إسلام ويب

شرح متن الرحبية [7]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مسائل الفرائض ميراث المطلقة، فالمطلقة إما أن تكون رجعيةً في عدتها، فهذه ترث بالاتفاق، أو أن تكون مطلقةً طلاقاً بائناً في صحة، أو طلقها وهو مريض مرضاً غير مخوف ليس متصلاً بالموت، فإنها حينئذ لا ترث، وإما إذا طلقت في مرض مخوف متصل بالموت فلها حالتان: إما أن يكون طلاقها من قِبله، وإما أن يكون من قِبلها، فإن كان طلاقها من قبله هو ففيها خلاف بين العلماء والراجح: أنها لا ترث مطلقاً، وإن كان طلاقها من قبلها هي بأن خالعته، أو حصلت لها ردة، أو نحو ذلك، فإنها لا ترث.

    1.   

    هل ترث المطلقة طلاقاً بائناً

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    وعدناكم في نهاية الدرس الماضي بإجابة أسئلتكم، فلعلنا نبدأ بها إن شاء الله تعالى في هذه الليلة.

    السؤال: هل المطلقة طلاقاً بائناً في صحة أو مرض غير مخوف ترث سواءً كانت في العدة أم لا؟

    الجواب: لا، فالمطلقة طلاقاً بائناً في صحة أو في مرض غير مخوف لا ترث مطلقاً، نحن ذكرنا أن المطلقة إما أن تكون رجعيةً في عدتها، فهذه ترث بالاتفاق، أو أن تكون مطلقةً طلاقاً بائناً في صحة، معناه: طلقها وهو صحيح، أو طلقها وهو مريض مرضاً غير مخوف ليس متصلاً بالموت، فإنها حينئذ لا ترث، وأنها إذا طلقت في مرض مخوف متصل بالموت لها حالتان: إما أن يكون طلاقها من قِبله، وإما أن يكون من قِبلها، فإن كان طلاقها من قبله هو فهذه التي ذكرنا فيها الخلاف بين العلماء، وإن كان طلاقها من قبلها هي بأن خالعته، أو حصلت لها ردة، أو نحو ذلك، فإنها لا ترث، أما إذا كان طلاقها من قبله هو فقد ذكرنا فيها أربعة أقوال، وذكرنا أن الراجح عند الشافعي: أنها لا ترث مطلقاً سواءً كانت في العدة أو في غيرها، سواءً نكحت غيره أو لا، سواءً ارتدت أو لا، وأن هذا هو القول المشهور في المذهب الشافعي، وبه الفتوى لدى الشافعية.

    والقول الثاني: أنها ترث مطلقاً، ولو خرجت من عدتها، ولو تزوجت غيره، ولو ارتدت ثم رجعت للإسلام، وهذا مذهب المالكية.

    والقول الثالث: أنها ترث ما دامت في عدتها، وهذا مذهب الحنفية.

    والقول الرابع: أنها ترث ما لم تتزوج غيره أو ترتد، وهذا مذهب الحنابلة.

    هذه أربعة أقوال في المطلقة طلاقاً بائناً في مرض الموت، أو مرض متصل بالموت إذا كان الطلاق من قبل الرجل، والصور الأخرى ليس فيها إشكال أصلاً؛ لأنها لا خلاف فيها، وهي المطلقة الرجعية في عدتها، فهذه ترث بالاتفاق، والمطلقة البائن في غير مرض الموت، أو في مرض غير متصل بالموت، أو في صحة أصلاً، سواءً كانت في عدتها أو انتهت عدتها فإنها لا ترث، والمطلقة في مرض مخوف متصل بالموت إذا كان طلاقها من قبلها هي بأن خالعته فهو لا يتهم على إخراج وارثه، فإنها لا ترث أيضاً.

    1.   

    الفرق بين القسمين في المطلقة طلاقاً بائناً

    السؤال: ما الفرق بين هذا القسم والقسم الثاني، وهي المطلقة طلاقاً بائناً، التي لا يتهم فيها الرجل بإخراجها، إنما طلقت بناءً على رغبة خاصة لديها، فكلتاهما لا ترثان، بمعنى: هل يختلف حكم القسم الثاني على القسم الرابع؟

    الجواب: نعم يختلف القسم، وقد ذكرنا ذلك، فهذه مطلقة في صحة أو في مرض غير مخوف، والأخرى مطلقة في مرض الموت، فهي أقرب إلى المطلقة في مرض الموت التي طلقها هو من قِبل نفسه يريد بذلك إخراج وارث.

    1.   

    هل يُعَدُّ الخلع طلاقاً؟

    السؤال: هل يسمى الخلع أصلاً طلاقاً بائناً إذا اعتبرنا أن المخالعة لا تعود لمن خالعته إلا بعقد جديد؟

    الجواب: إن الخلع مختلف فيه: هل هو طلاق بعوض كما هو مذهب المالكية، أو هو فسخ كما هو مذهب الحنابلة وهو أيضاً عند الشافعية، فعموماً الخلع مختلف فيه: هل هو طلاق أم لا؟ والذين يرون أن فرقة النكاح إذا كانت في حياة الزوجين -أي بغير الموت- فلا تكون إلا بطلاق يرون الخلع طلاقاً، ويجعلون هذا النوع من الطلاق طلاقاً بعوض، فهو طلاق بعوض؛ أي: بمقابل عوض، سواءً كان ذلك العوض متمولاً، كالشيء المملوك، كما إذا خالعته بصداقها، كما هو الحديث في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ثابت بن قيس بن شماس وزوجته جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فإنه سألها عما أعطاها، فذكرت حديقةً، فقال: ( ردي عليه الحديقة، وطلقها تطليقة )، فهذا الخلع بالصداق.

    أو بغير متمول، كما إذا خالعته بحضانة أولادها مثلاً، فهذا الحق في الحضانة ما دامت لم تتزوج لها هي إذا توافرت فيها شروط الحاضن فهذا حق لها غير متمول، فلها أن تخالع به، فإذا خالعته بحضانة أولادها صح الخلع، وكذلك لو خالعته بغير متمول، وهو شيء موجود، كما إذا أمسكت حبةً من الأرز في يدها فقالت: أخالعك على ما في يدي، فقبل ذلك، فإذا هي حبة واحدة من الأرز مثلاً، فالخلع قد مضى وخسر هو، لكن إذا قالت: أخالعك على ما في يدي وليس في يدها شيء، ففتحت يدها، فإذا هي خالية، فالخلع لم يحصل، واختلف إذا كان ما في يدها موجوداً ولكنه ليس من جنس المال، كما إذا أمسكت ذبابةً أو بعوضةً، فقالت: أخالعك على ما في يدي، ففتحت يدها، فإذا فيها بعوضة أو ذبابة، فقال بعض أهل العلم: يلحق هذا بالشيء اليسير من المتمول من جنس ما يتمول، كحبة الأرز أو القمح، وقال آخرون: بل هو كالعدم، فلا يحصل معه الخلع.

    1.   

    حكم القاتل المخمور

    السؤال: ما الحكم في القاتل المخمور هل يسمى قتله عمداً، أو خطأً، أو شبه عمد؟ وهل يعاقب على قتله وسكره أم لا؟

    الجواب: أن الذي شرب الخمر عمداً -تعمد أن يشرب الخمر، أدخل السكر على نفسه- فتصرفاته مضمونة؛ أي: أنه تقام عليه الحدود التي ارتكبها، لكن لا يلزمه الإقرار ولا العقود، وهذا هو الراجح في المسألة، وفيها أقوال أخرى، فالقاعدة: أن السكران لا يلزمه الإقرار ولا العقود، ولكن يلزمه ما جنى وتلزمه الحدود، وهذه التي يقول فيها القواعديون:

    لا يلزم السكران إقرار عقود بل ما جنى عتق طلاق وحدود

    فإذا قتل فإنه يقتل بمن قتله؛ لأن قتله عمد، إذا تعمد الضرب، تعمد القتل فهو قاتل، فيقتل بمن قتله؛ وذلك سداً للذريعة؛ لئلا يدعي كل من أراد القتل أنه سكران، فسدت الذريعة على ذلك.

    1.   

    هل يجوز الدعاء بهداية الكافر؟

    السؤال: هل يسوغ في الدعاءِ الدعاءَ بهداية الكافر عموماً؟

    الجواب: نعم، يدعو الإنسان لمن أحبه من الكفار حبّاً طبعياً، كأقاربه منهم وأصحابه ومن أحسن إليه يدعو له بالهداية والدخول في الإسلام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لعدد من الناس بالدخول في الإسلام فأسلموا، كأم أبي هريرة رضي الله عنهما، وكـعمر بن الخطاب وعدد من الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام فردياً وجماعياً كدعائه لثقيف قال: ( اللهم اهد ثقيفاً، وائتني بهم مسلمين ) فأسلموا جميعاً.

    أما الحديث الذي ذكر في السؤال، وهو أنه دعا أن يعز الله الإسلام بأحد العمرين، فهذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج.

    1.   

    نصائح لمن يريد طلب العلم

    السؤال: هل من نصائح لمن يريد عبادة الله على بصيرة وعنده ملكة الحفظ، والكتابة، والاستنباط، ويريد استثمارها حول متون يحفظها وعلوم يلم بها، فماذا عليه أن يفعل؟ وما أولى العلوم بذلك؟ وما الأفضل له؟

    الجواب: أن العلوم لا تؤخذ إلا عن شيوخ، ومن يريد تلقيها عن طريق الكتب لا بد أن يزل زلات كثيرةً، وقد قال أبو حيان:

    يظن الغمر أن الكتب تهدي أخا فهم لإدراك العلوم

    وما يدري الجهول بأن فيها غوامض حيرت ذهن الفهيم

    إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم

    وتلتبس الأمور عليك حتى تصير أضل من توما الحكيم

    فلا بد أن يدرس الإنسان عن الشيوخ، والشيوخ ينصحون، ويختارون، وينتخبون، فيرتبون للإنسان الأولويات، ويبصرونه بما عليه أن يدرسه، فكل حالة حينئذ تنفرد بجواب، ولكل مقام مقال.

    1.   

    حكم قول المرأة للعالم: أحبك في الله

    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تفصح عن محبتها لعالم كأن تقول له: أحبك في الله؟ وهل يختلف حب الرجل في الله وحب المرأة؟

    الجواب: أن الحب في الله، معناه: أن يحب الإنسان من يظن أنه يحب الله، أو رأى منه ما يدل على ذلك، كما إذا رأى منه صدقاً، أو وفاءً، أو عبادةً، أو نحو ذلك، فإنه يحبه لله جل جلاله، وهذا الحب لا يختص به جنس دون جنس، بل من رآه الإنسان أهلاً لذلك يحبه، فنحن الآن نحب جبريل و إسرافيل و ميكائيل، حبّاً شديداً، ونحب جميع أنبياء الله، ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحب آل بيته، ونحب أزواجه أمهات المؤمنين، ونحب أئمة العلوم -أئمة الدين- حبّاً شديداً، فهذا الحب الذي هو إجلال، وتقدير، وتوقير، وتعلق قلب بهم، فكل إنسان منكم الآن يحب عدداً كبيراً من الذين لم يرهم قط أشد مما يحب أبويه، وإخوته وأهل بيته، فيحب مثلاً أمهات المؤمنين أشد مما يحب أمه التي ولدته، ويحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما يحب والده وإخوته، وهكذا حبه للأنبياء، وحبه للملائكة الكرام، وحبه للصالحين المحبين لله، وهذا حب يختلف عن الحب الفطري الذي يقع في فطرة الإنسان وخليقته، فهذا الحب الفطري قد تتعلق نفس الإنسان بكافر، ولا يكون ذلك منافياً للبراء منه، فهو يبرأ من دينه، ولكنه يحبه حباً فطرياً، فالمؤمن يجوز له أن يتزوج نصرانيةً أو يهوديةً، ولا يمكن أن يقال: يجب عليك بغضها، ويحل لك زواجها، فهذا مستحيل، لكن الحب حينئذ حب فطري لا حب ديني، فالحب لله هو الحب الديني.

    أما الحب الطبعي والفطري: فهو ملاءمة الطبع، وقطع منافرته، ووصف الكمال لدى الإنسان، فهذا إذا حصل حصلت به المحبة الفطرية، أحبكم الله أجمعين. نسأل الله أن يوفقنا ويرشدنا إلى الطريق الحق.

    1.   

    كيفية أداء التاجر ديونه حال خسارته

    السؤال: تاجر كان يعمل في السنغال واقترض بعض النقود من تاجر آخر، لكن خسر تجارته بسبب أحداث ألف وتسعمائة وتسع وثمانين فهل عليه قضاء ما اقترض من التاجر؟

    الجواب: نعم، الذمة إذا عمرت بمحقق لا تبرأ إلا به، فمن تحمل ديناً من مسلم أو غيره فيجب عليه الوفاء، وتوصيل الأمانات إلى أهلها، وقد أمر الله بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، وهذه الأمانات تشمل الديون، فكل من في ذمته دين لإنسان عليه أن يؤدي إليه الدين قبل أن تقع المحاصة والخصومة بين يدي الله جل جلاله، وإذا لم يعرفه، أو لم يجده ولم يتوصل إليه بأي وجه فإن وجد من له به صلة أو لديه وكالة منه أو نحو ذلك فهو ناقل شرعي معتبر، فيوصل إليه الدين، وإن لم يجد سلمه إلى القاضي إن كان في بلد فيه قاض معتبر، وإلا فقالت طائفة من أهل العلم: يتصدق به عنه، وقالت طائفة: بل يتركه لديه، ويكتب في وصيته أن هذا المال لفلان الفلاني، ويعرفه بما يعرف به، وإذا تصدق عنه بالمال فجاء يطلبه في أي وقت من الأوقات فإن ذلك لا يسقط حقه بل يقضيه، وتكون الصدقة في ميزان حسناته هو.

    1.   

    معنى (لا إله إلا الله)

    السؤال: من معاني لا إله إلا الله: لا موجود بحق إلا الله، هل من مستدل لهذا؟

    الجواب: لا، فالقائل موجود، والسائل موجود، والمجيب موجود، فإنكار وجود الموجودات مكابرة، فليس هذا من معنى لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، معناه: لا معبود بحق إلا الله، لا يستحق أحد أن يعبد لجماله وكماله وإحسانه وإنعامه وخلقه ورزقه إلا الله جل جلاله، فهذا هو معنى لا إله إلا الله، وفي هذه الجملة الشريفة نفي الشريك، ونفي التعدد عن الله سبحانه وتعالى، ففيها إثبات الوحدانية الذي هو التوحيد والربوبية، وفيها إثبات توحيد الإلهية؛ أي: العبادة لله، ونفي التعدد في مستحق العبادة، ويشمل ذلك الدعاء والنذر والتشريع وغير ذلك من خصائص الإلهية، فخصائص الإلهية هي العبادة والتعبيد في التسمية -عبد فلان- وكذلك الدعاء بالتوكل ونحوه، وكذلك التشريع لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وكذلك محبة الإلهية، وهي المحبة الخاصة التي هي ثمرة من ثمرات العبادة، كما قال الله تعالى: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

    1.   

    حكم من أفطر في رمضان في أول بلوغه

    السؤال: هذا يقول: قال لي صديقي: إننا أكلنا وشربنا في رمضاننا الأول، ولم أتذكر ما قال لي في بداية الأمر، لكن مع الوقت بدأت وكأن ما قاله حق، مع أنني لم أكن مقتنعاً بصومي لذلك الشهر، مع أنني بالغ حينها، فماذا علي؟

    الجواب: أن من كان ناقص العقل في أول بلوغه ولم يكن مقدراً للتكليف ولا ملماً بكثير من الأحكام فحصل منه مثل هذا النوع من الغلط عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يستغفر، وأن يقضي الصوم في تلك الأيام، وإذا كفر فذلك احتياط وهو أولى، وإذا لم يكفر فلا أراها واجبةً عليه في مثل هذه الحالة؛ لأنه معذور بجهله ولم ينتهك في الواقع بقصده، فالاحتياط أن يكفر، والمذهب الحنفي أن كفارةً واحدةً تكفي عن رمضان؛ لأنه عبادة واحدة في هذا الجانب حتى لو أفطر فيه جميعاً جهلاً أو عدم إدراك للمسئولية.

    1.   

    ما يجب على المستمني في نهار رمضان

    السؤال: يقول: استمنيت في رمضان الأول أو الثاني، فماذا يجب علي؟

    الجواب: يجب عليه القضاء والكفارة، فيصوم يوماً مكان اليوم الذي استمنى فيه إذا كان ذلك في النهار، وتجب عليه الكفارة أيضاً وهي إطعام ستين مسكيناً، وهي على التخيير في الخصال الثلاث التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لـسلمة بن صخر، فإنه أمره أن يعتق رقبةً، أو أن يصوم شهرين متتابعين، أو أن يطعم ستين مسكيناً، ( فلما أمره أن يعتق رقبةً ضرب عارض عنقه بيده وقال: والذي بعثك بالحق لا أملك غير هذه، فأمره أن يصوم شهرين متتابعين، فقال: وهل وقعت فيما وقعت فيه إلا من الصيام، فأمره أن يطعم ستين مسكيناً، فقال: والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يجلس، فجاءت امرأة من الأنصار بعرق من تمر -وهو مكتل يتخذ من سعف النخل- وفيه ستون مداً، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به ).

    وفي بعض الروايات أنه قال: ( أعلى أحوج منا؟ فأمره أن ينفقه على أهله ).

    1.   

    خروج المذي ملزم للقضاء والكفارة

    السؤال: كنت صائماً في رمضان، وجاءتني فتاة وبعد لمسي لها لاحظت مذياً خرج مني ماذا علي؟

    الجواب: نفس الشيء إذا أحس الإنسان باللذة فاستمر عليها حتى انكسرت بمذي، فإن ذلك ملزم للقضاء والكفارة، وإذا أحس باللذة فقطعها، ثم خرج مذي بعد ذلك فإن ذلك لا يلزمه بالكفارة، ولكن يلزمه القضاء به فهذا الفرق في المذي، فالمذي إذا كان استدعاؤه بتعمد فأحس الإنسان باللذة فاستمر حتى انكسرت عن مذي؛ فإنه يلزمه القضاء والكفارة، وإذا أحس باللذة فانقطع عنها وخرج المذي فإنه يلزمه القضاء ولا تلزمه الكفارة.

    1.   

    زيارة النساء للقبور

    السؤال: ما صحة الحديث بزائرات القبور بأنهن ملعونات في الحديث الذي أخرجه الترمذي علماً بأنني أتتبع دروسكم، وقلتم: بأن زيارة القبور للنساء جائزة؟

    الجواب: بالنسبة لهذا الحديث كان في صدر الإسلام عندما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور وكان ذلك شاملاً للرجال والنساء، وقال للنساء: ( ارجعن مأزورات غير مأجورات )، وهذا الحديث فيه لعن زوارات القبور من النساء، وليس فيه لعن زائرات القبور، فالزائرات اللاتي زرن مرةً واحدةً ولم يكثر ذلك منهن، والزوارات اللواتي يكثرن ذلك، ولكن آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم أمره بزيارة القبور، وأنها تذكر الآخرة، والنساء يحتجن إلى تذكر الآخرة أكثر من حاجة الرجال إلى ذلك لقوة عاطفتهن وحاجتهن إلى الموعظة، وترقيق القلوب، ولذلك وقف عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في العيد، فقال: ( يا معشر النساء! تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار )، فوعظهن وذكرهن.

    وفي حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما تقول إذا زارت القبور؟ ) فعلمها ذلك، وهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة على زيارة القبور، وهذا دليل على جواز زيارة القبور للنساء.

    وكذلك في الصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى المقبرة في آخر الليل في ليلة عائشة وقد اضطجع فظنته نام وقد أجاف الباب قليلاً، فلما ظن أن عائشة نامت انسل من الفراش بسهولة، فأدخل رجليه في نعليه، وأجاف الباب بلطف، فانطلق إلى المقبرة، فاستيقظت عائشة فتبعته فرأته جاء حتى وقف عند رءوس الأموات ودعا، فلما أراد أن ينصرف انطلقت مسرعةً حتى وصلت إلى البيت فدخلت فاضطجعت في الفراش، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سألها فقال: ما لك حشيا رابية؟ -أي: تحسي بالربو أو تقارب الزفرات_ فأخبرته أنها خرجت في إثره فقال: أأنت السواد الذي رأيت؟ -معناه: هل أنت السواد الذي رأيت في انصرافي؟- فأخبرته أنها ذلك السواد الذي رآه، فقال: أخشيت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ -معناه: هل ظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيذهب إلى إحدى جاراتك في ليلتك- فأخبرها أن الله أمره أن يذهب إلى القبور في تلك الساعة، وأن يصلي عليهم، وأن يدعو لهم، وأنه خشي عليها الوحشة إذا بقيت وحدها نائمةً، فرد الباب بخفة حتى لا تحس بالوحشة، فذهب لأمر الله جل جلاله )، فهنا أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة أيضاً على زيارة القبور؛ لأنها تبعته ولم ينهها عن ذلك، فدل هذا على أن الحكم الجواز، والجواز هو الأصل أيضاً، فلا ينقل عنه إلا بقاطع.

    1.   

    نشأة علم المقاصد في شنقيط

    السؤال: يسأل عن نشأة وتطور علم المقاصد في بلاد شنقيط؟

    الجواب: ما نشأ ولا تطور في هذه البلاد، بل علم المقاصد من الذين سبقوا إليه الإمام أبو حامد الغزالي، وقد توفي سنة خمسمائة وخمس من الهجرة، وبعده القرافي، و العباسي أحمد بن إدريس الصنهاجي، وقد يكون أصله من أهل هذه البلاد وهو صنهاجي، ولكنه عاش بمصر، وتوفي بالقاهرة، ثم بعد ذلك أبو إسحاق الشاطبي، وهو من شاطبة الأندلس، والذين اشتغلوا بهذا العلم فيما بعد وزادوا فيه قلائل كالشيخ محمد طاهر بن عاشور التونسي، والشيخ علال بن عبد الله الفاسي من المغرب، ثم في الوقت المعاصر الدكتور أحمد الريسوني وعدد قليل من المهتمين بهذا، وقد اهتم به من علماء هذه الأمة الشيخ عبد الله بن بيه حفظه الله، وله فيه بحث في نظرية المقاصد تقريباً، وأشرف أيضاً على رسالة تتعلق به، وقد طبعت.

    1.   

    طريقة استعمال الرقية

    السؤال: يسأل عن طريقة استعمال الرقية؟

    الجواب: أن الأصل في الرقية أن يسمع الإنسان القرآن، أن يُقرأ عليه القرآن فيسمعه مباشرةً، وهذا أنفع شيء، ثم بعد ذلك أن ينفث له في ماء، أو ينفث على الإنسان نفسه، أو أن يجمع البصاق فينفث على اللديغ الذي به سم، كما في حديث أبي سعيد الخدري، وكذلك كان بعض السلف يكتب بعض الآيات فيغسلها، يكتبها بلبن أو عسل أو زعفران في إناء نظيف، فتغسل فيشربها المريض، وكذلك الاغتسال بها.

    والطريقة التي نجربها نحن أن النفث إذا حصل على الماء فشربه الإنسان في وقت نومه ووقت استيقاظه فإن ذلك بإذن الله يكون نافعاً له إذا كان مرزوقاً فيه، إذا كان مرزوقاً بالشفاء من تلك الرقية.

    1.   

    ما يحل للرجل من امرأته الحائض

    السؤال: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟

    الجواب: أنه يأمرها فتستثفر بثوب، ثم شأنه بأعلاها، ويجوز له أن يباشرها من فوق الثوب، ولا يجوز له وطؤها ما دامت حائضاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ [البقرة:222].

    1.   

    المتون العلمية في الفرائض

    السؤال: ما هي المتون العلمية التي تنصحون بها لطالب العلم، وبالأخص في علم الفرائض وذلك لطالب يدرس الفقه المالكي؟

    الجواب: أن المذهب المالكي اعتنى مؤلفوه بباب الفرائض فجعلوه آخر كتاب في كتب الفقه، والذي يريد التخصص في المذهب مثلاً لا بد أن يدرس مختصر خليل، والفرائض آخر باب فيه، وهي مفصلة، وكذلك من يدرس الكتب المختصة بالقضاء كالتحفة لـابن عاصم الأندلسي.

    1.   

    حكم الخروج على الحاكم الظالم

    السؤال: ما حكم الخروج على الحاكم الظالم المستبد؟ وهل هناك فرق بين الخروج على الظالم المبايع والظالم المتغلب؟ وهل يصح قياس الظلمة من حكام العصر على الفسقة من حكام بني أمية وبني العباس؟ وما مدى تأثير رفض التحاكم إلى الشريعة من قبل الحاكم في جواز الخروج عليه؟

    الجواب: أن الخروج لا يكون إلا بعد دخول، فالخروج، معناه: بعد حصول بيعة، فيخرج الإنسان عن الطاعة، وفرق بين الدولة بنظامها القديم والدولة الحديثة المعاصرة، فالدولة القديمة في صدر الإسلام أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون المهديون على منهج الله جل جلاله، وليس فيها إكراه ولا مصادرة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم جعله الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وولاه شأنهم، ولما توفاه الله اتفق أصحابه على بيعة الصديق أبي بكر فهو خيرهم، وقام بالأمر بعده خير قيام، فحمدوا غب ذلك، ثم لما مرض أبو بكر الصديق رشح للناس عمر بن الخطاب فرضوه وبايعوه بيعة طواعية لا إكراه فيها، فحمدوا غب ذلك، واستحالت الدلو غرباً حتى ضرب الناس بعطاً، ولما طعن عمر رشح للناس ستةً توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهم خير أهل الأرض في ذلك الوقت، فأراد أن يختار الناس منهم، وهؤلاء الستة تنازل ثلاثة منهم لثلاثة، وواحد لاثنين، بشرط أن يكون هو المشرف على عملية الاختيار بينهما، فانعقدت الإمامة لهما معاً، وهما عثمان وعلي بتقديم عثمان، فـعثمان هو الأول وبعده لـعلي، فبايع الناس على هذا، فبعد ذلك بدأ حصول النابتة والمتنطعين فثاروا على عثمان بعد ست سنين، وقد قتل مظلوماً بعد إحدى عشرة سنةً من حكمه، ثم لما تولى علي الخلافة ولم يتولها إلا مكرهاً؛ لأنه ظن أن البيعة الأولى أنه في حل منها حين رأى الخلل الذي حصل، فجاء كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفتوه أنه ليس في حل من البيعة الأولى، فبايعوه من جديد، وأجبروه على ذلك، فقام بالأمر حتى قتل مظلوماً بعد أربع سنين، ولما ضرب سئل أن يعهد بها إلى أحد، فقال: والله لا أتولى حرها حياً وميتاً، فلم يرد أن يتولى المسئولية في مماته كما تولاها في حياته، وبعد ذلك حصلت الجماعة عام أربعين على معاوية رضي الله عنه برضاً من الحسن بن علي رضي الله عنه، وسيادة منه أراد بها جمع كلمة المسلمين، ومنذ ذلك الوقت انعقدت البيعة لـمعاوية رضي الله عنه باتفاق الصحابة، فالذين كانوا معه بالشام قد بايعوه من قبل، والذين لم يكونوا معه بايعوه بعد أن بايعه الحسن بن علي، ولما توفي معاوية رضي الله عنه حصل الخلل، فبايع بعض الناس بالشام يزيد ولم يبايعه أهل الحجاز، ولا أهل العراق، فخرج الحسين رضي الله عنه لقصد بيعة أهل العراق، وليس خارجاً على يزيد؛ لأنه لم يبايعه، وقد ذكرنا أن الخروج من شرطه الدخول، فـالحسين رضي الله عنه لم يدخل في بيعة يزيد حتى يقال: إنه خرج عليه، وكذلك عبد الله بن الزبير لم يدخل في بيعة يزيد حتى يقال: إنه خرج عليه، فقدر الله أن تحصل تلك الأحداث التي قال فيها عمر بن عبد العزيز: تلك دماء طهر الله منها سيوفنا، فلا نلوث بذكرها ألسنتنا، ونحن نعلم أن الحسين رضي الله عنه ومن معه قد قتلوا مظلومين، وأن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أيضاً قد قتل مظلوماً، ونعلم أن الذين قتلوهم أيضاً لم يكفروا بمجرد قتلهم، فمجرد الظلم والقتل لا يقتضي كفراً، ثم منذ ذلك الوقت بدأت الدولة الإسلامية تختلف عما كانت عليه في عهد الخلافة الراشدة، فجاء الملك العاض الذي فيه أيمان البيعة يحلف فيه الناس بالطلاق، وأصبحت البيعة بالإكراه، فـيزيد لما توفي وقدم الناس ابنه معاوية فتورع عنها بعد خمسة عشر يوماً أخذها مروان بالإكراه بعد أن قاتل الضحاك بن سفيان في حرب "مرج راهط"، وهي حرب قتل فيها عدد كبير من الناس، ثم بعد ذلك مات مروان وقد ولى ابنه عبد الملك من بعده، وولى عبد الملك أولاده الأربعة بالترتيب في كتاب كتبه في عهده، وقد أدخل سليمان بينهم عمر بن عبد العزيز، وسارت الدولة الإسلامية على هذا النحو بالتوريث، توريث الأولاد والأقارب، وليس هذا هو المنهج الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا هو المنهج الذي جاء به من عند الله، ولا هو الذي قامت عليه دولة الإسلام في بدايتها، واستمر الأمر على هذا فيه خير مشوب بدخن، فهو خير؛ لأن الخلافة قائمة، والخليفة يعلن الحرب والسلم، ويجاهد في سبيل الله، ويقيم حدود الله، حتى سقطت دولة بني عثمان في العصر الحديث، وحينئذ لم يبق للخلافة أثر، وقامت الدولة الحديثة وليس أحد من قادة الدولة الحديثة يزعم أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن القواعد الفقهية المسلمة أنه لا يعطى أحد فوق دعواه، فلا يمكن أن تأتي إلى رئيس قام بانقلاب عسكري في بلد، أو نجح عبر صناديق الاقتراع في بلد من بلدان الإسلام فتقول: أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لم يدع هذا لنفسه أصلاً، ولا جاء لقصد الخلافة، فالخلافة، معناه: القيام بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به؛ ولذلك عرف أهل العلم الخلافة: بأنها نيابة عن صاحب الشرع في إقامة الدين وسياسة الدنيا به، وهذا ما لا يدعيه أحد منهم، فلذلك يقال: هؤلاء أمراء وحكام ورؤساء، وليسوا خلفاء راشدين، فليست الخلافة الراشدة من دعواهم أصلاً، ولا يمكن أن تطبق عليهم أحكامها، فلهم أحكام مختصة ليست أحكام الخلفاء الراشدين، وهذه الأحكام المختصة هي أنهم إذا عدلوا وقاموا بالأمر على الوجه الصحيح فإنهم يسمع لهم ويطاع في المعروف، ويجب النصح لهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ويساعدون على ما يقومون به من النفع العام والإصلاح، ولا تثار عليهم الرعية، ولا يشاغب عليهم، وإذا حصل خلاف ذلك بأن أظهروا فسقاً أو بغياً أو ظلماً فإنهم حينئذ يسعى لتخفيف الضرر بما يستطاع كما قال سحنون رحمه الله تعالى، قال: إذا كان الإمام غير عدل فقام عليه عدل وجب القيام معه ليظهر دين الله، وإلا وسعك السكوت، إلا أن يقصد أهلك ومالك فادفعه عنهما، ولا يحل لك دفعه عن الظالم، وأصل هذا أن مالكاً رحمه الله سئل: إذا جاء رجل ينازع أميرنا في حكمه أفننصر أميرنا؟ قال: إن كان مثل عمر بن عبد العزيز فادفعه عنه، وإلا فدعه وما يريد ينتقم الله من الظالم بالظالم ثم ينتقم من كليهما، فهذه فتوى الإمام مالك رحمه الله تعالى في هذه المسألة، والعضد الأيجي، وذكر في المواقف أن الخليفة -هذا الخليفة- يعزل إذا اختلت أمور الرعية؛ لأنه إنما أقيم لانتظامها، وهو وسيلة لا مقصد، فإذا لم يتحقق المقصد من تلك الوسيلة لم تشرع، وأهل العلم ذكروا بالنسبة للخلافة عشرة شروط تشترط في الخليفة:

    الشرط الأول: أن يكون مسلماً، فقد قال الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].

    والشرط الثاني: أن يكون عدلاً؛ لأن الله تعالى يقول: وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124]، فمن كان ظالماً لنفسه أو لغيره لا يناله هذا العهد.

    والشرط الثالث: أن يكون ذكراً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة ).

    والشرط الرابع: أن يكون حرّاً؛ لأن من كان مملوكاً لا يستطيع التأثير في شأن نفسه، فكيف يؤثر في شأن غيره.

    والشرط الخامس: أن يكون رشيداً في التصرف؛ لأن المحجور عليه من السفهاء لا يتصرف في مال نفسه فكيف يتصرف في مال غيره.

    والشرط السادس: أن يكون مجتهداً في دين الله؛ لأن المقلد تابع لغيره، والإمامة الكبرى فرع عن الإمامة الصغرى، فالإمام إذا كان مقتدياً بغيره فالصلاة وراءه باطلة، وبطلت باقتداء ممن بان كافراً، أو مقتديّاً، أو مؤتماً، فمن كان مأموماً الصلاة وراءه باطلة.

    الشرط السابع من هذه الشروط: أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً، فإذا كان أعمى، أو أصم، أو كان أخرس، أو لا يستطيع الكلام، فإنه لا تنعقد له الإمامة؛ لأن الإمام من شأنه أن يخطب، وأن يوجه، وأن يفتي، وأن يقضي، وكل ذلك من شرطه السمع، والبصر، والكلام.

    الشرط الثامن من هذه الشروط: أن يكون كافياً فيما اختير له؛ أي: أن يكون كفئاً لهذا المنصب بأن تكون لديه شجاعة يستطيع بها اتخاذ القرارات، ويستطيع بها المواجهة، فمن ليس كذلك لا تنعقد له الإمامة.

    والشرط التاسع: أن يكون قرشياً أي: من ذرية فهر بن مالك بن النضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث الاصطفاء أن الله اصطفاهم، فقال: ( إن الله اصطفى من ذرية آدم إبراهيم، واصطفى من ذرية إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ذرية إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً )؛ ولأنه قال: ( قدموا قريشاً ولا تقدموها )، وقال: ( قريش قادة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة )، وقال: ( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان )، وهذا الحديث ليس حديثاً عن القدر، وإنما هو حديث في الشرع؛ لأنه لو كان خبراً فقد رأينا الأمر خرج من أيدي قريش في دولة بني عثمان وغيرها، فعرفنا أنه حكم شرعي، وليس حكماً قدرياً.

    الشرط العاشر: أن يكون وصوله إلى الخلافة بالطريقة الشرعية، والطرق الشرعية للوصول إلى الخلافة ثلاثة: طريقتان متفق عليهما، والطريقة الثالثة محل خلاف، فالطريقتان اللتان اتفق عليهما:

    الطريقة الأولى منهما: أن يرشحه أهل الحل والعقد، كخلافة أبي بكر، فإن أهل الحل والعقد من المسلمين اختاروه.

    الطريقة الثانية: أن يعهد إليه من سبقه، معناه: أن يرشحه من سبقه، وهذه يغلط فيها كثير من الناس، فيظن أن البيعة تنعقد بمجرد الترشيح، وهذا غير صحيح، فـعمر بن الخطاب لم تنعقد له الخلافة حتى بايعه المسلمون، و عثمان بن عفان لم تنعقد له البيعة حتى بايعه المسلمون، و علي بن أبي طالب لم تنعقد له البيعة حتى بايعه المسلمون، فلا يكفي مجرد الترشيح.

    والطريقة الثالثة التي فيها خلاف: هي التغلب في حق مستكمل الشروط، معناه: من استكمل الشروط التسعة السابقة، ولكنه لم يرشحه أهل الحل والعقد، بل جاء هو ففرض نفسه، فهل يكون خليفةً أم لا؟ ذهب عدد من أهل العلم إلى أنه تنعقد له الخلافة بذلك، وهذا مذهب ابن عمر، كما في صحيح البخاري، أنه كتب إلى عبد الملك يبايعه حين انعقدت له الخلافة بالتغلب، وهذا مذهب الشافعية، أن الخليفة إذا تغلب، وكان مستكملاً للشروط فإنه تنعقد له الإمامة بذلك.

    وذهب آخرون إلى أنه لا تنعقد له الإمامة بالتغلب، وهذا مذهب عدد من الصحابة الذين لم يقتنعوا بإمامة عبد الملك بن مروان، وهذا المذهب هو مذهب سليمان بن صرد وعدد من الصحابة الذين قتلوا معه في عين التمر، و سليمان بن صرد رضي الله عنه شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أكبر من عبد الله بن عمر، فـعبد الله استصغر يوم أحد وشهد ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسليمان شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    الخدمة المسماة بفون

    السؤال: ما حكم الخدمة المسماة بفون؟

    الجواب: وقد بينا أن المعقود عليه من شرطه أن يكون معلوماً، فلا يحل شراء المجهول، وهو من القمار والميسر الذي حرمه الله وقال فيه: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، ثم قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].

    فحرم الله سبحانه وتعالى الميسر تحريماً باتاً، وكل ما هو مجهول من الثمن أو المثمن فإنه يدخل في نطاق الميسر.

    1.   

    حكم الغناء

    السؤال: ما حكم الغناء؟

    الجواب: أنه إذا كان بآلة موسيقية فيها عزف أو زمر، فإنه محرم مطلقاً سواءً كان مضمونه حسناً أو قبيحاً، وإذا

    كان بغير آلة ينظر إلى مضمونه، ومن صدر منه، فإن كان صادراً من رجل، وكان مضمونه حسن فلا حرج، وإن كان مضمونه سيئاً فهو منهي عنه مطلقاً، وإن كان صادراً من امرأة لم يحل سماعه إلا لزوجها، أو من يحل له التمتع بها، نعم.

    1.   

    ما يتبرع به الأقارب للمريض قبل موته يكون من ضمن تركته

    السؤال: ما يبقى في أيدي أهل الميت من المال، غالباً ما يتبرع به الأقربون في حال مرض الميت للعلاج، هل يدخل في حكم الميراث أم لا؟

    الجواب: أن ما يتبرع به الأقربون لعلاج الميت إذا أهدوه إلى الميت قبل موته؛ أي: وصل إلى ملك الميت قبل موته، فهو تركة تورث عنه، أما إذا كان ما جُمع جمع منه شيء بعد موته، كما إذا حددت القبيلة مثلاً مبلغاً محدداً تريد به مساعدة مريض، وبدأ بعض الأفراد يجمعونه، وتوفي الميت في تلك الفترة قبل أن يجمع، فإن العطية لم تنفذ في حق الذين لم يخرجوا ذلك المال من أيديهم.

    1.   

    البنات لا يرثن الولاء

    السؤال: قلتم: إن البنات لا يرثن الولاء، فماذا عن أثر توريث ابنة حمزة رضي الله عنها من عتيقه؟

    الجواب: نعم، أن المعتق مباشرةً يرث معتقه إذا لم يكن له وارث من النسب، ثم بعد ذلك يرثه عصبته؛ أي: أولاده الذكور، وإذا كان للوارث... وأولاد الأولاد أو نحوهم يتسلسل ذلك، وإن نزلوا بمحض الذكورة، معناه: ذرية المعتق غير المفصولين بالإناث، فهم يرثون هذه العصبة، فالولاء ليس ملكاً، وإنما هو عصبة كالحق، فهو لحمة كلحمة النسب، وبما أنه لا يملك، فإنه لا يرثه إلا العصبة كما ذكرنا.

    1.   

    كون أم الأم ترث من ابن بنتها وهو لا يرثها

    السؤال: لماذا أم الأم ترث من ابن بنتها وهو لا يرثها؟

    الجواب: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي قسم التركة، ولم يكل قسمتها إلى ملك مقرب، ولا إلى نبي مرسل، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الجدة السدس، فابن البنت ليس ابناً في الواقع.

    بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

    ولذلك لا يرث من جده ولا من جدته؛ لأنه مفصول بأنثى، أما الجدة فهي بمثابة الأم، فلذلك ترث ابن بنتها؛ لأنها بمثابة أمه إذا لم تكن أمه حيةً، فإذا كانت أمه حيةً وارثةً فإنها تحجب أمها، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى قريباً.

    1.   

    زيادة (وهو أول شيء ينتزع من أمتي) فيما يتعلق بعلم المواريث

    السؤال: هل وردت زيادة: ( وهوَ أولُ شيء ينتزع من أمتي

    الجواب: أن هذه الزيادة وردت في بعض روايات الحديث، وهي تفسير لقوله: (ينسى)، كونه ينسى بمعنى أنه ينتزع من الأمة.

    1.   

    التفريق بين العلة والسبب

    السؤال: يقول الأصوليون: لا فرق بين العلة الشرعية والسبب الشرعي، فهل هناك تعارض بين هذا وبين ما ذكرت من التفريق بينهما؟

    الجواب: أن هذا ليس لكل الأصوليين، بالنسبة للراجح لدى الأصوليين: التفريق بين العلة والسبب، أن السبب: ما لا يدرك العقل وجه تعليق الحكم به، وأن العلة ما يدرك العقل وجه تعليق الحكم به، فالوقت بالنسبة للصلاة سبب لا علة، والإتلاف بالنسبة للقصاص علة لا سبب، وهكذا.

    1.   

    يرث المتأخر المتقدم

    السؤال: رجل حكم عليه هو وابنه بالقتل، فتأخر تنفيذ قتل الولد بيوم هل يرثه أم لا؟

    الجواب: نعم، بالنسبة لمن حكم عليه بالقتل إذا كان قتله على غير الردة فإن ذلك لا يمنعه من أن يرث، القتل مانع من الإرث في حق القاتل لا في حق المقتول، المقتول الذي حكم عليه بالقتل يرث قبل أن يموت، إذا مات من يرثه قبل قتله هو فإنه يرثه.

    1.   

    نفقة البنت المطلقة على أبيها

    السؤال: هل المطلقة إذا رجعت إلى أبيها يجب عليه نفقتها؟ وإذا لم تكن تجب عليه فهل يمكن أن يخرج لها الزكاة؟

    الجواب: أن ابنة الرجل إذا كانت فقيرةً سواءً كانت مطلقةً أو كانت أيماً، مات زوجها أو لم تتزوج أصلاً، فيجب عليه الإنفاق عليها وإسكانها حتى يدخل بها زوجها، فإذا وجبت نفقتها على زوج فإنها تسقط نفقتها عن أبيها، ولا يجوز للرجل أن يخرج زكاة ماله على أولاده سواءً كانوا ذكوراً أو إناثاً.

    1.   

    قتل شبه العمد عند المالكية

    السؤال: هل يلحق شبه العمد في الصورة التي لدى المالكية بالعمد أو بالخطأ؟

    الجواب: المالكية لم يروا تصنيف القتل إلى شبه عمد إلا بصورة واحدة، وهي قتل الوالد لولده بغير الذبح، فإذا رماه فأصابه في رأسه، أو كسر رقبته من غير ذبح، أو نحو ذلك، فإن الدية مغلظة في حقه، ويعتبرون ذلك قتلاً شبه عمد، أما قتله له بالذبح فهو عمد لديهم.

    1.   

    ابن الابن هل يعصب بنت الصلب

    السؤال: إذا مات شخص عن بنت للصلب وابن ابن، هل يعصبها أم لا؟

    الجواب: لا. وعصب كلاً أخ يساويها، والجد الأوليان والأخريين، كما قال خليل رحمه الله.

    1.   

    شروط الداعية المسلم

    السؤال: ما شروط الداعية المسلم؟ ومتى يكون تأثيره بالناس؟

    الجواب: إن المسلم أياً كان لا بد أن يكون داعيةً إلى ما أسلم به وأيقن به؛ لأن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، فكل من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد أن يدعو إلى ما دعا إليه، ولكن الدعوة قد تكون فرض عين، وقد تكون فرض كفاية، فتتعين في حق من له زوجة، أو أولاد، أو أهل؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، وهذا يقتضي أن من له من يطيعه من أهل أو ذرية فإن الدعوة في حقه فرض عين، وأما من سواه فتكون الدعوة في حقه فرض كفاية، وهو يشارك فيها بما يستطيعه، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286].

    وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767947089