إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [13]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حديث الحسن بن علي رضي الله عنه في قنوت الوتر، تفرد به أبو إسحاق، والذي وصف بالتدليس، وخالفه شعبة فذكر القنوت دون الوتر. ومن الأحاديث المعلة حديث ابن عمر رضي الله عنه: (رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعا)، أعل بتفرد محمد بن مسلم بن مهران عن جده. ومن الأحاديث المعلة: حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعاً يفصل بينهن بسلام، وهذا الحديث قال فيه ابن المبارك: كذب.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنكمل الأحاديث المعلة في الصلاة.

    وأول أحاديث اليوم: هو حديث الحسن بن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه ما يدعو به في قنوته في قنوت الوتر فيقول: اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت ) ، الحديث.

    هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه من حديث أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تفرد بذكر الوتر فيه أبو إسحاق ورواه عن بريد ، وخالفه في ذلك شعبة بن الحجاج كما رواه الإمام أحمد و الدارمي في سننه، وكذلك رواه ابن خزيمة و الطبراني من حديث شعبة بن الحجاج عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث بتمامه ولم يذكر فيه الوتر، وإنما ذكر فيه القنوت.

    وهذا الحديث تفرد بذكر الوتر فيه كما تقدم أبو إسحاق ، و أبو إسحاق هو مما يتحفظ العلماء في تفرداته في الأحكام خاصة وقد وصف بالتدليس ويتحفظ العلماء أيضاً في بعض مروياته التي يرويها ولا يصرح فيها بالسماع، فكيف وقد خالفه في ذلك من هو أوثق منه وهو شعبة بن الحجاج ؟

    ومما يشكل عند البعض أن هذا الحديث بذكر الوتر قد جاء في بعض الطرق في حديث شعبة بن الحجاج عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي فذكر الوتر فيه.

    هنا لدينا مسألة في هذا الحديث وهذه المسألة هي قنوت الوتر، المترجح أنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام قنوت في وتره، وأما قنوت النازلة ودعاء الإنسان في سجوده وغير ذلك فهذا يسمى قنوتاً ويسمى دعاء وهو ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في مواضع متعددة، جاء في هذا الحديث لفظة الوتر، وبهذا استدل بعض العلماء على مشروعية قنوت الوتر أن يقنت الإنسان في وتره في قيام الليل، تفرد بذكر الوتر فيه أبو إسحاق كما تقدم، خالفه في ذلك شعبة فذكر القنوت عموماً وما ذكر الوتر، مما يدل على أن هذا الدعاء الصواب فيه العموم.

    لكن جاء في بعض الوجوه عن شعبة بن الحجاج كما رواه الطبراني وغيره في بعض الطرق عن شعبة ذكر الوتر، ولكن ذكر الوتر عن شعبة بن الحجاج منكر، ووجه النكارة أن شعبة بن الحجاج ممن يأخذ عنه الكبار ويعتنون بحديثه، ولو كان ذكر الوتر عنده ما تركه الأئمة، فأحاديث شعبة بن الحجاج معروفة ومشهورة.

    ثم أيضاً لم يرو هذا الحديث أو هذه الرواية أصحاب السنن، ولا مسند الإمام أحمد رحمه الله في كتابه المسند عن شعبة بن الحجاج ، مما يدل على أن هذه الرواية منكرة، وقد جاء عند الطبراني ما يتابع فيه أبو إسحاق في روايته عن بريد بذكر الوتر فيه، رواه الطبراني من حديث العلاء بن صالح عن بريد فذكر الوتر فيه، وجاء أيضاً من وجه آخر عند الطبراني من حديث العلاء بن صالح عن بريد به ولم يذكر الوتر مما يدل على أن الاضطراب يحتمل أن يكون من أبي إسحاق أو يكون ممن دونه وذلك كحال أبي الحوراء . و أبو الحوراء هو ربيعة بن شيبان وهو من مستوري الحال، وليس من الرواة الكبار الذين يحمل الأئمة المفاريد التي يأتون بها.

    والصواب في هذا الحديث: أنه صحيح بغير ذكر الوتر، وذكر الوتر فيه غير محفوظ، وذلك لما تقدم من علل.

    وأما ما يتعلق في أمر المتن أنه جاء في المتن قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قنوت الوتر، هذا فيه تعليم للحسن بن علي ، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر الحسن بن علي ثمان سنين، وهذا الأمر دين لا يختص بآل البيت ولا يختص بأحد دونه، وهل يسوغ أن النبي صلى الله عليه وسلم يخص شيئاً من الدين صبياً عمره ثمان سنوات ويدع الشيوخ كأبي بكر و عمر و عثمان ويدع أزواجه أيضاً, ويعلم صبياً مثل هذا، فهذا من مواضع النكارة أيضاً.

    أما تعليم الدعاء على سبيل العموم فهذا من الأمور التي يقبلها النقاد ولا ينكرونها، وذلك أن معاني الدعاء يحتاج إليها الصبي لأنه لا يدرك تراكيب العبارات ولا إدراك المعاني، والأولى فيها ولا يدرك حاجته ونحو ذلك، ثم أيضاً إن المعاني التي وردت في هذا الحديث بطلب الهداية وكذلك العافية جاءت في أحاديث في الصحيح من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام وتعليمه، كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام لـعلي بن أبي طالب قال: ( قل: اللهم أهدني وسددني, وتذكر بالهداية هداية الطريق، وبالسداد سداد السهم )، وغير ذلك، كذلك: ( عافني فيمن عافيت )، ( سلوا الله العفو والعافية )، وغير ذلك من المعاني.

    فالدعاء من جهة المعنى ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما جعله وتخصيصه في أبواب الوتر فهذا مزيد حكم ويرجع في هذا إلى الثبوت. إذاً: تقرر لدينا أن الحديث معلول بتفرد أبي إسحاق وكذلك مخالفة شعبة لـأبي إسحاق و شعبة أوثق منه أوثق من أبي إسحاق وهو إمام حافظ، وكذلك أيضاً فإن أبا الحوراء من المستورين. وكذلك أيضاً ما يتعلق بالمتن في قوله: علمني، والأولى بالتعليم غيره.

    من العلل أيضاً وهي علة خامسة: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله أو من قوله شيء في أبواب قنوت الوتر، ثمة أحاديث يأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى؛ ولهذا يقول العلماء: أنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مسند في قنوت الوتر، نص على هذا ابن خزيمة رحمه الله في كتابه الصحيح، ونص على هذا أيضاً ابن عبد البر رحمه الله قال: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر حديث مسند.

    العلة السادسة: أنه ثبت عن شعبة بن الحجاج الفتيا بخلافه أنه لا يقنت في الوتر, ولو كان هذا الأمر ثابتاً عند شعبة كما جاء في بعض الوجوه عنه فإنه أولى الناس بالإتباع فهو من أهل السنة والإتباع والاقتداء؛ ولهذا نقول: إن دعاء القنوت في صلاة الوتر لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام مرفوعاً.

    العلة السابعة في هذا: أنه لم يثبت أيضاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قنتوا في الوتر في غير رمضان، والأحاديث الواردة الموقوفة في قنوت الوتر إنما هي في رمضان، وجاء هذا عن جماعة، جاء عن عمر بن الخطاب ، وجاء عن عبد الله بن مسعود في قنوتهم في الوتر في النصف الأخير من رمضان. فهذه علل واحدها يعل مثل هذه اللفظة، ولو كان الحديث منفرداً جاء ولو لم يخالفه شعبة في ذلك لاحترز العلماء من تصحيح هذه الزيادة.

    ولهذا نقول: إن ذكر الوتر في هذا الحديث منكر، فيكون حينئذٍ الدعاء في ذلك عام، وقد جاء في بعض الطرق ما اغتر به بعض المخرجين فجعله عاضداً له وجعل قنوت الوتر صحيحاً في ذلك، أخرج الحاكم في كتابه المستدرك من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه عقبة عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة عن الحسن بن علي عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه قنوت الوتر )، فهذا الحديث يرويه إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، و عقبة هذا جده هو موسى بن عقبة , وهو من أئمة الرواية أيضاً يروي عن عمه، خالفه في ذلك محمد بن جعفر يرويه عن موسى بن عقبة ولكن جعله عن بريد فرجح به الإسناد الأول.

    وبهذا نعلم أن إسماعيل قد وهم في روايته هذه عن عمه؛ ولهذا جزم بعض الأئمة كـالذهبي رحمه الله على أن هذا الحديث غلط، بل إن الذهبي رحمه الله حذفه من كتابه تلخيص المستدرك، أي: أن هذا الحديث ليس طريقاً يعتضد به فيكون عاضداً للحديث السابق وهو حديث بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089350475

    عدد مرات الحفظ

    783977974