إسلام ويب

مقدمات في العلوم الشرعية [41]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    فبعد أن أتممنا الكلام على الآداب الشرعية وما يرتبط بها، بقي عندنا بعض الأسئلة المتعلقة بذلك وغير المتعلقة، نجيب على طرف منها.

    السؤال: ما حكم بيع وشراء الملابس المستعملة، وخاصة ما كان منها مشابهاً للزي الغربي، علماً أنها انتشرت في ربوع البلاد.

    وما هو حكم كراء محرم غير حقيقي وإعطائه مالاً على ذلك لامرأة تريد أن تعتمر، أو تحج لأول مرة هل ذلك جائز؟

    هي أسئلة متتابعة.

    الجواب: عن السؤال الأول منها: أن بيع الملابس المستعملة مثل بيع غيرها من الأشياء من الأمور الجائزة، إذا تكاملت في ذلك شروط البيع، وليس فيه ترويج للأزياء التي هي محذورة، لكن لا يحل للإنسان أن يبيع فيها ما لا يحل لبسه، كما إذا كانت ملابس الرجال من الحرير، أو كانت ملابس النساء شفافة، أو كانت ملابس الرجال شفافة كذلك فهذا لا يحل بيعه، أما إذا كانت الملابس مما يحل لبسه فيجوز للإنسان بيعها، وتزيي بزي قوم إذا لم يكن زياً دينياً فلا إثم فيه؛ لأن الملابس الدينية هي المحرمة، مثل قبعة اليهود الصغيرة التي يضعونها على رؤوسهم، ومثل: ملابس الكنيسة المختصة التي يلبسها الكردنالات والباباوات وغيرهم، ومثل: الزنار ونحو ذلك، فهذه الملابس الدينية مثل عمامة السيخ؛ والملابس الدينية لأي ديانة من الديانات هذه هي المحرمة التي لا يحل للمسلم لبسها.

    أما ملابس الكفار فيما عدا ذلك فيحل لبسها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كان يلبس جبةً رومية ضيقة، فضاقت عليه والروم إذ ذاك كفار، وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم الجزية على نصارى نجران على أربعة آلاف حلة، فكانوا يأتون بها ويوزعها على أصحابه، وأهدى إليه المقوقس ملابس فلبسها وهي من ملابس الكفار، ولم يأمر أحداً بتغيير زييه، والزي الذي كان يلبسه هو مثل زي الذي كان يلبسه أبو جهل وأبو لهب، لا فرق بين ذلك، فلهذا الملابس غير الدينية لا حرج في لبسها.

    ومنها التشامير التي يلبسها الناس، فهذه لا يجوز منها ما كان متعدياً للكعب، فإذا كان الإنسان يشمر عن كعبه، وكان يلبسها للعمل، وهي أيسر.. العمل فيها أيسر من ملابسنا هذه الواسعة، فلا حرج في بيعها، لكن يبقى وجه واحد في بيع الملابس المستعملة وهو بيعها بالكم، من غير عدٍ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المنابذة والملامسة وعن بيع الحصاة، وهذه بيوع في بيع الملابس، فالملامسة أن يلمس ظاهر الثوب ولا تبسطه، ولا تعرف قدره، إن وقع عليه البيع، وبيع الحصاة كذلك أن ترمي الحصاة فكل ما مررت به يكون لك على البيع، فهذا هو البيوع المحرمة، ووجه تحريمها جميعاً الغرر والجهالة.

    فإذا كانت هذه الملابس جرب فيها التفاوت العظيم بينها، وأن بعضها قد يكون كماً عظيماً في الوزن، ولكن فائدته يسيرة والأنواع التي فيه غير مرغوبة، وفيها كثير من التمزق ونحو هذا، فحينئذٍ لا يجوز بيعها جزافاً، وإنما يجوز بيعها جزافاً إذا كانت في الغالب وسطاً بين هذا، وكان الإنسان يعلم أن فيها ما هو وسط وما هو جميل، وما هو ضعيف رذيل، فحينئذٍ يمكن أن تباع جزافاً.

    إذا رأيت وحصرت بالكم، أو وزنت وبيعت على بذلك الأساس، وعلى هذا فما يكون فيها من النقص كبعض الخلل الذي فيها كالشقوق ونحو ذلك، إذا كان البائع يبيعها بالكمية، فإنه لا يلزمه التدقيق في تلك الجزئيات ولا يرجع بها عليه لأنه بمثابة البيع بالبرنامج، وإذا كان البائع يبيعها بالأفراد فهو مخاطب بذلك، إذا اشتريت ثوباً فوجدت فيه شقاً وقد اشتريته مفرداً، فلك الحق أن تعيده على بائعه؛ لأنك قد اطلعت عليه على عيب لك الخيار فيه أن تقبله بعيبه، وأن ترده على بائعه.

    وهذه الملابس يلزم تنظيفها وتطهيرها ثم الصلاة فيها بعد ذلك لا حرج فيها إن لم تكن حريراً.

    أما السؤال عن هل هي ترويج لزي معين أو نحو ذلك؟

    فليست ترويجاً، بل هي من الأمور المعتادة ومن الملابس التي لا حرج في لبسها للعمل ونحو ذلك، ومما يسهل على الناس ولله الحمد؛ لأن الناس يحتاجون إلى الملابس وكلها مستوردة، وكل ما لدينا من ملابس ليس فيها نسيج محلي، إنما هو مستورد من ملابس الكفار، حتى هذه الملابس التي نلبسها ليست من نسيجنا، وإنما هي من نسيج الكفار، وقد يسرها الله لنا ونحن نلبسها فهي من الترخيص على الفقراء والإعانة لهم واستيراد مثل هذا الرخيص، الذي يمكن أن يسد خلتهم، ويقضي حوائجهم، ولا حرج فيها ولا ينبغي للإنسان أن يضيق في مثل هذا على الناس.

    أما كراء محرم غير حقيقي، أي كراء شخص ليسافر مع المرأة سفراً لا يحل لها السفر فيه من غير محرم، وتسويته محرماً فقد جمعت مع الكذب ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة التي تسافر مع رجل أجنبي تدعي أنه محرم لها ويكتب لها ذلك في أوراقها جمعت الخستين، فهي كاذبة في دعواها، مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهاها أن تسافر يوماً وليلة إلا مع محرم.

    ولا يحل للرجل أخذ الأجرة على ذلك ولا قبوله ولا يحل للمرأة كذلك الإقدام على مثل هذه المحايلة الفاسدة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088457451

    عدد مرات الحفظ

    776843161