إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [17]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وردت عدة أحاديث في بيان كيفية النزول للسجود، منها حديث وائل بن حجر وحديث أبي هريرة، وجميعها معلة، ولا يصح في هذا الباب شيء، وإنما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينزل على ركبتيه، والأمر فيه سعة، علماً أن حديث أبي هريرة في النهي عن البروك كما يبرك البعير ذهب بعض أهل العلم إلى أنه وقع فيه قلب، والصواب أن الحديث معلول، فلا يحتاج الأمر لتعليله بعلل أخرى.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    نكمل الأحاديث المعلة في الصلاة، وأول أحاديث اليوم: هو حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه ).

    هذا الحديث رواه الإمام أحمد في سننه، ورواه أبو داود ، و الترمذي ، و النسائي ، و ابن ماجه ، و الدارمي من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقد أخرجه أبو داود و النسائي من حديث عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد به، والحديث أعل بتفرد عبد العزيز بن محمد الدراوردي في روايته عن محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكذلك بتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد ، وأما عبد العزيز بن محمد الدراوردي فإنه قد توبع عليه تابعه عبد الله بن نافع كما رواه أبو داود وكذلك النسائي في السنن من حديث عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن به.

    وأعل الحديث أيضاً بتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن وهو التفرد الثاني فلا يعرف الحديث إلا من طريقه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان وهو من الفقهاء وكذلك المحدثين من أهل المدينة وله أصحاب كثر وشيوخه أيضاً متوافرون، وحديثه يتلقف من الرواة ولا يترك، وتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن وإن كان هو من الصالحين ومن آل البيت أيضاً فيسمى فهو الملقب بالنفس الزكية إلا أنه مستور الحال وحديثه نادر جداً واشتهر بهذا الحديث وتفرد به، ولهذا الأئمة عليهم رحمة الله ينكرونه عليه.

    ووجه هذه النكارة أن أبا الزناد هو من الرواة المشهورين من المدنيين وله أصحاب كثر يعتنون بحديثه، فتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن عنه بمثل هذا الحديث مما يستغرب عند الأئمة ويردون حديثه لأجل هذا التفرد، ثم إن محمد بن عبد الله مع عدم شهرته فإنه كان معتزلاً الناس في البادية, وقد ذكر ابن سعد في كتابه الطبقات ذلك وقد سأل بعض الخلفاء أباه عنه فقال: إنه معتزل للناس ويسكن البادية وهو منشغل بالصيد، وذلك لشيء من البعد عن الفتن فيما يظهر، ولم يكن معروفاً بالفقه ولا برواية الحديث، وتفرده بمثل هذا الحديث مما يستنكر، وقد جاء هذا الحديث عن أبي هريرة عليه رضوان الله موقوفاً عليه، فقد رواه السرقسطي في كتابه غريب الحديث من حديث بكير بن الأشج عن أبي مرة عن أبي هريرة أنه قال: لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير الشارد.

    والموقوف على أبي هريرة أصح، وأما المرفوع فمنكر، ولهذا أعله البخاري رحمه الله في كتابه التاريخ فإنه قال حينما ترجم لـمحمد بن عبد الله بن الحسن : لا يتابع عليه، ولا يعرف لـمحمد بن عبد الله بن الحسن سماع من أبي الزناد ، وهذا إعلال له من جهتين:

    الجهة الأولى: أن تفرد محمد بن عبد الله بن الحسن مما يستنكر، فإنه لم يتابع عليه، ومثل هذا الحديث ينبغي أن يتابع، لأنه يروي عن مثل أبي الزناد و أبو الزناد من الرواة المشهورين، كذلك فإن هذا الحديث هو من الأحاديث القوية التي تتعلق بكل صلاة وفي كل ركعة من ركعات الصلاة، ومثل هذا مما ينقل، فلما تفرد به مثل محمد بن عبد الله بن الحسن استغربه العلماء عليه، كذلك في قول البخاري رحمه الله: لا يعرف لـمحمد بن عبد الله بن الحسن سماع من أبي الزناد إشارة إلى أنه ليس بمعروف, وذلك أن أبا الزناد وهو من الرواة المشهورين من يروي عنه يعرف ومن يختص به بالمجالسة ويرد إليه مثلاً في بلده وفي حلق العلم يعرف إذا كان من الرواة المعروفين، ومثل محمد بن الحسن لو كان غاشياً لمجالس أبي الزناد معتاداً لها لعرف ذلك واستفاض، لأنه ممن يرجى قربه فهو من آل بيت النبوة ويسأل عنه ويتفقده الخلفاء, فلما كان بعيداً ونقل مثل هذا الحديث جهل البخاري رحمه الله سماعه من أبي الزناد .

    وما يقوله البعض من أن البخاري رحمه الله إنما شدد في هذا في قوله: إنه لا يعرف لـمحمد بن عبد الله بن الحسن سماع من أبي الزناد أن البخاري رحمه الله يشترط في ذلك ثبوت السماع ولا يكتفي بمجرد إمكان اللقي، قالوا: وهذا تشديد، نقول: هذا فيه نظر, وذلك أن البخاري رحمه الله إنما قال: أنه لا يعرف السماع لـمحمد بن عبد الله بن الحسن من أبي الزناد بعد قوله: لا يتابع عليه، أي: أنه يعله بالتفرد، وأنه لم يروه أحد ممن هو أولى منه.

    ومن وجوه الإعلال أيضاً: أن البخاري رحمه الله قد أخرج في كتابه الصحيح ورواه أبو داود أيضاً في سننه موصولاً من حديث نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه، وهذا عند البخاري رحمه الله إعلال للمرفوع، ولدينا قرينة من صنيع البخاري رحمه الله وتقدم الإشارة إليها، وهي أن البخاري إذا أورد أثراً موقوفاً عن صحابي من الصحابة وفي الباب حديث مرفوع لم يورده فهذا إعلال للحديث المرفوع، وهو إعلال أيضاً للحديث المرفوع الذي يخالفه وذلك أن إعلال الحديث الموقوف الذي يوافق هذا أن البخاري أصل شرطه في كتابه الصحيح أن يورد الأحاديث المرفوعة، فإن كتابه الجامع المسند الصحيح من سنن النبي عليه الصلاة والسلام فهو يورد الآثار تبعاً فلما أورد الحديث تبعاً ولم يورد الحديث المرفوع دل على أن الحديث المرفوع عنده معلول.

    ثم أيضاً الحديث الذي يخالفه وثمة أحاديث تخالف حديث أبي هريرة عليه رضوان الله في هوي الإنسان إلى السجود، فلماذا قلنا بأن هذا الحديث أو هذا الأثر الموقوف يعل ما يوافقه وما يخالفه، ما يوافقه تقدم الكلام عليه، وأما ما يخالفه فلأنه رأى أن حديثاً موقوفاً أقوى من مرفوع في غير بابه.

    ولهذا نقول: إن الحديث المخالف له لو كان صحيحاً ما أورد الحديث الموقوف الذي يخالفه، وهذا الصنيع معروف عند الأئمة المتقدمين كحال الإمام أحمد رحمه الله حينما يسأل عن مسألة من المسائل أو فتيا فيقول: قال به ابن عمر ، أو قال به ابن مسعود ، ويوجد حديث مرفوع يخالف ما جاء عن عبد الله بن مسعود إشارة إلى أنه يعل الحديث المرفوع.

    لهذا نقول: إن في إيراد البخاري رحمه الله لحديث عبد الله بن عمر موقوفاً عليه أنه يضع يديه قبل ركبتيه إعلال لحديث أبي هريرة وإعلال للأحاديث الأخرى التي فيها تقديم الركبتين على اليدين، وكأن البخاري رحمه الله يرى أن الأحاديث الواردة في الباب لا تقوم بها حجة، أما محمد بن عبد الله بن الحسن وقد وثقه بعض العلماء ووثقه النسائي ، وكذلك ابن حبان ، فنقول: إنهما جريا على توثيقه للقرائن المحتفة به، فإنه من أهل بيت دين وصلاح، وكذلك شرف نسب، وهو معروف بالديانة.

    أما مسألة الحفظ فهي باب آخر، ثم إن ورود هذا الحديث موقوفاً على أبي هريرة عليه رضوان الله بغير هذا اللفظ دل على أن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يحفظه على وجهه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089168838

    عدد مرات الحفظ

    782362518