إسلام ويب

عقيدة أهل الإيمان [2]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الشرك الأكبر صاحبه مخلد في النار ومحرم عليه الجنة، وأما الأصغر فكغيره من الذنوب، وينبغي للإنسان أن يحذر من أنواع الشرك كلها، فإن الإنسان قد يبدأ بالوقوع في الشرك الأصغر ثم يتدرج به الأمر حتى يصل إلى الشرك الأكبر.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

    فقد سبق أن تكلمنا في معاني التوحيد وأقسامه، والأدلة على ذلك من كلام الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    معرفة التوحيد بمعرفة الشرك

    وقد تحدثنا أيضاً عن التوحيد وأهميته وجلالة قدره، واتفاق جميع الشرائع عليه بجميع أنواعه وصوره، وقعدنا لمسألة جليلة من مسائل بيان وتوضيح المعاني وهي: أن الشيء يعرف ببيان حقيقته وبيان ضده، وبضدها تتبين الأشياء، فإذا أراد الإنسان أن يعرف معنى التوحيد فيجب عليه أن يعرف معنى الشرك، وإذا أراد أن يعرف معنى الشرك فيجب عليه أن يعرف معنى التوحيد، وإلا اختل لديه ذلك الميزان واضطرب، وأصبح فهم الإنسان لهذا الباب قاصراً؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يعرف الشرك بجميع صوره وأنواعه، وكذلك منزلته عند الله سبحانه وتعالى.

    وإنما وقع الخلط عند كثير من الناس بسبب جهلهم أمثال هذه الحقائق، فيعرفون وجهاً للحقيقة ولا يعرفون ضدها، فالله سبحانه وتعالى بين الأمر بالصلاة والإتيان بها، وبين ضدها وهو الترك لها، فلا يعرف الإنسان قيمة الصلاة حتى يعرف عقوبة التارك؛ لهذا كان من أظهر بيان مقام التوحيد ومنزلته عند الله أن نبين معنى الشرك بالله سبحانه وتعالى.

    وكذلك من الفوائد في مسألة البيان والتوضيح: أن نعلم أقسام الشرك، وأن نعلم شيئاً من صوره؛ حتى يحذر الإنسان من ذلك؛ وذلك لكثرة الصور وتنوعها فيما يخالف أمر الله سبحانه وتعالى، بخلاف العبادة فإن العبادة منضبطة، والتعدي عن ذلك يعتبر من أبواب الابتداع؛ ولهذا فصور العبادات واحدة، وصور الحقائق واحدة، وأما صور الباطل فمتعددة.

    جاء في حديث عبد الله بن مسعود ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط خطاً مستقيماً، وخط عن يمينه وعن شماله خطوطاً، وقال: هذه سبل )، فالحق في ذاته واحد، والباطل متنوع؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257].

    فالظلمات متنوعة فلذلك جمعها، والنور واحد ولذلك أفرده؛ ولهذا نعلم أن صور المخالفة لله سبحانه وتعالى أكثر، وذلك أن الحق في ذاته واحد، وأما الشر فمتنوع بتنوع الأذهان، وكذلك الأفكار التي تطرأ على الناس من وساوس الشيطان، فالمشارب متنوعة، والمقصد في ذلك واحد هو مخالفة الحق.

    أضرار الشرك بالله تعالى

    الشرك في عبادة الله سبحانه وتعالى هو أعظم ذنب يعصى الله جل وعلا به، ويظهر ذلك أن الله سبحانه وتعالى أخذ على نفسه ألا يغفر للمشرك شركاً إلا أن يتوب، فلا يكفر الله الشرك على الإطلاق بأي نوع من أنواع المكفرات، إلا أن يتوب المشرك من شركه بنفسه؛ لهذا قال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وهو الظلم العظيم.

    وبهذا وصفه الله سبحانه وتعالى بذلك، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم على لسان لقمان حينما قال لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وحينما أنزل الله جل وعلا قوله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82].

    شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ( لما نزلت هذه الآية: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كما تظنون، إن الظلم هو الشرك، أولم تسمعوا لقول العبد الصالح لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، ).

    إن الله سبحانه وتعالى قد جعل الشرك على مراتب حتى يحذر الإنسان من الوقوع في هذه الصور، وأن يتقيها, فربما يسلك طريقاً توجد فيها صورة ولا توجد الأخرى، ويجب حينئذ أيضاً أن يعلم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى عدل، ويجب أن يعدل مع العدل، وأعظم الظلم مع العدل أن يتوجه بالفضل الذي يعطيه الله سبحانه وتعالى إلى غيره بالشكر والعبادة، وهذا المعبود إما أن يكون هوى ونفساً، وهذا زندقة وإلحاد في جنب الله، وإما أن يكون خارج الإنسان من التوجه إلى شيء من المعبودات والمخلوقات من الأصنام والأوثان التي تعبد من دون الله زوراً وبهتاناً.

    ولضرر الشرك وخطورته بين الله سبحانه وتعالى أنه أعظم الذنوب على الإطلاق، وقد جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: قلت: إن ذلك لعظيم، ثم أي ) .. الحديث.

    وجوب سد ذرائع الشرك ووسائله

    وللبعد عن الشرك ووجوب الحياطة منه حرم الله جل وعلا جملة من الوسائل الموصلة إليه، وإن كانت في ذاتها لا تكون كحال الشرك الأكبر، وإنما هي وسائل توصل إليه تحرف الإنسان عن الحق، ويتدرج في الباطل حتى يصل إلى الغاية، وذلك حيطةً وحذراً من الوقوع في الخطأ؛ وذلك أنه عرف بالعقل أنه كلما عظم الجرم، وجب على الإنسان أن يحتاط وأن يضع لذلك الجرم حمى، كحال الإنسان إذا وضع بئراً في مكان من الأماكن العامة, فإنه يحتاط لها؛ خشية أن يقع فيها الناس، وكلما كانت هذه البئر عظيمة وعميقة, كان الاحتياط في ذلك أكبر، فيزداد في سد الذرائع الموصلة إليها، ويجعل لها حمى ربما متراً، أو عشرة أو عشرين أو خمسين، وإذا كانت بئراً يسيرة لا تؤذي من سقط فيها, فإن الحياطه تكون أقل.

    لهذا جعل الله سبحانه وتعالى للشرك حياطة، وجعل له سبحانه وتعالى وسائل، وحذَّر من هذه الوسائل؛ وذلك أن هذه الوسائل توقع في شيء عظيم؛ ولهذا حذر الله سبحانه وتعالى من جميع صور الأقوال والأفعال والنيات الموصلة إلى الشرك الأكبر، وذلك أن الإنسان بطبيعته التدرج، فيتدرج بالوسائل حتى يصل إلى المقاصد، وهذا أمر معلوم بالأمور المادية المحسوسة، يدل عليه العقل والمنطق؛ ولهذا فإن كفار الأمم السابقة لم يقعوا في الكفر الأكبر مباشرة، وإنما تدرجوا على سبيل الاستحسان للوسائل.

    ولهذا قد روى ابن جرير الطبري في كتابه التفسير عن محمد بن قيس أنه قال في قول الله جل وعلا: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23]، قال: كانوا قوماً صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، قال: فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون, دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم.

    وهذا نوع من الافتتان، فالابتداء كان في الصور، ثم تحول ذلك إلى ما هو أبعد منه، فوقعوا في مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا جعل الله جل وعلا -كما تقدم- حمى لتوحيده، وكذلك حمى للشرك؛ لئلا يقع الإنسان فيه، فإذا وقع الإنسان في الشرك الأصغر واستدامه, فغالباً أنه يقع في الشرك الأكبر، فالشرك ينقسم إلى قسمين: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا هو الشرك في الربوبية.

    والثاني: شرك في عبادته ومعاملته، حتى وإن كان صاحبه يعتقد أن الله جل وعلا لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته ولا في أفعاله، فهذا هو الشرك في العبادة والألوهية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088828192

    عدد مرات الحفظ

    779310203