إسلام ويب

شرح أحاديث مختارة من كتاب التجريد الصريح [20]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    كيفية عد الآيات

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    السؤال: هذا يقول: كان يقرأ ما بين الستين إلى المائة كيف تعد الآيات، الآيات القصيرة كالمفصل أم الطويلة؟

    الجواب: أن ذلك إنما هو بالسور، ومن المعلوم أن المفصل ليس فيه مثل هذا العدد، فالمكي أطول ما فيه الطوليان وهما الأنعام والأعراف، والمفصل ليس فيه أصلًا هذا الطول؛ ولذلك المقصود هنا: أنه كان يصلي بالسورتين الطويلتين، تارة تصلان إلى المائة، وتارة ما دون ذلك، فمثلًا سورة الفرقان التي قرأ الإمام بعض آياتها في صلاة المغرب مثلًا طولها ثمانية وسبعون آية، وسورة الأحزاب طولها ثلاثة وسبعون آية وهكذا، فهذا النوع هو ما بين الستين إلى المائة، وقد يزيد على المائة كبعض السور التي بها مائة وعشر أو تسع كالإسراء والكهف مثلًا مائة وتسع آيات ومائة وعشر آيات ونحو ذلك، فهذه تعتبر من المئين.

    المقصود هذا العدد، السورة من هذا القبيل، تارة يصلي بأطول من ذلك، وتارة بأقصر، وثبت عن أبي بكر أنه كان يصلي بالبقرة وآل عمران قراءة بطيئة فقيل: يا خليفة رسول الله، كادت الشمس تطلع! فيقول: لو طلعت ما وجدتنا غافلين، وأخرج مالك في الموطأ عن الفرافصة قال: ما حفظت سورة يوسف إلا من كثرة قراءة عثمان لها في الصبح.

    1.   

    معنى القيام بألف آية

    السؤال: يسأل أيضًا عن القيام بألف آية بما يكون كذلك؟

    الجواب: قد تكون الآيات قصيرة كسورة الشعراء مثلًا، فهي مائتان وخمس وعشرون آية تقريبًا، لكن آياتها قصيرة جدًا، وإذا نظرت إلى ما يقابلها مثلًا سورة الأعراف مائتان وست آيات، وهي أطول بكثير من سورة الشعراء، وكذلك سورة آل عمران، وهي مائتا آية فقط، وهي أطول من سورة الشعراء بكثير، فقد تكون الآيات قصيرة والسورة فيها عدد كبير من الآيات، وذلك في سورتين: سورة الشعراء، وهي أكثر السور القصيرة الآيات عددًا؛ لأنها مائتان وخمس وعشرون تقريبًا. أو سبع وعشرون، يوجد خلاف في العد، تليها كذلك سورة الصافات مثلًا، فآياتها قصيرة، وعددها كبير.

    1.   

    حكم ختان البنات

    السؤال: هل الأفضل ختان البنات؟ وفي أي عمر؟

    الجواب: إن البنات ليس لهن ختان، وإنما لهن الخفاض، وهو مكرمة ليس مطلوبًا، ولكن قد يكون فيه مصلحة في بعض الأحيان، والمرجع في ذلك إلى الطب وما يرى فيه مصلحة، وليس في ذلك شيء توقيفي لا بد منه، وليس فيه سن أيضًا محددة.

    1.   

    قضاء الصلوات

    السؤال: هذا يقول: من ترك بعض الصلوات تكاسلًا ثم استقام، هل الأفضل له الاشتغال بقضاء ما فات، أم يكثر من النوافل؟

    الجواب: أن الاحتياط أن يقضي ما ترك، إلا إذا كان لم يترك، ولكنه كان يفرط في هيئاتها وفي طهارتها، فيكون كالمسيء في صلاته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء شيء مما مضى، أما من ترك فالاحتياط أن يقضي ما ترك.

    1.   

    مراجع في التفسير والعقيدة

    السؤال: هذا يقول: لو عينت لنا كتابًا واحدًا في التفسير، وآخر في العقيدة يكون عمدتنا، وإن كان الكتاب كبيرًا؟

    الجواب: أن على الطالب المجد أن يعلم أن الكتب جميعًا فيها نفع، ولا يخلو كتاب منها من أخطاء، والذي يريد كتابًا لا خطأ فيه عليه بكتاب الله فقط، كل ما سواه من الكتب يقع فيه الخطأ، وقد قال البويطي رحمه الله: (لما ألف الشافعي كتابه ناولنيه فقال: خذ هذا الكتاب على خطأ كثير فيه، قلت: يا أبا عبد الله، أصلحه لنا، قال: كيف وقد قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، أبى الله العصمة إلا لكتابه)؛ ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يكون دني الهمة وأن يقتصر على كتاب واحد، ومن المعلوم أن كتب التفسير هي بحسب أزمنة الناس، ولا يمكن أن يغني منها كتاب عن غيره، فأهل كل زمان مطالبون بأن يؤلفوا في التفسير؛ لأنه يبدو لهم كثير من المعاني التي لم يصل إليها من قبلهم، وهذا من إعجاز القرآن، فكل عصر من العصور تجدون فيه تفاسير جاءت بجديد، ويبقى القرآن على ذلك لا تنفد عجائبه ولا تفنى، ولو كان الناس يكتفون من التفسير لاكتفوا مثلًا بتفسير السابقين، فـمحمد بن جرير الطبري أبو جعفر توفي سنة ثلاثمائة وعشرة، وكتابه موجود مروي، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي تفسيره موجود أيضًا مطبوع، وقد توفي سنة ثلاثمائة وثلاث من الهجرة، وكذلك أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وتفسيره موجود، وقد توفي سنة ثلاثمائة وسبع وعشرين من الهجرة، ومع ذلك لم يغنوا من سواهم، بل بقي التفسير مطلوبًا في كل عصر، وفي كل عصر يوفق الإنسان لما لم يوفق له من سبقه.

    1.   

    الحصول على التقوى

    السؤال: هذا يقول: كيف يحصل العبد التقوى فيخشى الله كأنه يراه؟

    الجواب: إنما يتم ذلك بزيادة الإيمان والعمل الصالح، فكلما تقرب العبد إلى الله سبحانه وتعالى، وداوم على طاعته واجتنب معاصيه، فإن الله سبحانه وتعالى ينزل السكينة في قلبه، فيطمئن إلى الطاعة، ويستوحش من المعصية، وتزداد خشية الله سبحانه وتعالى لديه.

    1.   

    دفع الزكاة للأقارب

    السؤال: هذا يقول: هل يجوز دفع زكاة المال لإخوتي الصغار وخالتي الذين هم تحت كفالة أبي، علمًا بأنني أنا الذي أنفق عليهم طول العام، وهم فقراء، بل ربما أفقر أناس في منطقتهم؟

    الجواب: لا؛ فالزكاة لا يصان بها العرض ولا العرض، وليست ملكًا للإنسان، وكون هؤلاء الفقراء أقرب إليك في النسب لا يجعلهم ذلك أولى بالمال العام، والزكاة انتزع الله ملكك عنها، ولا ينبغي للإنسان أن يباشر هو إخراجها، بل ينبغي أن يوكل عليها من يخرجها، فلم يخرج أحد زكاة ماله في العهد النبوي بالمباشرة، ولا في عهد الخلفاء الراشدين، وإنما كانوا يؤدون الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى خلفائه الراشدين وهم يتصرفون فيها فيوزعونها، وذلك أمنع لحصول المداراة فيها، وأن يداري الإنسان أقاربه أو أن يحابيهم بها؛ فلذلك من تنفق عليه ليس لك أن تخرج الزكاة عليه، وإذا وصلت إليه عن طريق الموزع فإنها تكون ملكًا له، وكذلك الصدقة غير الواجبة إذا أخرجتها إلى المصدق، ثم أعطاها هو لأولادك أو لذويك فهي ملك لهم، فأنت لم تفعل ذلك ولم تقصده، وقد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه، ومن هنا فإن لهم حقًا آخر وهو حق صلة الرحم، وهي حق واجب كالزكاة، كثير من الناس يفرط فيها، فصلة الرحم حق واجب في المال كالزكاة، وقد بالغت النصوص في الحض عليه، وقد قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

    1.   

    حصر المعنى في التفسير

    السؤال: [تفسير السلف هل يقصد به حصر المعنى]

    الجواب: بالنسبة لتفسير النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة وتفسير الصحابة وتفسير التابعين لا يقصد به حصر المعنى فإنما يقصد به المثال فقط كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تفسير السلف هو تفسير بجزء المعنى كمن سألك عن الخبز ما هو؟ فرفعت له خبزة قلت: هذا الخبز، فليس معنى ذلك أنك تزعم أن ما في علم الله من الخبز محصور فيما رفعت فالمقصود أنه هو فهم المقصود من الخبز حين رأى خبزة واحدة، فكذلك هذه التفاسير لا يقصد بها الحصر.

    1.   

    التفسير العلمي

    السؤال: ماذا تقولون في التفسير العلمي لظاهرة الحر والبرد بالتغيرات المناخية؟ وهل يتعارض مع ما ذكرتم من تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم من نفس جنهم؟

    الجواب: لا، لا تعارض بين هذا وذاك، لكن لا بد أن يُعرف أن العلم التجريبي قاصر، وأن مداره إلى الأمر القريب؛ ولذلك العلم التجريبي الحديث الآن لم تكتشف فيه السماء، لا يعرفون شيئًا اسمه السماء، فكل دراساتهم وأمورهم إنما هي حول الأرض، ولا تجدون أي ذكر للسماء في أي دراسة من الدراسات العلمية، مما يدل على قرب مدارك هذا العلم وقصوره؛ ومن هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أدرى وأعلم، وقد أخبرنا أن شدة الحر وشدة البرد من فيح جهنم، وأن ذلك من تنفسها في الشتاء والصيف، وقد ذكرنا أنه قد لا يكون نفس الوقت الذي يصل إلينا فيه هو نفس التنفس، قد تكون جنهم تنفست قبل آلاف السنين بهذا البرد الذي جاء هذا العام أو بهذا الحر الذي جاء هذا العام، لكن ما وصل إلى الأرض إلا في هذه المدة، ووصوله للكواكب الأخرى، وأيضًا حتى إصابته لبعض أجزاء الأرض دون بعض، كل ذلك ممكن، كما أن الإصابة تقع في المطر كما قال الله تعالى: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ [النور:43]، فكل ذلك ممكن.

    1.   

    صحة الاعتماد على مواقيت الشبكة الإسلامية في الصلاة

    السؤال: هذا يسأل عن مدى الاعتماد في الصلاة على مواقيت الصلاة الموجودة في الشبكة الإسلامية، ومثل التقييد بالتقاويم المنتشرة للصلاة في الدول الإسلامية؟

    الجواب: أظن أن أهل الشبكة يمكن أن يجيبوا عن هذا، وعمومًا هذا من الاعتماد على الحساب، والاعتماد على الحساب قد اختلف فيه المعاصرون اختلافًا كثيرًا؛ فتجدون الاختلاف ظاهرًا فيما يتعلق بإثبات رمضان والأهلة بالحساب، ومنهم من يبالغ في النكير في ذلك، ويرى أنه معصية كبرى أن نربط الهلال بالحساب، ويعتمدون على قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )، ولكن مع ذلك الحساب لم يقع به التكليف لصعوبته وندرته؛ لأنه ليس تخصصًا سهلًا ليكون كل الناس على علم به ودراية، فمن كان على علم به ومعرفة فهو قرينة لا محالة، ويمكن الاعتماد عليها في كثير من الأمور، وكل هذه الأمور لها قرائن، فأوقات الصلاة مثلًا لها قرائن أربعة منها وجودية وواحد عدمي، فوقت صلاة الصبح بطلوع الفجر، وهذا وجودي، ووقت صلاة الظهر بزوال الشمس عن كبد السماء، وهذا وجودي يظهر في الظل وفي غيره، ووقت صلاة المغرب بغروب الشمس، وهذا وجودي، ووقت صلاة العشاء بغروب الشفق، وهذا وجودي، لكن وقت العصر بالخصوص هو أدق هذه الأوقات؛ لأنه في الدلوك، ومسافته مساحته طويلة، فيمكن الرجوع فيه إلى أهل الحساب؛ لأنهم يحددون فيرون مثلًا أن طلوع الفجر يقع والشمس تحت الأفق بثماني عشرة درجة، وأن الزوال هو إذا زالت عن كبد السماء بدرجة واحدة، وأن العصر إذا كانت تحت كبد السماء بحوالي ثماني عشرة درجة أيضًا أو أكثر من ذلك بحسب البلدان، والمغرب إذا كانت تحت الأفق بدرجة واحدة، والعشاء إذا كانت تحت الأفق بثماني عشرة درجة وهكذا، وعمومًا فكثير من البلدان الإسلامية الآن أصبح الأخذ فيها بالتقويم، ويحصل فيه بعض الإشكالات؛ لأن بعض الذين يعتمد عليهم في التقويم ليسوا من أهل الفقه، وقد جرب أن بعضهم لا يفرق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب، وهم ممن يعتمد عليهم في التقاويم المطبوعة المنتشرة الموجودة، وهذا إشكال قائم.

    وعمومًا الذي أراه أن التقويم يعتمد عليه في الدفع لا في الاستحقاق؛ أي: إن الحساب يعتمد عليه بالدفع لا في الاستحقاق كما قال الحنفية في الاستصحاب، الحنفية قالوا: الاستصحاب دليل في الدفع لا في الاستحقاق، فكذلك التقويم إذا أثبت أهل الحساب أن الهلال لم يولد، أو أن الشمس لم تزل، فيعتبر قولهم في النفي، أما إذا أثبتوا أن الهلال قد ولد فلا يقتضي ذلك رؤية حتى نراه؛ لاحتمال أن يولد ولم ير، وكذلك إذا أثبتوا أن الشمس زالت ولم يظهر أثر الزوال على الأرض فلا عبرة بذلك، وهكذا.

    1.   

    التصوير بكاميرا الجوال وغيره

    السؤال: هذا يقول: ما حكم التصوير؟ كالتصوير التذكاري بكاميرا الجوال أو غيرها؟

    الجواب: أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الأحاديث في النهي عن التصوير، وفيها بيان خطره والوعيد الشديد به، ولكن المقصود به ما كان يعرفه العرب ويدل عليه هذا اللفظ في وقت ورود هذه النصوص، فالألفاظ تتغير دلالاتها باعتبار تغير الحضارة وتغير الزمن، ولا يمكن أن يحمل اللفظ القديم على دلالة متجددة، فالتصوير الذي كان في العهد النبوي، والذي تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النحت من الحجارة، أو من الخشب، أو من الطين، أو الرسم باليد، وهو الذي فيه مضاهاة لخلق الله وفيه إبداع، وينسب للإنسان أنه هو الذي اختلقه وصنعه، أما التصوير بحبس الظل في الأجهزة فلم يكن معهودًا في العهد النبوي، ولا موجودًا فيه، ولا في العصور التي تليه، ولا فيه شيء ينسب للإنسان ولا إبداع ينسب إليه، فهو مجرد حبس كالنظر في المرآة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر في المرآة، وهو يرى فيها صورته، ويرى حركته، فلو كانت المرآة تصويرًا لدخلت في مدلول النصوص، ولما جاز النظر فيها، فدل ذلك على الجواز، والذين يطلقون دلالات الأحاديث فيرون أن التصوير المنهي عنه بكل ما نسميه نحن اليوم تصويرًا فهؤلاء قد فسروا الكلام بغير دلالاته؛ أي: بدلالة حادثة طارئة، وقد ذكر ابن قدامة في المغني قاعدة مهمة وهي: أن تسمية العين بغير اسمها لا تغير حكمها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم نعى على قوم أنهم يستحلون الخمر، يسمونها بغير اسمها، فدل ذلك على أنهم لما سموها بغير اسمها لم تحل لهم، فبقيت على حرمتها، فتسمية الكبش خنزيرًا لا تحرمه، وتسمية الخنزير كبشًا لا تحله، فهذا يقتضي أن التسمية لا تغير الحكم، وقد نظم هذه القاعدة جدي رحمة الله عليه فقال:

    تسمية العين بغير اسمها لا تنقل الأعيان عن حكمها

    لا تقتضي منعًا ولا تقتضي إثبات حق ليس في قسمها

    بل حكمها من قبل في أمسها كحكمها من بعد في يومها

    فائدة مهمة ينبغي إيقاف من يفتي على فهمها

    ولذلك فالسيارة في لغة العرب هي: القافلة، فإذا جاء من يفسر السيارة في القرآن مثلًا بالسيارة المعروفة اليوم- مع تغير دلالة اللفظ- فقد حرف الكلام عن مواضعه، إذا أخذ الإنسان يفسر القرآن فقرأ سورة يوسف وقال: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ [يوسف:19]، فقال: هي كابرس، أو كامري! هذا قطعًا فسر الكلام بغير معناه، وحمله على غير محمله، وكذلك تغير الدلالات أيضًا لا يغير الحكم، هل تشرب القهوة يا أخي؟ تشرب القهوة؟ تشربها.

    انتبه! فحولك شهود، ومن مجلس بعض القضاة، القهوة في لغة العرب هي: الخمر، إذا فتحت القاموس القهوة.. يقول القهوة: الخمر، (كقهوة شارب متنطف) وأنت أقررت أنك تشرب القهوة، وعندك قاض!

    فتغير الدلالات- دلالات الألفاظ- غير مؤثر؛ فلذلك الذين يحرمون التصوير الفوتوغرافي أو يحرمون التصوير في الكاميرا- كاميرا الجوال- أو غيرها يحملون النص على ما تجددت دلالته عليه، فلا يمكن أن تقول: هذا التصوير هو الذي كان العرب يطلقون عليه تصويرًا، وتفسر به ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأيضًا لا يمكن قياسه عليه؛ لأن العلة مختلفة، فهذا التصوير ليس فيه إبداع ولا مهارة تنسب لأحد، والنبي صلى الله عليه وسلم بين علة منع الأول، فذكر أنهم ( يعذبون يوم القيامة فيقول الله: أين المضاهون لخلقي؟! فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة )؛ فدل على أن العلة في تحريمه هي مضاهاة خلق الله، ( ومن صور ذا روح عذب حتى ينفخ فيه الروح، وما هو بنافخ )؛ فإذًا العلة واضحة؛ فلذلك يجوز تصوير كل ما يجوز النظر إليه، كالنظر في المرآة تمامًا، كل ما يجوز النظر إليه بالمباشرة يجوز النظر إليه في الصورة، أو في الكاميرا، أو في الفيديو، أو في التلفزة، أو غير ذلك، وما لا يجوز النظر إليه كالعورات وغير ذلك لا يجوز تصويره، ولا يجوز النظر إلى صورته، وهذا يشمل القصد الطيب كتثبيت الدروس في التصوير، أو غير ذلك من القصود التي لم يرد نهي عنها، كالاحتفاظ بصورة للذكرى، فهذا لا مانع فيه شرعًا؛ لأنه لم يرد به أي نص ولا قياس يمنعه أيضًا، فيبقى على أصل الجواز؛ لأن كل ما يجوز النظر إليه بالمباشرة يجوز تصويره.

    بالنسبة لوضع الصور في البراويز وتعليقها، من أهل العلم من يرى تحريم ذلك؛ سدًّا لذريعة الشرك؛ لأن النصارى يفعلون ذلك في كنائسهم، وسد الذرائع توسع فيه الناس كثيرًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عائشة عن قرام لها فيه صورة رجلين، أو فيه صورة خيل مجنحة، ومع ذلك شقته عائشة فجعلت منه وسادتين فأقر، لكن التصوير حينئذ ليس بهذا التصوير الفوتوغرافي، إنما كان بالنسيج، والنسيج هو تصوير؛ لأنه كان معروفًا بذلك في العهد النبوي، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بالشيء الصغير منه كالماركة التجارية التي يكون فيها مثلًا: تمساح، أو طير، أو نحو ذلك الشيء اليسير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى من الصور قال: ( إلا رقمًا في ثوب )، فالرقم في الثوب؛ أي: الشيء اليسير من ذلك معفو عنه، ومثل هذا ما يكون في رأس الأوراق، أو في الاسم التجاري، العلامة التجارية، فتكون على أوراق الشركة، أو نحو ذلك، فالشيء اليسير من ذلك الذي هو بمثابة الرقم في الثوب لا حرج فيه.

    وقد كان عدد من أهل الكتاب يحتفظون بصور الأنبياء السابقين، وعندما أتى دحية الكلبي إلى الشام أخرجوا له حقًا فيه خرق من الحرير، فيها صور الأنبياء، فكانوا كلما أخرجوا له صورة قال: ليس صاحبي، حتى أخرجوا له صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فأكب عليها يقبلها، وكذلك كانوا يحتفظون في بيت المقدس بصورة عمر بن الخطاب بهيئته، يلبس مرقعته قبل أن يروه، وقد كان ذلك يمكن أن يكون مما أنزل على الأنبياء السابقين.

    1.   

    وضع الأشياء على المصحف

    السؤال: يقول ما حكم وضع شيء على المصحف كساعة أو نظارة أو أي كتاب آخر، هل هذا غير أدب مع كتاب الله؟

    الجواب: نعم، كتاب الله لا بد من رفعه وتقديره، فلا يوضع عليه أي شيء إلا ما له مصلحة فيه، يمكن أن يوضع مصحف فوق مصحف، ويمكن أن يوضع عليه الجلد؛ لأنه مصلحة للأوراق، لكن لا يوضع عليه إلا ما فيه مصلحة له كعلاقته وظرفه الذي يوضع فيه، وما لا مصلحة له فيه لا يوضع عليه كالساعة والنظارات ونحو ذلك.

    1.   

    الصور والمنحوتات التي لا تعبد لم يهدمها الصحابة

    السؤال: [هل تمحى الصور والمنحوتات؟]

    الجواب: بالنسبة للصور التي كان الناس يعبدونها لا بد من محوها جميعًا، كل ما كان الناس يعبدونه من الصور فلابد من طمسه ومحوه؛ لأنه بمثابة الأصنام حتى لو كانت لمحترم؛ ولذلك فما لم يعبد من الصور لم يهدمه الصحابة، تركوا كثيرًا من الصور لم يهدموها، بعض الصور في مصر، والنحوتات التي كانت قائمة وقد فتحها الصحابة فلم يهدموها، وبعض التصاوير في الشام، وفي أماكن كثيرة مما فتحه الصحابة لم يغيروها كصور بوذا التي كانت في أفغانستان، فهذه قد فتح المنطقة سعيد بن عثمان بن عفان ومعه عدد كبير من الصحابة فلم يهدموها؛ لأنها لم يكن لها عباد، لو كان لها عباد للزم هدمها.

    1.   

    رفع اليدين عند الدعاء

    السؤال: هذا يقول: يسأل عن حكم رفع اليدين عند الدعاء مثلًا عند الانتهاء من الأذان، أو في خطبة الجمعة، وبعد الانتهاء من الصلاة المكتوبة؟

    الجواب: أن رفع اليدين في الدعاء هو أدب من آدابه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله ستير كريم، يستحيي إذا مد العبد إليه يديه أن يردهما صفرًا )، ورفع اليدين دعاء ولو لم ينطق الإنسان بشيء، إذا مد يديه إلى الله هكذا فهذا طلب للخير، ولو لم ينطق بشيء، ومثل ذلك إذا مد إصبعه فذلك أيضًا دعاء، وتعرض لرحمات الله، ولو لم ينطق بشيء، ومثل ذلك رفع الإصبع عند التوحيد فهو توحيد، ولو لم ينطق بشيء، وإقرار الوحدانية، ولو لم ينطق بشيء، وهذا الرفع محله حيث يشرع، فأما الدعاء في أثناء الصلاة فلم يرد فيه الرفع؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، ونحن لم نره يرفع يديه في الرفع من الركوع ولا في الجلوس ولا في السجود ولا في غير ذلك من أوقات.. حتى القنوت، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين فيه، قنوت الوتر لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رفع اليدين فيه، قد ورد فقط عن واحد من التابعين وهو إبراهيم النخعي، وقد ذكره أحمد بن حنبل عن أهل مكة وفيهم سفيان بن عيينة من أتباع التابعين، لكن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة، وقنوت الفجر ورد الرفع فيه عن عمر أنه كان يرفع يديه فوق رأسه عند الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

    فلذلك الصلاة الأصل فيها التوقيف: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، فلا يرفع الإنسان يديه فيها، وكذلك خطبة الجمعة، فهي ملحقة بالصلاة، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه فيها إلا في الاستسقاء، وكان يجعل ظاهر يديه إلى السماء في دعاء الاستسقاء، وكان يرفع إصبعه في الدعاء على المنبر، وكذلك في الاستشهاد على الناس كما في خطبة حجة الوداع: ( اللهم، اشهد ) ورفع مسبحته إلى السماء ينكت فيها؛ ولذلك ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي أن عمارة بن رؤيبة الأسلمي لما قام بشر بن مروان على المنبر فرفع يديه في خطبة الجمعة قام إليه عمارة فقال: (قبح الله هاتين اليديتين القصيرتين، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ما زاد على هكذا، ورفع إصبعه) فهذا الصحابي أنكر على هذا الأمير رفعه ليديه على المنبر، وكذلك أنكر عمر بن عبد العزيز على الوليد بن عبد الملك- وهو الخليفة- رفعه ليديه على المنبر وقال: (وددت أنهما ما رجعتا) ود لو يبستا كذلك فما رجعتا، مع أنه ابن عمه وأخو زوجته.

    وقد اختلف أهل العلم هل هذا للإمام فقط أو للمأمومين؟ فجمهور أهل العلم على أن المأمومين يقتدون بالإمام؛ إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كان الإمام لا يرفع يديه فالمأمومون تبع له لا يرفعون أيديهم، وذهب الشافعية إلى أن المأمومين يرفعون أيديهم في وقت دعاء الإمام حتى يشركوه في الدعاء؛ لأن الإمام يدعو باللفظ وهم إذا مدوا أيديهم فقد شاركوا في الدعاء بأيديهم حينئذ، ولم يرد نهي عن ذلك بخصوصه، إلا ما ذكرناه من أن الإمام ينبغي أن يقتدى به، وما بعد الصلوات المكتوبة فيه ذكر مخصوص، وليس في ذلك ذكر رفع، فإذا أكمل الإنسان أذكار ما بعد الصلاة فله الحق أن يرفع يديه وأن يدعو، كما له الحق في ذلك في أي وقت.

    1.   

    رفع البصر إلى السماء

    السؤال: [ما حكم رفع البصر إلى السماء؟]

    الجواب: بالنسبة لرفع العينين ورد النهي عنه فقط في الصلاة، بالنسبة للذي يرفع نظره في السماء في وقت الصلاة هو المتوعد بأن يؤخذ بصره لا يرد إليه، أما ما سوى ذلك فلا حرج في رفع النظر إلى السماء، والدعاء ليس له قبلة، الدعاء يمكن أن تدعو إلى أي اتجاه، فليس للدعاء قبلة، يمكن أن تدعو وأنت مدبر عن القبلة، ويمكن أن تدعو وأنت مستقبل للقبلة، في أي اتجاه.

    أما في الصلاة فبين أن صاحبه متوعد بأن يؤخذ بصره ولا يرد؛ وذلك لأنه مخالف للسنة وللأدب في هيئة الصلاة، فلا بد أن يخشع الإنسان وأن، يكون نظره كجوارحه خاشعًا هادئًا.

    1.   

    إقامة جماعتين في مسجد واحد في وقت واحد

    السؤال: كنا في سفر فدخلت أحد مساجد الطريق لأصلي الظهر والعصر جمعًا، ووجدت جماعة يصلون، فصليت معهم، وبينما نحن في صلاتنا إذ وصلت مجموعة من المسافرين فأقاموا الصلاة لأنفسهم وصلوا، بعد انتهائنا من الصلاة سألت إمام المجموعة الثانية عن جواز صلاة جماعتين في مسجد واحد وفي الوقت نفسه، فقال: إن كانت الصلاة سرية جاز الأمر، واستشهد على هذا بما يكون في المسجد النبوي وقباء وغيره، فما صحة هذا الأمر؟

    الجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد في وقت الصلاة بعد أن أقيمت الصلاة، فرأى من يصلي فقال: ( أصلاتان معًا؟! أصلاتان معًا؟! )، وهذا يدل على أنه إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، وقد جاء ذلك في الحديث، لكن محل هذا إذا كان الإمام راتبًا، أو كان مرضيًا عندك، أما إذا كان الإمام غير راتب وغير مرضي كمساجد الطرق التي يصلي فيها من هب ودب فيمكن أن يكون الإمام غير مرضي أصلًا، أو يفسد الفاتحة، أو لا يعرف أحكام الصلاة، وحينئذ الاحتياط والفضل أن تنتظره حتى ينهي ثم تصلي أنت، فإذا كان انتظاره مفسدًا لأمر لا بد منه كأن تفوتك الرفقة، أو تفوتك الطائرة، أو يفوتك القطار، فما لك حينئذ إلا أن تصلي، وتصلي مع من معك.

    1.   

    الصلاة خلف الإباضية

    السؤال: هذا يسأل عن حكم الصلاة خلف الإباضية هل هي جائزة أم لا؟ خاصة إذا كانوا هم الذين يصلون في الوقت الحالي؛ أي: حال دخول المسجد.

    الجواب: أن الإباضية هم في الأصل من فرق الخوارج، ولم يكفرهم الإمام علي رضي الله عنه ولا الصحابة معه، فعلى ذلك يجوز الاقتداء بهم، ولكن لا ينبغي ترتيب إمام منهم في مكان فيه أهل السنة وأهل الفضل، فلا يرتبون للإمامة، لكن إذا صلى إنسان منهم فيُصلى وراءه، وكذلك الحرورية الذين قتلوا علياً رضي الله عنه، فقد كان الصحابة يصلون وراء عدد منهم، كان الهرماس يصلي وراء نجدة بن عامر، ونجدة هو أمير النجدات، وهم من الخوارج وهكذا، ومثلهم من كان من أهل الزيغ في بعض الجوانب، وقد أخرج البخاري في الصحيح: أن رجلًا دخل على عثمان رضي الله عنه- وهو محصور في الدار- فقال: يا أمير المؤمنين، أنت إمام عامة، وقد نزل بك ما نرى، وإن هؤلاء يصلون لنا- يقصد الخوارج الذين خرجوا عليهم- وإمامهم إمام بدعة، أفنصلي معهم؟ وفي رواية: فنتحرج؟ أي: نتحرج من الصلاة معهم، فقال عثمان: (إن الصلاة من أحسن ما يصنع الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فتجنب إساءتهم).

    وحتى لو كان على الطريق إذا كانت صلاته صحيحة؛ لأنه لم يكفر ببدعته، فيكون كغيره من عصاة المسلمين.

    1.   

    ضابط المعلوم من الدين بالضرورة

    السؤال: هذا يقول: ما هي الأمور التي علمت من الدين بالضرورة، وإنكارها مخرج من الملة؟

    الجواب: أنه علم من الدين بالضرورة أركان الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وعلم من الدين بالضرورة أركان الإسلام: أن تشهد أن لا إله الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا، وعلم من الدين بالضرورة: حرمة قتل النفس المؤمنة إلا بحق، وحرمة الزنا، وحرمة شرب الخمر، وحرمة أكل الربا، وحرمة السرقة، وحرمة قذف الغافلات المؤمنات من المؤمنين، فهذه أمور معلومة من الدين بالضرورة، لا يدخل الإنسان الإسلام إلا إذا كان يعرفها، ومن أنكر شيئًا منها كفر، وما سوى ذلك من التفصيلات بحسب الحال، إذا كان الإنسان يعلم أنه قد عرفها وجحدها واستكبر عنها فيكفر، وإذا كان لا يعرفها، وعلم جهله بها فإنه يعذر بذلك.

    1.   

    تغميض العينين في الصلاة

    السؤال: هل يجوز تغميض العينين في الصلاة حتى يخشع الإنسان أكثر؟

    الجواب: أن تغميض العينين ليس مطلوبًا في الصلاة، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان سيقع بصره على مشغل كما إذا كان في المسجد زخارف، أو كان أمام الإنسان هذه اللوحة فيها الكتابة أو نحو ذلك فله أن يغمض عينيه؛ لئلا يشوش ذلك عليه، وقد ثبت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب، فلما سلم خلعه خلعًا شديدًا وقال: إني نظرت إلى علمها فكاد يفتنني عن صلاتي، قال: احملوا هذه إلى أبي الجهم، وائتوني بإنبجانيته؛ فإني نظرت إلى علمها.. )، والعلم هو: خطوط مربعة في الثوب؛ فلذلك كل شيء يشغل الإنسان عن الصلاة ويلهيه فعليه أن يقطع النظر عنه بالكلية، حتى النظر إلى الفراش إذا كنت تنظر إلى جهة موضع السجود، لا تحدد النظر إلى الفراش، ولا تتابع الخطوط التي فيه، وإذا حصل لك شيء من ذلك فغض النظر مباشرة وكفه.

    1.   

    تكفير الخوارج

    السؤال: [الأحاديث الواردة في الخوارج هل يقتضي تكفيرهم]

    الجواب: كل ذلك لا يدل على تكفيرهم، الأحاديث التي جاءت في الخوارج بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من رميته هي حكم أخروي، وليست حكمًا دنيويًّا؛ فحكمهم الأخروي كذلك، وهذا حديث عن الغيوب وعن أمر يتعلق بالقلوب والنيات، وهذه لا علاقة لنا في الدنيا، فإنما نحن قوم نحكم بالظواهر، والله يتولى السرائر، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل الرجل الذي قال له: يا محمد، اعدل؛ فإنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، مع أن الذي قاله ظاهر الكفر، وعندما أدبر قال: ( يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )، وقد كان في دولته وتحت يده فلم يقتله، ولم يقم عليه حد الردة؛ فدل ذلك على عدم تكفيره بأحكام الدنيا، فجعلهم بمثابة المنافقين، الذين تركهم وعاشوا معه في المدينة، وبعضهم يشهد معه الصلاة في المسجد، يصلون معه يدخلون المسجد ويتركهم (فـعلي رضي الله عنه لما سئل عنهم قيل: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا).

    ( قيل: أمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا، وإن هؤلاء يكثرون ذكر الله، فقيل: فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا ).

    مداخلة:...

    الشيخ: لا، هو صرف عينيه عن أنس لما رآه ينظر إليه، هو كان ينظر إلى الأمام، فمر أنس فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه- وهو في الصلاة- فلما نظر أنس إليه رآه ينظر إليه، فوقعت عيناهما معًا صرف عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، فيمكن أن يكون هذا الصرف دليل على التغميض؛ لأنا ما ندري الصرف هل كان بالتغميض أم بغيره؟ والمقصود أن كل ما يقطع انشغالك.. إذا كان الانشغال لا يقطعه إلا التغميض فيكون هذا مما لا يتم الواجب إلا به.

    1.   

    حكم رنة الجوال بذكر أو دعاء أو قرآن أو نشيد

    السؤال: هذا يقول: ما حكم عمل رنة الجوال بدل الموسيقى بذكر أو دعاء أو نشيد أو قرآن أو غير ذلك؟

    الجواب: لا حرج في مثل هذا، لكن إذا كان فيها قرآن أو ذكر فعلى الإنسان أن لا يدخل بالجوال الحمام أو الخلاء وهو مفتوح؛ لئلا يأتيه اتصال فيصدر ذكر الله في هذا المكان، يغلقه قبل الدخول، وكذلك في أوقات الصلاة، وهذا يشمل ما كانت رنته بموسيقى أو بقرآن أو بتلاوة أو بغير ذلك، فكثيرًا ما يشغل الإنسان عن صلاته الدعاء أو القراءة في بعض الهواتف الجوالة.

    لا، ما يجعل رنة الجوال للأذان دائمًا؛ لأن هذا مقتض للأذان خارج الوقت، والأذان خارج الوقت فيه إشكال، وبالأخص إذا كان فيه: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أما التكبير فلا حرج فيه كالتكبير في أذني الصبي المولود، فالأذان في إحداهما، والإقامة في الأخرى، لا يقصد بذلك تمام الأذان وتمام الإقامة.

    مداخلة:...

    الشيخ: يكون أفضل في بعض الحالات، لكن يكون الإبراد أفضل في بعض الحالات إذا اشتد الحر كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن فقال: ( أبرد ) فهمت؟

    مداخلة:...

    الشيخ: ففي بعض الحالات تكون المبادرة أفضل، وهذا الأصل، وقد ذكرنا الخلاف فيما يتعلق بوقت الوجوب هل هو أول الوقت، أو آخره، أو وسطه، أو ما اتصل به الأداء، أو وقت مبهم فيه في علم الله إلى آخره، في المسألة أقوال كثيرة؛ فلذلك هذا الأمر تعتريه الأحوال؛ ولذلك الجمعان: جمع التقديم، وجمع التأخير أفضلهما أرفقهما كما قال ابن قدامة.

    مداخلة:...

    الشيخ: لا، لكن الخروج خروج الإنسان من بيته وخروج جميع الناس، وليس كل الناس لديهم مكيف، لاحظ حال العمال وحال الضعفة، فليس الحال هكذا في حق كل أحد، وأيضًا فيح جهنم لا يحبه أحد، ولا ينفع فيه التكييف.

    1.   

    هل يكفي أذان واحد في الجمع

    السؤال: هذا يقول في حالة جمع الصلاة في المطر والوحل الشديد كصلاتي المغرب والعشاء في الحضر هل يكفي أذان واحد؟ أم أذانان؟

    الجواب: أنه يكفي أذان واحد، ولكن يفصل بينهما بقدر أذان فقط، والأذان يكفي أذان واحد؛ لأن المطلوب حضورهم وقد حضروا.

    1.   

    صلاة التسلسل

    السؤال: هذا يسأل عن تعريف صلاة التسلسل؟

    الجواب: ما أعرف صلاة التسلسل! أين وجد هذا المصطلح؟

    لعل المقصود بها بعض الصلاة التي نطلق نحن عليها تسلسلًا، لكن ليس هذا اصطلاحًا للفقهاء، بعض الناس يكون مثلًا يصلي على مساجد الطرق، فيصلي فيقتدي بإنسان، ثم يسلم ويسلم الإنسان الذي كان يصلي أولًا، فيقتدي إنسان آخر بهذا المسبوق، ثم يسلم هذا المسبوق ويقتدي آخر بآخر وهكذا، وهذا النوع فيه حرج؛ لأنه سيتسلسل فيكون هذا مأمومًا لمأموم لمأموم وهكذا.

    1.   

    الاقتداء بالمأموم بعد الانتهاء من الصلاة

    السؤال: هذا يقول: ما حكم من دخل المسجد بعد فراغ الإمام من الصلاة هل يجوز له أن يقف بجانب من قام ليتم صلاته بعد سلام الإمام؟ وما حكم من دخل المسجد؟

    الجواب: أن من أدرك أقل من ركعة فإنه يمكن الاقتداء به.

    من أدرك أقل من ركعة كمدرك التشهد مثلًا هذا يجوز الاقتداء به؛ لأن مسائله أربع، وكل واحدة منها فيها خلاف:

    المسألة الأولى: لا يحصل له إلا فضل ما أدرك على المشهور، ولا يحصل له فضل الصلاة كلها، إنما يحصل له فضل ما أدرك فقط.

    المسألة الثانية: يكون إمامًا على المشهور؛ أي: يصح الاقتداء به.

    المسألة الثالثة: يقوم بالتكبير على المشهور؛ لأن تكبيرته الأولى قد جاءت بإدراك الإمام جالسًا.

    المسألة الرابعة: بطلان صلاته بسجوده مع الإمام القبلي أو البعدي؛ لأنه لم يدرك موجبه، لم يدرك الموجب، فهذه أربع مسائل كلها فيها خلاف فيما يتعلق بمدرك التشهد؛ أي: المدرك أقل من ركعة، أما من أدرك ركعة كاملة فقد انسحبت عليه المأمومية قطعًا، وأصبح مأمومًا، والمأموم لا يكون إمامًا؛ فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يقتدي به؛ لأنه مأموم، والمأموم خلاف الإمام، لكن إذا سلم الإمام وقدمه قوم على القياس على الاستخلاف أو نحو ذلك فلا ينكر عليهم، لكن ليس هذا من الاحتياط للدين.

    1.   

    الاستعاذة في التلاوة الجماعية

    السؤال: هذا يقول: حكم الاستعاذة في التلاوة الجماعية، هل يستعيذ كل من جاء الدور إليهم في القراءة؟ أم تكفي استعاذة واحد في بداية الحلقة؟

    الجواب: كل واحد منهم يستعيذ ويبسمل؛ لأن الله تعالى يقول: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، فكل يقرأ القرآن؛ فلذلك يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويبسمل، ولو لم يكن في أول السورة؛ لأنه اختارها بعض أولي الأداء للخبر الوارد في الأجزاء دائمًا في بداية استئناف القراءة، هذا اختيار بعض أولي الأداء، وبعضهم لا يرى ذلك، يرى أنك تتعوذ فقط ولا تبسمل، وبعضهم يرى أيضًا أن حتى السور باختلافها مثلًا سورة براءة قطعًا ليس فيها بسملة، وأيضًا فيه أربع سور: سورتان مفتتحتان بلا نافية: لا أقسم بيوم القيامة، ولا اقسم بهذا البلد، وسورتان مفتتحتان بويل وهما: ويل للمطففين، وويل لكل همزة، فهذه السور الأربعة اختارها بعضهم للفصل بين آخر السور الذي فيه اسم الله مثلًا قبل سورة المطففين ونحو ذلك، فالفصل بينها وبين آخر السورة الأخرى اختاروه لهذا، ولكن مع ذلك فالبسملة فيها لفظ الرحيم أيضًا هو نهايتها، وهو اسم من أسماء الله؛ فلذلك قال ابن بري قال: لأن وصفه الرحيم معتبر.

    1.   

    صلاة المرأة بدون خمار

    السؤال: هذا يقول: ما معنى لا تصح صلاة امرأة بدون خمار؟ هل هو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هو الخمار الذي يجب أن ترتديه المرأة أثناء الصلاة؟

    الجواب: أن هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )، والمقصود بالحائض: البالغة، فمن كانت بالغة من النساء لا يحل لها أن تصلي كاشفة عن رأسها ورقبتها، بل يجب عليها ستر رأسها ورقبتها، وهذا محل إجماع، وإذا صلت بدون ذلك فصلاتها باطلة، لكن إذا انكشف شيء من شعرها فلا تبطل صلاتها بذلك، وإذا انكشف شيء من رقبتها فلا تبطل صلاتها بذلك، بل تندب لها الإعادة في الوقت فقط، ومثل ذلك ما لو انكشف شيء من أطرافها، ومحل الأطراف التي يجب سترها فالقدمان مثلًا عند المزني- من الشافعية- لا يجب سترهما، وعند أبي حنيفة أسفلهما أيضًا لا يجب ستره، فالقدمان هل هما عورة أم لا؟ جمهور أهل العلم أن قدمي المرأة عورة، والمزني يرى أن قدمي المرأة ليسا بعورة، وأبو حنيفة يرى أن أسفل القدمين ليسا بعورة، وأن أعلاهما عورة، والمرجع في ذلك إلى حديث أم سلمة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أسفل من الكعبين في النار، قالت: فما تفعل النساء بأعقابها؟ فقال: يرخين شبرًا، قالت: إذًا ينكشفن! قال: يرخين ذراعًا )، فالشبر هل يغطي الرجلين تمامًا أم يغطي أعلاهما فقط، وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ذلك حتى قالت أم سلمة ذلك، ومن ذلك أخذ المزني أن القدمين ليسا بعورة بالنسبة للمرأة، وأبو حنيفة يرى أن الشبر لا يغطي الرجلين تمامًا بل يغطي أعلاهما فقط، والجمهور يرون أن الشبر مع الذراع يرخى، فالمرأة ترخي شبرًا وترخي ذراعًا؛ أي: شبرًا وذراعًا، كل ذلك يجوز لها، وليس المقصود أن ذلك يجب عليها، بل هو أَذِنَ فيه؛ ولذلك قال: (يرخين شبرًا، قالت: إذًا ينكشفن، قال: يرخين ذراعًا) فدل ذلك على الجواز فقط؛ لأن الفعل المضارع هنا لا يقتضي أمرًا.

    وعمومًا فالخمار المقصود به ما يستر رأس المرأة؛ أي: شعرها ورقبتها، ووجهها لا تغطيه في الصلاة إلا إذا كان عندها رجال أجانب، أما إذا لم يكن بحضرتها أجانب فيكره تغطية وجهها، وإذا غطت وجهها فصلاتها صحيحة مع ذلك.

    الوجه ينتهي إلى المغسول الذي يجب غسله في الوضوء فقط؛ أي: إلى الذقن، فما تحت الذقن كله داخل في الرقبة.

    1.   

    اختلاف الكوفيين والمدنيين وغيرهم في عد الآي

    السؤال: هذا يقول: قلتم: إن عد الآي توقيفي، فكيف نفسر اختلاف الكوفيين والمدنيين وغيرهم في عد الآي؟

    الجواب: أن كل ذلك اعتماد على روايات بعض الصحابة في العد، واختلاف المصاحف في ذلك واضح، والنبي صلى الله عليه وسلم أُنزل عليه القرآن على سبعة أحرف، واختلاف الأحرف أيضًا مؤذن باختلاف العدد؛ ولذلك قال أبي لـابن مسعود: (كأين تقرءون سورة الأحزاب آية؟ فقال: ثلاثًا وسبعين، فقال: قط)؛ أي: ما كانت كذا قط؛ فلذلك يقع الاختلاف مثلًا في اعتبار كلمة هل هي آية؟ مثل الم هل هي آية مستقلة أو لا؟ وهكذا في التجزئة، فيقع الاختلاف في ذلك بين الصحابة على اعتبار النزول واعتبار الحروف.

    1.   

    تغطية الإمام لرأسه في الصلاة

    السؤال: ما حكم تغطية الإمام لرأسه في الصلاة؟ هل ورد فيها شيء؟

    الجواب: أن الرداء من سنن الصلاة، والمقصود به ما يستر على الإنسان، الرجل من العرب عادة يلبس حلة، والحلة كل لباس مؤلف من ثوبين: ثوب أسفل يستر أسفله، وهو الذي يسمى إزارًا من السرة إلى الكعبين، أو إلى نصف الساقين، وثوب أعلى، وهو الذي يستر أعلاه، وهو الذي يسمى رداء، والرداء يمكن أن يجعله الإنسان على رأسه، ويمكن أن يجعله على كتفيه، ثم يجعل طرفه على كتفه الأخرى كهيئة المحرم الآن، فهذا اللباس هو لباس الفطرة، وكان لباس إبراهيم عليه السلام، وكثير من الفقهاء يسمعون أن الرداء سنة في الصلاة، فيظنون أنه شيء زائد على هذا، إذا كان الإنسان يلبس مثل هذا الثوب أو الأثواب التي لديكم فهي كافية عن الرداء، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيعرفون قراءته باضطراب لحيته كما في حديث أنس: ( قيل: بما كنتم تعرفون قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسر؟ قال: باضطراب لحيته )، فلو كان حينئذ يضع الرداء على رأسه لما رأوا لحيته وهم وراءه، فدل ذلك على أنه ربما صلى ولم يجعل الرداء على رأسه.

    والعمامة، لكن ليس في كل الأوقات يستعمل العمامة، ومن المعلوم أنه يصلي بالناس محرمًا، والمحرم لا يغطي رأسه.

    1.   

    أحكام جمع الصلاة في السفر وغيره

    السؤال: هذا يقول: ما حكم جمع صلاة المغرب والعشاء في الحضر في المنزل لغير مسافر ولغير عذر؟

    هل السائل يسأل عن جمع التخزين؟!

    الجواب: بالنسبة للجمع لغير عذر وقفنا دونه وهو حديث ابن عباس: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثمانيًا وسبعًا بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قيل: ولم؟ قال: أراد ألا يحرج أمته؟ )، وقد وقفنا دون هذا الحديث، والحديث مختلف في محامله، فذهب الحنفية إلى أن الجمع الذي فيه صوري؛ أي: أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها، ويعجل العصر إلى أول وقتها، فيكون كأنه جمع، ويؤخر المغرب إلى آخر وقتها، ويعجل العشاء في أول وقتها، فكأنه جمع، ولم يصل واحدة من الصلوات إلا في وقتها، وهذا جائز على الأصل دائمًا، وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كان من أجل المرض، وهذا اختيار النووي رحمه الله، وهو قول كثير من الشافعية: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وهو مريض وهو شاك، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وعدد من أهل العلم إلى أن هذا الجمع كان من أجل الشغل؛ لأن ابن عباس قال: (أراد ألا يحرج أمته)، فإذا كان الإنسان طبيبًا سيجري عملية جراحية، وإذا دخل لا يستطيع أن يترك القلب مفتوحًا- قلب المريض مفتوحًا- أو بطنه مفتوحًا ويذهب ليصلي العصر، فله أن يجمع من غير خوف ولا مطر وهذا سبب من الأسباب، وأسباب الجمع- على المعروف- ستة، لكن يزاد عليها هذا السبب- وهو الجمع من أجل الشغل- فتكون سبعة، الوقوف بعرفة هذا سبب لجمع الظهرين تقديمًا، والنزول بمزدلفة سبب لجمع العشاءين تأخيرًا، وقد اختلف في الجمعين هل هما جمعان من أجل النسك، أو جمعان من أجل السفر؟ والجمع في السفر للظهرين والعشاءين فهو يشمل الجميع، ويشمل أيضًا التقديم والتأخير على الخلاف في ذلك، ثم بعد ذلك الجمع من أجل المطر، وهو عند الجمهور مختص بالعشاءين فقط، ولا يجمع الظهران من أجل المطر إلا في رواية الحنابلة.

    السبب الخامس: المرض؛ فالإنسان إذا كان مريضًا يأتيه مرض في وقت محدد، فشدت عليه الحمى بحيث لا يستطيع أن يثبت الآن في الصلاة فيؤخرها إلى أن يجمع، أو يعلم أنها ستأتيه بعد ساعة وسينتهي الوقت وهي بشدة، فيجمع جمع تقديم أيضًا في انتظارها.

    السبب السادس: هو الظلام مع الطين والوحل الشديد؛ فهذا سبب لجمع العشاءين فقط دون الظهرين.

    والسبب السابع: هو الجمع من أجل الشغل، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث؛ لأن ابن عباس قال: (أراد ألا يحرج أمته) فلذلك يمكن أن يفتى به في حق الطبيب، ومن هو مشغول شغلًا لا بد منه، لكن لا يمكن أن يفتى به في حق التخزين، أو من أجل مجرد النوم والراحة، إلا في حق من كان لديه شغل شاغل مثلًا الحرسي أو الجندي الذي كان واقفًا مدة طويلة، وجاء في وقت الظهر، وهو يعلم أنه سينام الآن؛ لأنه من أربع ليالي ما نام، أو ثلاث ليالي ما نام، وأنه إذا نام لن يستيقظ قطعًا إلا إذا خرج الوقت، فحينئذ يمكن أن يترخص بالتقديم، فيجمع لهذا العذر؛ لأنه بمثابة الشغل.

    1.   

    معنى قول مالك: الاستواء معلوم

    السؤال: هذا يسأل عن قول الإمام مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب) قوله: معلوم، يراد به معلوم المعنى؛ لأنه نفى علم الكيف، فلم يبق إلا المعنى، فكيف يسوغ لنا أن نقول: إن الإنسان يؤمن بالاستواء، ولكن لا يثبت له المعنى؟

    الجواب: أن هذا في حق العربي الذي يعرف معنى الاستواء، كلام مالك هنا في حق من هو من أهل العربية يعرف معنى الاستواء في لغة العرب، وأنتم جميعًا تعرفون معنى الاستواء في لغة العرب، فلا تحتاجون فيه إلى تأويل، ولا تحتاجون إلى تفويض؛ لأنكم تعرفون معناه، لكن من لا يعرف معنى ذلك كالعجمي الذي لا يفهم معنى العربية فأنت لا تستطيع أن تشرح له هذا؛ لأن السلف لم يكونوا يشرحون لفظًا من ذلك كما قال أحمد بن حنبل، كانوا يقولون: تفسيرها قراءتها، فحينئذ يمكن أن يحمل على ما ذكر.

    1.   

    تفسير الاستواء بعلا وارتفع واستقر

    السؤال: هذا يقول ابن الأعرابي قال: استوى: وعلا وارتفع واستقر.

    الجواب: ما ينبغي مثل هذا النوع؛ لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين لهم بإحسان؛ فلذلك نعرف نحن معنى هذه الكلمات في لغة العرب، ونؤمن بها، وأنها حق، وتتضح لنا ولا نحتاج إلى التعني والسؤال فيها، ومن لا يعرف شيئًا من ذلك فليحله إلى علم الله.

    1.   

    زكاة الراتب

    السؤال: هذا يقول: رجل يأخذ معاشًا شهريًّا وقد حال عليه الحول، وبلغ النصاب، كيف يزكي بعد ذلك عن ماله، حيث المبلغ يتزايد ويتراكم؟

    الجواب: أن ينظر إلى هذا المبلغ متى بلغ نصابًا، فإذا كان بلغ النصاب مثلًا وصل إلى أربعة آلاف ريال قطري في الشهر الفلاني من السنة، عد من ذلك الوقت الحول، فإذا حال الحول من ذلك الوقت الذي تم فيه النصاب وجبت عليه زكاته، إذا كان قد وصل إلى يديه واستطاع تملكه، أما إذا كان دينًا على الدولة ولم يصل إليه بعد، ولكنه يرجو الوصول إليه فيكون الخلاف فيه كالخلاف في زكاة الديون، وبعض أهل العلم يرى أنه لا يزكيها حتى يقبضها؛ لأنه لا يدري متى يصل إليها، ومنهم من يرى أنه لا زكاة في الدين مطلقًا، بل إذا استلمه استأنف به الحول، ومنهم من يفصل فيقول: الدين ثلاثة أقسام: دين ميئوس منه لا يرجى، فهذا لا يزكى، ودين مقطوع به كالدين الحال على الموسر المقر به الذي لا يحول بينك وبين استلامه إلا أن تطلبه، فهذا يزكى كاملًا، والدين الثالث: هو الذي يسمى بالدين الظنون؛ أي: الذي من المحتمل أن يوجد، ومن المحتمل ألا يوجد، فهذا يقوم فيسأل أهل الخبرة عن قيمته فينقصون منه مقابل التأخر فيزكي ما بقي، والدين الأول الذي هو ميئوس منه، والذي يسمونه بالضمار، الضمار معناه: الذي لا يمكن الحصول منه على شيء كما قال الشاعر:

    أرجي من سعيد بني لؤي أخي الأعياص أنواء غزارا

    إلى أن يقول:

    وأنضاء أنخن لدى سعيد طروقًا ثم عجلن ابتكارا

    حمدن مزاره وأصبن منه عطاءً لم يكن عدة ضمارا

    (حمدن مزاره وأصبنا منه عطاءً لم يكن عدة ضمارا)؛ أي: عدة لا يحصل منها على شيء.

    قيمة الذهب، تعرف أن النصاب هو ستة وثمانون جرامًا، فتسأل عن قيمة ستة وثمانين جرامًا في السوق.

    وهكذا تنظر إلى قيمة ستة وثمانين جرامًا فهي النصاب.

    1.   

    واجب المسلم عند كثرة الفتن

    السؤال: هذا يقول: ما واجب المسلم عند كثرة الفتن من حيث الانتماء إلى الجماعات، أو يبقى منفردا ًيعبد الله حتى يبتعد عن الحزبية، أم ماذا عليه؟

    الجواب: أن هذه الأمة أمة واحدة، رسولها واحد، وكتابها واحد، وقبلتها واحدة، وعلى جميع أفرادها أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن ينصح بعضهم بعضًا، وأن يعلمه، وأن يرشده، وأن يحبه، وأن يحب له ما يحب لنفسه؛ فلذلك يلزم أن يتعاونوا جميعًا على البر والتقوى، وأن يحققوا ذلك فيما بينهم، وبالأخص في الأوقات التي يقع فيها التحدي لدينهم، فيلزم أن يتناسوا خلافاتهم فيما بينهم، وأن يقوموا صفًا واحدًا في وجه أعدائهم.

    1.   

    الحلف بالطلاق

    السؤال: هذا يقول: ورجل قال لامرأته.. وأراد أن يمتنع عن شرب الدخان: لو عدت إلى شرب الدخان مرة ثانية فأنت طالق بالثلاث، وتكونين علي حرامًا؟

    الجواب: أن هذا يعتبر قسمًا، فيكفر عنه قبل الحنث، فإذا كفر عنه قبل الحنث بكفارة يمين بالله فقد انحل، ولكن لا يعد إلى الدخان مرة أخرى، انحل القسم لكن لا يعد إلى الدخان.

    لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه )، فهذا هو ما قصد به تحريم زوجته، ما قصد به الطلاق قطعًا، إنما قصد به..

    فالحلف ألا يتناول الدخان، فيكفر عن هذه اليمين قبل الحنث؛ فتنحل اليمين، ولكن لا يعد إلى الدخان.

    1.   

    الطلاق في الحيض

    السؤال: هذا يقول: علمًا بأنه طلقها قبل ذلك مرة، وكانت حائضًا، وقال له بعض أهل العلم: إن طلاقك هذا لا يقع في الحيض؟

    الجواب: القضية هنا قضية القسم، أنه يحله بالتكفير عن يمينه، ويكفي ذلك إن شاء الله.

    1.   

    الرد على شبهة القول بتحريف القرآن

    السؤال: هذا يقول: يستدل بعض أهل البدع بحديث عائشة رضي الله عنها في البخاري: (كنا نقرأ الأحزاب مثل البقرة يستدل به على وقوع التحريف في القرآن) وذكر رواية أخرى لا تنحصر لا تحضرني، فكيف يرد على هذه الشبهة؟

    الجواب: أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، ويقول: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:106]، ويقول: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل:101]، فالله سبحانه وتعالى ينسخ ما شاء مما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ويغير ترتيب السور، فيجعل مقطعًا كان في سورة في موضع آخر من سورة أخرى، وقد عرض القرآن، عرضه النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل في الرمضانات، وكان في كل رمضان يعرضه مرة واحدة، فلما كان العام الذي توفاه الله فيه عرضه عليه مرتين، فتلك العرضة الأخيرة هي التي اعتمدها الصحابة في ترتيب القرآن، وفي عد السور، وفي غير ذلك، ولم يخالفوها في شيء، فكل ما جاء في العرضة الأخيرة قد شهد به عدد من الناس من العدول، إلا أنهم وجدوا هذا خزيمة بن ثابت يحفظ خواتم سورة التوبة وهي: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ [التوبة:128]، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عرضها في العرضة الأخيرة فأقروها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادة خزيمة بشهادة عدلين، ولكن ما سوى ذلك لم يختلفوا فيه أنه هو الذي كان عليه الحال في العرضة الأخيرة، وما كان قبل العرضة الأخيرة فيه ما تذكره الناس، ولكن ليس قرآنًا الآن مثل: (خمس رضعات معلومات يحرمن) ومثل آية الرجم، وغير ذلك مما يحفظه الناس الآن مما كان قرآنًا، لكن نسخ، ومنه ما علم أنه كان من سورة ثم حول، ومنه في ترتيب السور، فقد كانت سورة النساء قبل سورة آل عمران في الترتيب، ثم عدلت فجعلت بعدها، فكل ذلك توقيفي من عند الله، ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ليس المقصود أن كل قراءة ابن مسعود شاذة، لكن ما خالف فيه العرضة الأخيرة، وخالف فيه الصحابة، وكان الجمهور على غيره فهو الشاذ، وهذه الكلمات قليلة يعني ليست بالشيء الكثير من قراءة ابن مسعود، لا تظن أنه قرأ أن لديه مصحفًا كاملًا يختلف، هو فقط زيادة كلمات من التفسير تكون تفسيرًا، فكانت في عرضة من العرضات مثبتة ثم حذفت مثل: (السارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) هذه تفسير لأيديهما، ومثل: (ثلاثة أيام متتابعات) هذا تفسير، وكانت في عرضة من العرضات مثبتة ثم حذفت، في عرضة من عند الله، لكن لا تظن أن هذا مصحف كامل، أو كما يزعمه أهل الأهواء ويتذرعون به.

    زكاه فعلًا، هو مزكى، وهو من أهل الجنة، ويجب الإيمان بذلك، وقال: ( رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد )، لكن ليس معنى ذلك أنه إذا خالف جمهور الصحابة في الرواية يؤخذ بروايته هو دونهم؛ لأن الآخرين أيضًا مزكون، والذين خالفوا عثمان وعلياً ومن معهما أفضل منه.

    1.   

    الخلاف بين أهل السنة والجماعة

    السؤال: يقول: هل تكلمت لنا عن القول الشافي في الخلاف بين أهل السنة والجماعة.. إلى آخره؟

    الجواب: أني ما تكلمت عن هذا؛ لأنه ليس من موضوعات الحديث التي بين أيدينا، وبالنسبة لمسائل الاختلاف دائمًا الاحتياط فيها أن طلبة العلم ينبغي ألا يكون لديهم تعصب ولا تشدد، وأن يدوروا مع الدليل، وأن يعلموا أن كلام بعض الناس في بعض لا يؤخذ به إلا المعصوم، فمن تكلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا وقال: هذا ليس من أهل السنة، فهو قطعًا خارج عن السنة، وكذلك من اتفق على إخراجه من أهل السنة الصحابة مثلًا قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا ليس من أهل السنة، أو قالوا: هو مبتدع، أو قاتلوه على بدعته، هذا مبتدع، لكن من سوى ذلك يبقى على أصل الإسلام، ويكون كغيره من المسلمين الذين فيهم فسق وعصيان، ولينظر الإنسان إلى نفسه، فهل أنت خال من المخالفة بالكلية؟ وهل كل من جاء بالجديد من ترتيب أمور الحياة يكون مخالفًا؟ لو كان كذلك لكان أبو بكر مخالفًا وعمر مخالفًا وعثمان مخالفًا وعلي مخالفًا، فقد جاءوا جميعًا بترتيبات جديدة لم تكن في العهد النبوي، فـأبو بكر الصديق لم يقد الجيوش، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الغزو يقود الجيوش، وعمر لم يفعل، وعثمان لم يفعل، وعلي قاد الجيوش في داخل الأمة الإسلامية، ولم يقد الجيوش للقتال التي كانت تقاتل الكفار، بل ولى عليها زياد بن أبيه وغيره، وهكذا الترتيبات كثيرة كترتيباتهم الإدارية وغير ذلك.

    1.   

    استخدام جوزة الطيب

    السؤال: ما حكم استخدام جوزة الطيب في الطعام ؟

    الجواب: أن كل ما ليس مسكرًا من النبات وليس فيه ضرر بخصوصه كالسم ونحوه فيجوز استعماله في الطعام؛ فالقاعدة أن كل ما ليس مسكرًا وليس فيه ضرر من النبات فهو على أصل الإباحة والجواز.

    1.   

    الكلام من على المنبر يسمى خطبة

    السؤال: هو يسأل هنا يقول: الحديث الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار هل كان في الخطبة، مع أنه لم يذكر صلاة الجمعة؟

    الجواب: أنه كان خطبة، لكن لم تكن خطبة جمعة، وإنما كانت خطبة تعليم؛ لأنه صلى بهم الظهر في يوم غير يوم الجمعة، وصعد على المنبر، وذلك للخطبة، فصعود الإمام على المنبر يسمى خطبة، الكلام إذا صعد الإمام على المنبر يسمى خطبة.

    1.   

    بم يكون نداء الشخص يوم القيامة

    السؤال: كيف نوفق بين القول بأن الإنسان ينادى يوم القيامة باسمه واسم أمه، وبين أنهم ينادون بأسماء آبائهم؟

    الجواب: أن النداء يوم القيامة يكون للإنسان نفسه، وتنقطع الأسباب والأنساب بينه وبين غيره، ويكون ذلك في وقت الحشر: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، ثم بعد ذلك يثوب الناس إلى أهليهم ويعرفون ذويهم، فمن كان يفر منه فإذا نجا هو شفع له؛ يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36]، لكن بعد أن يدخل الجنة يشفع لهم؛ كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]، فالذريات تطلق على الآباء والأبناء؛ ولذلك القراءة هنا قراءتان سبعيتان (ذريتهم) و(ذرياتهم) بالجمع، فالذريات بالجمع تشمل الآباء والأبناء؛ لأن الله تعالى يقول في سورة يس في سفينة نوح: وَآيَةٌ لَهمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ المَشْحُونِ [يس:41]، فالذين حملوا في سفينة نوح هم أجدادنا، وليسوا أولادنا.

    يبدو أن الأسئلة كثيرة فسأعتذر عن بقيتها، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا إيمانًا وإخلاصًا ويقينًا وصدقًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    وأعتذر إليكم جميعًا من الإساءة وسوء الأدب والتقصير، وأسأل الله تعالى أن يجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجمعنا في هذه الدنيا على طاعته، وسامحوني واغفروا لي ما كان من تقصيري في حقكم جميعًا.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953899