إسلام ويب

شرح حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين [1]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أحاديث رسول الله الجامعة: (الحلال بين والحرام بين) وهو نص شريف يبين انقسام التكليف إلى حلال وحرام وشبهة ينبغي أن تترك خشية الوقوع في الحرام؛ فأهل العلم في الناس قلة، والأولى بالإنسان أن يبتعد عن الأسباب التي تخل بدينه وتنال عرضه بالسوء.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد: فأصل الأحكام وأصول التشريع وفروع الإسلام جلها من المحكمة لا من المتشابهة، وهذا في أكثر أمور الدين، فقد جاء هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في كلام الله عز وجل في وصف الكتاب العظيم أنه كتاب مبين، قال الله عز وجل: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [يوسف:1]، وجاء في قوله: طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [الشعراء:1-2] أي: واضحاً بيناً لا يأتيه الباطل ولا الاشتباه من بين يديه ولا من خلفه، وهذا ظاهر متقرر، وبهذا كان اكتمال الدين وإظهار المنة به، كما في قول الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

    فإتمام النعمة وإكمال الدين وإظهار المنة به لا يكون مع وجود المتشابه وغلبته على المحكم، بل إن الله عز وجل قد أوجد متشابهاً في كتابه، وجعل ذلك لحكمة، وهي أن يميز الله عز وجل الخبيث من الطيب، وكذلك أن يكل العلماء العلم به إليه حتى يقولوا: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7] فيؤمنون بالمتشابه الذي لا تدركه عقولهم، وإن كان هو قد أنزل في كلام الله عز وجل، وجاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيؤمنون ويصدقون بما جاء من المحكم، ويكلون ما لا يعلمونه من المتشابه إلى الله سبحانه وتعالى؛ بياناً أن العلم مهما انتشر في الناس إلا أن قصورهم -وإن كان في أحكام الله عز وجل- ظاهر بين، أما من جهة التكليف وظهور العقاب والثواب والحساب فيكون بالمحكم، ومن علم ممن علم ممن وفقه الله عز وجل لمعرفة المتشابه.

    وينبغي بل يجب أن يعلم أن الأصل في الدين أنه محكم بين ظاهر لا يخفى على أحد، فقد أقام الله الحجة، وجعل الأعذار تنقطع بسماع الإنسان لكلام الله، كما قال الله سبحانه وتعالى -آمراً نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله-: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة:6]، فقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن مجرد السماع بلغة يفهمها الإنسان وعلى وجه يفهم المراد -لو أراد- أنه قد قامت عليه الحجة، وانقطع عذره بمجرد السماع؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام -كما في صحيح الإمام مسلم وغيره-: ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار ) فمجرد السماع ينقطع به العذر؛ لأنه بهذا السماع دليل على أن الأصل ببلوغ الألفاظ إلى المسامع الفهم؛ لأن الله عز وجل قد أنزل القرآن واضحاً بيناً لا لبس فيه، وهذا هو الذي يفهمه جمهور الناس وعامتهم، إلا قليلاً ممن قد استغلق عليه، أو دخلت عليه عجمة، أو بعد عن مقاصد الشرع، أو خرج عن فطرته فلم يكن على الفطرة التي فطر الله عز وجل عليها الناس بمغير من المغيرات؛ ولهذا جعل الله عز وجل جمهورهم على فطرة سليمة يفهمون مراد الشرع من سماعه، كما قال الله سبحانه وتعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة-: ( ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودناه أو ينصرانه أو يمجسانه ) وجاء في رواية ( أو يمسلمانه ) يعني: من جهة الأفعال التي قد زيدت عن الفطرة مما يوافق أصل الفطرة في قلب الإنسان.

    وفي الحديث: ( الحلال بين والحرام بين ) هذا هو المراد في قول الله سبحانه وتعالى: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7] أي: هذا هو الأصل في الدين، وأما المتشابه فيوجد، والحكم منه عظيمة جليلة: بيان أن الكمال المطلق في العلم لله سبحانه وتعالى ليس لأحد غيره، كذلك بيان أن الناس يتفاوتون، وينبغي أن يطلبوا العلم ويلتمسوه من مظانه، وبفهم أقرب الناس إلى التشريع وهم الصحابة عليهم رضوان الله تعالى وكذلك التابعون، ثم من جاء بعدهم أقرب إلى الدليل وفهمه من غيرهم؛ لهذا أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحاب القرون الأولى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح: ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )، وجاء في رواية قد تكلم فيها بعضهم: ( خير القرون قرني ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088821019

    عدد مرات الحفظ

    779259691