بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فبقي لنا موضوع واحد ضمن أحكام الاغتسال وهو حصول السهو في الاغتسال، فقال المصنف رحمه الله:
[والكل مسجداً وسهو الاغتسال مثل وضوئكم ولم تعد موال]
(سهو الاغتسال مثل وضوئكم) أي: ما حصل من السهو في الاغتسال فهو مثل ما سبق في الوضوء، فإذا ترك الإنسان واجباً من غسله سهواً فلم يغسل عضده أو ذراعه، أو لم يغسل بين كتفيه، أو لم يغسل مكاناً منه أو لمعة، ثم رآها فيما بعد، فإن كان في محله غسلها وما بعدها، وإن كان قد خرج من محله غسلها وحدها.
وإن كان تذكر سنة أو مندوباً أتى بها لما يستقل، ولم يعد الصلاة، وإن كان تذكر واجباً من واجبات الغسل لم يفعله وقد صلى فإن صلاته باطلة ويعيدها، وكل ذلك سبق في الوضوء، ولذلك قال: (ولم تعد موال) معناه: أن من أهل العلم من يرى أنه إذا كنت في محل غسلك، وبدا لك أنك لم تغسل ذراعك الأيمن مثلاً، وقد غسلت سائر بدنك فإنك تغسل ذراعك الأيمن، ولا تعيد ما بعده؛ لأن ذلك يعتبر تثنية للغسل، لكن الذي يقتضيه القياس أن تفعل مثل ما تفعل في الوضوء.
ثم بعد هذا عقد هذا الفصل للتيمم، والتيمم في الأصل هو القصد؛ فيقال: تيمم الشيء إذا قصده، ويقال: يممه أيضاً إذا قصده، ومن ذلك قول الله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ[البقرة:267] أي: لا تقصدوا الخبيث من أموالكم تنفقونه، وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ[البقرة:267] أي: في قضاء الدين، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ[البقرة:267]، أي: أن تغضوا الطرف عنه، عما فيه من النقص.
والتيمم هو الطهارة الترابية، وهي تكون كبرى كما إذا كانت من الجنازة، وتكون صغرى كما إذا كانت من نواقض الوضوء.
قال المصنف رحمه الله:
[فصل لخوف ضر أو عدم ماء عوض من الطهارة التيمم]
كلمة (فصل) من البيت، (لخوف ضر أو عدم ماء) (أو) بنقل الهمزة (ضر أو عدم ماء) أي: عوض التيمم من الطهارة المائية، سواءً كانت غسلاً أو وضوءاً، (لخوف ضر) فإذا كنت تخاف حصول الضرر باستعمال الماء، أو كنت تعدم الماء ولا تجده؛ فإن التيمم يقوم مقام الغسل ومقام الوضوء؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6].
والتيمم هو استعمال الصعيد الطاهر للنسك، أي: للعبادة المخصوصة، وهذه هي الوسيلة الثالثة من آلات الطهارة، وقد سبق أنها إما الماء وإما الصعيد الطاهر وإما المزيل، وقد سبق ذكر الماء والمزيل، وهنا ذكر الصعيد الطاهر.
والصعيد هو ما صعد على الأرض من أجزائها، والطاهر مختلف في معناه؛ فمذهب مالك وأبي حنيفة أن المقصود بالطاهر خلاف النجس، فإذا كان التراب متنجساً لا يتيمم عليه، وإذا كان غير متنجس جاز التيمم عليه.
ومذهب الشافعي وأحمد أن الطاهر معناه المنبت، واستدلا بقول الله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ[الأعراف:58]، هذا هو الصعيد الطيب؛ لأنه قال: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا[المائدة:6]، فالطيب هل معناه الطاهر أو معناه المنبت؟ هذا محل خلاف.
فعلى مذهب الشافعية والحنابلة لا يتيمم على ما لا ينبت كالسباخ التي هي ملح لا تنبت، وكالحجر الصلد الذي لا ينبت، ومذهب مالك وأبي حنيفة جواز التيمم على ذلك كله؛ فكل ما صعد على الأرض من أجزائها يجوز التيمم عليه، ومذهب مالك أن ذلك إذا كان جزءاً أصلياً من الأرض، ومذهب أبي حنيفة أن ما نبت على الأرض فالتصق بها أيضاً يجوز التيمم عليه؛ لأنه مما صعد فوقها من أجزائها ولو كان نباتاً أو كان في الأصل حيواناً ثم تحجر، مثل بعض الصدف الذي يكون في الأنهار والغدران وعلى أطراف البحار؛ فهذا الصدف يخالط الأرض فيصبح منها كأنه حجر، فرأى أبو حنيفة أن كل ذلك هو بمثابة الصعيد؛ لأنه من الأرض وأصبح منها.
وفي قوله: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6] اختلفوا أيضاً في دلالة (من) هنا هل هي للتبعيض أو للابتداء؟ فمذهب مالك وأبي حنيفة أن (من) للابتداء، وهذا من معاني (من) أن يكون التيمم في البداية بوضع اليدين على الأرض، ثم بعد ذلك بالمسح بهما، ومذهب الشافعي وأحمد أن (من) للتبعيض، معناه: امسحوا بوجوهكم وأيديكم بعضه، فلا بد أن يكون مما له غبار ويبقى في اليد، فإذا كان لا يبقى منه أي غبار ولا أثر باليد فلا يرون التيمم به، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم حك الجدار بعصاه حتى ثار غباره، فوضع عليه يديه ثم نفضهما أو قربهما إلى فيه أو نفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
قال المصنف رحمه الله:
[وصل فرضاً واحداً وإن تصل جنازة وسنة به يحل
وجاز للنفل ابتدا ويستبيح الفرض لا الجمعة حاضر صحيح]
(وصل فرضاً واحداً) أي: لا يجمع بالتيمم بين فرضين، سواءً كان ذلك أداءً أو قضاءً، وهذا مذهب مالك رحمه الله، واستدل على ذلك بأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6]، وهذا يقتضي أن على كل قائم للصلاة أن يتوضأ، فإن كان عاجزاً أو عادماً للماء فإنه يتيمم، وهذا يقتضي أن يكون ذلك لكل فرض، وقد كان ذلك في صدر الإسلام، فكان الوضوء لا يجمع به بين فرضين، حتى كان يوم الفتح، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلوات بوضوء واحد؛ فقال له عمر بن الخطاب : ( يا رسول الله! إني رأيتك فعلت شيئاً لم تكن تفعله؟! فقال: إني عمداً فعلت ذلك يا عمر )؛ فدل ذلك على جواز الجمع بين الصلوات - أي: الفرائض - بوضوء واحد، وبقي التيمم على الأصل، أي: على ما أنزلت عليه سورة المائدة، وهي تقتضي أن على كل قائم للصلاة أن يتيمم.
وذهب غيره إلى إلحاق التيمم بالوضوء، فرأوا أن التيمم تابع للوضوء ولم يرد فيه نص، فقاسوه على الوضوء، قالوا: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات بوضوء واحد، فالتيمم حكمه حكم الوضوء فيقاس عليه، ومحل ذلك إذا كان التيمم غير رخصة، أما إذا كان رخصة فإن الرخص لا يدخلها القياس، والتيمم محل خلاف هل هو من باب الرخص أو من باب العزائم؛ لأن ظاهر آية المائدة أنه من قبيل الرخص لا من قبيل العزائم، إذ أنه لم يبحه إلا في حال الضرورة؛ كحال المرض أو حال عدم الماء، والرخص والمقدرات والكفارات والخارج عن سنن القياس هذه أربعة أمور لا يدخلها القياس.
ولذلك فإن ابن الجارود رحمه الله تعالى افتتح كتابه كتاب "المنتقى" من أدلة الأحكام، وهو من أشهر كتب الحديث المختصة بالأدلة افتتحه بقوله بعد البسملة: باب: ما جاء في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ[المائدة:6]، الدليل على أن هذا ليس على كل قائم للصلاة ما حدثناه عبد الله بن هاشم، وساق الحديث وهو حديث عمر السابق، فبين أن هذا ليس على كل قائم للصلاة.
ويجوز أن تصلي معه بنفس التيمم جنازة، وكذلك صلاة السنة - أي: الرواتب - سواءً كانت قبلية أو بعدية بذلك التيمم فهو جائز أيضاً، وقد قال بعض أهل العلم: يجوز البعدي منها لا القبلي، فإذا كان الإنسان تيمم للفرض فلا ينبغي أن يصلي قبل الفرض شيئاً بذلك التيمم.
والمالكية يرون اتصال التيمم بالفرض؛ لأنهم يرون أنه عبادة منقطعة، فلم يبح إلا عند الحاجة والضرورة، والحنفية يرون أنه مثل الوضوء فيمكن أن يتيمم الإنسان من أول الوقت، ويؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، مثلاً يتيمم عند الزوال لصلاة الظهر، ولكن لا يصليها إلا في آخر وقتها ما لم ينتقض تيممه بناقض.
وتضييق المالكية في هذا الباب هو على اعتبار أن التيمم لم يبح إلا لذلك؛ ولهذا قالوا: إذا مات ميت وعدم الماء، أو كان الميت امرأة وليس معها إلا رجال أجانب، فحينئذٍ ستيمم مثلما يمم الحي للصلاة، وإذا كانوا لا يجدون ماءً فلا يحل لهم التيمم لصلاة الجنازة حتى يمموا الميت؛ لأن دخول وقت الصلاة على الجنازة هو بعد تطهير الميت، فإذا تيمموا ثم يمموا الميت فصلاتهم باطلة؛ لأنهم تيمموا قبل دخول الوقت، والتيمم قبل دخول الوقت لا يجزئ، وهذا الذي ألغز فيه أحد الفقهاء بقوله:
يا من بلحظ يفهم أحسن جواب تفهم
لم لا يصح تيمم إلا بسبق تيمم
ما هو التيمم الذي لا يصح إلا إذا سبقه تيمم آخر؟ والجواب: أنه التيمم للصلاة على الجنازة إذا كان الميت يمم أيضاً، فدخول وقت الصلاة عليه هو بتيممه؛ لأن الصلاة لا تكون إلا بعد تطهير الميت.
(وجاز للنفل ابتدا) أي: يجوز أن يتيمم الإنسان لاستباحة النفل، فإذا تيمم فاستباح النفل به يجوز له أن يصلي الفرض بعده معه، وهذا هو الراجح في المذهب.
(ويستبيح الفرض لا الجمعة حاضر صحيح) يقول: إن الحاضر الصحيح إذا عدم الماء فلم يجده وهو قادر على استعماله فإنه يصلي بالتيمم الفرائض ما عدا الجمعة؛ فالجمعة شرطها الاستقرار وإرادة المقام، والمكان إذا كان الماء منقطعاً عنه بحيث لا يجد الإنسان ما يتوضأ به لا يمكن أن يقيم فيه.
إذاً من شرط الجمعة وجود الاستقرار والمقام في المكان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الجمعة فرض على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: امرأة وعبداً ومريضاً ومسافراً )، فالمسافر لا تجب عليه الجمعة، والذي لا يجد الماء لا بد أن يسافر؛ لأن المكان الذي لا ماء فيه الماء ملاك الأمر، وكل مكان لا ماء فيه فلا استقرار فيه.
ومحل هذا على ما كان معتاداً لدى الفقهاء أن الماء يوجد عن طريق الأنهار أو الآبار أو نحوها، أما إذا كان الماء يجلب من مكان بعيد في الأنابيب فتوقف الماء لسبب من الأسباب، مثل تعطل الكهرباء أو نحو ذلك فهذا يقتضي استباحة الجمعة بالتيمم؛ لأنهم مقيمون وهم ينتظرون رجوع الماء إليهم، وسيأتيهم الماء إذا رجعت الكهرباء.
ثم بين فرائض التيمم فقال:
[فروضه مسحك وجهاً واليدين للكوع والنية أولى الضربتين
ثم الموالاة صعيداً طهرا ووصلها به ووقت حضرا]
(فروضه) أي: فروض التيمم، منها (مسحك وجهاً) أي: مسح الوجه، وهو ما حدد من قبل في الوضوء، وقد ذكرنا أنه مستدير ما بين الناصية ونهاية اللحية أو الذقن وما بين الأذنين؛ فهو عرضاً ما بين الأذن والأذن أو ما بين العذار والعذار في حق من له عذار، وذكرنا الخلاف فيما وراء العذار، وهو طولاً من منابت الشعر إلى الذقن، ويدخل مع ذلك ظاهر اللحية، فيمسح ذلك.
(واليدين) كذلك مسح اليدين إلى الكوعين، وهما عظم الرسغين، فهذا القدر واجب بمسحة واحدة.
(والنية) كذلك من فرائض التيمم النية؛ وذلك أن التيمم أصلاً معناه القصد، فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا[المائدة:6]، أي: اقصدوه، والقصد هو النية، فدل ذلك على وجوب النية في التيمم.
(أولى الضربتين) كذلك وضع اليدين على الأرض، وهذا المقصود بالضربة، ولا يقصد بها الضرب الشديد، فالمقصود وضع اليدين على الأرض، وهو الذي يسمى (ضربة)، وفي ذلك يقول الشاعر:
يحايي بها الجلد الذي هو حازم بضربة كفيه الملا نفس راكب
(ضربة كفيه) معناه: بوضعهما على الأرض فقط، بضربة كفيه الملا نفس راكب.
(ثم الموالاة) كذلك من فرائض التيمم الموالاة، فإذا حصل فصل فهو مبطل للتيمم، والفصل قد سبق تحديده بيبس الأعضاء في الزمان المعتدل.
(صعيداً طهرا) كذلك استعمال آلة التيمم وهي الصعيد الطاهر، والطاهر تفصيل للطيب.
(ووصلها به) كذلك من واجبات التيمم أن تكون الضربة متصلة بالمسح، فإذا وضع يديه على الأرض ومشى مسافة، ثم مسح بيديه وجهه وكفيه فهذا ليس تيمماً صحيحاً، فلا بد أن يكون المسح متصلاً بوضع اليدين على الأرض في الضربة.
(ووقت حضرا) كذلك لا بد أن يكون قد دخل الوقت، فمن تيمم قبل الوقت فذلك التيمم لا يحل استباحة ذلك الفرض به.
قال المصنف رحمه الله:
[آخره للراجي آيس فقط أوله والمتردد الوسط]
هنا بين الوقت بحق التيمم بالنسبة لعادم الماء؛ فالعاجز عن استعمال الماء يتيمم متى أراد الصلاة.
أما فاقد الماء فله ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يكون راجياً لوجود الماء أو بلوغه، فإنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت.
الصورة الثانية: أن يكون آيساً من وجود الماء وبلوغه، مثل السجين، الذي لا يرجو وجود ماء في الوقت؛ فهذا يتيمم في أول الوقت ويصلي.
الصورة الثالثة: المتردد في وجوده أو لحوقه، يمكن أن يجده، ويمكن ألا يجده، كالمسافر الذي يعلم أن الأرض لا تخلو من وجود آبار، لكن لا يدري هل يصل إلى البئر قبل خروج الوقت أو لا يصل إليه إلا بعد خروج الوقت؛ فإنه يؤخر إلى وسط الوقت، فإذا لم يصل إلى الماء أو لم يجده تيمم وصلى.
فإذاً الصور ثلاث: الراجي يؤخر إلى آخر الوقت، والمقصود بالوقت المختار، والآيس يصلي في أول الوقت، والمتردد في لحوقه أو وجوده يصلي في وسط الوقت.
فقوله هنا: (آخره) أي: آخر الوقت المختار، (للراجي) أي: راجي وصول الماء أو وجوده، (آيس فقط أوله) معناه: الوقت بالنسبة للآيس من وجود الماء، وهو الذي لا يرجوه فإنه يتيمم في وسط الوقت ويصلي، (والمتردد الوسط) معناه: المتردد الوقت بالنسبة إليه وسط الوقت، أي: وسط المختار.
قال المصنف رحمه الله:
[سننه مسحهما للمرفق وضربة اليدين ترتيب بقي]
(سننه) أي: سنن التيمم (مسحهما للمرفق) أي: مسح اليدين للمرفقين، وذلك أن الله سبحانه وتعالى ذكر التيمم مع الوضوء في آية واحدة؛ فذكر غسل اليدين في الوضوء وقيده بالمرفقين، قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6]، فهل يحمل المطلق على المقيد أم لا؟
رأى بعض أهل العلم حمل المطلق على المقيد، فرأوا وجوب مسح اليدين إلى المرفقين؛ لأن هذا القدر هو المغسول في الوضوء، والتيمم نائب عن الوضوء، والله قيد اليدين في الوضوء بالمرفقين.
وذهب بعضهم إلى أن الإطلاق يتناول أقل ما تصدق عليه اليد؛ فاليد أكثر ما تصدق عليه من المنكب، وأقل ما تصدق عليه من الرسغ، والوسط بين ذلك هو المرفق؛ فالمرفق حدد للوضوء، والكوع هو مكان القطع في يد السارق، والله سبحانه وتعالى أطلق في يد السارق فقال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا[المائدة:38]، فكان ذلك على أقل ما يسمى يداً، وهو إلى الكوع؛ فكذلك في التيمم، وهذا الراجح في المذهب؛ أن المجزئ فيه - أي: الواجب فيه - هو إلى الكوعين، أما ما زاد على ذلك فيكون من قبيل المندوب فقط، ولم يرد في حديث مرفوع صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح إلى المرفقين، لكن كان تيممه نادراً؛ فلم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم إلا ثلاث مرات: المرة الأولى عندما علمهم التيمم، والمرة الثانية في حديث عمار بن ياسر أنه قال: ( إنما يجزئك هكذا )، والمرة الثالثة: ( عندما سلم عليه رجل وهو مقبل من الخلاء، فلم يرد عليه حتى حك الجدار بعصاه حتى ثار غباره ثم تيمم لرد السلام )، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فريضة بالتيمم.
(وضربة اليدين) أي: الضربة الثانية؛ لأنه سبق أن الضربة الأولى واجبة؛ لأن الله يقول: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6]، وهذا يقتضي وجود الضربة الأولى، والضربة الثانية مندوبة فقط، فالضربة الأولى يمسح بها الإنسان وجهه، والضربة الثانية يمسح بها يديه، وإذا مسح بالضربة الأولى وجهه ويديه إلى الرسغ وتكون الضربة الثانية لإكمال المندوب فقط.
(ترتيب بقي) كذلك من السنن ترتيبه، أي: البدء بالوجه قبل اليدين على ما رتبه الله في كتابه، فقد قال الله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ[المائدة:6]، والواو في الأصل لا تقتضي ترتيباً؛ لأنها تعطف السابق على اللاحق واللاحق على السابق؛ لقول الله تعالى: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ[الأحزاب:7]، فهنا قال: (ومنك) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخرهم، (ومن نوح) وهو قبله (وإبراهيم) وهو بعده، فعطفت الواو السابق على اللاحق واللاحق على السابق، فهي لا تقتضي الترتيب، لكن مع ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على البيان، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبدأ بوجهه قبل يديه؛ ولذلك يسن ترتيب التيمم.
قال المصنف رحمه الله:
[مندوبه تسمية وصف حميد ناقضه مثل الوضوء ويزيد]
(مندوبه) أي: مندوبات التيمم، وذلك مثل ما سبق نكرة مضافة إلى الضمير فتعم، (تسمية) أي: أن يسمي الإنسان عليه؛ وذلك لأنه طهارة، وقد سبق ذكر التسمية في الوضوء والغسل، (وصف حميد) أي: هيئة حميدة، وهي ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بأن يمكن يديه من الصعيد الطيب، ثم ينفضهما نفضاً خفيفاً بضرب الإبهام بالإبهام، أو ينفخ فيهما نفخاً خفيفاً حتى لا يبقى فيهما ما يؤذيه، ثم يمرهما على وجهه إمراراً واحداً، وهكذا لا يتتبع غضون وجهه ولا أسارير جبهته، فلا يلزم تتبع ذلك ولا حماليق عينه، بل يمسح مسحة واحدة، هذا المجزئ.
قال المصنف رحمه الله:
ناقضه مثل الوضوء ويزيد
وجود ماء قبل إن صلى وإن بعد يجد يعد بوقت إن يكن
كخائف اللص وراج قدما ومن مناولاً قد عدما]
(ناقضه) أي: ما ينقض التيمم هو مثل الوضوء، فنواقض الوضوء عددها ستة عشر كما سبق، وهذه جميعاً بأنواعها الثلاثة: الأحداث والأسباب وما ليس بحدث ولا سبب؛ هي كلها تنقض التيمم، ويزيد عليها التيمم أيضاً (وجود ماء قبل إن صلى)، وهذا في حق عادم الماء؛ فعادم الماء إذا وجد الماء قبل صلاته وقد تيمم بطل تيممه؛ لأنه لم يبح التيمم له إلا لفقده للماء، وقد وجده، فزال العذر؛ ولذلك يبطل التيمم بوجود الماء في حق عادمه قبل الصلاة، أما إذا كان قد صلى فصلاته صحيحة وانتهت، ويغتسل أو يتوضأ للمستقبل.
(وإن بعد يجد) معناه: بعد صلاته يجد الماء (يعد بوقت إن يكن كخائف اللص) فإذا وجد الماء بعد أن صلى فإنه إذا كان ذلك في الوقت فتندب له الإعادة في الصور التالية:
الصورة الأولى: (إن يكن كخائف اللص) كمن خاف لصاً فتبين أن الذي كان يخافه ليس لصاً، أو من ذهب إلى البئر يريد الوضوء فرأى شاة على الماء فظنها أسداً، فتبينت شاة بعد أن تيمم وصلى، فهذا يرجع إلى قاعدة تسمى في الفقه "قاعدة الانكشاف"، وهي أن تتبين الحقيقة بعد حصول أمر، فيتبين الأمر على خلاف ما كان الإنسان يظنه، فقاعدة الانكشاف الاحتياط فيها أن يحتاط الإنسان للدين، فإذا انكشف له أمر على خلاف ما كان يتوقع فالاحتياط أن يعمل على مقتضى التكليف السابق، فإذا كان قد صلى بالتيمم، وتبين أن الذي على الماء ليس بأسد ولا لص فإنه يعيد الصلاة.
وكذلك الراجي إذا قدم في أول الوقت؛ فقد سبق أن الراجي يصلي في آخر الوقت؛ فإذا قدم فصلى في أول الوقت بالتيمم أو في وسطه بالتيمم فوجد الماء في آخر الوقت فإنه يتوضأ ويصلي من جديد، أي: يعيد، وكذلك المتردد إذا قدم أيضاً في أول الوقت ثم وجد الماء في وسطه أو في آخره فإنه يتوضأ ويعيد.
(وزمن مناولاً قد عدما) كذلك الزمن، و(الزمن) هو المصاب بالزمانة وهي الشلل أو الضعف الذي يمنع صاحبه الحركة، فإذا كان الإنسان أشل أو لا يستطيع الحركة وعدم المناول، وحوله ماء، ولكنه لم يجد من يساعده في الوضوء فتيمم وصلى، وفي أثناء الوقت أتاه شخص يناوله الماء فإنه تندب له الإعادة في الوقت، والفقهاء يقولون: عدم الآلة كعدم المناولة، وعدم الساتر كعدم الآلة، فعدم الآلة أي: من جاء بئراً ولكن لم يجد رشاءً ولا دلواً؛ فهذا مثل عدم الماء، وكذلك عدم الساتر، إذا كان بين الناس ويجب عليه الغسل، ولا يجد ما يستره فهذا كالعادم للماء؛ لأنه لا يستطيع استعماله بينهم، إلا إذا اتفقوا على أن يغضوا الطرف أو أن يولوه ظهورهم حتى يغتسل، كالسجناء الذين هم في غرفة واحدة.
نقف هنا، وبذلك نكون قد انتهينا من كتاب الطهارة، وصلى الله وسلم على النبي محمد.
السؤال: ما معنى البيع على البرنامج؟
الجواب: المقصود بذلك البيع على ما كتب على البضاعة، كمن يشتري كيساً مغلقاً أو كرتوناً أو صندوقاً قد كتب عليه أن فيه كذا وكذا، فباعه على هذا ولم يفتحه، فهذا يحصل به العلم، ولا يلزمه أن يفتحه، فيبيعه على برنامجه.
السؤال: دخول الوقت للتيمم هل هو واجب أو شرط؟
الجواب: هو شرط، والشرط داخل في حيز الواجب، والصعيد الطاهر آلة من آلاته فهو واجب كذلك لا بد من أدائه.
السؤال: ما حكم المذي على الثياب، هل يغسل أو ينضح أم يغض عنه؟
الجواب: المذي نجس بالإجماع؛ فلذلك يغسل بخلاف المني ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من رأى طهارته ومنهم من رأى نجاسته، والجمهور على نجاسته، والذين يرون طهارته يستندون إلى أن عائشة ذكرت أنها كانت تحته من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم يبساً، وأنها كانت تغسله رطباً فيخرج إلى الصلاة وفي ثوبه بقع، والجمهور يستدلون بأن المني خارج من سبيل النجس، وأنه لا يخلو من مذي، فيكون نجساً دائماً؛ لأن المذي نجس بالإجماع، والمني لا يمكن أن يخرج إلا مع مذي، والنبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء جميعاً فضلاتهم طاهرة؛ فبوله طاهر وكذلك منيه ولا يقاس عليه غيره.
السؤال: هل يجوز للإنسان أن يبول وهو واقف بطوله؟
الجواب: نعم، يجوز ذلك إذا جافى بين فخذيه حتى لا يحتبس شيء من بوله، وكان في مكان لين.
السؤال: ما المقصود بعدم الاستتار من البول؟
الجواب: هو عدم الحذر من أن يصيب شيء من بدنه أو ثوبه، فيشمل ذلك استفراغ الذكر، ويشمل أيضاً التنظف منه إذا مسه، فلا بد من تطهر كل ما مس من البول.
السؤال: أنا طبيب، وقد كنت في فترة الدراسة لا أفرق بين الرجال والنساء في المعالجة باعتبارها فترة تدريب، لكن بعد أن يصبح للطبيب عيادة خاصة، فهل يجوز له أن يعالج النساء مع وجود طبيبات مسلمات؟ مع العلم أن معظم المرضى في العيادة من فئة النساء، وأنهن في الغالب لا يثقن بالنساء في معالجتهن، وإن كانت معالجة النساء حراماً فما حكم الكسب من ذلك؟
الجواب: الطبيب يجوز له معالجة الرجال ومعالجة النساء، لكن لا يخلون بامرأة وحدها، فإذا كان يعالج امرأة فلا يخلو بها، بل يكون معها امرأة أخرى أو محرم لها أو زوج، ولا يخلون هو بامرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخلون رجل بامرأة.. )، وقال: ( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )، وقال: ( إياكم والدخول على النساء، قالوا: الحمو يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت )، فلذلك إذا أراد علاجها فلا بد أن يكون ذلك بحضرة زوجها أو وليها أو امرأة أخرى.
السؤال: نريد أن تعرفنا كيف نقرأ المتن منظوماً ملحناً حتى يسهل حفظه علينا؟
الجواب: إصلاح المتن نفعله، فنحن نصحح إذا كان في نقل همزة أو فيه إصلاح كلمة في الرسم، ولا مانع من قراءته أيضاً على وجه التصحيح إن شاء الله.
السؤال: من هو ابن عاشر وماذا عن مذهبه وعلمه؟
الجواب: ابن عاشر هو أبو محمد عبد الواحد ابن عاشر المغربي، وهو في الأصل من الأندلس، وهو عاشر إخوته من بطن واحد، أي: من أم واحدة، وقد توفي سنة ألف وأربعين من الهجرة، وهو من علماء المغاربة وأدبائهم، ومذهبه مذهب مالك، وهو مشهور في بلاده بالعلم والتقوى.
السؤال: ما حكم العمليات الاستشهادية؟
الجواب: الله سبحانه وتعالى حرم قتل النفس وذكر علة ذلك؛ فقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا[النساء:29-30]، والحكم إذا ذكرت علته دل ذلك على أنه مرتبط بالعلة، فقتل النفس إنما هو حرام إذا كان عدواناً وظلماً، أما إذا لم يكن عدواناً ولا ظلماً بأن كان جهاداً في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله أو درءاً للعدو ورداً له فلا يكون ذلك داخلاً في هذا الحكم ولا في هذه العلة؛ لأن العلة صريحة في القرآن: (عداوناً وظلماً) مفعول لأجله، والمفعول لأجله هو أبلغ أنواع التعليل، فدل ذلك على أن قتل النفس إنما كان حراماً لأجل العدوان والظلم.
أما إذا لم يكن عدواناً ولا ظلماً فهو غير محرم بل يترتب عليه خلاف الحكم؛ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا[النساء:30]، معناه: أن من فعل ذلك إيماناً واحتساباً فله الجنة في مقابل ذلك، وقد حصل في قصة الغلام الذي علم الملك كيف يقتله، وقصته في صحيح مسلم، وكذلك في إجماع الصحابة على رمي البراء على أهل اليمامة بالمنجنيق، فقد رموه وحده على أربعين ألف مقاتل، فقاتل حتى فتح الباب، فاجتث فوجدوا فيه مائتين وثمانين ضربة بالسيف وقد بقر بطنه وخرجت أمعاؤه، ومع ذلك عاش بعد هذا حتى استشهد يوم جسر أبي عبيد رضي الله عنه، وقد جاء عند أبي داود وغيره (أن المسلمين في حصار القسطنطينية خرج عليهم صف عظيم من الروم، فشد عليهم رجل من المسلمين حتى توسطهم فقال الناس: لا إله إلا الله، وألقى هذا بيده إلى التهلكة، فقام فينا أبو أيوب خطيباً فقال: أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية على غير ما أنزلت، إنما أنزلت فينا معاشر الأنصار، وذلك أن الله ما أظهر دينه وكثر ناصروه قلنا: إن زروعنا قد خربت، فلو جلسنا فيها حتى نصلحها، فكانت التهلكة الجلوس الذي أردنا وترك الجهاد)، فالجهاد فريضة، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به واجب، فإذا لم يجد الإنسان وسيلة لدرء العدو ورد كيدهم إلا بهذا النوع فيتعين وسيلة للواجب، ووسيلة الواجب المتعينة واجبة.
وهنا قاعدة "ما لا يتم الواجب المطلق إلا به " لا بد من بيانها، فما لا يتم الواجب إلا به خمسة أنواع؛ لأنه إما أن يكون سبباً وإما أن يكون شرطاً، وإما أن يكون ركناً؛ فالسبب ينقسم إلى قسمين: سبب داخل في الطوق وسبب خارج عن الطوق.
والسبب الداخل في الطوق، أي: الذي يستطيعه الإنسان كجمع النصاب حتى يملك الإنسان النصاب لتجب عليه الزكاة، هذا سبب داخل في الطوق ولا يجب.
والسبب الخارج عن الطوق كتغريب الشمس لتجب صلاة المغرب، أو تزويل الشمس لتجب صلاة الظهر فهذا خارج عن الطوق فلا يجب قطعاً.
والنوع الثالث: الشرط الداخل في الطوق كالطهارة للصلاة فهذا شرط، وهو داخل في الطوق فيجب.
النوع الرابع: الشرط الخارج عن الطوق كالنقاء من دم الحيض والنفاس، فهذا خارج عن الطوق فلا يجب.
النوع الخامس: الركن، ولا يكون إلا داخلاً في الطوق أبداً؛ لأنه مكلف به، والتكليف لا يكون بالمحال، ولذلك يجب مطلقاً كغسل بعض الرأس ليتحقق الإنسان أنه غسل وجهه كله، ومسح بعض الوجه ليتحقق أنه مسح رأسه كله، فهذا مما لا يتم الواجب إلا به من الركن فيجب.
إذاً خمسة أقسام الواجب منها هو الشرط الداخل في الطوق والركن مطلقاً، فالركن لا يكون إلا داخلاً في الطوق، والذي لا يجب ثلاثة: السبب مطلقاً، سواءً دخل في الطوق أو لم يدخل فيه، والشرط إذا كان خارجاً عن الطوق.
السؤال: ما حكم السكنى في دار الغرب والعيش فيها؟
الجواب: الإنسان إذا كان بين المسلمين فيها، يصلي معهم في جماعة، وإذا مات مات بين المسلمين فتجوز له الإقامة هنالك، ولم يعد ذلك كما كان قديماً؛ فقديماً كانت الهجرة واجبة على من أسلم في دار الكفر؛ لئلا يعيش بين ظهراني المشركين حتى لا تتراءى ناراهما، واليوم قد غلب الكفار على كثير من أصقاع الأرض ولم تعد الهجرة ممكنة، ولذلك فإن الشيخ محمد النيفر مفتي تونس رحمة الله عليه لما احتلت الجزائر سنة (1830م) أفتى ببطلان أحكام قضاة الجزائر وبطلان شهادة شهودهم، قال: لأنهم تجب عليهم الهجرة، وبعد خمسين سنة احتلت تونس فانطبقت الفتوى عليها أيضاً؛ فالفقهاء إذ ذاك لم يكونوا يفهمون أن المعادلة قد تغيرت، فظنوا أن الهجرة ما زالت ممكنة، يريدون هجرة شعب بكاملة مثل شعب فلسطين أو شعب لبنان أو المسلمين في الهند، مئات الآلاف كيف يهاجرون؟! لا يمكن أن يقع ذلك أصلاً، ومثل ذلك الآن المسلمون في فرنسا حوالي خمسة ملايين، والمسلمون في بريطانيا حوالي خمسة ملايين، وفي أمريكا أكثر من عشرة ملايين، هل تجب عليهم الهجرة جميعاً؟ هذا لا يمكن، وأين ستستقبل هذه الهجرة الكبيرة؟! وأي مكان سيستقرون فيه؟ فهذا لا يمكن، فالمعادلة قد تغيرت من هذا القبيل.
ولذلك إذا كان المسلم يأمن على دينه ويستطيع إظهار شعائره في دارهم فيجوز له المقام فيها والاستقرار، لكن إذا كان في مدينة ليست فيها مسلمون، ولا تقام فيها الصلاة فلا يحل له المقام فيها حتى يقيم الصلاة في الجماعة، وحتى يستطيع إظهار شعائر الدين؛ ولذلك بعض المدن الآن في اليابان تكون المدينة بكاملها ليس فيها إلا مسلم واحد مثلاً، فلا يجوز له المقام فيها إلا إذا كان ضيفاً مسافراً فقط، بل المقام الدائم لا يكون إلا في بلد تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة، وإذا مات المسلم فيه مات مع المسلمين.
ولذلك فإن الشيخ الشاذلي النيفر رحمة الله عليه ذكر في فتواه في حكم التجنس بجنسية غير إسلامية قال: (ومع أن الذي يخشى منه في بلادهم الخشية منه في بلاد المسلمين اليوم أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله!) ويقصد ببلاد المسلمين بلاده هو بلاد تونس، فلما يخشاه الإنسان على دينه فيها أعظم مما يخشاه في بريطانيا أو فرنسا.
فإذا كان البلد الذي سيهاجر إليه بلداً تقام فيه الصلوات والجمعة، وقد استقر فيه المسلمون واتخذوه داراً يأمنون فيه على شعائر دينهم فيجوز له ذلك، بل قد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن الماوردي أن أي مكان استقر فيه المسلمون وأمنوا على شعائرهم وأقاموا الصلاة فإنه أصبح دار إسلام، وهذا طبعاً مذهب للشافعية، وليس لدى كل الفقهاء، لكن بالنسبة للاستقرار إذا كان الإنسان في أي مكان تجري عليه أحكامهم، فأحكام الأمريكان الآن تجري على المسلمين في عقر دارهم، ولذلك إذا كان الإنسان ستجري عليه أحكامهم، فهذا المحذور منه الأصلي، ولذلك فتوى مالك صريحة في هذا الباب، وهي حرمة التجارة إلى أرض العدو عندما سئل عنها مالك فقال: (قد كتب الله لكل نفس أجلاً تبلغه ورزقاً ينفذه، وهو تجري عليه أحكامهم فلا أرى أن يخرج إليهم) فهذه فتوى مالك، لكن هذا عندما كان التمايز المطلق، وأما اليوم فكما قال الشيخ حسين المكي : (قد كان هذا إذ كان للمسلمين إمام يصدر منه أو من أحد المسلمين التابعين له الأمان للكفار طوعاً لا كرهاً، وأما اليوم فقد أصبحت الغلبة للكفار في الأقاليم الخمسة والله تعالى أعلم) هذا في أيامه هو، ويقصد بالأقاليم الخمسة القارات.
السؤال: ماذا عن الجهاد مع الحاكم؟
الجواب: إذا كان الإنسان ينتقد عليه بعض الأمور، فغزا الكفار بلداً من بلاد المسلمين مثل دارفور أو غيرها، فحينئذٍ يجب على المسلمين الجهاد في سبيل الله، ويجب عليه رد العدوان، والجهاد ماض إلى قيام الساعة مع كل بر وفاجر، لا ينقضه جور جائر ولا عدل عادل، فيجب الجهاد ولو كان الإنسان ينتقد بعض الأمور.
السؤال: هل الإنعاظ يبطل الوضوء؟
الجواب: إذا كان بلذة كالنظر أو الفكر، أي: بمقدمة جماع فإنه ناقض، أما إذا لم يكن كذلك كالانتصاب الذي يحصل بعد الاستيقاظ من النوم أو في الصباح أو نحو ذلك فهذا لا ينقض الوضوء، والمذهب المالكي أن الإنعاظ وحده إذا لم ينكسر عن شيء لا ينقض مطلقاً.
السؤال: هل يمكن أن يفعل الصحابي شيئاً ويعد بدعة؛ لأنني علمت أن بعض المعاصرين يعدون التلقين وتعليق التميمة من القرآن بدعة، وكل ذلك قد فعله الصحابة؟
الجواب: لا، لكن فعل غير المعصوم ليس بحجة؛ فالصحابي لا يبدع، لكن ليس معنى ذلك أن تستبيح ما فعله أي صحابي، فلو كان كذلك لاستبحت القتال بين المسلمين، فقد فعله الصحابة المشهود لهم بالجنة؛ ففعل غير المعصوم ليس بحجة، ولا يحتج بفعلهم حتى ولو كان ذلك الفعل مثل ما ذكر في تعليق التمائم من القرآن أو من الحديث كحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في سنن الترمذي وغيره.
ومع ذلك بالنسبة لتلقين الميت بعد الدفن فلا يعتبر بدعة بذاته؛ لأنه جاء فيه حديث ضعيف وهو الذي أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي، والحديث ضعيف، لكن مع ذلك هو مثال لما ذكر أهل العلم من إعمال الحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وقد قال بذلك أحمد بن حنبل وعدد من كبار الأئمة؛ قالوا: يعمل بالحديث الضعيف فضائل الأعمال، والمقصود بفضائل الأعمال مثل هذا، من الأمور السهلة التي ليس فيها حلال وحرام.
السؤال: إذا كانت المرأة تدرس النساء وقرأت فحاضت، فهل يجوز لها التدريس أم لا؟
الجواب: يجوز لها الإصلاح، ويجوز لها أخذ الجزء من القرآن، فيجوز أن تمسك الجزء وتعلم منه، ويجوز لها إصلاح ما أخطأن فيه، ومذهب الجمهور أيضاً أنها يجوز لها ختم القرآن كاملاً؛ لأن حيضها ليس رفعه في يدها، بخلاف الجنب؛ فرفع مانعه في يده، فيستطيع أن يغتسل فيرفع مانعه، والحائض ليس رفع مانعها في يدها.
السؤال: ما حكم الإنكار على السلاطين علانية، بدلالة الحديث الذي أخرجه أحمد والحاكم وغيرهما؟
الجواب: هذا فيما يتعلق بالخلفاء الذين بالإمكان أن يمسك الإنسان بيد أحدهم فيخلو به، أما السلاطين فليس هذا الحكم وارداً فيهم أصلاً؛ لأنك لا تستطيع أن تأخذ بيده فتذهب به كما في الحديث؛ فلا يمكن أن يقع ذلك، فإذاً لا بد من فهم الأمور وتنزيلها على واقعها.
السؤال: إذا انتقض وضوء الخطيب وهو على المنبر فكيف يصنع؟
الجواب: الخطبة يسن لها الوضوء ولا يجب، فيمكن أن يكمل خطبته ثم يذهب فيتوضأ ويصلي بالناس، وإذا كان يخاف استعجال الناس يمكن أن يوكل من يصلي بهم؛ فكونه الخاطب إلا لعذر من واجبات الجمعة كما هو معروف في المذهب المالكي وغيره، كونه الخاطب إلا لعذر، ومن العذر انتقاض وضوئه، فيمكن أن يخلف عليهم إنساناً آخر يصلي بهم.
السؤال: خروج نقطة بول بعد السلت والنتر ونحو ذلك ما حكمها؟
الجواب: بالنسبة لخروج النقطة بعد أن يستبرئ الإنسان ويستفرغ، بأن يسلت ذكره، فإذا خرج منه شيء بعد ذلك فإن أيقنه ورآه ولم يكن موسوساً اعتبره، وإذا كان موسوساً أو لم يوقن فإنه لا اعتبار لذلك؛ لأنه شك في مانع، والشك في المانع لا أثر له.
السؤال: قول المصنف: (وصل لما عسر بالمنديل) أليس هذا من ضعيف متن ابن عاشر ؟
الجواب: لا، لا شك أن الدلك الراجح في مذهب مالك وجوبه، وما عجز الإنسان عن الوصول إليه لا بد أن يدلكه، إما بمنديل أو إما بحبل وإما بتوكيل، وليس هذا من الضعيف في ابن عاشر .
السؤال: هل يجوز قضاء الدين بالقيمة إذا طال الزمن وانخفضت قيمة العملة الورقية؟
الجواب: إذا كان الانخفاض يصل إلى الثلث فأكثر فيعتبر ذلك الانخفاض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والثلث كثير )، كما في حديث سعد بن أبي وقاص، وإذا كان الانخفاض أقل من الثلث فلا اعتبار له؛ لأنه بمثابة الغبن، والغبن من شرط القيام به وجود الثلث كما قال ابن عاصم رحمه الله:
ومن بغبن في مبيع قام فشرطه أن لا يجوز العام
وأن يكون عالماً بما صنع والغبن بالثلث فما زاد وقع
فالحد بين القلة والكثرة هو الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والثلث كثير ).
السؤال: هل يجوز أخذ مبلغ على تحويل رصيد؟
الجواب: بالنسبة للتحويل مطلقاً ونقل المال أياً كان هو خدمة يقدمها الإنسان فيجوز له أخذ الأجرة عليها، لكن لا يكون ذلك من باب المصارفة، بل يكون من أخذ الأجرة على الخدمة التي يقدمها، وكل ما يجب على الإنسان يجوز له أخذ الأجرة عليه، كل أمر جائز لا يجب على الإنسان فعله يجوز له أخذ الأجرة عليه دائماً، وهذه قاعدة عامة.
السؤال: أحياناً أحلق لحيتي وأحياناً أخففها، فما حكم ذلك؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: ( وفروا اللحى )، وثبت عنه أنه قال: ( أعفوا اللحى )، وثبت عنه أنه قال: ( أرخوا اللحى )، وثبت عنه أنه قال: ( لكن أنا أمرني ربي بإعفاء لحيتي وإحفاء شاربي )، وهذا يقتضي توفير اللحية، وقد اختلف أهل العلم فيما تكون به اللحية وافرة؛ فذهب جمهورهم إلى أن القدر الذي تكون به اللحية وافرة هو قدر القبضة، هكذا، فهذا القدر الذي أقبضه بيدي هو القدر الواجب من أي جهة، وأن ما زاد على القبضة يجوز أخذه؛ فهذا الزائد على القبضة يجوز أخذه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يكون به الإنسان ملتحياً مخطوط الوجه ولو كان شيئاً يسيراً فإنه يحصل به التوفير؛ لأن التوفير مشكك، فلا يطلب أن تكون اللحية إلى ما لا نهاية، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر عن مالك رحمه الله أنه قال: (إنما يؤخذ من اللحية ما قبح وتطاير)، فالقبيح المتطاير يأخذ؛ لأنها هي في الأصل للزينة، وكذلك قال الشافعي بندب التحذيف، والتحذيف هو تهذيب اللحية حتى تكون مستوية؛ فهذا مندوب لديه؛ لأنه من حسن المظهر والجمال؛ ولذلك على الإنسان ألا يحلق لحيته مطلقاً، وأن يوفرها إلى القبضة، فهذا أكمل وأفضل، وما زاد على القبضة يجوز تركه وأخذه حتى يصل إلى قبضتين؛ فما زاد على القبضتين يكره تركه عند كثير من أهل العلم، وقد كان عدد من الصحابة يأخذون بالقبضة فيقطعون ما زاد عليها، وبعضهم فعل بالقبضتين.
السؤال: السلت والنتر يفتح باب الوسواس، ولم يصح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: نعم، لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يرو عنه أحد هذا الفعل بخصوصه، ولا يحل رؤية ذلك إلا لأزواجه، ولم يرد عن أزواجه أنهن كن يرين عورته صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، ولكن ثبت عنه الأمر بالاستتار من البول، والتحذير من عدم الاستتار من البول تحذيراً شديداً؛ ولذلك احتياط الإنسان باستفراغ الخارج أو المتهيئ للخروج هو مما لا يتم الواجب إلا به فلا بد منه، والنتر والسلت الشديد حرام؛ لأنه يوقع في الضرر؛ ولذلك ليس للإنسان إن يفعل كل ما فيه ضرر به.
السؤال: أريد لمحة عن كتاب السبكي جمع الجوامع؟
الجواب: السبكيون هم المنسوبون إلى سبك العبيد ببصر ومنهم عائلة علي بن عبد الكافي السبكي، فهي عائلة علمية مشهورة في القرن السابع الهجري والثامن، ومن أفرادها علي بن عبد الكافي الشيخ الذي يلقب بالشيخ الإمام، وابنه كذلك الإمام ابن السبكي، فهذه العائلة أشهر أفرادها هذان الشخصان، ابن السبكي مؤلف "جمع الجوامع" ومؤلف "طبقات الشافعية"، والسبكي الكبير الشيخ مؤلف "تكملة المجموع" ومؤلف "الفوائد" ومؤلف كتاب السبكي ؛ فهما أشهر رجال هذه الأسرة، وأشهر كتبهم هو "جمع الجوامع" في أصول الفقه.
وهذا الكتاب هو من أجمع كتب الأصول؛ ولذلك قال فيه مؤلفه: "نحمدك اللهم على منع الموانع عن إكمال جمع الجوامع، الحائز من الأصلين المورد ذوي الجد والتشمير، الوارد من زهاء مائة مصنف منهلاً، يروي ويمير، الحاوي لزبدة ما في شرحي على المختصر والمنهاج مع مزيد كثير"، فقد لخص فيه أكثر من مائة كتاب من كتب الأصول؛ (فهذا الحاوي من زهاء مائة مصنف منهلاً يروي ويمير)، وقد ذكر فيه المؤلف رحمه الله أصول الفقه، وبعد كمالها ذكر قواعد من علم الكلام؛ فقال: (ومما ينفع علمه ولا يضر جهله) هذا ينفع علمه ولا يضر جهله، (ومما ينفع علمه ولا يضر جهله) فذكر تلك القواعد، ومنها أن علة احتياج الأثر المؤثر حدوث، أو قال: البقاء والحدوث أو هما جزءا علة، وقيل: الإمكان أو الحدوث أو هما جزءا علة أو الإمكان بشرط الحدوث أقوال .. إلى آخر المسائل الكلامية التي ذكرها.
وهذا الكتاب من أهم كتب الأصول، وهو نثر مختصر ليس بالكبير، وقد وضع الله عليه القبول، فحفظه كثير من أهل العلم وشرحوه وخرجوا أحاديثه واعتنوا به ونظموه، وقد نظمه السيوطي رحمه بالكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع، ويقول في مقدمته:
لله حمد لا يزال سرمدا يؤذن بازدياد من أبدا
ثم على نبيه وحبه صلاته وآله وصحبه
وهذه أرجوزة محررة أبياتها مثل النجوم مزهرة
ضمنتها جمع الجوامع الذي حوى أصول الفقه والدين الشذي
إذ لم أجد قبلي من أبداه نظماً ولا بعقده حلاه
ولم يكن من قبله قد ألفا كمثله ولا الذي بعد اقتفى
هذه تزكية للكتاب، وفي نهاية هذا النظم يقول السيوطي رحمه الله:
بألف بيت عدها يقيناً وأربع المئين مع خمسين
بحيث إني جازم بأن لا يمكن الاختصار منه أصلا
وإن يرم أحدنا ينشيها يأتي بها أكثر من ضعفيها
ولكنه ترك القواعد الكلامية فلم ينظمها، ونظم بدلها فوائد من ابن القيم، وهي ما يحتاج للإنسان إلى التفريق بينه فقال:
والمرء محتاج إلى أن يعرف فرق أمور في افتراقها
خفى كالفرق بين العجز والتوكل والحب لله ومعه المنجل
إلى آخر نظمه.
السؤال: هذا يسأل عن بيان عملي لكيفية الغسل بالتمثيل، وذكر التفاصيل في ذلك.
الجواب: الإنسان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة فدخل مغتسله فعليه أن يبدأ أولاً بغسل يديه ثلاثاً، ثم يغسل فرجه وموضع النجس منه، ثم بعد ذلك يبدأ بالوضوء، فيتمضمض ويستنشق ويستنثر، ويغسل وجهه، ثم يغسل يده اليمنى إلى المرفق، ثم يده اليسرى إلى المرفق ويمسح برأسه، ثم بعد ذلك يغسل رجليه، يبدأ برجله اليمنى ثم برجله اليسرى، وإن شاء أخرهما حتى يخرج من مكانه، ثم يغسل رقبته ويبدأ قفاه قبل وجه الرقبة؛ لأن العضو يغسل ظهره قبل بطنه، ثم بعد ذلك يغسل شقه الأيمن ويبدأ بعاتقه ثم عضده ثم بظهره ثم بجنبه ثم ببطنه حتى يصل إلى ركبته، أو يغسل ساقه أيضاً مع ذلك، ثم يرجع إلى جنبه الأيسر فيغسل عاتقه وعضده ثم ظهره ثم جنبه من الإبط ثم بطنه، والمقصود به وجه الشق كله إلى نهايته، ولا يمس ذكره في غسله بعد أن غسله في المرة الأولى، وإذا فعل توضأ بعد الغسل، هذا هو الغسل المشروع.
أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما بارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً صالحاً متقبلاً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً، ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً، إنها ساءت مستقراً ومقاماً، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل قدير.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واختم بالحسنات آجالنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر