إسلام ويب

شرح كتاب الصيام من منار السبيل [7]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يسن صوم العشر من ذي الحجة، وإنما لم يصمها صلى الله عليه وسلم إما لعدم الثبوت أو حتى لا يحرج الناس بعمل معين، ومن أيام العشر التي يسن صومها يوم عرفة وهو أعظمها؛ لأنه أشد تكفيراً للسيئات، وكذلك يوم التروية. ويكره في الصوم إفراد رجب مخالفة للجاهلية، وكذلك إفراد الجمعة؛ لأنها عيد للمسلمين، كما يحرم كذلك صيام العيدين ويوم الشك وهو يوم الثلاثين، ويكره صوم أيام التشريق لغير المتمتع الذي لا يجد الهدي.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    اللهم اغفر لنا ولشيخنا يا رب العالمين!

    قال الشيخ العلامة إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان رحمه الله تعالى: [ (وصوم عشر ذي الحجة) لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )، رواه البخاري ، وعن حفصة رضي الله عنها قالت: ( أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين قبل الغداة )، رواه أحمد و النسائي ].

    صيام أيام العشر تحديداً لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الأظهر في ذلك خلافه، كما جاء في حديث عائشة عليها رضوان الله.

    وعلى كل فإن أيام العشر أيام فاضلة ولا خلاف في ذلك، وقد ذكر غير واحد من العلماء أن الأيام العشر هي أفضل من أيام رمضان، وأن ليالي رمضان هي أفضل من سائر الليالي، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فضل العمل الصالح في الأيام العشر على غيرهن.

    وهذا بالنسبة لمضاعفة العمل الصالح، ولكن نستطيع من جهة تفاضل الأيام أن نقول: إن العمل الصالح في عشر ذي الحجة في نهاره أفضل من غيره إلا الصوم، فالصوم في نهار رمضان أفضل من غيره؛ وذلك لأن الصوم إنما هو فرض وركن، والفرض والركن أفضل من غيره.

    وليس لنا أن نطلق أن العمل بجميع أنواعه أفضل عند الله سبحانه وتعالى حتى الصيام من رمضان؛ وذلك لأنه ركن، ومقتضى التفضيل المطلق في هذا أنه يدخل فيه الصيام، أما توجيه ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا في قوله: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله )، فهذا ظاهره إطلاق العمل الصالح.

    نقول: إن النصوص الشرعية تطلق, والمراد بذلك التغليب، وذلك أن الأعمال الصالحة من النوافل، والصدقة، والعمرة، وما يكون من صلة الأرحام، وقراءة القرآن، وذكر الله، والدعاء وغير ذلك من الأعمال الصالحة، فالنصوص تعلق بالأغلب، ولو قيل بذلك لقيل بأن صيام النافلة أفضل من الفريضة، وهذا يخالف الأصول.

    والحديث الوارد في فضل عشر ذي الحجة كاف في فضل الصيام فيها، وعدم ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعني العدم، ولا يعني عدم فضل الصيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربما يترك الشيء الفاضل لمقصد مفضول، أو ربما يترك الشيء الفاضل إلى فاضل آخر، ولا يعني أن الفاضل دون ذلك في المرتبة، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى المقاصد كما ينظر إلى الأعمال.

    الحكمة من تركه صلى الله عليه وسلم صيام العشر

    والفضل الذي تركه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو صيام عشر ذي الحجة على القول بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يصم في ذلك مطلقاً؛ لأنه لا يريد أن يكلف على الأمة وأن يشق عليها، فهو ذكر العمل الصالح بعمومه.

    ومن وجوه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يفعل جميع أعمال الخير والبر في عشر ذي الحجة لما أطاق قدراً لكثرتها وتنوعها، فأعمال البر فيها جهاد، وفيها عمرة، وفيها صدقة، وفيها صلة رحم، وفيها صيام، فاجتماعها في مثل هذه العشر من الأمور المحالة، لقلة هذه الأيام وضعف قدرة الإنسان التي آتاه الله عز وجل إياها أينما كان.

    ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بالتفضيل وأمسك عن تعيين عمل بعينه, لبيان مجموع فضل الأعمال في هذه الأيام، وحتى لا يستمسك بعمل واحد ويستغنى به عن غيره من سائر الأعمال، وهذه من السياسة الشرعية التي تظهر في عمل النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً.

    ولهذا نجد أن النبي عليه الصلاة والسلام في كثير من الأعمال يخفي عمله حتى لا يلتزم، لاختلاف حاجة الناس ومقاصدهم، وكذلك الكلفة عليهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام يدعو في سجوده ويطيل، ويرفع يديه ويطيل, ومع ذلك لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في أكثر ما يفعله نص ينص بدعائه في سجوده إلا أشياء يسيرة جداً من دعائه صلى الله عليه وسلم لا يوازي الزمن الذي دعا فيه.

    فالنبي عليه الصلاة والسلام: دعا على الصفا والمروة طويلاً ثلاثاً, ولم يثبت من دعائه حرفاً, وإنما ثبت عنه الذكر من الحمد والتهليل والتكبير، وهذا الإخفاء مع تكراره من النبي عليه الصلاة والسلام إنما هو لاختلاف حاجة الناس من جهة السؤال، فهذا يسأل الله الشفاء، وهذا يسأل الغناء من الفقر، وهذا يسأل كشف كرب وبلاء وغير ذلك من أنواع حاجات الناس، ولو جاء الدعاء في ذلك مخصوصاً لكان التزام الناس فيه ظاهر لمحبة الاقتداء.

    وكذلك في طواف النبي عليه الصلاة والسلام عند البيت لم يثبت أنه ذكر دعاء معيناً إلا ما جاء بين الركنين من قوله: ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة )، وما جاء من التكبير عند الحجر.

    وكذلك في دعاء النبي عليه الصلاة والسلام عند الجمار ودعائه في عرفة، حيث كان يدعو النبي عليه الصلاة والسلام دعاء طويلاً في عرفة حتى سقط رداؤه عنه، وكان يدعو واقفاً، وكان يدعو على الراحلة.

    وهذه الأدعية ما جاءت ولا ثبتت عن النبي عليه الصلاة والسلام وذلك لاختلاف حاجة الناس، وحتى لا تكلف الأمة بما لا تطيق، ولهذا يؤتى بتفضيل العمل عاماً ليؤخذ الإنسان بما هو أيسر له، فلا يتعرض الإنسان لقنوط، ولو أن النبي فعل الصيام فقط وكان الإنسان عاجزاً عن الصيام لظن أنه حرم فضل العشر، ولو فعل الصلاة مجردة بأن قام عليه الصلاة والسلام لياليها كلها وأطال في ذلك لوجد الإنسان الذي يعجز عن قيام الليل أن الفضل فاته وأصابه شيء من القنوط.

    وفي مسألة الصدقة فمن الناس من هو غني ومن الناس من هو فقير، فإذا النبي عليه الصلاة والسلام تصدق وأكثر من الصدقة في العشر، وظهر هذا الفعل منه لكان فيه مشقة على الفقراء الذين لا يجدون من الأموال، أو ربما تكلفوا فأجحفوا في حق أنفسهم وفي حق أهليهم، لذا جاء الفضل في ذلك عاماً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله ) ، فالعمل الصالح داخل في عمومه ويدخل في ذلك الصيام.

    تفاضل العمل في أيام العشر

    كيف يتفاضل العمل في أيام العشر؟ نقول: يتفاضل في أيام العشر كتفاضله في غير العشر، فالصلاة أفضل من الصيام، والزكاة أفضل من الصيام، والصيام أفضل من العمرة، وغير ذلك بحسب ترتيب فضائل الأعمال الواردة في الشريعة.

    ولهذا نقول: إن الأصل في تفاضل الأعمال في الأزمنة والأمكنة بحسب تفاضلها من جهة الأصل في الشريعة، وما كان فاضلاً من الأعمال في خارج العشر فهو فاضل وأفضل من غيره مما كان دونه في غير العشر، وهكذا بحسب مراتب الأعمال.

    ومن وجوه معرفة الفاضل من الأعمال: أن ما كان له جنس واجب فهو أفضل مما لا جنس له واجب، وهذا يختلف عيناً، ويختلف أيضاً كثرة وقلة.

    فالصلاة فيها جنس واجب وهي الفريضة، والصلاة عدداً ووفرة وكثرة أكثر من الصيام وفرة وعدداً وكثرة، فكانت أفضل مما يأتي بعدها من الصيام والزكاة والعمرة والحج وغيرها.

    وهناك من الأعمال الصالحة التي يفعلها الإنسان ما لا يوجد من جنسه واجب، مثل السواك، أو التطيب، أو إماطة الأذى عن الطريق، أو بذل السلام على قول وغيرها، فهذه الأعمال في ذاتها فاضلة لكن لا جنس منها واجب.

    ولهذا نقول: إنها تأتي في المرتبة الثانية في ذلك، وهذا ينظر فيه بحسب أحكام الشريعة من جهة الواجبات، وكلما كان الواجب آكد فإن أنواعه أفضل من غيرها وهكذا، فالله عز وجل يفضل العلماء على غيرهم بتتبعهم للعمل الصالح؛ لأنهم يعرفون أن هذا أعظم من غيره، فيقدمونه على غيره لأنه يأتي بحسنات أعظم من غيره. وإذا جهل الإنسان تفاضل العبادات عمل الأدنى وغفل عن الأعلى، أو عمل المفضول وترك الفاضل مع أنه يؤتيه كلفة ومشقة بأجر دون ذلك.

    وبعض الناس لجهله وإغراقه بتتبع العمل الصالح لعاطفته يفعل المباح ويدع الواجب، وربما فعل المستحب والمتأكد وترك ما كان مفروضاً عليه، وهذا من تلبيس إبليس، فإنه يشبع رغبة الإنسان بالعمل الصالح والتقرب من الله بشيء أدنى ويدع المتأكد عليه حتى يطفئ جذوة الإيمان والاندفاع والإقبال على الله.

    وأما حديث حفصة في صيام النبي عليه الصلاة والسلام لعشر ذي الحجة, فهذا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جاءت عدة أحاديث في صيامه عليه الصلاة والسلام ولا يثبت منها شيء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088822178

    عدد مرات الحفظ

    779265640