إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [49]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وردت أحاديث في التكبير في الطريق عند الذهاب لصلاة العيد لكنها أحاديث معلة لا تصح، لكن صح عن السلف فعل ذلك، كما ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب العيد وهو متكئ على عصا وفي رواية على قوس، وهذا اضطراب أعل به الحديث إضافة لكون رواية العصا مرسلة غير متصلة، وفيها راو ضعيف، أما رواية القوس فتفرد بها من لا يقبل تفرده.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فأنهينا في المجلس السابق ما يتعلق بعلل أحاديث صلاة الاستسقاء، ونتكلم في هذا المجلس على شيء من الأحاديث المتعلقة بأحكام العيدين مما يتعلق بالصلاة وما قبلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وأول ذلك: ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى صلاة الاستسقاء ومعه الفضل بن العباس و عبد الله بن العباس و العباس بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب و جعفر و الحسن و الحسين و أسامة و زيد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في طريقه إذا مر بالحدادين ورجع من طريق الحذائين ).

    هذا الحديث أخرجه البيهقي في كتابه السنن من حديث أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    علة حديث: (كان رسول الله يكبر في طريقه إذا مر بالحدادين...)

    وهذا الحديث حديث منكر وهو معلول بعدة علل منها: ما يتعلق بالإسناد، ومنها ما يتعلق بالمتن، أما بالنسبة للإسناد فإن هذا الحديث بهذا اللفظ والتمام لا يعرف إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري الذي يرويه عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و عبد الله بن عمر العمري وإن كان صالحاً في ذاته إلا أنه ضعيف الحديث، وقد ضعفه غير واحد من العلماء كـيحيى بن معين و علي بن المديني و النسائي وغيرهم من أئمة النقد، وهذا الحديث لا يعرف عن نافع مرفوعاً عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا من حديث العمري .

    ومن العلل الإسنادية كذلك: أن هذا الحديث تفرد به ابن أخ عبد الله بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب ، وابن أخ عبد الله بن وهب وإن كان صالحاً في ذاته إلا أن له مفاريد يتفرد بها عن ابن وهب مما تستنكر من حديثه، ولهذا قد ترك حديثه بعض النقاد.

    القرابة التي تكون قرينة على الضبط والاختصاص

    وأما ما نذكره مراراً من أن القرابة تعتبر من القرائن في قبول رواية الحديث وأنه إذا كان ثمة قرابة بين راويين فروى أحدهما عن الآخر وتفرد به عن غيره فإن هذه القرابة قرينة على الاختصاص، ولكن في مثل هذا الموضع لا يقال: بأن القرينة هي القرابة، فالقرابة هنا قرينة ضعيفة؛ لأن عبد الله بن وهب لا تقبل في مثله قرينة القرابة؛ لأنه إمام حافظ راوية رحالة يؤخذ عنه الحديث، وتفرد أحد من قراباته بالرواية عنه لا تقبل عادةً في مثله وإنما تقبل ممن دونه من الرواة المتوسطين أو ممن كان من الضعفاء، ولهذا ينبغي أن نعلم أن القاعدة التي نشير إليها مراراً أن القرابة التي تكون بين الرواة قرينة على الضبط وأنها من وجوه الاختصاص فإذا تفرد راو عن قريب له فإن هذا لا يعل بالتفرد أن هذا ليس على إطلاقه، فليس لأحد من قرابات مالك أو ابن عيينة أو الثوري أو ابن وهب أو عبيد الله بن عمر العمري وأضراب هؤلاء أن يتفرد عنه بشيء ثم يقال: إن هذا التفرد مما يقبل وذلك لقرينة القرابة، فنقول: إن التفرد في مثل هؤلاء لا يقبل لسعة روايتهم وكذلك فإن اختصاص أحد قراباتهم بالرواية عنهم لا يقبل عادةً.

    ورواية عبد الله بن وهب عن عبد الله بن عمر العمري فيها إشارة إلى علة أخرى وهي أن هذا الحديث لو كان عند ابن وهب من غير طريق العمري لرواه؛ لأن العمري معروف بالضعف مما يدل على أن مخرج هذا الحديث لم يثبت عند عبد الله بن وهب إلا من طريق عبد الله بن عمر العمري فرواه عنه من هذا الوجه، وكذلك فإن الأئمة عليهم رحمة الله خاصةً أصحاب سعة الرواية إذا رووا حديثاً في الأصول من وجه ضعيف وهو واسع الرواية وصاحب رحلة وتنقل كـابن وهب فإن هذا أمارة على أنه لم يجده مع سعة روايته إلا من هذا الوجه، فكان ذلك قرينة على عدم وجود هذا الحديث في معاقل الرواية كمكة والمدينة إلا من هذا الوجه.

    ثم إن هذا الحديث معلول بالوقف على عبد الله بن عمر ، فإنه جاء عن عبد الله بن عمر من حديث محمد بن عجلان عن نافع عن عبد الله بن عمر: أنه كان يخرج إلى صلاة العيد يوم الفطر ويكبر في ذهابه وحينما يرجع إلى بيته، وهذا الحديث أخرجه الدارقطني في السنن، وأخرجه البيهقي من حديث محمد بن عجلان عن نافع عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله موقوفاً عليه، وقال غير واحد من النقاد: إن هذا هو الصواب، وقد رجح ذلك البيهقي رحمه الله كما في كتابه السنن، وقد توبع محمد بن عجلان في روايته لهذا الحديث موقوفاً تابعه على ذلك موسى بن عقبة و عبيد الله بن عمر و أسامة كلهم يروون هذا الحديث عن نافع عن عبد الله بن عمر ويجعلونه موقوفاً، ولهذا يقول البيهقي رحمه الله: والوقف في ذلك أشبه، يعني: أنه أقرب وأشبه بالصواب، وأن الرفع أشبه وأقرب إلى الخطأ، وهذا الحديث بتمامه في تكبير النبي عليه الصلاة والسلام في ذهابه ومجيئه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من روايات متعددة، سيأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى.

    ولكن لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من فعله أنه كبر في طريقه إلى صلاة العيد وفي رجوعه، والأحاديث في ذلك إنما هي أقوال لبعض السلف سواءً كان ذلك من التابعين أو من جاء بعدهم، وهل يقال: إن الأحاديث لا حاجة إليها لثبوت ذلك في القرآن، فإن الله عز وجل يقول: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ [البقرة:185]، فإن إكمال عدة رمضان موجب للحوق التكبير، وإكمال العدة يكون بغروب شمس الثلاثين من رمضان أو عند رؤية الهلال بعد ليلة العيد، فإنه يبتدئ حينئذ التكبير، نقول: إن هذا ليس مفسراً وإنما هو مجمل في ظاهر القرآن، فالله عز وجل حث على التكبير من غير بيان والتكبير قد جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى على أحوال، فجاء تكبير في ليلة العيد يعني: من غروب الشمس أو عند رؤية هلال العيد فإنه يكبر إلى خروجه وذهابه إلى المصلى، وجاء أن التكبير يكون من صبيحة يوم العيد يعني: من ذهاب الإنسان إلى صلاة العيد يبتدئ التكبير ثم يتوقف عند دخول الإمام، والتكبير في ذلك ثابت لا خلاف عند العلماء فيه، وإنما الخلاف في تفصيله، والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفصيله جميعها ضعيفة، وربما كان ضعفها في ذلك للاعتماد على استفاضة العمل واشتهاره، فإن العمل إذا كان مستفيضاً مشتهراً ومستقراً من غير خلاف فإن الهمم لا تتداعى عادةً على نقله؛ لعدم وجود المخالف له، وربما اكتفي بالنقل للأحاديث الواردة في ذلك على ظاهر القرآن.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089197103

    عدد مرات الحفظ

    782696084