إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [10]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يرى الإمام أحمد بطلان صلاة المنفرد خلف الصف، وذهب مالك والشافعي ورواية عن أبي حنيفة رحمهم الله إلى القول بعدم البطلان. وأما ما جاء في حديث أبي بكرة في ركوعه خلف الصف ثم مشى حتى دخل في الصف، فالإمام أحمد رحمه الله يقول: هو مشى حتى دخل في الصف وما ثبت مستقراً، فهو لم يصل منفرداً وإنما كبر ودخل في الصف، ووافقه على قوله جماعة كإسحاق بن راهويه وابن أبي ليلى وغيرهم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدـ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فأول أحاديث هذا اليوم: هو حديث أبي مالك عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم فجعل الرجال قدام الغلمان, وجعل النساء خلف الصبيان ) .

    هذا الحديث رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث شيبان ، و ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أبي مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث حديث منكر، وهو معلول بعدة علل:

    أول هذه العلل: أن هذا الحديث تفرد به شهر بن حوشب عن أبي مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و شهر بن حوشب ممن يضعفه بعض الحفاظ في روايته, وإن كان من أهل الثقة في الديانة، وهو رجل صالح في ذاته ثقة في دينه من أهل العلم بالقراءة إلا أنه في أبواب الرواية لا يحتج به على الصحيح، وقد تكلم فيه غير واحد من الحفاظ، وتركه يحيى بن سعيد القطان وغيره.

    وثمة مسألة تتعلق بأبواب الكلام على الرواة, وقد أشرنا إليها في عدة مواضع: وهي أن العلماء رحمهم الله ربما يتكلمون في راوٍ من الرواة ولا يريدون بذلك حفظه وإنما يريدون بذلك ديانته، أو ربما يريدون بذلك باباً من أبواب أحواله مما يخرج عن باب الرواية؛ ولهذا ذكرنا أنه ينبغي لطالب العمل أن يضبط حال الراوي من جهة تعدد أحواله، ومعلوم أن الراوي تتعدد أحواله في ذاته إلا صور منها: أن يكون عالماً فقيهاً، فعلمه وفقهه لا يعني أنه حافظ من أهل الرواية.

    وكذلك فإنه ينبغي أن تقسم أحواله وأن تعدد أنواعه في ذاته فينظر إلى تخصصه فإذا كان مثلاً من أهل الزهد والورع يلتفت إلى ذلك فربما أسقط بعض ألفاظ الجرح والتعديل على عمله الذي يقع فيه، كأن يكون إماماً، أو فقيهاً، أو قاضياً، أو مقرئاً أو غير ذلك؛ فلهذا إذا وجدنا خلافاً عند العلماء على راوٍ من الرواة فينبغي أن نعدد أحواله، ولا يكاد يختلف العلماء في راوٍ من الرواة وتجد أحواله منتفية إلا حالاً واحدة، بمعنى: أن هذا الرجل لم يذكره العلماء أو أهل التاريخ بالفقه، ولا كذلك أيضاً بالإمامة في أي فن من الفنون في السير والمغازي أو الإقراء أو غير ذلك، ولكن يذكرونه بالرواية، وهذا في الغالب تجد العلماء يتفقون عليه، وإن اختلفوا في صيغ التوثيق أو في صيغ الجرح.

    شهر بن حوشب هو من أئمة الإقراء في زمنه، ولكنه في باب الرواية ضعيف، قد يكون الرجل فقيهاً ولكنه في الحفظ ضعيف، إذاً: ألفاظ الجرح والتعديل غالبها تنصب على الحفظ وهو الضبط ضبط الراوي؛ ولهذا العلماء يجعلون العدالة منفصلة عن باب الضبط فيقولون في أبواب العدل ويذكرون منه أن يكون الرجل مسلماً سالماً من الفسق وخوارم المروءة وغير ذلك.

    وأما ضبط الإنسان في ذاته فهو ملكة يؤتاها الإنسان؛ لهذا ينبغي أن ننظر إلى حال الراوي في ذاته، فــــــشهر بن حوشب إذا أردنا أن ننظر في ترجمته في كلام العلماء فيه فنجد أن كثيراً من العلماء يتكلمون عليه بالتعديل، وفي أبواب الاحتجاج نجد أن العلماء لا يحتجون بحديثه ويميلون إلى ترك مرويه مما يتفرد به.

    وهذا أمارة على أنهم إنما أرادوا بألفاظ التعديل ما اشتهر عنه من أمور الخير؛ لهذا إذا أردنا أن ننظر في ترجمة راوٍ من الرواة أن ننظر إلى اسمه، وأن ننظر إلى حرفته، وما اختص به من أعمال بر من علم وقضاء، وكذلك أيضاً زهد، وورع، أو إمامة الناس في الصلاة، أو الأذان أو غير ذلك؛ لهذا شهر بن حوشب رحمه الله من هذا النوع الذي تعددت أحواله فكان مقرئاً ووقع الناس فيه لقربه من السلطان، فكان مقرئاً منعزلاً فلما دنا من السلطان وقع الناس فيه، ووقعوا في دينه في ذاته، فكثير من العلماء أرادوا تزكية له وأنما تتكلمون فيه منتفٍ.

    ومعلوم أن العامة لا تنقل أقوالهم؛ ولهذا لم يكد يحفظ الأئمة مما يقوله الناس عن شهر شيئاً، وبقي تعديله، ولكن يحفظ شيء مما يقال فيه يقال:

    باع شهر دينه بخريطة فمن يأمن القراء بعدك يا شهر !

    وكان يأخذ شيئاً من المكافئات من السلطان على بعض إقرائه، ولكن العلماء بينوا أن هذا لا يقدح في دينه وباقٍ على عدالته.

    وما نتكلم فيه نحن جانب الملكة، جانب الحفظ والضبط، والحفظ والضبط يعرفه طالب العلم من وجوه منها:

    أن ينظر في مرويات ذلك الراوي ويحصي الغلط عليه بالنسبة لكثرة المروي أو قلته، فيجعل نسبة تناسب فإذا كان لديه مثلاً: عشرون أو ثلاثون حديثاً فينظر إلى مواضع الأخطاء, والأخطاء تعرف بمقارنتها بغيرها، بمعنى: أن طالب العلم إذا أراد أن يعرف رواية راوٍ هل هو مما يوافق الثقات أو يخطئ فعليه أن يقارن مرويه بالأحاديث الواردة في الباب، هل انفرد بأحاديث لم يأت بها غيره أم لا؟

    إذا كثر تفرده فهذا من علامات النكارة، وكلما أتى قليل الرواية بشيء من الأحاديث الأصول ويتفرد بها عن غيره كان أشد إنكاراً؛ ولهذا لا بد من المقارنة بغيره، وهذا يسهل على الإنسان في الراوي قليل الرواية ويشق عليه في كثير الرواية، ولكن في كثير الرواية عليه أن ينتقي من حديثه مثلاً: إذا كان الراوي لديه مائتان أو ثلاثمائة حديث يشق على الإنسان أن ينظر في هذه الثلاثمائة فعليه أن ينتقي منها عشرين أو ثلاثين ثم يقوم بسبرها والنظر فيها ومقارنتها بأحاديث الثقات.

    والحالة الثانية: هي أن ينظر في كلام الأئمة الأوائل، الأئمة الأوائل عليهم رحمة الله في كلامهم على الراوي يتكلمون على خلاصة ما عرفوه عنه إما بملاقاته مباشرة، أو بسبر حديثه الموجود في هذه الكتب فيطرحون ربما حديثاً يطرحه هو في ذاته لم يصل إلينا فكان حكماً عليه، فما كل حديث من الأحاديث التي يرويها الراوي وتطرحه موجود لدينا، فربما كان مما يطرح ما هو واهٍ شديد الضعف فيدعه الأئمة ولا يتحدثون به لأنهم يدخلونه في باب الوضع، ثم يقولون: هذا الراوي متروك الحديث، فتلتمس في أحاديثه فلا تجد شيئاً يستحق هذا، ولكن تجد أحاديث ضعيفة قد يوافقها بعض الثقات، وهذا ما ينبغي أن ينتبه له.

    ولهذا طالب العلم في باب السبر له أن يحكم في أبواب الإعلال، وله أن يحكم في أبواب التوثيق ما لم يخالف غيره، إذا خالف غيره من الأئمة أصحاب السبر الأول عليه أن يتوقف في أبواب التعديل، أما في أبواب الجرح فله ذلك؛ لأنه لا يكاد يجرح راوٍ بالسبر على وجه دقيق ويخالف الأئمة الأوائل إلا وقد جرحوه قبله، أما بالنسبة للتعديل فإن تعديله لراوٍ من الرواة قام الأئمة بجرحه لأن له عشرة أحاديث يجدها مستقيمة، فلا يحسن هذا؛ لأنه ربما له حديث كثير مطروح ما ذكره العلماء؛ لأن المطروح لا يدونونه، وتارة يذكرون بعض حديثه، وتارة لا يذكرون؛ لهذا تجد بعض الرواة مما يحكم عليه الأئمة بالترك وتسبر حديثه تجد أن هذا الحديث مع قلته مما يتابع عليه، فليس لأحد أن يقول: إنه مستقيم الحديث؛ لأن الأئمة إنما حكموا على مرويات ليست موجودة لدينا، وكثير من المسانيد التي كانت عند الأئمة محفوظة إما في الصدور أو في الصحف لم تكن موجودة.

    الإمام أحمد لديه أضعاف ما في المسند في كتابه المسند ويحكم على الرواة لا على الأحاديث التي في مسنده وإنما على الأحاديث التي لديه، فالحكم الذي يحكمه عليه رحمة الله هو بسبر أوسع مما يستطيعه الإنسان؛ ولهذا نقول: ينبغي للإنسان في أبواب التعارض في كلام الأئمة أن ينظر في الجمع بينها على ما تقدم، كذلك ألا يعارض جرحه جرح الأئمة الأوائل، أو تعديله تعديل الأئمة الأوائل. شهر بن حوشب في هذا الحديث تفرد به عن أبي مالك عليه رضوان الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    العلة الثانية في هذا: أن هذا الحديث منكر متناً، فإن فيه جعل الصبيان في صف منفرد، وهذا قدر زائد عن الثابت، الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبيد بن البراء عن أبيه أنه قال: ( كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه )، وقال النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: ( ليليني منكم أولي الأحلام والنهى )، فهذا يعني: القرب منه، ولا يعني أن الغلمان يجمعون في صف منفرد عن الرجال, ولا يجعلون في صف منفرد عن الرجال, وإنما يكونون معهم ولكن في أطراف الصف، ولو وجد واحد منهم في الصف وتخلل فهذا لا حرج عليه، ولماذا نقول بنكارة المتن مع أن الأحاديث التي جاءت أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( ليلني منكم أولي الأحلام والنهى ) ؟

    نقول: إن الموالاة المذكورة في هذا الحديث هو القرب من النبي صلى الله عليه وسلم ليرى، وليس المراد بذلك هو ترتيب الصفوف، فترتيب الصفوف هو قدر زائد عن ذلك.

    ومن وجوه النكارة في هذا المتن: أن هذا لا يحفظ عن الصحابة عليهم رضوان الله، ولو كان عملاً معروفاً فلا تخلو المساجد من كبار وصغار، ولا يعرف هذا التقسيم عنه، ولكن المعروف عنهم أنهم يجعلون ما قرب من الإمام هو للكبار كما جاء ذلك في غير ما حديث من المرفوع والموقوف وتقدم الكلام عليه.

    لهذا نقول: إن هذا الحديث من مفاريد شهر بن حوشب عن أبي مالك وهي مما تدل على ضعف روايته إذا تفرد، وقد يقول قائل: ماذا نفعل في كلام الأئمة في أبواب تعديله, فإننا إذا نظرنا في كتب التراجم نجد أن شهر بن حوشب أكثر الأئمة على تعديله؟

    نقول: إن ألفاظ الأئمة عليهم رحمة الله ينبغي أن تنزل على مواضعها على ما تقدم، فالأصل في كلام العلماء أنهم يريدون بذلك في كلامهم على الراوي الجرح أو تعديله من جهة الرواية، هذا هو الأصل، ولكن في بعض الأحيان ينزل القول على غيره، وذلك أن يكون الراوي من أهل الأعمال الأخرى: الفقه، الجهاد، الورع، التجارة والإنفاق في سبيل الله في نفع الناس، إمامة الناس في الصلاة، الأذان، القضاء، بعض الاختصاصات في علوم الشريعة كأن يكون عالماً بالسير والمغازي أو الفرائض أو غير ذلك، فينظر إلى حاله.

    لهذا نقول: إن طالب العلم إذا وجد الأئمة اتفقوا على راوٍ من الرواة ولا يختلفون على إمامته عليه ألا يبحث عن تفصيله؛ لأن الأئمة لم يختلفوا عليه، ولكن إذا وجد خلافاً في كلام الأئمة عليه أن يبحث عن اختلاف حاله وتعددها.

    والأصل في ذلك الرواية ثم يبحث عن التعدد في أحواله، ثم بعد ذلك يأتي بالنظر إلى سبر رواية الراوي، من هذا السبر تعرف تفردات الراوي، فتقف مثلاً على رواية شهر بن حوشب في تفرده عن هذا، فتعرف أن مثل هذا الحديث ينبغي ألا يتفرد به واحد؛ لأن هذا أمر عامة، ولا يناسب أن يتفرد به شهر بن حوشب بل ولا من فوقه من الرواة في تقسيم صفوف المسلمين خاصة إذا كان هذا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من الأمور الموقوفة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089198763

    عدد مرات الحفظ

    782707691