. توفي سنة 1335ه.
قال الحسن رحمه الله:
تضعيف ثانٍ أو ان الياء آخره أو عينه كالوقوع قلما نقلا
هذا من تمام الكلام على الأبنية، فقال: (تضعيف ثانٍ)، معناه: أن التضعيف، وهو تماثل العين واللام، فالثاني من هذه الأوزان، وهو (فعُل) بالضم، وقد أخر الكلامَ في (فعلل) للجمع مع نظيرتها، وهي (فعَل) بالفتح؛ لاشتراكها معها في بعض المعاني، فبدأ بالثاني قبل الوزن الأول، قال: (تضعيف ثانٍ قلما نقل عن العرب) معناه: يقل في لسان العرب أن يكون (فعُل) بالضم مضاعفًا، معناه: متماثل العين واللام. وذلك ( كلَبُبْتَ لبابةً تلَبُّ بالفتح)، (لبُبْتَ) معناه: اتصفت باللب، وهو: العقل، (لبَابة) وهذا مصدرها، (تلَبُّ بالفتح)، وهذا مضارعها، وهو شاذ؛ ولذلك قال: (ق) أي: صاحب القاموس: (لا نظير له)، معناه: لا يوجد في لسان العرب (فعُل) بالضم، ومضارعها (يفعَل) بالفتح إلا (لَبَّ يَلَبُّ)، وسيأتينا أن موهمه تداخل كما سنذكره إن شاء الله، إنما أوهم ذلك، يمكن أن يكون من التداخل؛ لهذا قال: (تَلَبُّ بالفتح قاموس لا نظير له)، (فأنت لبيبٌ) هذا الوصف منها، و(ملبوب) وصف آخر، (ذو لب) هذا تفسيرها، معناه: ذو عقل، (وجاء كفرح)، معناه: فيها (فعِل) بالكسر أيضًا، (لَبِبت تلَبُّ)، وعلى هذا (فتلَبُّ) مضارع (فعِل) لا مضارع (فعُل)، فيكون هذا من باب بالتداخل.
كذلك (دمُمت) وهو دائمًا يُسند الفعلَ هنا للتاء ليتضح لك شكل وسطه؛ حتى تميز أنه (فعُل) بالضم، لكن هذه الأفعال أغلبها سيئ، ولا يحسن ذكره بالتاء؛ لأن (دَمَّ) بمعنى قَبُحَ، (دَممت دَمَامة) يَدُمُّ بالضم، (فأنت دميم، أي: حقير)، وفي القاموس: (ويُثلث)، ففيه (دَمَّ) فعَل بالفتح (يَدُمُّ)، و(دَمَّ) فعُل بالضم (يدُم) أيضًا، و(دَمَّ) فعِل بالكسر موجود أيضًا، بالنسبة لـ(ـفعُل) و(فعِل) لا يسأل عن مضارعهما؛ لأن (فعُل) تعرف أن مضارعها بالضم، و(فعِل) تعرف أن مضارعها بالفتح، لكن يبقى لك السؤال في مضارع (فعَل) بالفتح؛ فلذلك بينه بقوله: (قاموس ويثلث مفتوحه كصد) معناه: المفتوح منه، وهو (فعَل) بالفتح مضارعه (تَصَدُّ) لأنه مضاعف متعد من فعل بالفتح، فمضارعه بالضم (يَصُد)، كذلك (يدُم).
(و)كذلك (شَرَّ شَرارة فهو شَرِيرٌ وشِرِّير) معناه: كثير الشر، فهي أيضًا فعُل بالضم مضاعفة. (قاموس ويثلث) معناه: جاء في القاموس أنها بالتثليث أيضًا فيها: فعَل وفعِل وفعُل؛ وذلك لصعوبة (فعُل) فيها فسُهِّلت للغتين الأخريين، وكذلك (فَككت فكة) بمعنى: (حمقت)، والفكة: الحمق، فتقول فيها: (يفُك) بالضم، فهي (فعُل) بالضم مضاعفة وهذا من النادر، (و)كذلك (ضَبُبت الأرض) معناه: (كثرت ضبابها)، كثرت فيها الضباب، جمع: ضب، فتقول: ضَبُبت الأرض تضب، فهي (فعُل) بالضم مضاعفة، وهذا نادر، و(جاء كفرح) معناه فيها أيضًا (ضَبِبَت الأرض تَضَبُّ)، بالكسر في الماضي والفتح في المضارع، كذلك (عَزُزت الناقة: ضاق إحليلها، كـأعزت)، (عززت الناقة) معناه: (ضاق إحليلها)، إذا كان اللبن ينزل من ثديها نزل بصعوبة جدًا، هذا هو ضيق إحليلها؛ أي: الثقب الذي يخرج منه اللبن إذا ضاق، فإنها تسمى:عَزُوز، (فهي عزوز) توصف، ويقال: عَزُزت الناقة فهي عزوز، ويقال: أَعَزَّت الناقة أيضًا، فهي (مُعِزٌّ)، معناه: ضاق إحليلها، فهي عَزُوز، هذا الوصف من (عَزَّت)، و(مُعِزٌّ) هذا الوصف من أعزت الرباعي.
(أو ان الياء آخره)، كذلك قَلَّما نقل عن العرب أن تكون الياءُ آخرَ (فعُل) بالضم، (متصرفًا) معناه: في حال كونه متصرفًا، أما إذا كان غيرَ متصرفٍ وإنما صِيغَ (فعُل) بالضم للدلالة على التكثير من أي فعل، فإنه يمكن أن تكون الياء حينئذٍ آخره، وذلك مثل (رمو) مشتقة من الرمي، ففِعْلُها (رَمَى، يرمي)، ولامُها ياء، لكن إذا أردت المبالغة في رمي شخص تقول فيه: رمو فلان، ولكن لا يشتق منها مضارع ولا أمر؛ لأنها (فعُل) للدلالة على التكثير والمبالغة، فهي جامدة؛ ولذلك قال ابن مالك:
وصوغ ... فعُلا
من ذي ثلاثة كنِعْمَ مسجلا
الثلاثة يعني: التكثير والمبالغة.
(لا كـرمو في التعجب)؛ لأنها غير متصرفة، (كـنهو وبالإعلال)، معناها: لم يسمع منه إلا كلمة واحدة، وهي (نهو) بالإعلال، وهي مشتقة من النُّهية، وهي: العقل، وأصل هذا الإعلال، والإعلال هو: جعل حرف علة في موضع آخر. لأنه لم يسمع منه إلا كلمة واحدة، لم يسمع في لغة العرب ما كان على وزن (فعُل) بالضم ولامه ياء من المتصرف إلا كلمة (نَهُو)، وأصلها (نَهِيَ)؛ لأنها من النهية التي هي العقل، لكنها أُعلت؛ (لأصالة اللام فيه)؛ لأن اللام متأصلة في الإعلال؛ لأنها متطرفة، طرف، وقبلها ضمة وهي ياء، نَهُيَ، هذه متأصلة في الإعلال؛ فلهذا قال: كنَهُو بالإعلال، هذا الكلام ليس من الطرة، كنهو بالإعلال لإصالة اللام فيه، (فهو نَهِيٌّ)،الوصف منها: نَهِيٌّ، (جمعه: أنهياء)؛ لأن فَعِل من المعتل يجمع على أفعلاء؛ ولذلك قال ابن مالك:
ولكريم وبخيل فُعلا كذا لما ضاهاهما قد جعلا
وناب عنه أفعلاء في المعل لامًا ومضعف وغير ذاك قل
فأنهياء بنيابة أفعلاء عن فُعَلاء، (فهو نَهِيٌّ، جمعه: أنهياء، أو نهٍ بالفتح والكسر)، كذلك من الأوصاف يقال: رجل نَهٍ، ورجل نِهٍ، بالفتح على الأصالة، وبالكسر (للإتباع)؛ لأن العرب تُتْبع مِن قبل ومن بعد، تتبع الحرف بالذي قبله، وتتبعه للذي بعده، فإذا قيل: (نِهٍ) فإن كسر النون إتباع للهاء التي بعدها، وإذا قيل: (نَهٍ) فهي الأصل، فهو مثل (عَمٍ وشَذٍ)، قال: (جمعه: نَهون) معناه: لا يجمع تكسيرًا، وإنما يجمع جمع سلامة، وتفسيره: (كامل النهية)، معناه: كامل العقل، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، والنُّهَى: جمع نهية.
(أو عينه) قلما نُقل، معناه: وقلما نُقل عن العرب أن تكون الياء عين (فعُل) بالضم، ولم يسمع منه أيضًا إلا كلمة واحدة، وهي (هَيُؤ)، معناها: حسنت هيئته، (بالتصحيح)، لا يقال فيه: (هاء)، وإن كان حرف العلة هنا، وهو الياء المضمومة، وقد تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فالأصل أنه يجب قلبه ألفًا؛ لأن القاعدة الصرفية هي: إذا تحرك حرف العلة، وانفتح ما قبله، وجب قلبه ألفًا، لكن لو قلت: (هاء) لما عرف أن وزنها (فعُل) بالضم؛ فلذلك قال: (بالتصحيح)، والتصحيح هو: إقرار الحرف على وضعه الأصلي.
فالصحة الإقرار للحرف على ما كان من وضع له تأصلا
وضدها الإعلال، (بالتصحيح تنبيهًا على الأصل)؛ أي: تنبيهًا على أن أصلها الياء، وتنبيهًا على الوزن كذلك أن وزنها فعُل؛ لأنك لو قلت: هاء، اختفى الأصل والوزن، اختفى الأصل: لا تعرف أن أصلها يائية، واختفى الوزن؛ لأنك لا تعرف أنها على وزن فعُل، (حسنت هيئته) هذا تفسيرها، (قاموس ويثلث) معناه: قال صاحب القاموس: (ويثلث) معناه: أن فيه (هيؤ) مثلما هنا، وفيه (هاء)، وفيه (هيئ) أيضًا بمعنى: حسنت هيئته.
وهاتان الكلمتان، وهما (نَهُو)، و(هيؤ) لا نظير لهما في لغة العرب؛ ولهذا نظمهما الشيخ محمد المامي رحمه الله في قوله:
فَعُلت بضم العين لم يات عينه ولا لامه ياء سوى هيئت نهو
(هيئت) وجعلها للأنثى؛ لأن حسن الهيئة لا يحسن في الرجال، وإنما يحسن العناية به في النساء، و(نَهو) جعل نسبها للمذكر؛ لأن النُّهية، وهي تمام العقل إنما يكثر في الرجال.
وهو الذي قال أيضًا:
وجعل حرف علة في موضع آخر بالإعلال عنده جُعل
والصحة الإقرار للحرف على ما كان من وضع له تأصلا
هذا الكلام كان في ترتيب الطُّرة.. نصل إلى هذا.
(لا فاءه) معناه: لا يقل في لغة العرب كون الياء فاءَ (فعُل) بالضم، وذلك مثل (يمُن)، فالياء هي الفاء فيه، هي أوله، ومصدرها (يمُنًا فهو أَيْمَن)، هذا الأصل منها، و(كـعُنِي) معناه: يرد أيضًا يمِن، (فهو ميمون) ومعناه: محمود العاقبة، (ولا الواو مطلقًا)، معناه: ولا يندر كون الواو فاءَ فعُل، ولا عينَها، ولا لامَها، بل كل ذلك مسموع في لغة العرب، ومثَّل لكل واحدة، فقال: كـ(وضؤ)، و(طال)، و(سَرُو)، (وَضُؤَ) هذه الفاء هنا واو، فاء (فعُل) بالضم واو، (وضؤ) معناه: حسن، من الوضاءة، وهي الحسن، و(طال، طَوُل) أيضًا أصلها، فالواو هنا هي عين فعُل بالضم، من الطول، و(سَرُو) لامها واو هنا، بمعنى: شَرُفَ، ومنه: السرو، وهو الشرف.
ولو مد سروي بمال لجدت به ولكنت له باذلا
فإن المروءة لا تستطاع إذا لم يكن مالها فاضلا
(قاموس ويثلث)، قال صاحب القاموس: إن (سَرُوَ) فيها التثليث، فيها (سَرَى)، وفيها (سَرُوَ)، وفيها (سَرِيَ)، بمعنى: (شرف).
ترتيب الحسن هنا للطرة على ما ذكرناه فيما يتعلق بالإعراب؛ لأن ترتيب البيت: تضعيف ثانٍ قلما نُقل عن العرب، (أو ان الياء آخره) قلما نُقل عن العرب، متصرفًا ذكره، (أو عينُه) معناه: أو أن الياءَ عينُه قلما نُقل عن العرب كـ(هَيُؤَ). (كالوقوع)، ثم أتى بهذا، فقال: (كالوقوع)، معناها: كما أن الوقوع كذلك، معناه: الوقوع، وهو باللزوم، معناه وعدم التجاوز للفاعل إلى المفعول هذا الذي يسمى بالتعدي (كالوقوع)؛ أي: وقوعه؛ أي: تعديه، معناه: يندر جدًا في (فعُل) بالضم أن تكون متعدية، فالأصل فيها اللزوم.
وقوعه على المفعول، أن تكون واقعة على المفعول، هذا نادر؛ ولهذا قال: (أي: وقوعه؛ أي: تعديه)، ولا يكون إلا (بتضمين)، والتضمين هو: إشرابُ لفظٍ معنى آخرَ وإعطاؤه حكمُه، فلا تكون (فعُل) في الأصل متعدية إلا بتضمين، إلا إذا ضمنت معنى فعل آخر متعدٍ، وذلك مثل قوله: (رَحُبَكُم الدخول في طاعة الكرماني)، رحبكم الدخول، جاءت فعل بالضم ناصبةً للمفعول، وهذا نادر جدًا، لكنه على تضمين، فأصل الكلام: وَسِعَكم الدخول في طاعة، (وإن بسراً قد طلع اليَمَن)، هذا من خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإن بسراً قد طلع، وبسر هو بسر بن أرطأة القرشي العامري كان من قواد معاوية رضي الله عنهما، قال: (إن بسراً قد طلع اليمن)، (طلع) جاءت (فعُل) بالضم، وجاءت ناصبة للمفعول (اليمن) وهذا نادر جدًا لكنه على تضمين، معناه: بلغ اليمن؛ فلهذا قال: (أي وسعكم وبلغه)؛ أي: وسعكم هذا راجعة إلى رحبكم، وبلغه هذا راجعة إلى طلع اليمن، (وهو من المعاني كما ترشد إليه الكاف).
بالنسبة للوقوع الكلام فيه ليس من الكلام في الأبنية، وإنما هو من الكلام في المعاني كما ترشد إليه الكاف؛ لأن الكاف لتغيير الأسلوب، قال: (تضعيف ثان أو ان الياء آخرُه أو عينه) قلما نقل، (كالوقوع) فأتى بالكاف للدلالة على تغيير الأسلوب، معناه كما أن الوقوع قلما نُقل عن العرب، والوقوع من المعاني، وليس من الأبنية، وهو بداية الكلام على المعاني.
وهو لمعنى عليه من يقوم به مجبول أو كالذي عليه قد جبلا
وفي رواية:
وذا لمعنى عليه من يقوم به مجبول أو كالذي عليه قد جبلا
وهي أسهل من ناحية الوزن، (وذا لمعنًى عليه من يقوم به)، (وذا)؛ أي: وهذا، وهو الثاني الذي هو (فعُل) بالضم، (لمعنًى عليه من يقوم به مجبول او كالذي عليه قد جبلا)؛ أي: إن (فعُل) بالضم ترد للجبلة، فمن معانيها الجبلَّة، والجبلَّة هي ما جُبِل عليه الإنسان بأصل فطرته، وذلك مثل: (جَبُنَ) و(شَجُعَ) و(طال) و(قَصُرَ) و(حَسُنَ) و(قَبُحَ)، فهذه المعاني كلها للخِلقة، (جبن) معناه: خلقه الله كذلك، فطره على الجبن، (شَجُع) معناه: خلقه الله كذلك، فطره على الشجاعة، (طال) معناه: خلقه الله طويلًا، (قَصُرَ): خلقه الله كذلك، (حَسُنَ): خلقه الله كذلك، (قَبُحَ): خلقه الله كذلك، فكلها للجبلة.
(أو كالذي عليه قد جُبِلَا): أو أن يكون الشخص قد تخلَّق بهذا الوصف حتى رَسَخ فيه، فكان كأنه جبلة فيه، وذلك مثل: (شَعُرَ)، معناه: تمهر في الشعر وتمرس به، حتى صار الشعر كأنه فُطِرَ عليه، كأنه من خلقته، و(فَقُهَ) لمن تمرس بالفقه حتى كان الفقه كأنه فطرتُه، و(فَصُحَ) لمن تمرس بالفصاحة حتى كأنها فطرتة، (لمن كانت الثلاثة له كالطبع)، (لمن كانت الثلاثة) أي: الشعر والفقه والفصاحة له، (كالطبع): فأصبحت طبيعة له وجبلة.
فهذا هو الأصل في معاني (فعُل) بالضم أنها للجبلة، سواء كانت الجبلةُ فطرةً أو باكتساب، فطرةً مثل: (طال) و(قصر) و(حسن) و(قبح) و(شجع) و(جبن)، أو كانت باكتساب: (شَعُرَ) و(فقه) و(فصح)، وأصلها: إذا كانت لغير المبالغة أن تكون على وزن فَعَل، فيقال: (شَعَرَ فلانٌ) معناه: قال شعرًا لأول مرة؛ ولهذا قال الشاعر:
ورب منشد شعر ما نطيق له كأننا ما شعرنا أنه شعر
(كأننا ما شعرنا) معناه: ما علمنا، (أنه شَعَرَ) معناه: أنه قال شعرًا أصلًا.
بدأ في معاني (فَعِل) بالكسر، وهو الوزن الثالث في ترتيب ابن مالك، لقوله:
بـ(فعلل) الفعل ذو التجريد أو (فعلا) يأتي ومكسور عين أو على (فعلا)
(مكسور عين) جاء به الثالث؛ لذلك قال:
وجاء ثالثها مطاوعاً ويجي مغن لزوماً ونقلاً عن بنا فعلا
(وجاء ثالثها) أي: ثالث الأوزان؛ أي: إنه يدل على هذه المعاني، وجاء وفي لسان العرب ثالثها- أي: ثالث الأوزان- دالًا على المطاوعة (كثيرًا كما في الحضرمي والتسهيل)، (كما في الحضرمي)؛ أي: في شرح الحضرمي على اللامية، وفي كذلك (التسهيل): لـابن مالك .
(مطاوعًا) معناه: (مشعرًا بتأثير مُلاقيه في الاشتقاق)، والمطاوعة هي: الإشعار بالتأثير الفعلي المطاوَع الذي يشترك مع المطاوِع في الاشتقاق، تقول: (كسرتُه، فانكسر)، و(جَدَعْتُه، فَجَدِعَ)، و(شَتَر الله عينَه، فشَتِرت)، فالفعل الأول هو المطاوَع، والفعل الثاني هو المطاوِع، هذه (فَعِلَ) تأتي للدلالة على المطاوعة في بعض الأفعال، وسيأتينا مواضع ذلك، لكن (فَعَلَ) في الأصل تدل على المطاوعة، من معانيها المطاوعة، كما سيأتينا إن شاء الله، لكن (فعِل) بالكسر أيضًا تدل على المطاوعة، ومعنى المطاوعة هو قوله (أي: مشعرًا بتأثير ملاقيه في الاشتقاق)؛ (أي: مشعرًا بتأثيره) معناه: بقبول المفعول للأثر؛ لأن المطاوعة معناها: قبول الأثر؛ لأنها من (أطاعه) أو من (طاع) بمعنى: امتثل، فكأن الشيء الذي فَعَلْتَ به الفعل قد قَبِل ذلك الفعل (كَسَرْتُه فانكسر)؛ لأن الفعل الذي صدر منك أنت هو العلاج، هو السعي لحصول الفعل، لكن قبوله واتصاف المفعول به بالفعل هو الذي يسمى بالمطاوعة، (وهو هنا (فعَل) بالفتح)، يقول: إن المطاوَع في (فَعِلَ) بالكسر هو (فَعَلَ) بالفتح، فـ(فعِل) تأتي لمطاوعة (فَعَلض)، مثل ماذا؟ (كـجَدَعْته، فجَدِع)، (جَدَعْتُه) معناه: قطعت أذنيه أو أنفه، فـ(جَدَعَ) هنا (فَعَل) بالفتح، و(جدِع) هي (فعِل) بالكسر الدالة على المطاوعة، معناه: أنه حصل له ذلك، و(شَتَرَ اللهُ عينَه، فشَتِرت)؛ أي: شَتِرَت العينُ تأتي لمطاوعة (فعَل) معناه: (شَتَرها، فشَتِرَت)، والشَّتَر معناه: انقلاب الجفن من الرمص، وهو قلة شعر الجفن حتى ينقلب، وهو عيب من عيوب العيون.
ويأتي دون الملاقي، نحو: ((إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا)) هذه قاعدة تتعلق بالمطاوعة مطلقًا، لا بقيد كونها على وزن (فعِل) بالكسر، فيقول: (ويأتي دون الملاقي)؛ أي: يأتي فعل المطاوعة؛ أي: الفعل المطاوع الدال على المطاوعة (دون الملاقي) معناه: دون ملاقيه في الاشتقاق، فليس من الواجب أن تقول: (جَدَعْتُه، فجَدِعَ) أو (شَتَرَ اللهُ عينَه، فشَتِرَت)، بل يجوز أن تقول: (جَدِعَ فلان) و(شَتِرَتْ عينُ فلانٍ)، ومثال ذلك في غير (فَعِلَ) بالكسر قول الله تعالى: إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا[الشمس:12]، فانفعل هنا تدل على المطاوعة، ولم يقل: إذ بَعَثُوا أشقاهم، فانبعثوا، ويأتي كثير من الناس يغلط في هذه الجملة يظن أنها مما يتعلق بـ(فعِل) بالكسر، لكن الواقع أنها على الإطلاق، معناه: ويأتي فعل المطاوعة مطلقًا لا بقيد كونه على وزن (فعِل)، (دون الملاقي): فلا يذكر الفعل الدال على أصل العمل، وإنما يذكر الفعل الدال على قبوله، فتقول: إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا[الشمس:12]، والذي لم يفهم هذا يستشكل الاستشهاد بالآية، فيقول: هذه (انبعث) على وزن (انفعل) وليست على وزن فَعِل، لكن يجاب عن هذا بأنه: لم يقصد مجيء فعل المطاوعة الذي هو على وزن (فعِل) كذلك، وإنما قصد الإطلاق، فقال: (ويأتي)؛ أي: فعل المطاوعة مطلقًا لا بقيد كونه على وزن (فعِل)، دون الملاقي، نحو: إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا[الشمس:12]، هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني هو قوله: (ويجي مغن لزومًا) ونقلًا (عن بنا فعُلا)؛ أي: ويأتي وزن (فعِل) بالكسر مُغْنٍ عن وزن (فعُل) بالضم؛ أي: إن (فعِل) بالكسر تأتي مغنية عن (فعُل) تأتي للجبلة، فتدل على السجايا التي هي في الأصل من معاني (فعُل) بالضم، لكن ذلك ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون لزومًا؛ بمعنى: على قاعدة مثل ما يسميه أهل القراءات بالأصول، وإما أن يكون نقلًا، وهو مثل ما يسميه أهل القراءات بالفرش، فليس على قاعدة، ما لا تجمعه قاعدة واحدة.
فالأول هو قوله: (ويجي مغن لزومًا عن فعُل):، عن بناء (فعُل) بالضم (في يائي اللام)، فيائي اللام قد سبق أنه قليل في (فعُل) بالضم، (قلنا: تضعيف ثان أو ان الياء آخره): قلما نقل عن العرب، لم يسمع منه إلا كلمة واحدة، فإذا أردت أن تأتي بالسجية منه، ماذا تصنع بها؟ فإنك تأتي بها على وزن (فعِل)؛ لأن الأصل في معانيها أن يعبر عنها (بفعُل)، ولكن (فعُل) في يائي اللام متعذرة؛ لأنه لم يسمع منها إلا كلمة واحدة، فتنقلها إلى (فعِل) بالكسر، وذلك مثل: (حَيِيَّ، وعَيِيَّ وغَنِيَّ)، فهذه كلها على وزن (فعِل) بالكسر، مع أنها في الأصل لفعُل؛ لأنها من معاني السجايا والجبلة، (حَيِيَّ) معناه: اتصف بصفة الحياء، وهي من الجبلة، و(عَيِيَّ) معناه: اتصف بصفة العِيِّ، والعِي هو: حصر اللسان، وعدم القدرة على التعبير، وهذا من السجايا أيضًا والجبلة، و(غَنِيَّ) المقصود بها: غنى النفس، (إنما الغنى غنى النفس)، كما جاء في الحديث، فلا يقصد بها كثرة العرض، ليس الغِنَى عن كثرة العرض، ومن أجل هذا كانت جبلة وسجية، بعض الناس غَنِيٌّ بطبعه، حتى لو كان فقيرًا، فإنه غني، فهذه كلها يائيةُ اللام، ويائيةُ العين أيضًا، وذلك نادر في (فعُل) بالضم، لا يمكن أن تأتي يائية اللام فقط، أو يائية العين فقط، إلا في كلمتين كما سبق، فضلًا عن أن تجمع الأمرين معًا؛ فلهذا قال: (لشدة الثقل)؛ لأنك لو قلت: (حَيُيَ) و(عَيُيَ) و(غَنُيَ) لكان هذا شاقًا جدًا في النطق.
(كما ناب عنه (فعَل) بالفتح في المضعف) هذا استطراد وذِكرٌ للنظائر، فيقول: إن (فَعَل) بالفتح تنوب عن (فعُل) بالضم أيضًا في المضعف؛ لأن التضعيف في (فعُل) نادر كما سبق، حيث قلنا: (تضعيف ثان قلما نُقل عن العرب): وذكرنا انحصاره في (لَبَّ) و(فَكَّ) و(شَرَّ) و(ضَبُبَتِ الأرض) و(عَزَّتِ الناقةُ) فقط، أفعال محصورة، فإذا أردت أن تأتي بالسجايا التي هي في الأصل (لفعُل) بالضم من المضعف، فإنك تأتي بها على وزن (فعَل) بالفتح؛ لأن (فعَل) تنوب عن (فعُل) في ذلك، مثل ماذا؟ مثل: (جَلَّ وقَلَّ وعَزَّ وذَلَّ وعَفَّ وخَفَّ ورَقَّ ودَقَّ)، فـ(جَلَّ) بمعنى: عظم، وهي في الأصل سجية؛ ولهذا فإن تفسيرها على وزن (فعُل)، (عظُم) من السجايا، فتأتي على وزن (فعُل)، لكن جَلَّ بمعناها، لما كانت مضاعفة تعذر مجيئها على وزن (فعُل) فأتينا بها على وزن (فعَل) بالفتح.
و(قَلَّ) كذلك من القلة، والقلة جبلة، مثل: الطول والقصر ونحوهما كما سبق، و(عَزَّ) من العزة، وهي جبلة أيضًا، و(ذَلَّ) ضدها أيضًا، و(عَفَّ) من العفة، وهي صفة نفسية أيضًا من الجبلة، و(خَفَّ) معناه: أصبح خفيفًا على النفس، وليس المعنى خفيف الجسم، وإذا كان خفيف الجسم أيضًا، فإنها جبلة؛ لأنها مثل: (طال) و(قَصُرَ) و(حَسُن) و(قَبُح)، و(رَقَّ) كان رقيقًا، و(دَقَّ) كذلك كان دقيقًا، الدقيق والرقيق، الفرق بينهما: أن الرقيق ما كان في استطالة، والدقيق ما كان متجزئًا.
(وفي اليائي عينًا كطاب لذلك)؛ يقول: إن اليائي عينًا تنوب فيه (فعَل) بالفتح أيضًا عن (فعُل) بالضم، مثل: (طاب)، الطَّيْبُ جبلة أيضًا، طاب فلان طابت نفسه وطاب قلبُه هذه جبلة، ولكنها يعبر عنها (بفعَل) بالفتح فتنوب عن (فعُل) بالضم، لماذا؟ لأن (فعُل) بالضم لا تأتي من اليائي عينًا إلا نادرًا كما أنها كلمة واحدة؛ (لذلك) معناه: لشدة الثقل، ذلك إشارة للعلة التي سبقت، وهي شدة الثقل، فينبغي أن تتذكرها، لو قيل لك: (لذلك) ما معناها؟ فتقول: لشدة الثقل؛ أي: للعلة التي سبقت معنا، وهي شدة الثقل.
و(هن بالفتح)، بالنسبة لـ(جل) و(قل) و(عز) و(ذل) و(عف) و(خف) و(رق) و(دق) و(طاب) ما أوزانها؟ الأفعال الأولى مضعفة، خفي شكل عينها، والفعل الأخير، وهو (طاب) معتل، فخفي شكل عينه، فكيف نجزم بأنها على وزن (فعَل) بالفتح؟ قال: (وهن بالفتح للآتي) معناه: دليل ذلك المضارع، فإن (جَلَّ) مضارعها (يَجِلُّ)، و(قَلَّ، يَقِلُّ) و(عَزَّ، يَعِزُّ) و(ذَلَّ، يَذِلُّ) و(عَفَّ، يَعِفُّ) و(خف، يخِفُّ) و(رق، يَرِقُّ) و(دق، يدِقُّ) و(طاب، يطيب)، فكلها مضارعها بالكسر، فلو كانت على وزن (فعُل) بالضم لكان مضارعها بالضم، ولو كانت على وزن (فعِل) بالكسر لكان مضارعها بالفتح، فهذا الدليل على أنها على وزن (فعَل) بالفتح؛ فلذلك قال: (وهن بالفتح للآتي)، (الآتي) معناه: المضارع، وهذا مصطلح صرفي، يقال: (الآتي) معناه: الفعل المضارع؛ لأنه يدل على الاستقبال، يدل على الآتي من الزمان.
(ونائبات كاليائيات؛ لأن الكل سجايا) نحن ذكرنا أولًا دعوى، وهي أنها على وزن (فَعَل) بالفتح فذكرنا دليلها، ذكرنا دعوى أخرى، وهي أن (فعَل) نائبة فيها عن (فعُل) بالضم، كما ذكرنا من قبل أن (فعِل) نابت عن (فعُل) بالضم في (حَيِيَّ) و(عَيِيَّ) و(غَنِيَّ)، فما دليل ذلك؟ هذه دعوى، قال: (ونائبات كاليائيات؛ لأن الكل سجايا)،معناها: وهن (نائبات) نابت فيهن (فعَل) بالفتح عن (فعُل) بالضم (كاليائيات) معناه: كما نابت (فعِل) بالكسر عن (فعُل) بالضم في اليائيات التي سبقت وهي: (حَيِي)، و(عَيِي)، و(غَنِي)، يائيات معناها: اليائي لامًا؛ (لأن الكل سجايا) دليل هذه الدعوى أن الجميع سجايا، مما يدل على الجبلة التي هي من معاني (فعُل) بالضم، هذا الدليل الأول، الدليل الثاني هو قوله: (ووصفُها على فعِيل أو فيْعل أخيه كطيب)، (ووصفها) ولأن وصفها على وزن (فعيل)، و(فعيل) من أوصاف (فعُل) بالضم؛ لأن (فعُل) بالضم لها وصفان في الأصل: إما أن تكون على وزن (فَعْل)، وإما أن تكون على وزن (فعيل)، فما كان مصدره (فُعُولة) فإن وصفه على وزن (فَعْلٍ) وما كان مصدره (فَعالةً) فإن وصفه على وزن (فَعيل)، مثل: (سَهُلَ سُهُولة) فهو سَهْلٌ، و(صَعُبَ صُعُوبة) فهو صَعْبٌ، ومثل: (نَظُفَ نَظَافة) فهو نَظِيفٌ، وهكذا؛ فلهذا قال: (ووصفها على فعيل)، هذا خطأ مطبعي هنا (وصفها على فعيل أو فيعل أخيه كطيب).
الوصف منها يأتي على وزن فعيل، مثل ماذا؟ مثل: (حيي) و(عيي) و(غني)، ومثل: (جليل)، و(قليل)، و(عزيز)، و(ذليل)، و(عفيف)، و(خفيف)، و(رقيق)، و(دقيق)، و(طيب)، فالأولى كلها وصفها على وزن (فَعِيل) و(طيِّب) ليست على وزن فعيل، لكنها على وزن (فيْعل)، و(فيْعل) لا يعرف مقيسًا في أي وصف، لا يعرف مقيسًا في (فعَل) ولا في (فعِل) ولا في (فعُل)، لكن قال: إن فيعلًا أخو فعِيل، فهو أقرب الأوزان إليه؛ فلذلك نلحقه به؛ لهذا قال: (أو فيعل أخيه كطيب).
(ونقلًا عن بنا فعُلا)، (ونقلًا)، ويجي مغن عن بناء فعُل نقلًا، معناه: ويجيء الثالث الذي هو (فعِل) بالكسر مغن عن بناء (فعُل)، فتنوب (فعِل) بالكسر عن (فعُل) بالضم نقلًا فقط، معناه: من غير أن يكون ذلك على قاعدة، بل في الفرش في بعض الأفعال، وهو من المنقوص الذي يجوز فيه ذلك، الأصل أن يقول: مُغْنِيًا، لكنه يجوز أن تقول هذا في مثله.. يجوز في المنقوص أن يأتي منقوصاً في كل الأحوال في النصب وغيره، وهي لغة من لغات العرب.
وذلك مثل: (قَوِيَ قُوة، ونَقِي نَقَاوة، وسَمِن سِمَنًا)، فـ(قَوِي)، و(نَقِي)، و(سَمِنَ) كلها من السجايا؛ لأن (قَوِيَّ) من القوة، وهي خِلقة وجبلة، و(نَقِيَّ) من النقاوة، وهي خلقة وجبلة أيضًا، فالأصل أن يكون الشيء نقيًا صافيًا، وكذلك (سَمِنَ، سِمَنًا)، فهي مثل: (طال)، و(قَصُرَ)، و(حَسُن) و(قَبُح)، سواء كانت في أصل الخلقة، أو تجددت فأصبحت كالطبع، (أو كالذي عليه قد جُبلا)، فكل ذلك من معاني (فعُل) بالضم، لكن نابت عنها (فعِل) بالكسر فيها، لماذا؟ (للوصف) دليل ذلك الوصف؛ لأن (قوي) وصفها على وزن (قَوِيٍّ)، وهذا وصف (فعُل) بالضم، و(نقي) وصفها على وزن (نَقِيٍّ)، وهذا وصف (فعُل) بالضم، و(سَمُن) وصفها على وزن (سمين)، وهذا وصف (فعُل) بالضم، (ولأنها بمعنى: متن، ونظف، وشحم).
الدليل الثاني على أنها نابت فيها (فعِل) عن (فعُل): أن العرب استعملوا لهذه المعاني ألفاظًا على وزن (فعُل)، فـ(متُن) مثل: (قوي)، و(نظُف) مثل (نقي)، و(شحُم) مثل (سمن)، وكلها على وزن (فعُل) بالضم؛ فدل هذا على أن (فعِل) نابت فيها عن (فعُل)، لكن كان اللازم أن يذكر هنا (سمن) فقط؛ لأن (قوي) و(نقي) كلتاهما من اليائي لاماً، فكان الأفضل أن يذكرهما مع (حيي) و(عيي) و(غني)، الحرف الأخير منه ياء، فهذا نادر في (فعُل) بالضم، ذكرنا أنه لم يرد فيه إلا كلمة واحدة هي (نهو).
ثم جاء بالمعنى الثالث من معاني (فعِل) بالكسر، فقال:
والطبع واللون والأعراض جاء لها وللجسامة فالتقصير فيه علا
يقول: إن (فعِل) بالكسر تأتي للطبع، والطبع قريب من معنى الجبلة الذي سبق في (فعُل) بالضم، وهو ما يكون من الأوصاف دالًا على الحسن أو القبح، فتقول: (شَنِبَ فلان) من الشنب، والشنب: شدة بياض الأسنان، و(فَلِجَ) من الفلج، وهو تباعد النبتة بين الأسنان بالقدر الذي يحسن فقط، وكذلك (حَوِلَ) بمعنى: اعوجَّ نظرُه، كان نظره أقبل أو أدبر، فما كان نظره إلى الأمام أو إلى الخلف يكون نظره غير مستقيم، فهذا عيب من العيوب، فيأتي على وزن (فعِل) بالكسر.
المعنى الرابع هو قوله: واللون؛ أي: تأتي (فعِل) دالة على الألوان أيضًا، فالأصل في الألوان أن تأتي على وزن (فعِل)، وذلك كدكِن، فالدكنة لون يضرب إلى السواد، بين الحمرة والسواد، والكهبة: لون يميل إلى الغبرة أيضًا؛ كَهِب والأكهب: قريب من الأغبر.
المعنى الخامس من معاني (فعل) بالكسر: هو قوله: (وللأعراض)، فإن (فعِل) تدل على الأعراض، والعرض: ما يطرأ ويزول، والمقصود به: ما يشبه الأمراض، وما يحل من الحوادث، فتقول: (مرض)، و(فرح)، و(أشر)، معناه: اتصف بهذا العرض، (مرِض) على وزن فعل بالكسر؛ لأن المرض عرض يطرأ ويزول، وكذلك (فرِح) من الفرح: وهو عرض يطرأ ويزول، و(أشِر) معناه: ازداد فرحه، الأشَر: الفرح الشديد، ولا يكون إلا عن غفلة؛ ولذلك هو غير محمود مطلقًا، الفرح بعضه محمود: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ[الروم:4-5]، لكن الأشَر لا يكون محمودًا أبدًا، فكلها على وزن فعل بالكسر، وكلها للدلالة على الأعراض، (جاء لها)؛ أي: جاء فعل بالكسر، (لها)؛ أي: لهذه المعاني.
(وللجسامة): وهذا المعنى السادس من معاني فعل بالكسر هو الجسامة؛ (أي: كبر الأعضاء)؛ فإن فعل تستعمل للدلالة على ذلك، مثل (ذقِن) معناها: كان ذقنه كبيرًا، والذقن: مجتمع اللحيين، اللحي: هو عظم الحنك الأسفل، وجمعه ألحٍ للقلة، وأما اللحية: فهي جمع الفكين معًا، الفك الأيمن والأيسر، فما نبت عليهما يسمى لحية، وجمعها (لُحًى) بالضم أو (لِحًى) بالكسر؛ ولهذا يقول ابن المرحل:
واللحي عظم الفك وهو الأسفل واجمع على ألحٍ إذا تقلل
ولحية بالكسر والجمع اللِحى بالكسر إن شئت وإن شئت اللُحى
وأما الذَّقَن: فهو مجتمع اللحيين، فتقول: (ذقِن): ما كان ذقنه كبيرًا، و(أذِن) معناها: كانت أذنه كبيرة، ويطلق على من يستمع إلى الحديث استماعًا مستميتًا، يقال: أذِن لحديثه، معناه: استمع له استماعًا كاملًا، ومنه قول الشاعر:
إن يسمعوا سبةً طاروا بها فرحًا عني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرًا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذِنوا
استمعوا إليه استماعًا مستميتًا، وكبرت آذانهم، هذا النوع من أنواع العداوة يحصل..
لكن يقع حسيًا، يقال: أذِن فلان، معناه: كانت أذنه كبيرة، و(ألي) معناه: كانت إليته كبيرة، و(رئِس) معناه: كان رأسه كبيرًا، و(عجِز) معناه: كان عجزه كبيرًا، وهذه يغلط فيها كثير من الناس، لا يميز بين عجَز، وعجِز..
(عجِز) بمعنى: كبرت عجيزته، مؤخرته، ومصدرها العجَز بالفتح؛ ففعِل بالكسر مصدرها فعَل، (فرِح، فرحًا)، (عجِز عجَز)، أما العجْز بالإسكان: فهو مصدر عجَز.
وكذلك: (شدِق) أيضًا، إذا مال شدقه، أو كان شدقه كبيرًا، ومنه الأشدق وهو عمرو بن سعيد؛ لأنه كان أحد شدقيه أكبر من الآخر.
(وقد تشارك فعُل كــأدُم وسمُر وعجُف وحمُق ورعُن) بعد أن ذكر هذه المعاني لفعِل بالكسر، ذكر أن فعُل قد تشاركها، فتجتمع معها في بعض ما تأتي له، لكن قد يكون الأصل مع فعِل، وقد يكون الأصل مع فعُل، تشتركان في بعض المعاني، لكن قد يكون الأصل لفعِل، وقد يكون لفعُل، وذلك مثل: (أدُم) و(سمُر) و(عجُف) و(حمُق) و(رعُن)، وقد عد الحضرمي خمسين فعلًا تقريبًا في شرحه من هذا النوع، الذي فيه لغتان: لغة على وزن فعِل، ولغة على وزن فعُل.
فـ(أدُم) من الألوان، فالأصل فيها لفعِل بالكسر، فأدِم أفصح من أدُم؛ لأن أدِم للون على وزن فعِل، لكن فيها أدُم أيضًا، وكذلك (سمِر) فيها سمِر وسمُر، لكن الأفصح فيها (سمِر)؛ لأنها من الألوان، والألوان الأصل فيها أن تكون على وزن فعِل، كذلك (عجُف) فيها أيضًا (عجِف)، لكن (عجُف) أفصح؛ لأنها من الجبلة.. السجايا فهي فعُل، وكذلك (حمُق) فيها (حمِق) أيضًا، لكن حمُق أفصح؛ لأنها من السجايا، وكذلك (رعُن) وهي بمعنى (حمُق)، ففيها (رعِن) و(رعُن) لكن (رعُن) أفصح؛ لأنها من السجايا.
(فالتقصير فيه... علا)، معناه: فبسبب ما ذكر، (علا) معناه: (غلب)، (التقصير فيه)؛ (أي: اللزوم)، التقصير معناه: اللزوم، كونه قاصرًا، معناه: غير متعدٍ، فالمتعدي هو الواقع، واللازم هو القاصر، فيقول: إن القصور؛( أي: اللزوم) في فعِل بالكسر غلب (على التعدي)، فـفعِل تأتي متعدية، وتأتي لازمة، لكن اللزوم فيها أكثر من التعدي. نحن ذكرنا من قبل في فعُل بالضم: أن التعدي فيها نادر، وأنه لا يأتي إلا إذا كان مؤولًا بفعل آخر، أما فعِل بالكسر، فتأتي متعدية مثل: (علِم) و(شرِب): علمه، وشربه، وتأتي لازمة مثل: (فرِح) و(أذِن) و(حيِي) و(عيِي) و(غلِي).. إلخ، لكن اللزوم فيها أكثر من التعدي، فالتعدي فيها قليل؛ ولهذا قال: (فالتقصير فيه... علا)؛ أي: غلب على التعدي، التعدي مثل: (شرِب) و(علِم)، وهو نادر، والقصور فيها كثير، وكل الأمثلة التي ذكرناها قاصرة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر