إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [14]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ورد في السنة عدة أحاديث في أدعية قنوت الوتر ولا يصح منها شيء، من هذه الأحاديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ويدعو في آخر وتره فيقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك..)، وهذا إنما صح في السجود من قيام الليل، وحديث أبي وابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر قبل الركوع، والوارد عن الصحابة القنوت في النصف الثاني من رمضان.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    تكلمنا على شيء من الأحاديث المعلة في الصلاة، ونتكلم أيضاً باختصار على شيء منها.

    أول هذه الأحاديث: هو حديث علي بن أبي طالب عليه رضوان الله أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر ويدعو في آخر وتره فيقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك )، الخبر، هذا الحديث قد رواه الإمام أحمد ورواه أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة عن هشام بن عمرو عن عبد الرحمن بن الحارث عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث في المسألة التي تقدم الإشارة إليها في مجلس سابق وهي تتعلق بمسألة قنوت الوتر، وهل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر شيء؟ تقدمت الإشارة معنا في حديث الحسن بن علي أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قنت في وتره خبر فضلاً عن أن يكون أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة في دعاء قنوته، وهذا إذا نفينا الأصل فإنه ينتفي تبعاً لذلك الفرع.

    هذا الحديث قد حسنه وصححه غير واحد من المتأخرين؛ وذلك لأن ظاهر إسناده السلامة، فإنه يرويه حماد بن سلمة عن هشام بن عمرو الفزاري عن عبد الرحمن بن الحارث عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن هؤلاء الرواة من الثقات، ولكن نجد أن أكثر النقاد الأوائل على إعلاله، يقولون بإعلال هذا الخبر, وذلك أن هذا الحديث تفرد به حماد بن سلمة عن هشام بن عمرو الفزاري، و هشام بن عمرو لا يعرف له راو إلا حماد بن سلمة وهو في ذاته ثقة، قد وثقه الإمام أحمد، و ابن معين، و أبو حاتم وغيرهم، ولكن تفرده بهذا الحديث عن عبد الرحمن بن الحارث عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مما استنكره عليه الأئمة، وقد بين هذا غير واحد من الأئمة كالإمام أحمد رحمه الله، وكذلك الدارمي كما نقله عنه البخاري في كتابه التاريخ، وكذلك أبو داود رحمه الله في كتابه السنن أن هذا الحديث من مفاريد هشام بن عمرو .

    ووجه التفرد فيه يظهر ذلك من وجوه، منها: أن هشام بن عمرو لم ترفع عنه جهالة حاله وإن روى عنه حماد بن سلمة وكان من أقدم شيوخه إلا أنه مع تقدمه بسماع هذا الحديث لم يروه عنه إلا حماد .

    ومن قرائن الإعلال عند العلماء: أن الحديث إذا كان موجوداً عند أحد ثم تقادم عليه الزمن ولم يروه عنه إلا واحد فإن هذا أمارة على كتمانه أو على عدم اعتبار العلماء بهذا الحديث، يقول أبو داود رحمه الله: هشام بن عمرو أقدم شيخ لـحماد بن سلمة، وهذا أيضاً من قرائن الإعلال، وذلك إذا كان أنه أقدم شيخ لـحماد بن سلمة ولم يرو عنه إلا حماد فأين هو عن مجالس الرواية، وأين الأئمة عن هذا الحديث وقد حدث به حماد بن سلمة قديماً مع كونه مهماً في باب الأحكام وهو في مسألة دعاء القنوت.

    كذلك أيضاً من وجوه الإعلال والتفرد: أن هذا الحديث جاء من هذا الوجه من حديث هشام بن عمرو عن عبد الرحمن بن الحارث عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ذلك في آخر وتره، والذي في الصحيح في هذا الحديث من حديث عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو في سجوده، وهذا قد رواه الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح من حديث الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة عليها رضوان الله قالت: ( فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة من الليالي فلمسته في المسجد، يعني: في المكان الذي يصلي فيه، فوقعت يدي على قدمه فإذا هو يدعو: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك )، يعني: أن هذا الدعاء إنما كان في سجود صلاة الليل، وهذا من قرائن الإعلال أنه جاء عن عائشة في السجود فحفظته في السجود ولم تحفظه في الوتر، فإن الدعاء في الوتر أسمع من أن يكون دعاء في سجوده.

    ولهذا نقول: إن هذا الحديث من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة عن هشام بن عمرو به هو من الأحاديث المناكير، ويكفي في ذلك تفرد هشام بن عمرو بهذا الحديث، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الدعاء كان عليه الصلاة والسلام يقوله في سجود صلاة الليل، وعلى هذا نقول: إن هذا الحديث هو من أدعية السجود لا من أدعية قنوت الوتر.

    ثم أيضاً من وجوه الإعلال: أن مثل هذا الحديث ينبغي أن لا ينئا هؤلاء الرواة برواية مثل هذا الحديث عن علي بن أبي طالب وذلك أن حماد بن سلمة و هشام بن عمرو الفزاري يروون هذا الحديث عن عبد الرحمن بن الحارث عن علي بن أبي طالب والأولى أن يرويه أهل المدينة، وذلك لأنه من أعمال الأيام، يعني: أنه يستديم الإنسان أن يفعله على سبيل الدوام، فلما لم يثبت إلا من هذا الوجه دل على أن هذا الأمر من وجوه النكارة، ولهذا قد أشرنا مراراً إلى أن ظواهر الإسناد من جهة صحتها وسلامتها ينبغي أن لا يحمل الناقد على أن يحكم عليها بالصحة مجرداً من غير نظر للقرائن الأخرى وذلك من وجوه التفرد، كذلك وجوه الحديث من وجه آخر بلفظه فيكون في موضع آخر من مواضع العبادة، وكما تقدم فإن دعاء القنوت هو أشهر وأسمع من دعاء السجود، فلو كان ذلك ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أنقل، ثم أيضاً فإن دعاء الإنسان في سجوده لا يسمعه إلا من دنا منه وذلك من زوجه ونحو ذلك، وذلك لأن السنة في الدعاء أن يكون خفية بخلاف القنوت فربما جهر الإنسان بقنوته، وهذا من قرائن الإعلال.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089350680

    عدد مرات الحفظ

    783979860