إسلام ويب

شرح المنظومة البيقونية [5]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مباحث علوم الحديث: الحديث الفرد والحديث المعل الذي هو من أدق علوم الحديث ولا يعرفها إلا النقاد من الأفذاذ، والحديث المضطرب وهو على نوعين: ما يعل به وما لا يعل به وله طرق في معرفته ذكرها العلماء، وهناك مباحث أخرى: كالحديث المدرج الذي يؤتى لغرض التوضيح، و المتفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف وهو ما يتعلق بأسماء الرواة، ومن أقسام الحديث المردود: المنكر والمتروك والموضوع.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً ينفعنا يا رب العالمين.

    أما بعد:

    يقول الشيخ البيقوني رحمه الله تعالى:

    [ والفرد ما قيدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية ]

    ذكر المصنف رحمه الله فيما تقدم الغريب، وذلك عند تقسيمه لأصل الأخبار، في قوله: (وقل غريب ما روى راوٍ فقط)، وهنا ذكر التفرد والفرد في رواية الراوي، فقال:

    (والفرد ما قيدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية)

    بالنسبة للتفرد والفرد: هو مأخوذ من رواية الفرد للحديث، أي: لم يشاركه عليه أحد، وهو شبيه بالغريب، والمنكر، وكذلك أيضاً الشاذ.

    والحديث الفرد هو الذي ليس له متابع في طريقه، ولا أيضاً في متنه، وهو يختلف أيضاً من جهة نوعه بحسب التفرد، فربما يكون تفرداً مطلقاً في جميع الطبقات، وربما يكون تفرداً نسبياً كحال الغرابة، وكذلك أيضاً المتن، منها ما يكون متنه موجوداً في حديثٍ آخر، ولكن عن هذا الصحابي لم يرد إلا من هذا الوجه، والعلماء عليهم رحمة الله في أبواب الفقه والمعاني ينظرون إلى المتون، ولا ينظرون إلى الأسانيد حتى الصحابي، ولكن في أمور العلل ينظرون إلى الصحابي وما دونه من جهة التفرد، وذلك أن الصحابي إذا اختلف عن صحابي آخر ولو اتفق المتن عدَّها العلماء حديثين، فجعلوا هذا حديثاً وهذا حديثاً، ولو كان اللفظ واحداً، كحديث: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )، جاء عن جماعة من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، يجعلون هذا حديثاً وهذا حديثاً وهذا حديثاً؛ لاختلاف الصحابي، وأما إذا اتفق الصحابي، فكان الصحابي واحداً، وجاء نوع مغايرة يسيرة في المتن، فيجعلونها حديثاً واحداً، والعلماء عليهم رحمة الله من جهة المعاني الواردة في المتون لهم نظر في أبواب الإعلال، فإذا تفرد الحديث بمعنى لم يرد في غيره ولو عند صحابي آخر يقولون بإعلاله.

    إذاً: دائرة التفرد قد تتسع فتشمل الإسناد والمتن، وقد تضيق وتشمل الإسناد فقط ولا تشمل المتن، والتوسع عند العلماء في أبواب النقد للأسانيد والمتون هذه هي الطريقة التي يسلكها النقاد الأوائل، يسلكون في أبواب النقد فينظرون للتفرد بسعته من جهة إسناده ومتنه، والمتأخرون ينظرون إلى أبواب التفرد من جهة الإسناد، ويغفلون كثيراً المتن، ولهذا تجدهم يصححون الحديث إذا سلم إسناده، ولو كان متنه منكراً.

    والعلماء الأوائل عليهم رحمة الله ينظرون إلى معنى المتن، هل جاء معناه في مجموع الشريعة، أو لم يرد معناه في مجموع الشريعة، ولو قوي إسناده، لهذا تجد عند النقاد الأوائل الحديث الذي يروى بسند واحد متوسط يجعلونه صحيحاً، والحديث الذي يروى بسند واحد ومتنه لم يرد إلا بهذا، ورواته ثقات فيردونه بالنكارة؛ لأن الأصل في الشريعة أن الأحاديث لا يتفرد بها واحد في كل الطبقات؛ لأن هذا وحي يرويه صحابي، وينبغي على الصحابي أن يشهره، خاصة إذا تداعى العمل عليه.

    وما هي الوجهة والطريقة التي يحكم بها طالب العلم على الحديث بالتفرد، ثم يحكم عليه بالنكارة؟ التفرد هو وصف، والنكارة في ذلك أيضاً قريبة من الوصف، ولكنها تتضمن الرد، وكذلك أيضاً الشذوذ، القرينة التي يأخذ بها طالب العلم في هذا، أن طالب العلم كلما كان: متمكناً بمعرفة مراتب الشريعة، والمشهور منها، وما دون ذلك، وقليل الفعل، وما كان من فضائل الأعمال، كان من أهل التمكن بمعرفة ما يشتهر من الأحكام وما لا يشتهر، وذلك مثلاً على سبيل المثال حديث الجهر بالبسملة، الجهر بالبسملة هذا من المسائل الظاهرة التي تحدث في كل جماعة، لا بد أن يظهر هذا الحكم، فإذا جاء الحديث غريباً بطبقة الصحابي وطبقة التابعي وطبقة تابع التابعي، فلم يروِ إلا من هذه الجهة، مر على الجميع، حتى لقفه هؤلاء، هذا أمارة على ماذا؟ أمارة على نكارته ولو كان الذين يروونه ثقات؛ ولهذا العلماء عليهم رحمة الله ينكرون حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة في جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبسملة في الصلاة، ويقول غير واحد من النقاد: إنه لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في الجهر بالبسملة شيء، ويعدون ذلك من التفرد، وهذا لأن المسألة من أعلام المسائل المشهورة، والدين ما جاء ليحفظه واحد، وإنما تعمل به وتحفظه الأمة، ولكن ما كان من الأعمال اليسيرة التي يعملها الفرد والفردان، أو ربما أيضاً هذا العمل من الأعمال التي يعملها كثير من الناس، لكنها لا تتداعى الهمم على نقلها، مما يتعلق بأمور الآداب والسلوك وغير ذلك، ولهذا نقول: إن الفرد في وصف الحديث إنما هو وصف للحديث أن هذا الحديث لم يروِ إلا من هذا الطريق.

    يقول:

    (والفرد ما قيدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية)

    صنف العلماء عليهم رحمة الله في أبواب التفرد على ما تقدم الكلام عليه، صنفوا في هذا في الأفراد عموماً كـالدارقطني رحمه الله في كتاب الأفراد والغرائب، ومنهم من يصنف في غرائب وأفراد معينة كغرائب مالك وغرائب شعبة للدارقطني، ومنهم من يجمع غرائب ومفاريد أهل البلدان، كـالطبراني رحمه الله في كتابه مسند الشاميين، يجمع الأحاديث والمفاريد التي يرويها ويتفرد بروايتها أهل الشام، ويوجد هذا عند بعض المصنفين الذين ينفردون ببعض الروايات التي تروى، وغالباً يكون ذلك في الموقوفات كـالخطيب البغدادي في أحاديث البغاددة، وفي كتابه التاريخ تاريخ بغداد؛ وكــابن عساكر في أحاديث الدمشقيين في كتابه تاريخ دمشق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088539668

    عدد مرات الحفظ

    777210304