إسلام ويب

منهجية دراسة فقه الأئمة الأربعةللشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاءت الشريعة الإسلامية مبينة لكل شيء ومفصلة للأحكام التي يحتاجها الناس، وكان خير من فهم هذه الشريعة هم الصحابة الذين كانوا العمدة في تبليغها ونقلها للأمة، ثم التابعون بعدهم، ثم نشأت بعد ذلك المدارس الفقهية المشهورة التي اعتنت بالفقه الإسلامي، وأخرجت للأمة ثروة فقهية عظيمة، وهذه المدارس هي مدرسة الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين ميسوراً وسهلاً لمن أراد الوصول إليه فهماً وتدبراً، وقد يسره الله عز وجل بجملة من الميسرات، فأنزل الله عز وجل كتابه بلسان عربي مبين، وجعل بيانه إليه، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19]، وجعل كتابه سبحانه وتعالى مفصلاً ومحكماً، الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1]، جعل سبحانه وتعالى هذا الكتاب العظيم مفصلاً مبيناً، مقيماً للحجة لكل قاصدٍ لها، وجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينة لكلام الله، مما أجمل فيه وما كان عاماً فإنها تخصصه، وما كان مطلقاً فإنها تقيده، فبينت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان غائياً وعاماً في كلام الله، وبينت ما خرج عن كليات كلامه سبحانه وتعالى، فجاء كلام الله جل وعلا لتقعيد أمور الدين، وتأصيلها، وبيان الكليات التي يحتاج إليها الإنسان في معرفة أحكام الدين.

    جاءت هذه الشريعة كتاباً وسنة تبياناً وتفصيلاً لكل شيء، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعته كما أمر بطاعة ربه جل وعلا، وأمر الله بطاعة رسوله كما أمر بطاعته، فقرن الله طاعة نبيه بطاعته كما في قول الله جل وعلا: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، فقرن الله الطاعتين مع بعضهما، ومن خرج عن طاعة الله خرج عن طاعة رسوله، ومن خرج عن طاعة رسوله خرج عن طاعة ربه، وما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يأتي بالنص في كلام الله سبحانه وتعالى فهو وحي من الله، ولهذا قال الله جل وعلا: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

    وأمر عليه الصلاة والسلام بالتمسك بسنته وهديه وما جاء عنه، كما جاء في كثير من الأحاديث، وحذر من مخالفة أمره وأمر ربه، وهذا ظاهر في كلام الله سبحانه وتعالى في قول الله جل وعلا: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، وجاء هذا في قول الله جل وعلا: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153]، وهذه الأوامر من الله سبحانه وتعالى لطريق محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا يجوز لأحد أن يخرج عنه مدعياً أن ذلك من دين الله، ومن جاء بشيء ونسبه إلى الدين، ولم يكن له مستند في ذلك من كلام الله أو كلام رسول الله أو شيء من الأصول العامة التي دل على عمومها كلام الله وكلام رسول الله فقد أحدث وابتدع، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).

    لهذا وجب على الإنسان أن يتقي وأن يحذر من البدع المحدثة، وحذره من البدع المحدثة لا يمكن أن يتحقق إلا بمعرفة الحق، فإن الإنسان لا يتوقى الباطل إلا وقد عرف الحق وسلكه، ولا يمكن للإنسان أن يسلك الحق إلا بمعرفته بحدوده وحدود الباطل الذي يحده عن يمينه وشماله، فالحق البيّن الظاهر يتنازعه كثير من الناس استيعاباً، فمنهم من يعرف كثيراً منه، ومنهم من يعرف بعضه، ويختلف الناس في ذلك قلة وكثرة، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير قال: ( الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس )، قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يعلمهن كثير من الناس) إشارة إلى أن الكثير أو الأكثر لا يعلمون أمثال هذه المواضع، ومردها إلى أهل العلم، وما قال: لا يعلمها الناس؛ لأن الأصل في الشريعة أنها بيّنة محكمة، وأن البيان والإحكام هو الأصل في الشريعة، وأن جهل الإنسان بالمتشابهات لا يجعله مخيراً باتباع ما يشاء منها، باعتبار عدم وجود علم بيّن فيها، وهذا الفيصل فيه في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ).

    هذه الشريعة وهذه الحدود تبين طريقة اليمين، وهي الحلال، وطريقة الشمال وهي الحرام، وما كان خليطاً بين ذلك مما يشتبه على الإنسان وتردد بينه، والبينية في ذلك قد تقرب وتدنو من الحلال، وقد تقرب وتدنو من الحرام بحسب القرائن المحتفة بها، إما أن يكون ذلك مبنياً على أصل والأصل في ذلك الحل، أو الأصل في ذلك التحريم، أو وجود شيء يشتبه بين الأمرين فيتنازعه الطرفان، فيشكل على الإنسان معرفة ذلك، ويدخل في هذا كثيراً هوى النفس ورغباتها بتسويل شيء من المعاني فيميل الإنسان إليها.

    الكلام حول هذه المعاني مما يطول، ولكن أردنا بهذه المقدمة أن نبيّن أن الشريعة الأصل فيها الإحكام والبيان والظهور والجلاء، وأن الله سبحانه وتعالى جعل القصد من إنزال الكتاب وإرسال الرسل هو هذا الأمر، حتى إن الأصل من الشريعة أنها بمجرد السماع والإنزال والقراءة يتضح للإنسان الأمر، ولهذا قال الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، وما قال: بيّن له واشرح له، باعتبار أن أصل السماع يفهم به الإنسان، وأن الذي لا يفهم هذا من الأمور النادرة لبعض الأسباب التي قد اقترنت به، إما لضعف في المدارك العقلية، وإما لضعف علم الإنسان بلغة العرب، أو لشيء آخر في هذا الأمر، إما لإعراض النفس، أو عدم رغبتها، وهذه مراتب الذم فيها متفاوتة بحسب حال الإنسان وقصده.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089478167

    عدد مرات الحفظ

    785510233