إسلام ويب

الإسلام وأهل الكتابللشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نظم الله سبحانه وتعالى علاقة المسلمين بأهل الكتاب من اليهود والنصارى, سواء كانوا في بلاد الإسلام أو في بلادهم, فإن كانوا في بلاد الإسلام فلا يخلو أن يكونوا إما مستأمنين أو أهل ذمة, وإن كانوا في بلادهم لزمهم الجزية عن يد وهم صاغرون, فإن أبوا فالقتال. ومما شرعه الله للمسلمين في علاقتهم مع أهل الكتاب أن أباح لهم نكاح نساء أهل الكتاب بشروط معلومة, وبين لهم أيضاً كيفية معاملة أهل الكتاب في بدء السلام ورده.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد أكرم الله جل وعلا هذه الأمة بهذا الدين العظيم, وقد أنعم الله سبحانه وتعالى وتفضل عليها بجملة من الفضائل والمكارم, ويكفي أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل إلى هذه الأمة سيد ولد آدم, وأنزل الله جل وعلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كتابه العظيم، وقد أكرم الله جل وعلا هذه الأمة أن جعلها خاتمة للأمم, ومعلوم أن خاتمة الشيء يكون فضله به يعني بتلك الخاتمة, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث سهل: ( إنما الأعمال بالخواتيم )، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن الأفراد يختم لهم في أعمالهم بحسب ما كانوا عليه, وهذا إذا كان في الذوات والأفراد كذلك فإنه أيضاً في أبواب الأزمنة والدهور, وكذلك المجتمعات، فإذا كان المجتمع في آخره فاضلاً فإن هذا دليل على فضل الأمة ومنزلتها الآخرة, وقد جعل الله جل وعلا هذه الأمة مفضلة ومكرمة على غيرها, ويكفي أن الإنسان يرى ثمرة ذلك في جملة من النصوص والأخبار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى, وكذلك من حديث عبد الله بن عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما مثلكم ومثل الذين من قبلكم من اليهود والنصارى كرجل استأجر أُجراء, فقال: من يعمل لي من غدوة إلى صلاة الظهر على قيراط, فعملت اليهود, ثم قال: من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط, فعملت النصارى, ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى صلاة المغرب على قيراطين, فعملتم أنتم, فقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل أجراً, فقال الله جل وعلا: ذلك فضلي أوتيه من أشاء ).

    ويكفي هذا أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لهذه الأمة من حسن العاقبة عنده ما ليس لغيرها من الأمم، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك جملة من الأخبار, من أظهرها أن هذه الأمة هي أكثر أهل الجنة دخولاً وأقل أهل النار دخولاً، ويكفي في هذا ما جاء عند الطبراني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أهل الجنة مائة وعشرون صفاً أمتي منهم ثمانون )، وهذا دليل على منزلة هذه الأمة وفضلها على سائر الأمم، وهي أمة مرحومة, وقد اجتمعت فيها أسباب الرحمة والفضل من جهة تضعيف الأجر, وكذلك الخصائص التي خصت بها بكتابها المحفوظ الذي لا يبدل, وهذا هو عين الرحمة, ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، وقد جاء عن غير واحد من السلف كما جاء عن عبد الله بن عباس وكذلك جاء عن مجاهد بن جبر في قول الله جل وعلا: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ )), قال: هو الإسلام والقرآن, أي: أن الله جل وعلا قد جعل فضله وهو الإسلام والقرآن هو ما ينبغي للإنسان أن يفرح ويسعد به، وأن يعلم أن الله جل وعلا قد خصه وقدمه على غيره من الأمم والشعوب، فالله سبحانه وتعالى قد أنزل في هذه الأرض ديناً واحداً لا يتغير ولا يتبدل من جهة أصوله، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري وغيره: ( نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد )، والمراد بذلك: هم الأخوة غير الأشقاء الذين ينتسبون إلى نسب واحد؛ ولكن أمهاتهم شتى، والمراد من ذلك: أن الأحكام التي ينزلها الله جل وعلا على عباده تختلف وتتباين من شريعة إلى شريعة, وهذا ما يتعلق في أبواب الفروع, وأما ما يكون من أبواب الأصول فإن الأصول ثابتة من جهة العقائد وأصول الديانة، وأما فرعيات الدين فإنها من جهة الأصل متشابهة إلا أنها تختلف من جهة الهيئة وتتفق من جهة الأصل، يعني: بوجود الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك وعتق الرقاب وغيرها, وذلك أن هذه الصور تتباين بحسب الأسباب الشرعية المؤدية إليها, وإنما ظهرت جملة من الشرائع على بعض في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم للخصائص التي قد احتفت بها, وهذه منزلة ليست لأحد إلا لهذه الأمة, أن الله جل وعلا جعل كتابها بيناً, وجعل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رسالة تامة, وجعل الله جل وعلا نبيه شاهداً على سائر الأمم وسائر الخلق يوم القيامة, وجعل الله جل وعلا أبناء هذه الأمة لمنزلتها وفضلها شهداء على الناس, وهذه خصيصة ليست لأمة ولا لشعب من الشعوب إلا لأمة الإسلام، الله سبحانه وتعالى الدين الذي أنزله على سائر أنبيائه هو دين الإسلام, ولا يقبل الله جل وعلا ديناً غيره, ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، فدين الإسلام هو دين التوحيد الذي أنزله الله جل وعلا على سائر الأنبياء, فهو ثابت ومستقر، ولا يكذب خبر عند نبي أو في شرعة من الشرائع إلا ويؤيد ذلك النص الذي جاء بعده, وهذا ما ينبغي أن يعلم وأن يؤكد عليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088816090

    عدد مرات الحفظ

    779219305