إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الطهارة [8]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة في كتاب الطهارة حديث: إن هذه الحشوش محتضرة، وحديث لبس الحذاء وتغطية الرأس عند دخول الخلاء، فأما ما ورد مرفوعاً فلا يعلم محفوظاً، ولكنه حفظ موقوفاً على أبي بكر وأبي موسى وعثمان رضي الله عنهم، وأما تغطية الرأس فلا دليل عليه ولا يثبت فيه شيء، وأما لبس الحذاء فورد الأمر به عموماً فيكون عند دخول الخلاء من باب أولى.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:

    تكلمنا في المجلس الماضي على جملة من الأحاديث التي أعلها النقاد في أبواب الطهارة، وسنتكلم اليوم عن جملة أخرى منها:

    الحديث الأول: حديث زيد بن أرقم عليه رضوان الله تعالى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث ).

    هذا الحديث جاء من طريق قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم ، ورواه عن قتادة جماعة: فرواه شعبة بن الحجاج و سعيد بن أبي عروبة و هشام الدستوائي و معمر بن راشد الأزدي ، واختلفت روايتهم في هذا، فروى الخبر الإمام أحمد و أبو داود في كتابه السنن وغيرهم من حديث شعبة بن الحجاج عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني الكوفي عن زيد بن أرقم ، فأسقط من الرواية النضر وجعل بدله القاسم بن عوف الشيباني ، واختلفت الرواية عن سعيد بن أبي عروبة ، فرواه عنه هكذا جماعة، رواه عنه أسباط و عبد الوهاب الخفاف عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    ورواه إسماعيل بن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم ، فوافقت رواية إسماعيل بن علية ما رواه شعبة بن الحجاج ، وقد رواه هشام الدستوائي عن قتادة عن زيد بن أرقم مباشرة، وأسقط فيه الواسطتين: الأولى: النضر والثانية: القاسم بن عوف ، ورواه سعيد بن بشير عن قتادة عن القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه عبد الرزاق عن معمر بن راشد الأزدي عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعله من مسند أنس بن مالك .

    وقد حكم عليه بالوهم الإمام أحمد بن حنبل وكذلك مال إلى توهيمه البيهقي عليه رحمة الله كما في كتابه السنن؛ وذلك أن معمر بن راشد في روايته عن قتادة قد جرى فيه على الجادة الغالبة من رواية قتادة ، فإن قتادة لم يسمع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى، وما عدا ذلك فإن روايته مراسيل، فلم يسمع من زيد بن أرقم ولا من غيره كما نص على ذلك غير واحد كالإمام أحمد عليه رحمة الله و أبي حاتم وغيرهم .

    وعلى هذا فنقول: لما كانت الرواية الغالبة المتصلة في رواية قتادة لهذا الحديث، فإنه جعله من مسند أنس بن مالك فوهم وغلط فيه، والصواب في ذلك رواية شعبة بن الحجاج عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم ، وسبب الترجيح في هذا: أن أقوى أصحاب قتادة بن دعامة السدوسي هو شعبة بن الحجاج و شعبة بن الحجاج كان يسمع أحاديث قتادة بن دعامة السدوسي ويوقفه عند كل حديث، بل قال شعبة : كفيتكم تدليس ثلاثة: تدليس الأعمش وأبي إسحاق وقتادة ، قال البرديجي عليه رحمة الله: كان شعبة يسمع الحديث من قتادة ويوقفه على الحديث، قال شعبة بن الحجاج عليه رحمة الله: كان يحدثنا قتادة فكنت أنظر إلى فمه، فإذا قال: حدثني أو حدثنا وسمعت كتبته وإلا تركته، يعني: أنه يحتاط في روايته للحديث .

    وبهذا نعلم أن قتادة وإن وصف بالتدليس، إلا أن رواية شعبة عن قتادة وكذلك عن أبي إسحاق وعن سليمان الأعمش مقبولة ولا ينظر إلى تدليسه، وكذلك أيضاً إنما قلنا: بعدم ترجيح رواية معمر لأنه جرى على الجادة، والجادة في أبواب العلل: أن الراوي المكثر الذي يحفظ ولا يدون، أنه يسلك الجادة والطريق الغالب بخلاف الطريق النادر وهذا معلوم.

    مثال هذا: الإنسان إذا كانت له طريق من داره يخرج منها كل يوم إلى المسجد خمس مرات، فإنه إذا خرج من بيته ساهياً قطعاً سيذهب إلى المسجد، إذاً: هذه الجادة، الجادة في رواية قتادة في سماعه من الصحابة هي عن أنس وكذلك النضر عن أنس بن مالك عن أبيه، فأنس بن مالك هو والد النضر و قتادة يروي عنه هذا الخبر فيرويه: قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    فالجادة المطروقة: هي التي تسبق على لسان الساهي وقليل الضبط، وإذا جرى الراوي قليل الضبط وقليل الحفظ على غير الجادة، فإن هذا من علامات ضبطه، لأنك إذا رأيت إنساناً في موضع أو في طريق لم يكن ممن يعهد أن يأتي إلى هذا الطريق، فلا يمكن أن تقول: إنه كان ساهياً، لأنه ما جاء إلى هذا الطريق إلا وهو قاصد، بخلاف الطريق الذي كان يسلكه الإنسان فهو الذي يطرأ عليه، وهكذا الإنسان إذا كان له عمل أو كان له مكان دراسة يذهب إليه فإذا كان ساهياً فسينصرف إليه ثم يتذكر أنه يريد وجهة أخرى، ولهذا نقول: إن الساهي هو الذي يطرأ عليه على الجادة، أما المتذكر إذا خالف الجادة فهو يريد هذا الطريق عمداً؛ لأن السهو لا يأتي على خلاف الجادة .

    وهذا قد اجتمع مع إمام حافظ وهو شعبة بن الحجاج وهو من أئمة النقد، فاجتمع حفظه عليه رحمة الله ومخالفة الجادة في هذا .

    وهذه الرواية في هذا الحديث فيها زيادة: ( إن هذه الحشوش محتضرة ) ، وإلا فالحديث في الصحيح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث ) ، والحشوش هي البساتين، فكانوا يتخلون بأطراف البساتين يستترون بالشجر؛ وذلك أنه لا يوجد حمامات ولا كنف في أزمنتهم مخصصة لقضاء الحاجات .

    وفي هذا إشارة إلى ما يذكره بعض الفقهاء من أن الإنسان إذا كان يدخل هذه البساتين ونحو ذلك، فإنه يستعيذ بالله، قالوا: ولو لم يكن دخلاً الخلاء، ولكن لما كان يكثر دخول الإنسان الخلاء والحشوش فإنه يستعيذ بالله من الخبث والخبائث.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089164942

    عدد مرات الحفظ

    782323472