إسلام ويب

حائية ابن أبي داود [2]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا يصح التوقف في ذلك، ولا قول لفظي بالقرآن مخلوق، وأن هذا ليس من فعل السلف، ورؤية الله ثابتة حقيقة يوم القيامة، ونثبت لله الصفات مع التنزيه عن النقائص وعن التشبيه والتعطيل والتحريف.

    [ ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ].

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:

    لا زال المصنف عليه رحمة الله تعالى يتكلم على مسألة كلام الله سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل قد تكلم على الحقيقة، وأن القرآن الكريم كلام الله جل وعلا ليس بمخلوق، وحينما ظهر قول الجهمية قول الجهم بن صفوان ومن تبعه، امتنع وأمسك بعض من ظن التورع أو الخوف، فأمسكوا عن القول في هذه المسألة، فقالوا: إنا لا نقول أن القرآن مخلوق ولا نقول أنه ليس بمخلوق.

    وذهب إلى هذا بعض من يظن فيه الخير والعلم، وظنوا أن ذلك مسلك وسط، وكذلك ظنوا أو زعموا أن هذا فيه خلاصاً ومخرجاً من هذه الفتنة، وهؤلاء فيهم شبه من الجهمية، وتأثرهم بقول الجهمية ظاهر، وذلك أن الذي دفعهم إلى هذه المسألة، أي: الإمساك عن القول فيها، مع تقرر وإجماع هذا القول عند السلف الصالح من الصحابة والتابعين، هو التورع أو الخروج من الخلاف، وبعضهم لم يقابل قول المبتدعة ولم يشر إلى هذه المسألة إشارة، ومعلوم أن هذا نوع من الإمساك وعدم القول بأن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق.

    والواجب على من أراد الصواب والحق أن يجابه أهل البدع بما يخالف بدعتهم، ولذلك الصحابة عليهم رضوان الله تعالى لم ينقل عنهم كثيراً من النصوص من القول بأن القرآن ليس بمخلوق؛ لأن البدعة لم تنشأ في عصرهم، فلا حاجة إلى إظهار هذا القول، ولذلك لا يقال: أنه يجب على العامي أو المتعلم أن يتعلم أن كلام الله سبحانه وتعالى ليس بمخلوق، بل يقال: يجب عليه أن يتعلم أن الله عز وجل تكلم على الحقيقة، لكن إذا كان ثمة قول لأهل البدع ظاهر فيجب عليه أن يعتقد خلافه وأن يعلن خلافه.

    وقد كانت مسائل الاعتقاد، ومسائل الأسماء والصفات مسلمة تجري على ظاهرها، إثباتاً لها على الحقيقة، وإنما كانوا يطلقون الإجمال على سائر الأسماء والصفات على الظاهر وعلى الحقيقة، ولكن لما ظهرت أقوال المبتدعة من القول بخلق القرآن ونحو ذلك، أصبح أمثال هذه المسائل علماً على أهل السنة، ويجب على المسلم الذي أراد المنهج الحق واتباع السنة أن يعلن القول بأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وأن الله عز وجل تكلم به على الحقيقة بحرف وصوت ليقابل قول المبتدعة.

    ولذلك قال المصنف عليه رحمة الله تعالى هنا، بعد أن بين أن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق، قال: [ ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً ] ، أي: تتوقف وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء يحملك على ذلك التورع، فما حملك أنت على التوقف إلا الهيبة من قول الجهمية أئمة الضلال، قال: [ كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ] : الجهم بن صفوان هو من أئمة المبتدعة، وقد أخذ عقيدته هذه من الجعد بن درهم ، و الجعد بن درهم قد أخذ عقيدته من ابن سمعان ، و ابن سمعان قد أخذها من طالوت ، و طالوت قد أخذها من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا هو أصل عقيدة الجهمية، ولذلك قد نفوا صفات الله سبحانه وتعالى بالإطلاق.

    ويظهر هنا أن المصنف عليه رحمة الله يرى أن من أمسك عن هذه المسألة هو كقول أتباع الجهم ، ولذلك قال:

    [ ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ] .

    ومعلوم أن أتباع الجهم قالوا: بأن القرآن مخلوق، ولم يمسكوا، ولكنه أراد بذلك أن يبين أن من سلك الوقف، فإنه تابع لقول الجهم وأتباعه، ومتهيب لهذه المسألة، حتى ذهب إلى هذا وتهيب القول بهذه المسألة بعض أئمة المسلمين ومن ينتسب إلى السنة، وعلى رأسهم من المتأخرين الإمام الشوكاني عليه رحمة الله، فإنه قد قال في هذه المسألة بالتوقف.

    ومنهم من لم يقرر في ذلك شيئاً وقال: أن هذه المسألة لا تزيد من الأحكام الشرعية شيئاً، فيقال: أن ثمة حلال من الأمور التعبدية يكون حراماً، وثمة أمر من الحرام يكون حلالاً، لأن النصوص سواءً قلنا مخلوقاً أو ليس بمخلوق، فإنه لا فرق، فإن الكتاب يتلى والأحكام منه تؤخذ، هذا قول ضلال، فإن العبادة كما أنها في الجوارح كذلك هي في الاعتقاد، فإنه ليس للإنسان أن يقول: وصفنا الله عز وجل بكذا أو وصفناه بكذا، فهو المعبود الحق المتفرد بالجلال والعظمة، ونحن نعبده ونصرف العبادة له، فسواءً وصفناه بهكذا أو وصفناه بكذا، أو شبهنا أو عطلنا فهذا قول أئمة الضلال، ويجب على المؤمن الموحد أن يصرح بقول الحق وألا يخالف وألا يتهيب قولاً دل الدليل عليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089190556

    عدد مرات الحفظ

    782607111