إسلام ويب

ماذا يعني انتمائي للإسلام [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أقام الله الحجة على عباده ببعثة نبي الإسلام إليهم، ثم أوجب عليهم نصرته واتباعه، ومن هنا لا بد أن يدرك الإنسان قيمته، وأن يبادر للقيام بوظيفته قبل أن يأتيه الأجل، فقد جعل الله له في هذه الحياة فرصاً للنجاة، فمن وفى ببيعته مع الله أفلح، ومن نقضها كان من الخاسرين.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أحمد الله تعالى على نعمة اللقاء بهذه الوجوه الخيرة النيرة في هذا البلد المبارك، الذي طالما اشتقنا إلى اللقاء فيه والاجتماع بالأحبة فيه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا أجمعين من المتحابين فيه الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ).

    وأخرج مالك في الموطأ و مسلم في صحيحه في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي )، وأخرج مسلم في صحيحه كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في ).

    وأخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لله ملائكة سيارين في الأرض، بغيتهم حلق الذكر، فإذا وجدوهم حفوهم بأجنحتهم إلى سماء الدنيا وتنادوا: أن هذه طلبتكم، فيرتفعون إلى ربهم فيسألهم - وهو أعلم- : ماذا يقول عبادي؟ فيقولون: يحمدونك ويكبرونك ويهللونك، فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوني؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوك لكانوا لك أشد ذكراً، فيقول: وماذا يسألوني؟ فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوها كانوا لها أشد طلباً وعليها أشد حرصاً، فيقول: ومن ماذا يستعيذون بي؟ فيقولون: يستعيذونك من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوها لكانوا منها أشد خوفاً، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك: يا ربي فيهم عبدك فلان ليس منهم وإنما جاء لحاجته، فيقول: هم الرهط.. )، أو: ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ).

    وأخرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه )، ونحن الآن ينبغي أن نستحضر نياتنا وأن نخلص لله سبحانه وتعالى، وأن نحرص على أن يكون مجلسنا هذا الذي قل ما سمح الزمان لنا بالاجتماع في مثله أن يكون حلقة من حلق الذكر التي تحفها الملائكة وتتنزل عليها السكينة ويغفر الله تعالى لأهلها جميعاً ولكل من حضرها ولو لم تكن نيته خالصة، ولا يكون ذلك إلا بالنية الخالصة بقصد التعبد لله سبحانه وتعالى والإخلاص له وطلب العلم الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده، والعمل بما يسمعه الإنسان من ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فأنتم تعلمون أن هذه الأمة لها رسول واحد هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالبينات والهدى من عند الله، وأننا جميعاً رضينا به نبياً ورسولاً، فيكفينا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من القدوات والأسوات، والذي ينقص هو أن نتعلم ما جاء به ثم أن نبادر للعمل به، فليس لنا الخيار بعد مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس أحد معذوراً في الإعراض عن ما جاء به، فإنه صلى الله عليه وسلم قامت به حجة الله جل جلاله على الثقلين الإنس والجن؛ فقد بلغ رسالات الله إلى من يقومون بتبليغها إلى من وراءهم؛ فكل إنسان مثل الآن بلغه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة ويجب عليه التبليغ لمن وراءه، ويكون الوقت الذي يمضيه بالتبليغ امتداداً لعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيادة في أمد رسالته، وأنتم جميعاً رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم للتبليغ إلى من وراءكم؛ فقد جاء بهذا الدين فتركه في أصحابه وهم نقلوه إلى التابعين ونقله التابعون إلى أتباعهم، وهكذا حتى وصل إلينا الليلة ونحن في القرن الخامس عشر من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

    المصلحة في ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم

    وهذا الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله هو مصلحة الإنسان في الحياة الدنيا وفي البرزخ وفي الدار الآخرة؛ فهو جماع المصالح، لا يحتاج الإنسان معه إلى أي شيء آخر، إذا طلب أية مصلحة فسيكفلها هذا الدين ويحققها؛ فقد جاء فيه من التشريع ما ينظم علاقات العباد بربهم جل جلاله، وجاء فيه من التشريع ما ينظم علاقات العباد فيما بينهم، وجاء فيه من الأخلاق أكرمها وأفضلها، وجاء فيه كذلك من الحوافز والترغيب والترهيب ما يقتضي من الإنسان المبادرة إلى الطاعة والنجاح في الامتحان، ونحن جميعاً في هذه الدار - أي الدار الدنيا - ممتحنون بامتحان من عند الله سبحانه وتعالى، والناجحون فيه قليل ولكنهم يحرزون من الفضل والسبق ما لا يخطر على بال كما روى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال: ( أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )، وقد قال الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ[السجدة:17-18].

    فرق شاسع بين من نجح في هذا الامتحان فكان من الذين آمنوا وبين من رسبوا فكانوا من الذين فسقوا، فرق شاسع بينهم في مقامهم عند الله ومنزلتهم عنده؛ لأن كل عمل يعمله الإنسان اليوم في هذه الحياة إنما هو وظيفة يوظفه الله فيها، والناس جميعا عباد له، وكل زين له ما يعمله؛ فمن زين الله له العمل الصالح ويسره للطاعة فهو ميسر لما خلق له، وأولئك هم الموظفون الذين اختار الله لهم أسمى الوظائف وأرقاها؛ فكانوا من نعمة إلى جنة، يعيشون في هذه الدار ما عاشوا وهم مشغولون بالطاعة وما يرضي الله جل جلاله، فإذا ماتوا أعد الله لهم من النعيم المقيم ما لا يمكن أن يخطر على قلب أحد، والآخرون قذرهم الله جل جلاله فوظفهم في أخس الوظائف، وشغلهم بشر الأعمال، وسلطهم على أنفسهم بمعصية الله، ولا يضرون الله شيئاً وإنما يضرون أنفسهم، وأعد لهم بعد ذلك الجزاء الوفاق، فالسيئة هي أسوأ ما يمكن أن يقع على وجه الدنيا، وجزاؤها هو أسوأ ما يمكن أن يقع في الآخرة.

    إدراك الإنسان لقيمته والقيام بوظيفته

    ولذلك فإن الإنسان لابد أن يدرك أنه ذو قيمة، وأن له مزية وأنه موظف وظيفة حقيقية، وعليه أن يبادر للقيام بوظيفته وأن يعمل بها قبل أن يأتي أجله، فله مدة محددة يمكثها في هذه الحياة، إذا عمل ما أمر به نجح وكان من الفائزين وكانت حياته الدنيا منزلة عالية له؛ لأنه اتخذها مطية إلى الدار الآخرة؛ فاستغل أيامه ولياليه وأوقاته الخالية فيما يقربه من الله سبحانه وتعالى، فإذا جاء يوم القيامة أوتي كتابه بيمينه ونودي ذلك النداء الشريف: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ[الحاقة:24]، وإذا ضيع الوقت فإنه سيندم غاية الندم، فكل يوم مضى أو شهر أو سنة أو عقد من الزمن لم يقرب الإنسان إلى الله ولم يزده من الطاعات والخيرات إنما هو وبال عليه وحسرة وخصومة يوم القيامة؛ لأن الله تعالى يقول لأهل النار: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ[فاطر:37].

    وللإنسان خمسة أعمار:

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088804581

    عدد مرات الحفظ

    779152102