إسلام ويب

فضل العشر الأواخرللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خص الله تعالى شهر رمضان بالتنافس بين المحبين إليه بالأعمال الصالحة، وخص العشر الأواخر منه بمزيد عناية؛ ففيه ليلة القدر، من وفق لقيامها فقد ازداد عمره وغفر ذنبه، ومما يؤدي إلى إتقان هذا التنافس إدراك الإنسان لحال السلف الصالح في هذه العشر، وعلى رأس هؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان إذا دخلت العشر أحيا ليله وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر.

    1.   

    فضل ليلة القدر

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن المؤمن المصدق بوعد الله تعالى وبمصيره إليه محب لحسن الخاتمة، ولا يرضى أن يكون من الذين يردون إلى أرذل العمر أو يقلبون في شر منقلب، بل يريد أن يكون من الذين ختامهم أحسن من بدئهم؛ ولذلك لابد أن يحرص على الازدياد من الخير في أخريات العمر، ومثال ذلك أخريات المواسم ونهاياتها، فقد صح في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وكان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها )؛ ولذلك خص الله تعالى هذا الموسم العظيم الذي هو شهر رمضان بهذا التنافس بين المحبين لما عند الله والراغبين فيما عنده، والمتقربين إليه بالأعمال الصالحة.

    وخص العشر الأواخر منه بمزيد عناية؛ ففيها ليلة القدر كما صح في الصحيح: ( أن عدداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت أنها في السبع الأواخر من رمضان، فمن كان يلتمسها فليلتمسها في السبع الأواخر منه )، وفي الصحيح كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان )، وفي صحيح مسلم أنه قال: ( التمسوا ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر من رمضان )، وهذا كله يدل على أن أرجى أوقاتها هذه العشر، وأن أرجى العشر أيضاً السبع الأواخر منها، وأن أرجاها الأوتار، فأوتارها هي أرجاها؛ ولذلك هي ربح عظيم؛ لأن الإنسان حريص على زيادة العمر؛ ولهذا يتعالج إذا مرض ويجري العمليات الجراحية المعقدة من أجل الشفاء من أي مرض لرغبته في زيادة عمره ولو بمدة يسيرة.

    وليلة القدر من وفق لقيامها فإنه يزداد عمره بمدة طويلة، وهذه المدة أقلها ثلاث وثمانون سنة وستة أشهر؛ لأنها خير من ألف شهر، فأقل ما تزيد به ليلة القدر العمر ثلاث وثمانون سنة وستة أشهر، وهذا في حق أقل الناس تضعيفاً، أما من سواهم فيمكن أن يضرب له هذا في ألف مثلاً؛ فيكون عمره كأعمال الأولين كأعمار الذين في عصر نوح ومن قبله، ويكون كالذي أنفق عمره كله في طاعة الله، ولم يجعل شيئاً منه في غير ذلك.

    وقد صح في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؛ فذكر أنها أخفيت، وأن ذلك عسى أن يكون خيراً لهذه الأمة، وما ذلك إلا لطلب المنافسة؛ فيقصد أن يتنافس الناس في طلب الخير؛ ولهذا أخفى الله ليلة القدر، وكان بالإمكان أن يجعلها بارزة بالنص، وأن يعينها، لكنه أخفاها ليزداد التنافس بين المؤمنين الراغبين فيما عند الله، وليصدقوا عزمهم ويصدقوا إيمانهم، فهذا العزم وهذا الإيمان إذا لم يصحبه عمل يصدقه ذهبت به الريح، ولذلك لابد أن يكون الإنسان مصدقاً لزعمه ولدعواه، وتصديق ذلك لا يكون إلا بالعمل الجاد، وقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ[المؤمنون:60-61].

    وقد أخرج الترمذي وغيره بإسناد حسن عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ( أرأيت لو وفقت لليلة القدر ما أقول فيها؟ فقال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )، وفي رواية زيادة الثناء: ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعف عني )، وقد ورد عن فاطمة رضي الله عنها أيضاً سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء تقوله في ليلة القدر إذا وفقت لها؛ فقال لها مثل ما قال لـعائشة :( اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني ).

    1.   

    التنافس على الطاعات في شهر رمضان

    وقد كنا في هذا الشهر الكريم يتنافس الناس فيه في فعل الخيرات وترك المنكرات، والتقرب من الله سبحانه وتعالى، وها هو الآن قد وقف بثنية الوداع وهم بالإقلاع، فلم يبق منه إلا ليال محصورة، وسرعان ما يذهب، وإذا ذهب فقد لا يعود أبداً فيا رب صائمه لن يصومه! ويا رب قائمه لن يقومه!

    وكثير من الذين شهدوه الآن وحضروا فيه، وكانوا من المتنافسين أو من الغافلين لن يأتي رمضان القادم إلا وهم بين الجنادل والتراب قد أصبحوا مراتع للدود بين اللحود.

    ولذلك لابد أن يجتهد الناس في إدراك ما بقي منه وبالأخص إذا كان ذلك عن تضييع؛ فإذا كان الإنسان قد ضيع أوائل الشهر فعليه أن يجتهد في إدراك بقيته؛ فقد قال الحسن البصري رحمه الله: "إن عمراً ضيع أوله لجدير أن يحفظ آخره"، ولذلك يحتاج الإنسان إلى الاجتهاد في بقية هذا الشهر وإدراكه قبل أن يفوت الأوان؛ لأنه فرصة إذا ذهبت قد لا تعود أبداً، ولذلك تطوى الصحائف ويختم عليها حتى لو عاش الإنسان لرمضان آخر، فصحائف هذا الشهر تطوى ويختم عليها، ولا تنشر إلا عند العرض على الله سبحانه وتعالى.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه في رمضان: ( اللهم سلم لنا رمضان وسلمه منا )، فيحتاج الإنسان إلى أن يسلم من هذا الشهر حتى لا يعتدي عليه، ويحتاج أن يسلم له الشهر بأن يوفق لصيامه وقيامه والعمل الصالح فيه؛ فإن كثيراً من الناس لا يسلم لهم رمضان، بل تأتيهم الأعذار التي بعضها موجب للفطر، وبعضها مبيح للفطر وبعضها يمنع من قيام الليل، فيسافر الإنسان سفراً تافهاً لأبسط الأسباب وأقلها فيفطر، فكيون ممن لم يسلم لهم رمضان، وكذلك يأتيه شاغل في ليلة من الليالي من صداع أو نعاس أو غير ذلك فينام عن قيام الليل فيشغل عنه، والمفرطون هم الذين ينقص ما كانوا يعملونه من الأعمال قبل رمضان في هذا الشهر؛ فإذا كان لإحدى الأخوات ورد من صلاة، مثلاً كانت تصلي الضحى ثمان ركعات، أو لها ورد من الصلاة في غير ذلك فشغلت عنه في رمضان فهذا تفريط؛ لأن هذا الشهر يجتهد فيه في الطاعة ما لا يجتهد في غيره كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك لابد أن نتدارك ما بقي منه وأن نجتهد في هذه العشر بخصوصها.

    وهذا الاجتهاد فيها يقتضي من الإنسان أن يظهر عليه في سلوكه وعبادته الإحسان؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محسناً طيلة السنة وعبادته ديمة، وكان أحب العمل إليه ما كان يداوم عليه صاحبه، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يفعل عبادة فيتركها، فكان إذا صلى أية صلاة يحافظ عليها، ومع ذلك كان الذين حوله يلاحظون زيادة في شهر رمضان، ثم يلاحظون زيادة في العشر الأواخر منه كما في حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وكان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها )، فإذا كان هو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، واصطفاه الله على الثقلين - الإنس والجن - وشرفه بأنواع التشريف، وأعد له المقام المحمود والدرجة الرفيعة عند الله تعالى يجتهد هذا الاجتهاد، فكيف بنا نحن الذين لا ندري مصيرنا، ولا ندري ما يفعل بنا؟!

    إن هذا الاجتهاد يقتضي منا تذكر المنافسة والمسابقة إليها والمسارعة، وقد صح في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان كل عام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً من رمضان )؛ فهذا يدل على أن أواخر العمر ينبغي الاجتهاد فيها كما قلنا، ونحن لا ندري أواخر أعمارنا، وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ[الأعراف:185]، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاعف ما كان يفعله من الاعتكاف في العام الذي قبض فيه بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وسلم؛ فهذا يدل على أن من سواه هو الأسوة الصالح لهم والقدوة الحسنة، وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21].

    والنداء الآن مرفوع؛ فمنادي الله ينادي: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر" والمنافسة مفتوحة الباب، ونتائجها ستعلن في ليلة العتق، وهي آخر ليلة من ليالي رمضان، ستعلن النتائج فيعتق الله رقاب الصائمين والصائمين، أي: المخلصين الصادقين في ذلك من النار، وهذا العتق يقتضي ألا تبدل أمورهم أبداً، فيقتضي حسن الخاتم، ويقتضي الاستمرار على الإيمان إلى الموت، ويقتضي إحسانهم؛ لأنهم يستحقون الجنة بتلك الطاعات التي يوفقون لها.

    ولهذا علينا أن نعلم أن هذا السباق الذي قد بدأ علينا أن نكون فيه من الفائزين، ولا يكون ذلك إلا بتضعيف العمل وزيادته؛ فمن كان يصلي قدراً من القيام في ليالي رمضان الماضية عليه أن يجتهد في أن يضاعف ذلك الآن فقد ضاعف رسول الله صلى الله عليه وسلم العمل فيها، ومن كان يحسن صومه فيكف جوارحه عن المعاصي عليه أن يكفها أيضاً عن المكروهات وعن بعض المباحات؛ تقرباً إلى الله ليزيد حسن صومه.

    ومن كان يتصدق أو ينفق فعليه أن يزيد في ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من فطر صائماً ولو على مذقة لبن كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء )، وكذلك إذا كان ينفق على الذين لا يستطيعون الصوم وهو صائم؛ فقد صح في حديث أم العلاء رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاها هو وبعض أصحابه، فأعدت لهم طعاماً، فلما قربته للأكل قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلي؛ فقالت: إني صائمة، فقال: إن الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة حتى يفطر )، وفي رواية: ( حتى ينتهوا )، فإذا أكل عند الصائم - أي: أكل عنده إنسان آخر مفطر - وكفه هو صومه عن أن يأكل؛ فإن الملائكة تصلي عليه.

    ولا شك أن كل واحدة منكن راغبة في دعاء أخواتها وفي دعاء من تلتمس فيه الخير، فكيف بدعاء الملائكة الذين لا يرد الله لهم دعاء، وهم الذين لا يشفعون إلا لمن ارتضى، فلا يمكن أن يدعوا لأحد إلا إذا كان مرضياً عند الله؛ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ[الأنبياء:28].

    ولذلك على الإنسان أن يضاعف الجهد في هذه العشر؛ فينفق على المفطرين، ويفطر الصائمين ليدعو له الملائكة، وليحصل له أجرهم دون أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، وإذا كان الإنسان في هذه العشر يمكث وقتاً لمخالطة الناس وشرب الشاي معهم أو لمساءلتهم في أمور الدنيا فعليه أن يكف نفسه عن ذلك الآن حتى لو كان مباحاً؛ فالوقت الآن وقت ضيق جداً، فما وقتنا الآن إلا بمثابة المقرب للقتل الذي رفع السيف فوق رأسه، ولذلك لابد أن نستغله في أفضل القربات وأولاها وأربحها عند الله، والناس جميعاً يغدون فيتنافسون في القرب، وهم متفاوتون فيه تفاوتاً عظيماً؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل الناس يغدو فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها ).

    1.   

    الاجتهاد في العشر الأواخر

    إن هذه العشر التي هي نهاية هذا الشهر وهي لبه، وقد عرفها أهل العلم فقالوا: عشر رمضان الأواخر هي بمثابة الفاتحة في القرآن، وقد افتتح الله القرآن بالفاتحة، وختم رمضان بالعشر الأواخر منه، وأنتم تعرفون فضل الفاتحة في القرآن؛ ففضلها عظيم جداً وهي خلاصته، وقد جمع الله فيها جميع علوم القرآن، وكل ما جاء في القرآن من العلوم سواءً كان يتعلق بالتوحيد وصفات الله وأسمائه، أو كان يتعلق بالثناء عليه، أو كان يتعلق بدعائه والاستعانة به، أو كان يتعلق بالعبادات، أو كان يتعلق بالمعاملات، أو كان يتعلق بأخبار يوم القيامة، أو كان يتعلق بضلال الضالين في الحياة الدنيا وغضب الله على المغضوب عليهم، كل ذلك جاء في الفاتحة، فتناولت كل ما تناوله القرآن من العلوم؛ فكذلك هذه العشر هي خلاصة رمضان، وعلى الإنسان أن يجتهد فيها فيختم بخير.

    وهذا الاجتهاد لا يمكن أن يكون بمجرد الادعاء، ولا يمكن أن يحصل عليه الإنسان ببساطة؛ لأنه أمر من أمور المجاهدة، فيذوق فيه الإنسان طعم مجاهدة نفسه، والمجاهدة لا تتم إلا بالإعداد من قبل؛ فالإنسان الذي يريد أن يقفز يرجع إلى الوراء، ويسرع على الأرض ثم يقفز بعد ذلك، والطائرة إذا أرادت أن تقلع لابد أن تسرع أولاً على المدرج لتقلع بعد ذلك؛ وكذلك لابد من التسخين قبل الانشغال بهذه الرياضة الروحية العظيمة، وهذا التسخين يقتضي منا أن نعزم الآن تمام العزم على ألا يفوتنا وقت قل أو كثر من هذه العشر، وأن نجتهد فيها غاية الاجتهاد.

    فمن استطاع منا الاعتكاف فهو أفضل، يعتكف في المساجد، ويصرف نفسه عن أهل الدنيا وما هم فيه، فيكون في معتكفه كأنما هو في قبره، والمعتكف الذي جعله يخصص في المسجد ليس لفضل تلك المنطقة وحدها من المسجد، ولكن ليتذكر الإنسان حبسه في قبره، فإذا كانت المرأة المعتكفة تلزم مكاناً واحداً في المسجد لا تتعداه، تصلي فيه وتقرأ فيه القرآن، وتذكر الله فيه وتلازمه، فلتتذكر به قبرها وملازمتها لذلك المكان الذي هي محبوسة فيه لا تستطيع التصرف يميناً ولا شمالاً، وبهذا يكون الاعتكاف رحلة إلى الآخرة ومذكراً برحلة الموت، فيستفيد منه الإنسان رياضة روحية عجيبة؛ والإنسان الآن يشق عليه مفارقة أهله وأصحابه، ويشق عليه الخروج من مألوفه؛ فإذا سافر نقص نومه؛ لأنه يأتي إلى مكان لم يكن يتعود النوم فيه، وإذا وصل إلى مكان مظلم أو موحش تأثر بذلك، والقبر لا شك موحش مظلم، وقد قال الشاعر:

    أنى حللت وكنت جد فروقة بلداً يحل به الشجاع فيفزع

    فهذا المكان يحل به الشجاع فيفزع، وتلك المرأة كانت فروقة، أي: تفرق وتخاف من كل شيء، فقد حلت في ذلك المكان الذي يحل به الشجاع فيفزع.

    ولهذا لابد أن يتأهب الإنسان للموت، وأن يستعد لهذا الموت الذي هو آت لا محالة، والاستعداد له إنما يكون بهذه الرياضة الروحية التي يجتهد فيها الإنسان في الطاعة، وإذا كان يريد أن يكون من الناجحين الفائزين في هذه المسابقة فليعلم أن ذلك لا يكون بالتمني ولا بالظنون، ولا يمكن أن يكون بمجرد أن يكون في بداية الشهر قد لزم قدراً معيناً من الصيام وقدراً معيناً من القيام وقدراً معيناً من الختم وقدراً معيناً من الصدقة، ثم توقف نموه ووقف عند هذا الحد، فمن كان كذلك فإنما هو بمثابة الصبي الذي إذا بلغ عشر سنين توقف نمو عقله، فيكون معتوهاً بين الناس ناقص العقل حتى في كبره.

    1.   

    الأسباب المقوية لعزيمة الإنسان في شهر رمضان

    الإنسان الذي ابتدأ بداية رمضان فكان مع المصلين والصائمين عليه أن يزيد بالتدريج، حتى إذا بلغ العشر أكمل طاقته ووصلت عبادته إلى نضجها وتمام إتقانها وإحسانها.

    وهذه العزيمة لابد أن يأتي ما يقويها قبل أن تقع، وتقويتها تقع بعدد من الأسباب:

    معرفة ما للعشر من الفضل

    السبب الأول: معرفة ما للعشر من الفضل، ومعرفة أنها فرصة قد تفوت ولا ترجع، ومعرفة أن الإنسان قد يكون قد دنا أجله وهو لا يشعر بذلك؛ فكم من إنسان الآن أكفانه منسوجة موضوعة في المحلات، هنا في الحوانيت وهي تنتظر موته، وكم من إنسان قد حدد مكان قبره وعرف، وهو لا يستشعر ذلك؛ فلذلك مما يدعوه ويحفزه للعمل أن يعرف أن مدة العمل إنما هي مدة هذه الحياة، وأنه إذا مات لم تتح له فرصة لإحسان العمل بعد أن انتقل من هذه الحياة التي هي دار عمل ولا جزاء.

    النظر لحال المتسابقين

    ثم بعد ذلك مما يحفز الإنسان على إتقان هذه المسابقة رؤيته للمتسابقين وإدراكه لحالهم؛ فللإنسان الذي ينظر إلى العباد الذين تكليفهم وتكليفه واحد، وما يرغبون فيه واحد، وكل منهم يرغب في مجاورة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الفردوس الأعلى من الجنة، وكل منهم يرغب في أن يكون من عباد الله المخلصين المخلصين، وكل منهم يعلم أن الله أنعم عليه بما لا يستطيع أن يعده من أنواع النعم، وأن هذه النعم تستحق الشكر، وكل منهم يرغب في المزيد من نعمة الله، ويعلم أن ما عند الله من النعم لا ينال إلا برضاه؛ فإذا كانوا يسبقونه في العبادة والتقرب إلى الله والزلفى فإنه مغبون لا محالة، ولا شك أن كل واحدة منكن إذا أحست بأن في هذا المكان مفاتيح الجنة، وأن السباق قائم والناس يسرعون، وكل إنسان يأخذ مفتاح مقامه من الجنة ستبذل قصارى جهدها في أن تكون من السابقات، وألا تكون في آخر القائمة.

    إن مفاتيح الجنة هي هذا العمل؛ ولهذا قال إبراهيم الخليل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج: (أبلغ أمتك أن الجنة إنما هي قيعان، غراسها التكبير والتسبيح والتهليل)، فهذه هي غراس الجنة، كل من ذكر الله ذكراً واحداً غرست له به شجرة في الجنة.

    1.   

    حال النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان

    ومما يؤدي إلى إتقان هذا التنافس إدراك الإنسان لحال السلف الصالح، وهم الأسوة والقدوة، فمن عرف حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وما يتميز به، وعرف أنه في طيلة السنة كان أحسن الناس خلقاً، وكان أكرمهم وكان أكثرهم عبادة وقال: ( إن أخشاكم لله وأتقاكم لله أنا )، وقال: ( إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم لما أتقي )، فهو بهذه المثابة في طيلة العام، ومع ذلك يلحظ أصحابه هذه الزيادة كما في حديث جابر رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف من حاله التغير عندما يدخل شهر رمضان )، وفي حديث ابن عباس كذلك قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان؛ فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ).

    وكذلك حاله في الاعتكاف؛ فقد سبق أنه (اعتكف في العشر الأوائل من رمضان، فأتاه جبريل بعد أن أحسنها وأتقنها؛ فقال: إن الذي تطلبه أمامك؛ فاعتكف العشر الأواسط منه وأحسن فيها وأتقن، فأتاه جبريل بعد نهايتها فقال: إن الذي تطلبه أمامك، فاعتكف العشر الأواخر من رمضان ولم يزل يعتكفها حتى لقي الله).

    وقد ذكرنا في حديث أبي هريرة أنه في العام الذي قبض فيه اعتكف العشر الأواسط والعشر الأواخر معاً، وفي حديث عائشة ذكرنا: ( أنه كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، ويجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها )، وفي حديث عائشة أيضاً في الصحيحين قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر )، وهذه أربعة أمور جديدة من أعمال النبي صلى الله عليه وسلم التي يزيد فيها الطاعات بعد أن تدخل العشر، (أحيا ليله) أي: كله، ففي رمضان كان يحيي الليل ويقومه، لكن كما قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ[المزمل:20]، فقد كان تارة يقوم ثلث الليل وتارة نصفه وتارة أقل من ذلك وتارة ثلثيه، لكن في العشر يقوم الليل كله.

    (وأيقظ أهله) أيضاً قد كان أهله ينامون في رمضان، فإذا دخلت العشر يوقظ أهله فمنعهم من النوم، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ( أيقظوا صواحب الحجر، فيا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة )، (أيقظوا صواحب الحجر) وهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن، وهن لا شك يشعرن بهذا السباق أكثر من غيرهن، فقد أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما قرأ عليهن في شأنهن، وهو قوله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ[الأحزاب:30-32]؛ فلذلك ضاعف الله لهن الحسنات وأوعدهن أيضاً بتضعيف السيئات، أجارهن الله من ذلك؛ ولهذا كن يتسابقن في الطاعات.

    وفي حديث عائشة في الصحيحين قالت: ( اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان، ولم يزل يعتكفهن، واعتكفهن أزواجه من بعده )؛ فأزواجه كن يعتكفن من بعده العشر الأواخر من رمضان، وكن يتنافسن في ذلك.

    وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى أخبية قد ضربت وهي القباب التي ضربتها أمهات المؤمنين في المسجد فنظر إليهن فقال: ( آلبر ترون بهن؟ )، أي: هل الذي حملهن على هذا هو البر وطلب ما عند الله؛ فلابد من تذكر ذلك.

    ولابد أن نعلم أن كثيراً من العابدين حوافزهم للعبادة ليست البر، بل يفعلون ذلك رياءً وتسميعاً، فحظهم من صومهم العطش والجوع، وحظهم من قيامهم السهر والتعب، ولا يتقبل الله منهم؛ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ[المائدة:27]؛ ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا فقال لأمهات المؤمنين: ( آلبر ترون بهن؟ ).

    والأمر الثالث من أمور النبي صلى الله عليه وسلم في العشر شد المئزر، أي: اعتزل أهله، وهذا يقتضي اعتزال جميع الناس؛ لأنه إذا كان يعتزل أهله الذين تجب عليه حقوقهم ونفقاتهم وشؤونهم، فكيف بمن سواهم من الناس! وهذه العزلة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجر لها، أي: يجعل مكاناً محجراً في المسجد لا يدخل عليه فيه أحد، وكان ذلك المكان يقام له فيه حصير فيصلي بداخله، فإذا قام أو ركع رأوه، وإذا سجد أو جلس لم يروه، وكان صلى الله عليه وسلم يدخل ذلك المعتكف فيستمر فيه؛ فلذلك قالت: ودخل معتكفه.

    (وجد) هذا الأمر الرابع، هو الجد؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم حسن الخلق، صاحب دماثة خلق، وصاحب بسطة في وجوه الناس، لا يخاطب أحداً قط بما يكره، ويمازح ولا يقول إلا الحق، لكن إذا دخل العشر انقطع المزاح؛ إنما يأتي وقت الجد والتشمير، ولذلك يجد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعد يتكلم مع الناس في أمور دنياهم، ولم يعد يمازح أحداً مع ما كان عليه من حسن المعاشرة والممازحة؛ لأنه في ذلك الوقت يصفو في معاملة الله سبحانه وتعالى وينقطع عن معاملة الناس؛ ولذلك قالت: (وجد وشد المئزر).

    وهذه الأمور كلها بالإمكان أن نعمل بها، ولابد أن نزيد عليها؛ لأن ما كان لدينا نحن من التقصير عن اللحاق به وعن التقصير عما كان هو عليه في غير رمضان مما جعل الله لنا فيه إسوة حسنة، فعلينا أن نحاول الائتساء به.

    1.   

    الحرص على أنواع الطاعات والبر في العشر

    إذا استطاع الإنسان أن يخلص يوماً كاملاً ليفوت به الشيطان فهذا ربح، ولو يوماً واحداً من حياته يفوت به الشيطان، يجد فيه ويجتهد، فلا يتكلم إلا برضوان الله، ينقطع عن اللغو، ويكف جوارحه عن المعاصي، يبقى في المسجد لا يخرج منه إلا لحاجة ضرورية، ويجتهد في أن يختم يوماً من أيام السنة يكون على الأقل في عمره يختم يوماً أو ليلة؛ فـعثمان كان يختم القرآن كاملاً في ركعة واحدة في الوتر، ونحن إذا مضت أعمارنا فلم يكن واحداً منا ختم ليلة من الليالي أو يوماً من الأيام فهذا نقص كبير في حق مسابقة الذين نريد مزاحمتهم على النبي صلى الله عليه وسلم كـعثمان وإخوانه.

    الحرص على الإنفاق

    وكذلك الإنفاق سواءً كان على المفطرين أو على الصائمين، وقد سبق الترغيب فيه وبيان فضله في الأحاديث الصحيحة، فإذا كان الإنسان يفعل منه ما تيسر له في أول الشهر فعليه الآن أن يجعل برنامجاً لنفسه يزيد فيه، فقد كان على الإنسان في طيلة العام ثلاثمائة وستون صدقة في كل يوم، ( كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، ويجزئ من ذلك ركعتان يصليهما في الضحى)، فإذا كان يؤدي ذلك، فعليه أن يزيد في شهر رمضان شهر الإفضال الذي تفتح فيه أبواب الجنة فتصل نفحاتها إلى أهل الإيمان.

    ثم عليه أن يزيد في العشر ويحاول الازدياد من الكرم والجود والسخاء، فهو يخالط القرآن، فكأنه يدارسه جبريل القرآن؛ لأن هذا القرآن الذي نقرؤه الآن هذه هيأته التي جاء بها جبريل من عند الله سبحانه وتعالى لم يتغير منه شيء ولم يبدل، هو كما أنزل، فالذي يقرؤه كأنما يدارس جبريل القرآن لأنه كما هو، كعهد جبريل به.

    الازدياد من أنواع الخيرات

    كذلك لابد أن يحرص الإنسان على الازدياد من أنواع الخيرات التي لم يفعلها من قبل؛ فإذا كان الإنسان لم يعتمر من قبل فعليه أن يجتهد في أن يعتمر عمرة في رمضان فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عمرة في رمضان كحجة معي )، وإذا كان الإنسان لم يعد المرضى من قبل ولم يتعود على ذلك فعليه أن يبادر لذلك وإذا كان لم يصل رحمه من فترة فعليه أن يبادر لصلتها.

    وهكذا في كل أنواع الطاعات التي قد يغفل عنها الإنسان، فعليه أن يجتهد فيها، وقد كان ابن الزبير رضي الله عنهما من الذين يجتهدون في الطاعات التي لا يجد الناس لها وقتاً أو لا يحسنونها؛ ولذلك كان يصوم سبعة أيام وصالاً، ويصبح في اليوم السابع أقواهم وأبسطهم نفساً، وكان يطوف في الوقت الذي غلب فيه السيل على الكعبة، كان يطوف سباحة، ولم يفعل ذلك أحد سواه، فيجتهد في الطاعات التي لا يفعلها أحد سواه؛ لأنه يطرق الأبواب على الله سبحانه وتعالى، ويلتمس حوائجه، فيطرق أبواب الطاعات التي لم يطرقها من سواه.

    وهذا الفضل العظيم يوفق الله له من شاء من عباده، وعلى الإنسان ألا يحتقر نفسه، فليس أولئك أقرب إلى الله منا، فنحن جميعاً عباد لله، وتكليفنا واحد، وما نرغب فيه عند الله واحد؛ ولذلك علينا ألا نحتقر أنفسنا إذا سمعنا حياة أولئك فنقول: كيف نلحق بهم وكيف نفعل! فأولئك أجسامهم وأرواحهم مثل أرواحنا، وتكاليفهم مثل تكاليفنا، والفرق بيننا وبينهم هو فقط اختلاف زماننا عن زمانهم، وهذا إيجابي لصالحنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وددت لو رأيت إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني، للواحد منهم أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله، منا أو منهم؟ قال: بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعواناً، ولا يجدون على الحق أعواناً )، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يرى إخوانه فعلينا نحن أن نتمنى أن نراه هو، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بالعمل الذي يجعلنا نلتقي به في الفردوس الأعلى من الجنة.

    فالعمل الذي يدخل به صاحبه الجنة، لكن يكون في ربض من أرباض الجنة في أسفلها؟ كيف يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الفردوس الأعلى من الجنة؟ (وأهل الجنة يتراءون الغرف كما يتراءى أهل الأرض الكوكب الدري في السماء)، ولذلك الذي يريد أن يراه وأن يلقاه وأن يكون من أهل جواره عليه أن يبذل قصارى جهده فيما يلحقه به من الطاعات.

    والنقطة الثانية الإيجابية في حقنا هي ما بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم من بشارة عظيمة، فيما أخرج الترمذي في السنن بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( أنتم في زمان من ترك فيه عشر ما أمر به هلك، وسيأتي على الناس زمان من أتى فيه بعشر ما أمر به نجا )، فالعشر منج إن شاء الله إذا كان مع الإخلاص والصدق، ولكن لا تكفي النجاة فقط، بل على الإنسان أن يحرص على أن يصل إلى الفردوس الأعلى من الجنة.

    1.   

    مضاعفة الشيطان لجهوده في شهر رمضان

    إن هذا الموسم العظيم الذي بين أيدينا وقد أقبل، ولم يبق بيننا وبينه إلا اليسير من الوقت من المواسم التي يضاعف فيها الشيطان جهوده؛ يريد أن يصرف الناس عن سبيل الله.

    والشيطان في الأصل كيده ضعيف وجهوده ضعيفة، لكن له شبكات كبيرة يستغلها، وهذه الشبكات منها شياطين الإنس، الذين يحاولون أن يكلموا الإنسان أن يسمعوه كلمة سوء، فيرسل الشيطان كلمة على لسان أحدهم ليجيبه المؤمن ليقطع عليه ما هو فيه من الطاعة والعبادة، وهذا ما حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن أحد سابه أو شاتمه فليقل: إني صائم.. إني صائم ).

    ويحاول الشيطان الدخول على الإنسان من مختلف الأبواب؛ يخيل إليه أنه مريض، يخيل إليه أنه مرهق، يخيل إليه أنه أدى من الطاعة ما يقتضي إعجاباً في نفسه، يخيل إليه أنه من المغبونين ومن المتأخرين ولا يمكن أن يلحق بالسابقين؛ حتى ييأس من رحمة الله، ويخيل إليه أنه قد غفرت ذنوبه، وأنه الآن لم يبق له إلا كفة واحدة حتى يعجب ويشتغل بالظنون والأماني، يخيل إليه أيضاً أنه قد أوجب النار وأن السيئات جميعاً قد تزاحمت عليه، وأنها غلبت حسناته ورجحتها؛ حتى ييأس من روح الله.

    فهذه الشبكات التي يعدها الشيطان على الإنسان أن يحاول النجاة منها في هذا الموسم؛ لأنه سيضاعف جهوده ويبذل قصاراها؛ ونحن نعلم أن أهل الإيمان يضاعفون جهودهم في الطاعة، وعلى المقابل أيضاً أهل الفجور يضاعفون جهودهم ليصدوا أهل الإيمان عن ذلك، وهذا من كيد الشيطان وعمله، فهو يسعى لتقليص طاعة الطائعين وتقليلها، وأن تكون مدخولة من أي وجه من الوجوه، فيحاول الدخول من جهة العقائد، فيشكك الإنسان في هذا الفضل الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو في المزية الواردة فيه، ويقول له: ما يريد الله بعبادتك، ولا يحتاج إليك ولا إلى أحد من خلقه، وهذا صحيح، نعم لا يحتاج الله إلينا، لكن الطاعات نحن نحتاج إليها؛ ( يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ).

    وعلينا أن نسد الباب أمام وساوس الشيطان من الآن، وذلك بسد هذه المنافذ جميعاً، وألا يبقى وقت أصلاً للتفكير في منافذ الشيطان إذا استغرق الإنسان في الطاعة، فكن مشغولاً فيها مسابقاً، فإنه سيسد المنافذ على الشيطان.

    1.   

    السباق والمسابقة في شهر رمضان

    ومثال المتسابقين الآن مثال الإنسان الذي قيل له: اختم هذا الكتاب قبل غروب الشمس، وإذا ختمته فلك الجائزة الكبرى والشمس قد دنت للغروب؛ فإنه سيبادر غاية المبادرة قبل أن يأتي الظلام وقبل أن تغرب الشمس، ويحال بينه وبين الكتاب؛ فهو مستغرق فيه، وإذا كلمه الإنسان لم يسمعه، وإذا ناداه لم يسمعه، وإذا لسعته عقرب لم يحس بها!

    وهذا الإقبال الشديد يراد أن نكون عليه الآن في هذا الموسم العظيم، ولا يكون ذلك كما ذكرت إلا بالاستعداد له قبل أن يأتي والعزيمة عليه، وبيان حال المتنافسين.

    وعلى الإنسان إذا شعر أن مكاناً من الأمكنة فيه بعض المتنافسين في هذه الطاعات في الاعتكاف عليه أن يزورهم، وإذا كان هو مشغولاً عن الاعتكاف أو كان لديه تقصير أو قصور أو غلظة أو قسوة، فأحس بمسجد من المساجد فيه بعض المقبلين على الله عليه أن يزورهم في الله سبحانه وتعالى؛ ليصل إليه شيء من الروح والريحان الذي هم فيه، وليحس بروح المسابقة والمنافسة، وعليه ألا يكلمهم وألا يقطع عليهم ما هم فيه، لكن يقف عليهم وينظر إلى ما هم فيه، وإذا لم يعظه حالهم، فعليه أن يقف على الموتى فينظر إلى حالهم فكفى بالموت واعظاً.

    مضاعفة الحسنات والطاعات

    وعليه أن يكون مستعداً لكل ما يرقق قلبه ويلينه ويهيئه للمسابقة للطاعة؛ فيجتهد في ذلك، ويعلم أنه لا شك مقصر، وأن ما يفعله من الطاعات لن يبلغ به المدى المطلوب، لكن بإخلاصه وإتقانه وزيادته من الخير يوفقه الله سبحانه وتعالى ويضاعف له، ونحن عاجزون مثلاً عن ختم القرآن في رمضان ألف مرة، لكن إذا أخلص الإنسان فختم القرآن في ليلة القدر ولو في رمضان مرة واحدة، فمقتضى التضعيف أن تكتب له ألف ختمة، وهذا الذي نحتاج نحن له هذا التضعيف الذي نحن عاجزون عنه بأبداننا وكثرة انشغالاتنا، وهو الذي ينبغي أن ننافس فيه.

    وهذا التضعيف الناس فيه متفاوتون؛ فمنهم من يكون التضعيف له سبعمائة ضعف، ومنهم من يكون ألف ضعف، ومنهم من يكون سبعمائة ألف ضعف.. وهكذا إلى أضعاف كثيرة، وكل بحسب مستواه في الإيمان والصدق والإخلاص، فإذا قال: لا إله إلا الله مرة واحدة تضاعف له بمليارات المرات، فيعد من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات؛ لأنه قالها وهو حاضر لها مخلص صادق، فكبرها الله تعالى.

    وإذا تصدق بصدقة من كسب طيب نماها الله له، ورباها كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وما تصدق امرؤ من كسب طيب إلا كان كأنما وضعها في يمين الرحمن )، وكثير من المتصدقين يظنون أنهم يضعون صدقاتهم في أيدي الفقراء والمحتاجين، وهذا غير صحيح، فالمخلص الصادق كأنما يضعها في يمين الرحمن جل جلاله؛ ولذلك عليه أن يستحيي منها غاية الحياء، وألا تكبر في نفسه وألا يمنها على من أخذها؛ فهو كأنما وضعها في يمين الرحمن جل جلاله، ( فلا يزال ينميها له كما ينمي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون كالجبل )، وهذا الجبل ليس من جبال الدنيا بل المقصود كالجبل من جبال الآخرة؛ لأنها ستكون في كفة الحسنات يوم القيامة.

    وهذا التضعيف العظيم هو من فضل الله تعالى ولطفه ورحمته، ولا ينال إلا بصدق التوجه إلى الله والإخلاص له، وهذا الصدق على الإنسان أن يتهم فيه نفسه؛ فكثير من الناس يزعمون أنهم من الصادقين، ولكن أفعالهم لا تصدق ذلك، وكثير من الناس يحسنون فيما يراه الناس حتى إذا لم يبق بينهم وبين الموت إلا ذراع - نعوذ بالله - عملوا بعمل أهل النار فيدخلونها، وكثير من الناس يعملون أعمالاً طائلة، فتكون حسنات بمثابة الجبال، كجبال تهامة، ولكن يأتي بعدها ما يمحقها محقاً؛ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا[الفرقان:23]، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[النور:39].

    الخوف من عدم قبول الأعمال

    ولذلك لابد أن نخاف على أنفسنا عدم قبول العمل وأن نخاف النفاق، وأن يجتهد كل إنسان منا في الإخلاص وزيادته، ولا يقتصر على حد من ذلك؛ فالذي يظن أنه الآن الحمد لله قد تجاوز العقبات وتعدى العراقيل، وأنه الحمد لله أصبح من الملتزمين ولم يعد يخاف على نفسه، فهذا مدخل عظيم من مداخل الشيطان عليه، ولابد أن يعيش الإنسان بين الخوف والرجاء، وأن يكون دائماً يخاف ألا يتقبل الله منه، وقد قال الله تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى[الليل:14-21]؛ فهذه الآيات فيها برنامج المؤمن بين الرجاء والخوف؛ لأنه قال: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى[الليل:14]، خوفنا هذه النار العظيمة التي تتلظى الآن، وهي موجودة الآن قد تكامل نضجها، بعضها يركب بعضاً، وبعضها يأكله، وهي تنادي ربها فتقول: أكلي بعضي بعضي، وقد ضمن الله لها ملأها من إبليس ومن اتبعه؛ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ[ص:85]، ولكنها مع ذلك تطلب المزيد فتقول: ((هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)).. ((هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)).. هَلْ مِنْ مَزِيدٍ[ق:30] حتى يضع الجبار قدمه عليها فحينئذ تئط وتنزوي وتقول: قط.. قط، أو قطني قطني.

    وهذه النار التي خوفنا الله تعالى وقال: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى[الليل:14] بين أنه ينجي منها من كان متصفاً بهذه الصفات، وأنها لا يدخلها إلا من كان متصفاً بهذه الصفات الأخرى فقال: لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى[الليل:15]، أي: من كان واصلاً إلى درجة النهاية في الشقاوة، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى[الليل:16]، فأنكر بعض ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، وذلك تكذيب لكل أنبياء الله، فمن كذب نبياً واحداً في كلمة واحدة مما جاء به فقد كذب جميع الأنبياء في كل ما جاءوا به؛ ولهذا قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ[الشعراء:105]، قال: كَذَّبَتْ عَادٌ المُرْسَلِينَ[الشعراء:123]، كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ[الشعراء:141] فهم كذبوا المرسلين جميعاً حين كذبوا نبياً واحداً منهم، وتكذيبه ولو في كلمة واحدة مما جاء به تكذيب له في كل ما جاء به وتكذيب لهم أجمعين؛ فهو وصف له بالكذب، وهذا مستحيل؛ ولذلك قال: ((الَّذِي كَذَّبَ)) ثم قال: وَتَوَلَّى[الليل:16] أي: أعرض، ولم يرد ما عند الله، ولم يكن من المتسابقين فيما عند الله بل ظن أنه مستغن عنه، فإذا رأى الناس يسابقون في الخيرات عدل هو إلى أمور دنياه، وأخلد إلى الأرض واتبع هواه، ولم يكن من الراغبين فيما عند الله فيدبر عن الله، يولي باب الله ظهره كأنه لا يرغب في شيء مما عند الله ولا يريد شيئاً مما عنده، نسأل الله السلامة والعافية! فلذلك قال: كَذَّبَ وَتَوَلَّى[الليل:16].

    ثم قال: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى[الليل:17] الذي يجنب النار ولا يدخلها هو الأتقى، أي: المتصف بأعلى درجات التقوى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى[الليل:18]، ((يُؤْتِي مَالَهُ)) أي: يعطيه طيبة به نفسه، ((يَتَزَكَّى)) أي: يتطهر بذلك باطناً وظاهراً.

    وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى[الليل:19]؛ الذين يعطيهم ماله لا يريد منهم جزاءً ولا شكوراً، وليس لهم نعمة عليه، وليس بينه وبينهم معرفة ولا قرابة، فلا يمن عليهم ولا يمت لهم بأية صلة.

    إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى[الليل:20]؛ الذي يحمله على ذلك هو ابتغاء وجه الكريم، وهذا ضمن الله له الرضا فقال: وَلَسَوْفَ يَرْضَى[الليل:21]؛ أي: سوف يرضيه الله سبحانه وتعالى فيعطيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

    فإذا قرأ المؤمن الآية الأولى وهي: لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى[الليل:15-16] فسيقول: الحمد لله! أنا لست كذلك، لكن إذا قرا الآية الثانية وهي: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى[الليل:17-20] يقول: مع الأسف! أنا أيضاً لست كذلك، فيبقى متردداً بين الرجاء والخوف، لا هو من الذين حق عليهم الوعيد، ولا هو من الذين حق عليهم الوعد بالقطع، فهو بين الأمرين، يرجو ويخاف.

    الاستمرار في المجاهدة

    وهذه الحياة هي حياة المجاهدة التي يحتاج الإنسان إلى الاستمرار عليها حتى يأتيه اليقين، وإذا وفق لهذه المواسم فأطاع فيها، فإن الحسنة تدعو إلى الحسنة، وسيكون ذلك داعياً لتوفيقه في باقي عمره، والذي ينجح الآن في هذه المسابقة في هذا الامتحان ليس معنى ذلك أنه سيتوقف عند هذا الحد، بل أتيحت له فرصة المواصلة في الدراسات العليا في الإيمان؛ فيزداد إيماناً ويقيناً، وما كان يقعد به من السيئات عن الطاعات قد كفر، وما كان يشكوه كذلك من الضعف والعجز والكسل قد زال عنه وذهب، فينطلق شوطاً طويلاً من طاعة الله سبحانه وتعالى.

    ولنتذكر كلام ابن الجوزي رحمه الله حيث قال: "إن من الصفوة أقواماً منذ استيقظوا ما ناموا، ومنذ قاموا ما وقفوا، فهم في صعود وترق، كلما قطعوا شوطاً نظرواً فرأوا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا"، فهم دائماً في استمرار في زيادة الخير، وكلما قطعوا شوطاً من القرب من الله سبحانه وتعالى نظروا إلى ما كانوا فيه للاعتبار وللتقويم وللتوبة وهي ألا يعجبوا بأنفسهم؛ ولذلك يستغفرون من الماضي، وقد قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: إنه خرج من بيت المقدس، وقد كان من المتعبدين فيه في شهر رمضان، فلما أقبل الناس على الفطر يوم العيد رجعوا إلى الدنيا وتذوقوا طعمها، فخرج هو إلى واد في خلاء من الأرض وراء بيت المقدس، فوجد ماءً وعشباً فقال: هذا الماء ماء مبارك نزل من السماء، وهذا العشب لم تمسسه يد بشر؛ فإن كان من رزق من الحلال في هذا اليوم الذي أوجب الله فيه الفطر فهو هذا، فأكل من ذلك العشب، وشرب من ذلك الماء فنام، فرأى في المنام أن سائلاً يسأله فيقول: يا إبراهيم! هب أن ما أكلته وشربته حلال الآن، فكيف ما تزودت به حتى وصلت إلى هذا المكان؟ يذكره هذا بماضيه، هذا الآن نعم حلال، وقتك الآن أنت فيه محسن، لكن تذكر الماضي، زادك الذي وصلت به إلى هذا المكان.

    وهذا الذي يقتضي تقويم الإنسان لنفسه كلما قطع شوطاً يتذكر، فلا يقتضي ذلك منه عجباً، ولا يقتضي منه أمناً لمكر الله ولا يأساً من رحمته.

    نسأل الله تعالى أن يجعلنا أجمعين من الفائزين المقبولين، وأن يختم بالصالحات أعمالنا، وأن يختم بالحسنات آجالنا، وأن يوفقنا في باقي أعمارنا للطاعات، وأن يجعلنا أجمعين في قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا جواره في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يسقينا من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يبارك لنا في أيامنا هذه وليالينا حتى يقال لنا يوم القيامة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ[الحاقة:24].

    نسأل الله تعالى أن يختم لنا رمضان برضوانه والعتق من نيرانه، وأن يجعلنا من عتقائه من النار في هذا الشهر، وأن يوفقنا فيه لقيام ليلة القدر، وأن يعيد علينا رمضان أعواماً عديدة وسنوات مديدة، وأن يجعلنا من أوفر المضاعف لهم حظاً، وأن يضاعف حسناتنا وأن يكفر سيئاتنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767950886