بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان الحديث البارحة في ميراث الجدة، وقد ذكرنا فيه مسائل:
المسألة الأولى: تحديد إرثها، وذكرنا أنها ترث السدس، وهذا الذي انعقد عليه الإجماع أخيراً، وقد سبق فيه خلاف لـابن عباس رضي الله عنهما، فكان يرى -فيما روي عنه- أنها مثل الأم عند عدمها، فترث الثلث إذا انفردت مع الأب، ولم يكن معها ولد ولا عدد من الإخوة، والإجماع حصل -بعد ابن عباس، وبعد انقراض العصر- على أنها إنما ترث السدس، ولا تتجاوز ذلك.
ثم المسألة الثانية: هي دليل ميراثها، وقد ذكرنا ما ورد فيه.
ثم المسألة الثالثة: ضابط من يرث من الجدات، ومن لا يرث.
ثم المسألة الرابعة: عدد الجدات الوارثات، والخلاف الذي فيه، ذكرنا أن المالكية عندهم لا يرث أكثر من جدتين، والحنابلة عندهم لا يرث أكثر من ثلاث جدات، والحنفية والشافعية -وهو رواية للحنابلة: لا حصر لمن يرث من الجدات، فيمكن أن يرث أربع جدات فصاعداً.
والمسألة الخامسة: هي ميراث الجدات عند اختلاف الجهة، فإذا اختلفت الدرجة، وكانت القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى من جهة الأم؟ ذكرنا الخلاف فيه.
ثم بعد ذلك المسألة الأخرى، وهي: ميراث الجدة الواحدة بالإدلاء بجهتين فأكثر، بأن كانت جدةً لأب ولأم، والخلاف في ذلك، وأكملنا بذلك الكلام عن الفروض الستة، وأيضاً ما أدرجناه معها من الفرض السابع، وهو ثلث الباقي، وقد ذكرنا أنه يرثه صنفان من الناس: الأم في العمريتين، وهما: زوجة وأبوان، أو زوج وأبوان، فالأم ترث ثلث ما بقي، وذكرنا فيه خلافاً على ثلاثة أقوال، وكذلك الجد في بعض مسائله مع الإخوة، فالجد إما أن يرث السدس، وإما أن يرث الثلث، وإما أن يرث ثلث الباقي، وإما أن يقاسم، وهو أن يعد كأخ من الإخوة في المقاسمة، وسنذكر صور ميراث الجد والإخوة إن شاء الله.
بعد ذلك نصل إلى القسم الثاني من الإرث: وهو الإرث بالتعصيب، والعَصَبة في اللغة، معناها: الشدة والقوة، فيقال: عصب فلان الحبل، أو عصب رأسه معناه: عقده بعصابة، ويقال: هذه عصبة؛ أي: جماعة من الرجال يجمعهم رأي واحد، وكذلك عصابة: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ [يوسف:14]، (لئن أكله الذئب ونحن عصبة) معناه: جماعة من الرجال رأيها واحد، معناه: على قلب رجل واحد، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ( اللهم، إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبداً )، (هذه العصابة)؛ أي: المجموعة من الرجال الذين رأيهم واحد، والعصبة في اللغة سموا عصبةً؛ لأنهم يؤازرون صاحبهم، ويحتمون له، فالعصبية التي تحصل في الأقارب بأخذ الثأر، والانتصار للإنسان منها اشتق التعصيب في الفرائض، والتعصيب في الفرائض عرفه الناظم رحمه الله بحكمه، وهذا التعريف الشائع له عند الفرضيين يعرفون العاصب بأنه الذي يرث المال كله إذا انفرد، ويرث ما أبقت الفروض بعد أهلها، لكن هذا التعريف مختل من ناحية المنطق؛ لأنه لا يجوز أن تدرج الأحكام في الحدود كما قال الأخضري رحمه الله في السلم، فإدراج الأحكام في الحدود ممنوع في اصطلاح المناطقة، نعم:
وعندهم من جمـلـة المردود أن تــدرج الأحكام في الحدود
ولا يــجوز في الحدود ذكر أو وجائز في الرسم فادر ما رووا
فلذلك يمكن أن نعرف التعصيب في الاصطلاح تعريفاً ليس بالحكم؛ لأن التعريف بالحكم ممنوع كما ذكرنا، وأيضاً فإنه لا يفي بكل العصبة، فهو تعريف لنوع واحد من أنواع العصبة، فالعصبة ثلاثة أنواع: عاصب بالنفس، وعاصب بالغير، وعاصب مع الغير، والتعريف هنا شامل للعاصب بالنفس فقط؛ لأنه الذي يرث المال إذا انفرد، أما العاصب بالغير أو مع الغير فلا ينفرد أصلاً، فلا يمكن أن يكون وارثاً للمال إذا انفرد؛ لأنه لا ينفرد أصلاً، لا يمكن أن تكون البنت أو الأخت عاصبةً -وهي منفردة- ليس معها أخوها، وكذلك الأخوات لا يمكن أن يكن عاصبات إلا مع وجود البنات، فإذاً لا يمكن أن يقع الانفراد أصلاً، فإذاً لا يشمل العاصب بالغير والعاصب مع الغير هذا التعريف، فيمكن أن نعرف العصبة أو نعرف التعصيب بأنه: الوارث الذي لم يفرض له قدر محدد، كل وارث لم يفرض له قدر محدد، فهو عاصب، ويمكن أن نأتي بتعريف أدق، فنقول: من اتصف بسبب الإرث، ولم يفرض له قدر محدد، (من اتصف بسبب الإرث)؛ لأننا إذا قلنا: الوارث، فمعناه: أنه سيرث، وهو قد لا يكون وارثاً؛ لأن العاصب قد لا يصل إليه شيء إذا احتوت الفروض على التركة، فإذاً نقول: من اتصف بسبب من أسباب الإرث، ولم يحدد له فرض، فهذا هو العاصب، فكل متصف بسبب من أسباب الإرث بخلاف من لم يتصف بسبب من أسباب الإرث، أصلاً، كالأجنبي الذي لم يتصف بأسباب الإرث، وأسباب الإرث ثلاثة: القرابة والنسب والولاء.
قال المؤلف رحمه الله: (وحق أن نشرع في التعصيب)، يجوز أن تقول: حَق أو حُق، كما يقال: استَحق واستُحق، وبهما قرئ: الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ [المائدة:107]، (( اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ )) فيقال: حق علينا أن نفعل كذا، معناه: مثل: حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]، معناه: وجبت، ويجوز أن تقول: حق لنا كذا، معناه: نحن مستحقون لذلك، حق لفلان أن يمدح، حق لفلان أن يوصف بكذا، معناه: هو مستحق لذلك، وحق أن نشرع في التعصيب، معناه: أن نشرع في بيان التعصيب.
(بكل قول موجز مصيب)، معناه: بقول موجز مصيب، و (كل) هنا: لغو؛ لأنه لا يقصد: أن يؤتى بكل قول موجز في هذا الباب، والموجز من الإيجاز وهو في اللغة: الطي.
وفي الاصطلاح هو: أن يكون المعنى أكثر من اللفظ.
وقال الشاعر:
وحديثها السحر الحلال لو انه لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز
(بكل قول موجز مصيب)، والمصيب معناه: الذي حَّز في المفْصل، فجاء على وفق الشرع، فالقول إذا كان مصيباً معناه: كان غير مخطئ، والمخطئ هو: الذي جانب الحق والشرع، فبدأ بتعريف التعصيب، فقال:
(فكل من أحرز كل المال من القرابات أو الموالي)
(أو كان ما يفضل بعد الفرض له فهو أخو العصوبة المفضله)
فأخو العصوبة، معناه: العاصب، هو: كل من أحرز كل المال من القرابات أو الموالي، فأسباب الإرث ثلاثة، واحد منها لا يورث به تعصيباً -وهو النكاح- فالزوجة لا تكون عاصبةً بالزوجية، والزوج لا يكون عاصباً بالزوجية، نعم، قد يكون الزوج عاصباً لسبب آخر؛ كالنسب كما إذا كان ابن عم -وهو زوج- فيرث بالزوجية فرضاً، ويرث بالجهة الأخرى تعصيباً، إذا لم يكن هناك من هو أولى منه، ( فما بقي فلأولى رجل ذكر ).
(فكل من أحرز كل المال من القرابات أو الموالي)
فالموالي: قد ذكرنا الخلاف في المولى الأسفل: هل يرث أم لا، والمولى الأعلى: لا خلاف في إرثه، لكنه جهة بُعْدَى، فدونها جهة النسب مطلقاً، فجهة النسب مقدمة على جهة الولاء، وكذلك جهة السبب، فالمعتق أو المعتقة عاصب يرث المال كله إذا انفرد، ويرث ما أبقت الفروض بعد أصحابها.
(أو كان ما يفضل بعد الفرض له): كان ما يفضل بعد الفرض، و(أل) التي في الفرض جنسية، معناه: بعد الفروض إذا أخذها أصحابها، فما أبقت الفروض فهو له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر ).
(فهو أخو العصوبة المفضله): وسبب تفضيلها: أن صاحبها يرث المال كله عند انفراده، بخلاف أصحاب الفرض، فأصحاب الفرض لا يتجاوزون الثلثين فرضاً، وقد ذكرنا أن ذلك لا يحصل إلا عند التعدد أيضاً، فالثلثان لا يرثهما منفرد، وإنما يرثهما أربعة أنواع يشترط في كل نوع التعدد: بنات الصلب عند تعددهن، وبنات الابن كذلك، والأخوات الشقائق، والأخوات لأب، فهذه أربعة يشترط لها التعدد لترث الثلثين، وكذلك النصف يرثه خمسةُ أصناف -وقد سبق ذكرهم-: الزوج، وهذه الأصناف الأربعة التي ترث الثلثين عند الانفراد، فهو آخر ما يرثه المنفرد من أصحاب الفروض، آخر ما يصل إليه النصف، بينما صاحب التعصيب يمكن أن يرث المال كله؛ فلذلك قال: (المفضله).
والعَصَبة إذاً تنقسم إلى سببين: إما أن تكون بسبب النسب، وإما أن تكون بسبب الولاء، فالعاصِبُ بالنسب يشمل جميع الرجال الذين سبق ذكرهم في الإرث، كل رجل وارث فهو عاصب إلا اثنين: الزوج، والأخ لأم، فكل من عداهما فهو وارث بالعصوبة، ويشمل ذلك: الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب والجد وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، والعم الشقيق، والعم لأب، وكذلك بنو العم جميعاً وإن علوا، العمومة جهة من جهات الميراث، والمعتِق، وهذا يشمل المعتِق والمعتِقة أيضاً، فالمعتقة هي: العاصبة الوحيدة التي تعصب بنفسها من الإناث، الإناث لا تكون المرأةُ عاصبةً بنفسها إلا المعتقة، فالبنت عاصبة بالغير، والأخت عاصبة مع الغير، ومن عدا ذلك لا يُعصَّب؛ ولهذا فالمعصب؛ أي: العاصب الذي يعصب غيره لا يكون إلا ابناً، أو ابن ابن، أو أخاً شقيقاً، أو لأب، فالابن لا يعصب إلا أخته، وهي البنت للصلب، وابن الابن يعصب أخته وابنة عمه، سواءً ساوته، أو كان هو أنزل منها إذا استفادت من نسبه، والأخ لا يعصب إلا أخته أبداً، سواءً كان شقيقاً، أو لأب، والعم لا يعصب أخته، وابن العم لا يعصب أخته.. وهكذا، ابن الأخ لا يعصب أخته، سواءً كان ابن أخ شقيق، أو كان ابن أخ لأب لا يعصب أخته، فالذي يعصب أخته هو الابن، وابن الابن، والأخ الشقيق، والأخ لأب، فقال: كالأب، والجد، فجد الجد، معناه: كل أصل وارث من الذكور فهو عصبة، يدخل في ذلك الأب، والجد إلى نهاية الأجداد إلى آدم عليه السلام، لو كان حياً لورث ذريته في هذه الجهة.
(والابن عند قربه والبعد): كذلك الابن معناه: الفروع، سواءً كان ابناً للصلب، أو كان ابن ابن.. إلى نهايتهم، فهو كذلك عاصب بنفسه، والأخ معناه: وكالأخ، والمقصود به في الجهة في البداية الشقيق، وهو الذي يدلي بالأبوين، وكذلك الأخ لأب، وهو المدلي بأب فقط، وابن الأخ كذلك، فهو عاصب لا يكون صاحب فرض، والأعمام كذلك، فالأعمام وهم: إخوة الأب، سواءً كانوا أشقاء، أو لأب، وكذلك إخوة الجد سواءً كانوا أشقاء، أو لأب، وكذلك إخوة جد الأب، وهكذا بالترتيب، فهؤلاء جميعاً عَصَبة.
(والسيد المعتق ذي الإنعام): كذلك السيد المعتق، والسيد في اللغة معناه: المتصف بالسيادة، وهي سادَه بمعنى: انتصر له، والتجأ إليه أيضاً، فيقال: ساد فلان في قومه، معناه: يُلتجأ إليه، فالسيد مَنْ يُلْجأ إليه عند الشدائد، ويقال: ساد القومَ بمعنى: أصبح رئيسهم.
إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
ويطلق السيد على المعتق؛ لأن له نعمةً على المعتق، كما قال الله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:37]، (أنعم الله عليه)، معناه: بنعمة الإيمان، (وأنعمت عليه): بنعمة العتق، والمعتق بدل من السيد؛ لأنها تفسير لها، ذي الإنعام تفسير أيضاً للمعتق، فالمعتق هو: ذو الإنعام بالعتق، معناه: الذي أنعم على الرقيق بعتقه.
(وهكذا بنوهم جميعاً) معناه: كذلك ابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب، وابن العم الشقيق، وابن العم لأب، وابن السيد المعتق، وبنوه أيضاً.
(وهكذا بنوهم جميعاً فكن لما أذكره سميعاً)
(فكن لما أذكره سميعاً)، معناه: كن لهذا الكلام الذي أذكره لك من العلم، سميعاً معناه: شديد السماع، ففعيل من أوزان المبالغة، وتعرفون قول ابن مالك رحمه الله:
فعال او مفعال او فعول في كثرة عن فاعل بديل
فيستحق ما له من عملي وفي فعيل قل ذا وفعلي
ففعيل تستعمل للمبالغة، فيقال: سميع بمعنى: كثير السماع، وتطلق أيضاً على المسَمِّع، الذي يبلغ غيره، فيكون المعنى: بَلِّغ غيرك ما تسمعه، سَمِّعْه لغيرك؛ لأن من سمع علماً، وتحمله فإنه يجب عليه إيصاله لغيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بلغوا عني ولو آية )، ولقوله: ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع )، ولقوله: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ).
وإطلاق السميع على المسَمِّع منه قول عمرو بن معدي كرب الزبيدي:
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
الداعي السميع معناه: المسمع، يؤرقني وأصحابي هجوع.
(وما لذي البعد مع القريب في الإرث من حظ ولا نصيب)
صححوا احذفوا الياء.
(وما لذ البعد مع القريب في الإرث من حظ ولا نصيب)
في الإرث، لدينا ما يسمى بالجهة، وما يسمى بالدرجة، وما يسمى بالقوة، فهي ثلاثة أمور يلزم التفريق بينها ومعرفتها، اكتب: الجهة، بعدها الدرجة، بعدها القوة، فالجهة معناه: جهة الإرث، وقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال:
القول الأول: مذهب المالكية والشافعية: أن جهات الإرث سبع على الترتيب: البُنوة، هذه يدخل فيها الأبناء، وأبناؤهم إلى منتهاهم، والأبوة، هذه تختص بالأب وحده، والجَدِّية والإخوة، هذه رتبة عصبة واحدة، الجدية والإخوة معاً، والعمومة، والأعمام، وهذا يدخل فيه بنو الأعمام أيضاً، يمكن أن تكتب العَمّية أيضاً.
العمومة مصدر أيضاً عَمّه، لكن نحن نريد مصدراً صناعياً ليميز المقصود، يمكن أن تكتب العمية أو العمومة بين قوسين. السادس: الولاء. السابع: بيت المال.
فالعاصب يدلي بإحدى هذه الجهات السبع:
الجهة الأولى، وهي أقوى جهة في العصوبة البنوة، ثم بعدها الأبوة، ثم بعد ذلك جهة الجد والإخوة، فهما في مرتبة واحدة، ثم بعد ذلك بنو الإخوة، ثم بعد ذلك الأعمام، وهذا يشمل بني العم أيضاً، ثم بنو الإخوة، بنو الإخوة مرتبة دون مرتبة الإخوة والجد، الإخوة والجد في مرتبة واحدة ودونها بنو الإخوة، ثم بعد ذلك الأعمام، وبعدهم بنوهم، ثم معهم في نفس الجهة، ثم بعد ذلك الولاء، ثم بعد ذلك بيت المال، والشافعية يرونه عاصباً مطلقاً، والمالكية يرونه عاصباً إن انتظم، معناه: بشرط الانتظام أن يكون بيت المال منتظماً، والمنتظم معناه: الذي يأخذ المال من حِلّه، ويضعه في محله، هذا بخلاف بيت المال المعاصر في زماننا هذا، لا يؤخذ فيه المال من حله، ولا يوضع في محله، فلا يرث الآن عند المالكية.
القول الثاني: مذهب الحنابلة، والصاحبين أبي يوسف و محمد بن الحسن الشيباني وهما صاحبا أبي حنيفة، هما أكبر أصحاب أبي حنيفة، أن جهات الإرث بالتعصيب ست فقط، فيحذفون بيت المال، فإذا لم يكن للإنسان عصبة من الجهات الست، فإنهم يردون ما بقي بعد صاحب الفرض على أصحاب الفروض، وهذا الذي يسمى بالرد على ذوي الفروض، أو توريث ذوي الأرحام، بحذف، يحذفون بيت المال، فيجعلونها ست جهات.
القول الثالث: مذهب أبي حنيفة، فقد جعل جهات التعصيب خمساً فقط، فساوى بين بني الإخوة والأعمام في الجهة، هنا المساواة لا يقصد بها التساوي في الدرجة، بل المساواة في الجهة فقط؛ لأنها جهة واحدة، إذاً هذه هي جهات العصوبة، ليس عنده بيت مال وارثة، بيت المال لا يعصب عند أبي حنيفة.
أما الدرجة، فهي القرب أو البعد، فمثلاً في البنوة القرب معناه: أن يكون الولد الابن ابناً للصلب، والنزول أن يكون ابن ابن، أو أبعد، فهذه هي الدرجة، وأما القوة فهي الشقاقة، فالأخ الشقيق أقوى من الأخ لأب، والعم الشقيق أقوى من العم لأب، ولذلك لهم في الجهة، والدرجة، والقوة، أربع حالات:
الحالة الأولى: اتحاد الجهة والدرجة؛ كالأولاد إذا كانوا جميعاً بني الصلب، أو كان جميعاً من بني الابن، فكانوا إخوةً، أو بني عم، فالجهة واحدة، والدرجة واحدة.
الحالة الثانية: الاتحاد في الجهة والدرجة، والاختلاف في القوة؛ كالإخوة المدلين بالإخوة، إذا كان فيهم أشقاء، غير أشقاء، فالجهة متحدة والدرجة متحدة، وإنما اختلفت القوة، وهذا لا يمكن أن يقع في الأولاد، لا يمكن أن يقع في الحالة الأولى، لماذا؟ ما في فائدة للشقاق إذا كان الإنسان له أولاد غير أشقاء، فنسبتهم إليه هو واحدة، ما في فرق بين هذا وهذا بالانتساب إليه، لكن الإخوة وبنوهم، وبنو العم وبنوهم، فكل هؤلاء تعتبر فيهم القوة؛ أي: الشقاقة أو عدمها.
الحالة الثالثة: اتحاد الجهة، واختلاف الدرجة، كالأولاد وبني الأولاد، فالجهة متحدة والدرجة مختلفة، فالدرجة العليا تحجب السفلى.
الحالة الرابعة: اختلاف الجهة والدرجة، فالأعمام جهة، والإخوة جهة، ولكن الأعمام بالمباشرة أعمام الرجل معناه: إخوة أبيه، وجهة الإخوة أولاد أولاد أخيه مثلاً، فاختلفت الجهة، واختلفت الدرجة، فنزلت الإخوة، الإخوة جهة أقرب من جهة العمومة، ولكنها نازلة، والعمومة جهة أدنى من جهة الإخوة، ولكنها عالية، فاختلفت الدرجة مع اختلاف الجهة.
المهم أن الاعتبار في الجهة أولاً، تقدم الجهة التي هي أولى على غيرها، كما أنه عند اتحاد الجهة واختلاف القوة تقدم الجهة التي هي أقوى، إلا إذا حصل النزول، نزل الأخ لأب، وابن الأخ الشقيق مثلاً..،وهكذا؛ فلذلك قال:
(وما لذي البعد مع القريب في الإرث من حظ ولا نصيب)
هذا اعتبار لماذا؟ للجهة أو للدرجة؟ هذا اعتبار للدرجة؛ لأنه يتعلق بالقرب والبعد؛ فلذلك قال:
(وما لذي البعد مع القريب في الإرث من حظ ولا نصيب)
ثم بعد ذلك ذكر القوة فقال:
(والأخ والعم لأم وأب أولى من المدلي بشطر النسب)
هذا ما يتعلق بالقوة؛ أي: الشقاقة أو عدمها.
قال: (والأخ والعم)، كلاهما إذا كان لأم وأب، كان شقيقاً فهو مقدم على المدلي بشطر النسب، معناه: المدلي بالأب فقط، كالأخ لأب، والعم لأب، شطر النسب معناه: نصفه؛ أي: الأبوة، ومن المعلوم أن هذا لا يدخله الأمهات، فالعم لأم غير وارث، والأخ لأم من أصحاب الفروض، وليس من أصحاب التعصيب.
إذاً هذا هو ما ذكره فيما يتعلق بالعاصب بنفسه، ثم ذكر العاصب بغيره، فقال:
(والابن والأخ مع الإناث يعصبانهن في الميراث)
الابن يعصب أخواته، فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه لو لم يعصب أخواته لكان حظ الإناث أوفر من حظ الذكور، وهم في النسب سواء، وجهة الإدلاء واحدة، فلذلك للذكر مثل حظ الأنثيين.
وكذلك ابن الابن أيضاً، فإنه معصب لأخته، وابنة عمه، التي هي في درجته أو أعلى منه، بخلاف التي هي أنزل منه، التي هي أنزل منه، فإنه لا يعصبها، بل يعصب من هي مساوية له، أو من هي أعلى منه.
هو يعصبها إذ قد يكون قريباً مشئوماً، فيما سبق بيانه، لكن نحن نتكلم هنا عن التعصيب، فإن التي هي أدنى منه درجةً لا يعصبها، بل يكون هو عاصباً دونها، وهذا هو مذهب الجمهور، خلافاً لـمعاذ بن جبل، فإنه رضي الله عنه يرى أن الأخ يعصب أخواته، والابن يعصب أخواته، لكن ابن الابن، وابن الأخ لا يعصبان أخواتهما، فيرى أن ابن الابن يرث دون بنت الابن عند تعدد البنات، معناه: إذا كان للميت بنتان فصاعداً، فبنت الابن لا ترث شيئاً، وما بقي بعد أصحاب الفروض يأخذه ابن الابن، ويرى أنه إذا انفردت بنت واحدة للصلب، وكان للميت بنت ابن مع ابن ابن، فإن لها الأقل من السدس والتعصيب، فيرى أنه يعصبها في هذه الحالة إذا كان ذلك أحق لها، إذا كان السدس أقل من التعصيب من نصيبها ما لو ورثت معه فإنها تعطى السدس، وإلا فإنه يعصبها، ولذلك يقال: يرى معاذ أن بنت الابن لها الأضر، لها الأضر، معناه: الأضر بها، الأقل من السدس أو التعصيب، وكذلك الأخوات لأب، فـمعاذ بن جبل يرى أن الأخ لأب هو العاصب دون أخته التي هي لأب، إذا كان للميت أختان فصاعداً، فالأختان ترثان الثلثين، فينتهي نصيب الأخوات، فيكون الأخ لأب عاصباً دون أخته، فيرث هو ما بقي، وإذا كان للميت أخت واحدة، فورثت النصف، فالأخت لأب لها الأضر أيضاً من السدس أو التعصيب، يرى أن لها الأضر من السدس أو التعصيب.
وقول خليل رحمه الله: وعصب كُلّاً أخ يساويها، المقصود بالاستواء في الجهة، لا في الدرجة، أما بالنسبة للإخوة الأخ لا يعصب إلا أخته، لكن بالنسبة لبنات الابن، فيعصبها أخ، أو ابن عم، فالمقصود يعصبها من يساويها، أو من هو أدنى منها، فالعبرة بالجهة، لا بالدرجة حينئذ، هذا معنى المساواة عنده.
(والابن والأخ مع الإناث يعصبانهن في الميراث)
(والأخوات إن تكن بنات فهن معهن معصبات)
الأخوات عاصبات مع الغير، بشرط أن يكون للميت بنت أو بنات، فإذا كان للميت ولد ذكر؛ ابناً، أو ابن ابن، وإن نزل، فليس للأخوات شيء، وإذا كان له بنت واحدة، أو بنات فأخذن النصف، أو الثلثين، فالأخوات عاصبات سواءً أيضاً كانت أختاً واحدةً، أو أختين، ويقدم الشقيق على غيره؛ لأن القوة معتبرة، فالأخت الشقيقة تقدم على الأخت لأب، فهي عاصبة مع الغير، فإذاً الأخت تكون عاصبةً إذا كان للميت بنت، أو بنات، ولم يكن له ولد ذكر، سواءً كان لصلبه، أو نزل، وهذا مذهب الجمهور خلافاً لـابن عباس، والظاهرية، فإنهم يرون أن الأخت لا ترث مع وجود العقب أياً كان؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، وهذا يقتضي أنه إذا كان له ولد أياً كان ذلك الولد، ذكراً كان أو أنثى، قريباً أو بعيدا،ً فإن الأخت لا ترث ما ذكرت، ويستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر )، فإنه حدد العاصب بأن يكون أولى رجل ذكر، والأخت ليست أولى رجل ذكر، ويجاب عن هذا بانعقاد الإجماع، وبأن الآية ليست مخرجةً للبنات، فقد نصت فقط على الميراث في حالة عدم وجود الولد، وهو الإرث بالفرض، ولم تذكر التعصيب، وبأن عمل الخلفاء الراشدين من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء أمره بالاقتداء بالخلفاء الراشدين المهديين، كما في قوله: ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ).
(والأخوات وإن تكن بنات فهن معهن معصبات)
معناه: فهن عاصبات مع الغير، معصبات؛ أي: اتصفن بصفة العَصَبة؛ بأن يرثن مع وجود الغير، فإذا انفردن، فهن صواحب فرض، ولا يرثن بالتعصيب.
(وليس في النساء طراً عصبه إلا التي منت بعتق رقبه)
العاصب بالنفس لا يكون إلا ذكراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فلأولى رجل ذكر )، إلا المعتقة الأنثى إذا أعتقت فمات عتيقها، وليس له وارث من النسب، فإنها ترثه تعصيباً، ترث المال كله، وهذا العتق سواءً كان منجزاً بأن كان مناً؛ أي: أعتقته لوجه الله نافلةً، أو كان عتق كفارة أعتقته من أجل الكفارة، أو كان بالكتابة بأن دفع لها مال الكتابة، فتحرر، ومثل ذلك أيضاً ما كان من العتق بالاستيلاد، فالرجل إذا استولد أمته فأتت بولد، فأصبحت أم ولد له منها قليل الخدمة، ولا يحل له بيعها، كما أجمع عليه الصحابة في أيام عمر، وتعتق هي، وأولادها بعد استيلادها، كل ولد ولدته بعد استيلادها، فهو حر أيضاً، وكذلك المدبر، وهو الذي قال له مالكه: أنت حر عن دبر مني، فإذا مات فهو حر، ويبقى الخلاف في المبعض، وهو الذي أعتق بعضه، وهذه الصورة لا يقرها الشرع في الأصل؛ لأن الله تعالى لا شريك له، والحر ما كان حراً منه، فهو لله، وما كان مملوكاً فهو لمخلوق، وتعالى الله عن الشريك، فلا يقال: هذا مشترك، نصفه لله ونصفه لفلان، فهو حينئذ باق على عبوديته؛ كالمكاتب، فهو عبدٌ ما بقي عليه درهم، وسواءً كان العتق خارجاً عن الإرادة كمن ملك ذا رحم محرم، كمن اشترى أباه، أو أخاه، أو أمه، أو أخته، أو جده، أو جدته، فإنه بمجرد دخوله ملكه يعتق عليه شرعاً، لكن يكون له ولاؤه.
وكذلك ما كان منه بسبب المثلة؛ كمن مثل بعبده، فقطع أذنه أو أنفه، وأهل الفقه يذكرون حلق لحية العبد التاجر، إذا كان تاجراً، فحلق لحيته، فهذا يفسد سمعته والثقة به في ذلك الزمان؛ لأن الحليق لم يكونوا يثقون في التعامل معه في البيع والشراء، كما قال خليل رحمه الله: كحلق لحية العبد التاجر، واليوم أصبح حلق اللحية لا ينقص الثقة مع الأسف بين المتبايعين، فلم يعد هذا مثلةً، لكن في السابق كان مثلةً يعتق به صاحبه؛ لحديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: ( كنت أجلد غلاماً لي في الطريق، فسمعت صوتاً من ورائي، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فقلت: هو حر لوجه الله، فقال: أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار ).
وكذلك حديث ابن مقرن قال: ( لقد رأيتنا سبعة نفر، وما لنا إلا خادم واحد، فلطمه أحدنا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعتقه )، مجرد لطمة، لطَمَه أحدُهم فعتق بسببها، فالأذى الشديد الذي يلحق الإنسان يلحق كرامته مقتض بعتقه؛ لأن الرق ليس إذلالاً ولا مهانةً، وإنما هو حجر كالحجر على السفيه، والحجر على الصغير حتى يبلغ، والحجر على المرأة بالتصرف بالتبرعات بأكثر من الثلث، فهو حجر سببه الأصلي الكفر، ثم بعد ذلك فتحت الأبواب لرفعه بكل الوسائل شرعاً.
(وليس في النساء طراً عصبة) معناه: عاصبة بالنفس، وقد ذكرنا منهن العواصب بالغير، والعواصب مع الغير، فالعصبة مع الغير، والعصبة بالغير كلهن من النساء، ولذلك ما ذكرناه في القسمة سابقاً من أن الفروض إذا قسمناها على ستمائة درجة، كان للنساء منها أربعمائة وسبع وسبعون فاصل ثلاث، وللرجال مائة وثلاث وعشرون تقريباً، فكذلك هنا بالتعصيب، التعصيب ثلاثة أقسام: قسمان منه مختصان بالنساء، وهما العاصب مع الغير، والعاصب بالغير، وقسم واحد هو المختص بالرجال إلا المعتِقة، وهو العاصب بالنفس.
السؤال: هل الأشخاص الذين ذكرهم الناظم في التعصيب هم وحدهم الذين يرثون بالتعصيب فقط أو لا؟
الجواب: ذكرنا أن كل ذكر وارث، فهو من العصبة إلا اثنين، وهما الزوج، والأخ لأم، هذا العاصب بالنفس، ويضاف إليهم المعتقة، وأن العاصب بالغير لا يكون إلا بنتاً، أو بنت ابن، أو أختاً شقيقةً، أو أختاً لأب، وأن العاصب مع الغير لا يكون إلا أختاً شقيقةً، أو لأب.
السؤال: ميراث الزوج بالتعصيب مع الفرض، هل هو على القول: بانفكاك الجهة فقط؟
الجواب: لا، هو محل اتفاق بين الجميع، إذا ماتت امرأة، ولها زوج هو ابن عمها، وهو أقرب الناس إليها، ليس لها أب حي، ولا جد، ولا ولد، ولا أخ، ليس لها عاصب إلا زوجها، هذا هو ابن عمها، فإنه يرث بالأصل نصف مالها فرضاً، ويرث النصف الآخر بالتعصيب؛ لأنه أولى رجل ذكر.
السؤال: قول الله تعالى: قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، ألا تدل الكلالة على عدم وجود الأولاد مطلقاً؟
الجواب: بلى؛ لأنه قال: إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ [النساء:176]، لكن نحن نتكلم، هل هذه الآية واردة في الموضع الذي نتحدث فيه، وهو ما إذا كان للميت بنت، أو بنات، وأخت مثلاً، وليس له وارث سوى البنات والأخوات، فالآية إنما جاء فيها الحديث إذا لم يكن له ولد أصلاً.
السؤال: ما هي أحكام الملتَقط بالنسبة للحرية والإسلام؟
الجواب: أن الملتقط إذا ألتقط في دار الإسلام فإنه يحكم له بالإسلام والحرية، وإذا ألتقط في دار الكفر، والتقطه مسلم فإن الأصل أن يحكم له بالحرية أيضاً، لكن اختلف: هل يحكم له بالإسلام أم لا، فإذا بلغ وأسلم، فلا خلاف في صحة إسلامه، لكن الخلاف فيما قبل بلوغه واختياره، هل يحكم بإسلامه أم لا، وهو حر، ونفقته من بيت المال، إلا إذا تبرع بها ملتقطه، وقد ذكرنا الخلاف في الالتقاط، هل هو من جهة الولاء فيكون الملتقِط يرث لقيطه، وقد ورد في ذلك حديث أخرجه الترمذي، وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ترث المرأة عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه )، وهذا يدل على أن المرأة عاصبة أو وارثة من هؤلاء الثلاثة: اللقيط، والعتيق الذي أعتقته، وولدها الذي لاعنت عليه، فإن نسبه من أبيه انتفى.
السؤال: هل الملل الكافرة يتوارثون فيما بينهم؟
الجواب: سبق تفصيل ذلك، وذكرنا الخلاف فيه على ثلاثة أقوال: أن الكفر ملة واحدة، أو أن العبرة باختلاف الملل بين الإسلام، واليهودية، والنصرانية، وأن الملل جميعاً ما سوى ذلك ملة، أو أن كل ملة مستقلة، وهذه ثلاثة أقوال قد سبق بيانها:
القول الأول: يقتضي أن الكفر جميعاً ملة واحدة، فلا توارث بين مسلم وكافر، لكن أهل الملل الشتى يتوارثون فيما بينهم.
القول الثاني: أن الملل المعتبرة في الميراث: هي اليهودية، والنصرانية، وسائر الملل، فالنصراني لا يرثه اليهودي، ولا يرث اليهودي، وكذلك المجوسي لا يرث النصراني، ولا اليهودي، لكن المجوسي يرث البوذي، أو السيخي، أو الهندوسي مثلاً.
القول الثالث: أنه لا يتوارث أهل ملتين شتى، وقد ذكر الحديثين الواردين في ذلك، وهذا يقتضي أن أهل كل ملة لا يرثون من سواهم، فلهم ميراثهم المستقل.
السؤال: ما مثال اختلاف الجهة والدرجة؟
الجواب: مثال اختلاف الجهة والدرجة معاً: الأعمام إذا كانوا مباشرين؛ إخوة الأب، وأولاد الأخ، فالجهة مختلفة، وأولاد الأخ أنزل في الدرجة من الأعمام المباشرين، لكن الجهة أقوى، فيقدم أولاد الأخ على الأعمام.
السؤال: ما معنى قول خليل: "أخٌ يساويها"؟
الجواب: المقصود بالأخ فيما يتعلق ببنات الابن الأخ أو ابن العم؛ لأنه بمثابة الأخ، فمنزلتهما للميت واحدة، والمقصود بالمساواة: المساواة في الجهة، لا في الدرجة، المساواة في الجهة، معناه: أن يكون من نفس الجهة التي هي منها، إذا كانت هي ابنة ابن، فلا بد أن يكون هو من بني الأبناء، وإذا كانت أختاً لأب، فلا بد أن يكون هو أخاً لأب، لكن لا يقصد بالمساواة أن يكون مساوياً لها في الدرجة، فقد يكون أدنى منها، ويعصبها، وهو القريب المبارك، وهذه ضابط القريب المبارك والقريب المشئوم؛ أن القريب المبارك في البنات لا يكون إلا عند تعدد البنات، بنات الصلب، فعند انفراد بنت الصلب يكون القريب مشئوماً، ولا يكون مباركاً، وكذلك في الأخوات، القريب المبارك لا يكون إلا عند تعدد الأخوات، فإذا انفردت أخت واحدة، فهذه مسألة القريب المشئوم لا يكون القريب مباركاً حينئذ.
السؤال: قضية انفكاك الجهة فيما يتعلق بالزوج؟
الجواب: قد ذكرنا أن هذه لا عبرة فيها بانفكاك الجهة، ونظيرها الأب، فالأب يرث فرضاً وتعصيباً، وكذلك الجد، فإنه يرث فرضاً وتعصيباً، يأخذ السدس فرضاً وما بقي بعد أصحاب الفروض تعصيباً، فالأب والجد والزوج، كلاهم يمكن أن يرثا بالفرض والتعصيب دون خلاف، ليس في المسألة خلاف.
السؤال: ذكرتم أن الأبناء لا تعتبر فيهم القوة؛ لأن الدرجة واحدة، فما الفرق بينهم وبين أبناء العم، إذاً فالقوة لا تزيدهم قرباً؟
الجواب: بلى، تزيدهم قرباً إذا كان العم شقيقاً، العبرة بأبيهم، أبناء العم إذا كان العم شقيقاً، فهو أقوى من العم الذي هو لأب، فأولاد العم الشقيق يقدمون على أولاد العم لأب، هذا المقصود، لا ينظر إليهم هم فيما بينهم، المهم بجهة الإدلاء إذا حصلت فيها القوة، فهذا المعتبر.
السؤال: مسألة عن زوج وأم وأختين، ما لكل منهما؟
الجواب: الزوج له النصف، والأم لها السدس، والأختان لهما الثلثان، فالمسألة عائدة، فهي من مسائل العول الستة.
السؤال: هل يعتق المدبر إذا كان أكثر من ثلث المال؟
الجواب: أن هذه المسألة فيها خلاف؛ لأنه معين بذاته، فإذا قال له: أنت حر عن دبر مني، وكان له مال سواه، أو لم يكن له مال، ولكن لم يكن عليه حق؛ لم يكن عليه دين، فإن كثيراً من أهل العلم يرى أن العتق سابق ليس مثل الوصية؛ لأنه قد ترتب عليه حق، وانتظره هذا الشخص، فيرون حصول العتق به، وإذا كان عليه دين فإن الدين مقدم على الوصية؛ لأن رجلاً من الأنصار مات وعليه دين وله ستة أعبد قد دبرهم؛ أعتقهم عن دبر منه، فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعةً، أرق أربعةً؛ أي: أعادهم إلى الرق فباعهم لقضاء الدين الذي عليه.
السؤال: في أي باب قال خليل: "كحلق لحية العبد التاجر"؟
الجواب: إنما قالها رحمه الله فيما يتعلق بالتمثيل؛ المثلة، فالمثلة كانت إذ ذاك كل ما هو مشوه للصورة، فحلق لحية العبد التاجر كان تشويهاً؛ لهذا ذكرها في المثلة.
السؤال: كيفية ميراث الزوج بالفرض والتعصيب؟
الجواب: إذا كان الزوج ابن عم كما ذكرنا، وليس للميتة رجل أولى منه من بني عمها، وليس لها وارث سواه، فهو يرث بالفرض نصف مالها، ويرث بالتعصيب بقية مالها.
السؤال: مم اشتق اللعان؟
الجواب: اللعان اشتق من اللعن؛ لأن خامسة أيمان الرجل فيها: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ [النور:7]، يحلف بلعنة الله عليه إن كان من الكاذبين؛ فلذلك سميت هذه الأيمان أيمان اللعان.
السؤال: ما هي الخطوات التي إذا اتبعها الشخص كان فرضياً بالدرجة الأولى؟
الجواب: أخرج البخاري تعليقاً في صحيحه، ووصله أبو بكر بن أبي عاصم النبيل في السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم )، فمن أراد أن يَعْلم فليتعلم.
السؤال: هل يجوز استخدام الواقي الذكري للضرورة؟
الجواب: لا بد أولاً من تحديد الضرورة، فالإنسان قد يخيل إليه أنه مضطر لأمر وليس الحال كذلك، والضرورة معناها: أن يكون الإنسان يخشى الموت، أو فقد إحدى الحواس، أو ضرراً شديداً يلحق بذلك، وهذا الذي يسمى ضرورةً؛ كالذي يخاف الهلاك إذا لم يأكل من الجيفة، أو لم يأكل مال الغير، أو لم يشرب من الخمر، يخاف الهلاك إذا لم يفعل هذا، هذه الضرورة المبيحة للمحظور، وقد قال الله فيها: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، وقال: فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173].
أما مجرد حاجة الإنسان إلى الأمر، فلا يسمى ذلك ضرورة، فالزوج يمكن أن يستعمل الواقي الذكري إذا اتفق مع زوجته على ذلك، ولم يكن فيه ضرر يلحق بأحدهما، فإذا أثبت الطب ضرراً يلحق باستعماله، سواءً كان الضرر لاحقاً به هو، أو بها هي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ضرر ولا ضرار )، وإذا لم يكن في ذلك ضرر، واتفق عليه الزوجان، فلا حرج حينئذ.
السؤال: من معنى المعصب بالنفس، والمعصب بالغير، والمعصب مع الغير؟
الجواب: قد سبق بيان ذلك أن المعصب هو: من اتصف بسبب من أسباب الإرث، ولم يفرض له فرض محدد في التركة، فكل من اتصف بسبب من أسباب الإرث، ولم يفرض له فرض محدد في التركة فهو عاصب، فإذا انفرد ورث المال كله فهو عاصب بالنفس، ولا يكون ذلك إلا في الرجال الوارثين، وقد ذكرنا أنهم جميعاً عصبة بالنفس ما عدا الزوج، والأخ لأم، والإناث الوارثات لا يكن معصبات بالنفس إلا المعتقة وحدها، وبنات الابن والأخوات لأب كلهن تعصب مع الغير إذا كان لها معصب، والأخوات عاصبات مع الغير، والعاصب مع الغير لا يتعدى الأخوات، سواءً كن شقائق، أو كن من أب إذا كان للميت بنت أو بنات.
السؤال: أريد مثالاً لا يجمع توريث الفرض والتعصيب، وما الفرق بينهما في الإرث؟
الجواب: الميراث بالفرض الوارثون بنص حدد الله سبحانه وتعالى ما لكل فرد منهم، وقد بيناه، وقد بينا الفروض، وذكرنا أنها إما الثلثان، وإما نصفهما وهو الثلث، وإما نصف نصفهما وهو السدس، وإما النصف وإما نصفه وهو الربع، وإما نصف نصفه وهو الثمن، وذكرنا كل من يرث واحداً من هذه الفرائض، والمعصب هو الذي ذكرناه، وذكرنا أنه ليس له جزء محدد من الميراث في كتاب الله، وإنما يرث ما بقي بعد أصحاب الفروض، أو ينفرد من ميراث المال إذا كان عاصباً بالنفس، ولم يكن للميت وارث بالفرض.
السؤال: كيفية ميراث توءَمي الزنا وتوءَمي اللعان؟ وما الفرق بينهما في الإرث؟
الجواب: التوءمان أخوان فيما بينهما، فيتوارثان ميراث الإخوة الأشقاء فيما بينهما، وهذا هو الراجح سواءً كان من زنا أو من لعان، ومن أهل العلم من يفصل بين ذلك، فيرى أن التوءمين من اللعان يتوارثان توارث الأشقاء، وأن التوءمين من الزنا يتوارثان توارث الإخوة لأم، ولكن الذي يترجح طبياً وعلمياً أنهما بمثابة الشقيقين ولو لم يكن لهما أب.
السؤال: ما يسمى بــــ"الفون"، هل يجوز بيع عدد من الوحدات، وحدات اتصال غير محدد مقابل ثمن محدد؟
الجواب: أن المعقود عليه، من شروطه: أن يكون معلوماً، فلا يحل أن يكون مجهولاً؛ لأن ذلك من الغرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، فلا بد أن يكون معلوماً.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يزيدنا إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعلنا أجمعين في قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر