لصلاة الخوف كيفيات وردت بها السنة، وقد اختلف أهل العلم في تفضيل بعض الكيفيات على غيرها تبعاً لكثرة وقلة الاختلاف بينها وبين الصلاة في الوضع العادي، كما اختلفوا في تطبيق هذه الصور على جميع الصلوات أو بعضها فقط، علماً أن بعض الروايات الواردة في هذا الشأن لا تصح.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الخوف
من رأى أن يصلي بهم وهم صفان فيكبر بهم جميعاً ثم يركع بهم جميعاً ثم يسجد الإمام والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فإذا قاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الأخير إلى مقامهم، ثم يركع الإمام ويركعون جميعاً ثم يسجد ويسجد الصف الذي يليه، والآخرون يحرسونهم فإذا جلس الإمام والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً ثم سلم عليهم جميعاً.
قال أبو داود: هذا قول سفيان.
حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف وصف بعد ذلك الصف صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذين يلونه وقام الآخرون يحرسونهم، فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً فسلم عليهم جميعاً، فصلاها بعسفان وصلاها يوم بني سليم ).
قال أبو داود: روى أيوب وهشام عن أبي الزبير عن جابر هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس، وكذلك عبد الملك عن عطاء عن جابر، وكذلك قتادة عن الحسن عن حطان عن أبي موسى فعله، وكذلك عكرمة بن خالد عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الثوري ].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الطالب
حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه قال: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي -وكان نحو عرنة وعرفات- فقال: اذهب فاقتله، قال: فرأيته وحضرت صلاة العصر فقلت: إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد )].
الذي لا يمكن أن يؤدي الصلاة في ركوع وقيام وسجود فإنه يؤديها إيماءً ولا ينخفض انخفاضاً كاملاً، وإذا لم يستطيع أيضاً بالإيماء فإنه يؤديها في قلبه قائماً، وذلك كحال الإنسان الذي يرابط ولا يستطيع أن يصرف بصره، فلا يستطيع حينئذ أن يسجد، يخشى من قيام أحد عليه أو نحو ذلك، أو الذي يحرس أسيراً ليس بموثق وليس لديه إيثاق له، فلا بد أن يقوم عليه، ومثل هذه الأمور لها أحوالها فحينئذ يقال: لا يسجد ولا يركع وإنما يصلي بقلبه إن استطاع أن يومئ إيماءً يسيراً فهو أولى، وإذا لم يستطع فيكفي في ذلك أن يستحضر بقلبه.
وصلى الله على نبينا محمد.