إسلام ويب

مقدمات في العلوم الشرعية [12]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من كتب السنة التي لقيت عناية واهتماماً وشرحاً كتاب صحيح الإمام مسلم عليه رحمة الله، فقد شرحه المازري بكتاب المعلم بفوائد مسلم، وأكمله القاضي عياض، ثم أكمله من بعده الأبي، وممن اعتنى بشرحه الإمام النووي في كتابه المنهاج وغيرهم. ومنها كتب السنن الأربعة وهي سنن أبي داود وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه والتي لاقت اهتماما وعناية وشرحاً تتفاوت فيما بينها قلة وكثرة. ومن الكتب التي لاقت عناية وخدمة مسند أحمد وإن لم يحظ بشروح، ومستدرك الحاكم وسنن البيهقي، وكتب الأحكام كالعمدة وبلوغ المرام وغيرها.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد:

    فبعد أن انتهينا من الكلام على شروح موطأ مالك، وكذلك شروح صحيح البخاري، نبدأ بالكلام على شروح صحيح مسلم، والذي عني به الناس كذلك، ومن أوائل الذين شرحوه الإمام محمد بن عمرو المازري، ولم يكن يريد أن يشرحه بكتاب وإنما شرحه بدروس، فكان الناس يكتبون بعض شرحه.

    فكتاب المعلم هو دروس كان يلقيها في الجامع في فترة رمضان في شرح صحيح مسلم، فكان بعض الطلاب يكتب وراءه، فجمع ذلك في كتاب المعلم، وقد طبع بتحقيق الشيخ محمد سالم النيفر طبعة دار الغرب الإسلامي في ثلاثة مجلدات, وفيه فوائد كثيرة جداً مع ألفاظ دقيقة إذا قرأها الإنسان لم يظن أنها درس يكتب بالإملاء دون الرجوع إلى الكتب.

    والذين لديهم هذه الملكة فيما يتعلق بالإملاء أن تكون ألفاظهم التي يملونها مثل الألفاظ التي يكتبونها بأيديهم قلائل جداً, كثير من الناس فصاحتهم في ألسنتهم وكثيرون كذلك فصاحتهم في أقلامهم, فالذين فصاحتهم تجمع بين الأمرين (القلم واللسان) قلائل، ومنهم الإمام المازري، ومنهم كذلك الإمام ابن دقيق العيد فشرحه على العمدة كان إلقاءً، أي: مجرد دروس يمليها من حفظه، وشرحه على الأربعين النووية كذلك كان إلقاءً، درس فقط, وإذا قرأه الإنسان يظن أنه تفكير إنسان يكتب بيده ويجتهد, وبالأخص تحريره البالغ في شرح العمدة, مع أنه مجرد إملاء يمليه من حفظه.

    جاء بعد المازري الإمام أبو العباس القرطبي الأندلسي فاختصر صحيح مسلم، وجعل له أبواباً؛ لأن مسلماً جعل له كتباً ولم يجعله أبواباً بخلاف البخاري، البخاري كتب الكتب والأبواب, ومسلم كتب الكتب في الصحيح ولم يكتب أبواباً, فجاء الإمام أبو العباس فوضع أبواباً للصحيح تناسب الأحاديث التي يوردها مسلم، واختصره وشرح مختصره, ومختصره ليس على ترتيب الصحيح، يقدم بعض الأبواب في بعض الكتب ويؤخر بعضاً، على حسب المناسبات التي يراها هو, شرحه شرحاً سماه المفهم في شرح اختصار صحيح مسلم، وقد طبع.

    ثم جاء القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، فألف إكمال المعلم، أكمل به كتاب المازري حتى كان محتوياً على جميع صحيح مسلم وكان شرحاً لجميع الصحيح, وهو كثير الفوائد وبالأخص في مجال الفقه, واعتنى فيه القاضي رحمه الله بروايات الصحيح, لكن المشكلة أن القاضي ليس صاحب رحلة, فالروايات الموجودة في المشرق لم يصل إليه بعضها فكان ينفي وجودها, ولكن ينفي ذلك في بلاده يقول: لا يوجد في بلادنا رواية للصحيح تثبت كذا.

    وكان دقيقاً جداً في الرواية؛ لأنه كان يحفظ صحيح مسلم مثلما يحفظ الفاتحة, وقد كان رحمه الله يريد أن يزيد في شرحه حتى ذبح رحمة الله عليه فتوفي، ذبحه الموحدون، وقد كان هو قاضياً لدولة المرابطين, فكان يريد الزيادة في بعض المواطن من شرح صحيح مسلم، ولهذا فقد توسع في شرح بعض الأحاديث وجعلت كتباً مستقلة مثل كتابه بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، هذا في حديث أم زرع وحده، وهو مطبوع, وكان كذلك يريد إثبات أسانيده في مقدمة كتابه ولم تثبت، وهي موجودة في كتابه الغنية وهو مطبوع فيه أسانيد عياض كلها.

    ثم جاء بعده الإمام النووي أبو زكريا يحيى بن شرف الدمشقي رحمه الله، فاعتنى بصحيح مسلم عناية بالغة وشرحه شرحاً وضع الله له القبول، فاشتهر وانتشر في البلاد ككتب النووي، كتب سبحان الله وضع الله عليها قبولاً عجيباً، رغم ما فيها من بعض الأحيان من الأخطاء، ورغم قصر عمر الرجل أنه لم يعش إلا إحدى وأربعين سنة, ومع ذلك وضع الله القبول على هذه الكتب فسارت بها الركبان في مشارق الأرض ومغاربها، كتابه هذا المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، كتاب جمع فيه ما ذكره المازري، وما ذكره القاضي عياض وأضاف إليه الكلام أيضاً على الروايات المشرقية في صحيح مسلم، فلذلك يرد على عياض فيما يتعلق بالرواية.

    وقد اعتنى الحافظ ابن حجر فيما يتعلق بالروايات من الكتابين في فتح الباري في الأحاديث المشتركة التي أخرجها البخاري، يعتني الحافظ بكلام القاضي عياض وكلام النووي، فيما يتعلق بالروايات، مثل حديث جعفر بن مبشر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ( أفلح وأبيه إن صدق ), فقد ذكر القاضي أن بعض الناس يرويه: ( أفلح والله إن صدق )، ويزعم أن أصل الكلمة والله كتبت هكذا فقصرت اللامان فقرأها بعض الناس: (وأبيه)؛ لأن النقاط لم تكن معتنى بها, وقال: هذا باطل؛ لأن الرواية الثابتة عندنا: ( أفلح وأبيه إن صدق ), ولا يوجد في بلادنا رواية لصحيح مسلم تروي: والله، وقد ذكر الحافظ أنه ربما وجدت رواية في صحيح مسلم فيها: (والله).

    كذلك جاء الأبي وهو تلميذ ابن عرفة المشهور، بما يتعلق بالمنقول، وقد كان ابن عرفة الورغميّ إمام جامع عقبة بن نافع في تونس في القيروان، إماماً في المعقول والمنقول، وهو من أشهر محققي المالكية في ذلك الزمان، لكنه كان من تلامذته البرزلي والأبي، فكان لا ينام في الليل فقالت له جاريته: ما لك يا سيدي لا تنام؟ قال: كيف أنام وسأصبح بين هذين الأسدين الضاريين بين الأبي بنقله والبرزلي بعقله, فكانا يناقشانه في كل أمر، فكان يبيت يراجع معلوماته فيقول: إذا قلت في الدرس كذا سيعترض الأبي بكذا، فالجواب عنه كذا, ويعترض البرزلي بكذا فالجواب عنه كذا، والجواب عن ذلك الجواب يمكن أن يكون كذا، ويأتي بالاحتمالات كلها ويردها، يحضر الدرس تحضيراً محكماً.

    وقد كان ابن عرفة رحمه الله رجاعاً إلى الحق، ويقال: إنه أصيب بمرض بسبب عدم النوم، وهذا المرض هو نقص الذاكرة, فكان إذا عرض عليه شيء من تقييداته لم يفهمه؛ لأنه كان مولعاً بدقة الأسلوب وصعوبته، ولذلك من قرأ مختصره في الفقه المالكي الآن لا يفهم منه إلا النوادر، ولا تكاد تفهم منه شيئاً, واعتنى بالحدود والتعريفات عناية بالغة حتى كان المالكية إذا أرادوا أن يعرفوا شيئاً قالوا: تعريف ابن عرفة، أو حد ابن عرفة له.

    وقد جمعت حدوده فشرحها الرصاع في كتابه شرح حدود ابن عرفة مطبوع في مجلدين.

    فـالأبي رحمه الله كمل كتاب القاضي عياض بإضافة كثير من الفوائد إليه كان القاضي عازماً على إضافتها، وبالأخص في المجال الفقهي والعقدي والسلوكي, وذكر فيه أبحاثاً أصولية كذلك, فكان كتابه من أهم الكتب، وكان يرمز للكتب السابقة، كل شرح من شروح مسلم يرمز له بحرف معين, وسمى كتابه إكمال إكمال المعلم، فالقاضي عياض سمى كتابه إكمال المعلم، وهذا سماه إكمال الإكمال.

    ثم جاء بعده السنوسي وهو قد توفي سنة ألف وأربعين للهجرة متأخر، وقد ألف كتابه تكملة إكمال إكمال المعلم, جمع فيه الفوائد التي أضافها النووي وزاد عليها، واعتنى كذلك بأصول الفقه وعلم الكلام، فأضاف ذلك في كتابه, وقد ألف السيوطي كتاباً مختصراً على صحيح مسلم، سماه: الديباج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، موجود مخطوط في مجلد واحد صغير قد طبع الآن في أجزاء، مع أنه موجود مختصر بدفتر صغير مخطوط.

    ومع هذا فقد بقي صحيح مسلم محتاج إلى الآن لبعض الخدمة، وقد شعر القدماء بحاجة صحيح مسلم للخدمة حتى إن ابن الصلاح ألف فيه كتاب صيانة صحيح مسلم عن الغلط والتحريف والتصحيف, وهذا الكتاب طبع وحده وطبع أيضاً مع صحيح مسلم في الطبعة هذه التي هي في مجلد واحد، وطبع معه كتاب صيانة صحيح مسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086777303

    عدد مرات الحفظ

    768873481