إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الطهارة [5]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة حديث: (ما ألقى البحر أو جزر عنه ميتاً فكلوه وما طفا عليه ميتاً فهو حرام) ، وحديث: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)، وحديث: (ستر ما بين عورات بني آدم وأعين الجن قول: باسم الله). ومما ينبغي لطالب العلم مراعاة تركيب الإسناد، فقد يكون الراوي مشهوراً بالرواية عن شيخ لكنه أحياناً يذكر واسطة لم يشتهر بالرواية عنها. وعليه أيضاً أن يراعي أموراً عند الحكم على رواية المدلس منها: معرفة نوع التدليس، وأن المدلس أحياناً لا يدلس إلا عن أناس محدودين، ومن اشتهر بكثرة الرواية من المقل ونحو ذلك.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنتكلم في هذا اليوم على جملة من الأحاديث المعلة في أبواب الطهارة.

    الحديث الأول: حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما ألقى البحر أو جزر عنه ميتاً فكلوه، وما طفا عليه ميتاً فهو حرام ).

    هذا الحديث رواه أبو داود و ابن ماجه في كتابه السنن من حديث يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقد اختلف في رفعه ووقفه، وقد تفرد بروايته على هذا الوجه يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، و إسماعيل بن أمية مع كونه ثقة إلا أنه قد خولف في هذا، فرواه جماعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً عليه، فرواه سفيان الثوري و ابن جريج و زهير و عبيد الله بن عمر و أيوب و حماد بن سلمة كلهم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً عليه وهو أصح.

    وقد اختلف فيه على سفيان الثوري بين الوقف والرفع, فرواه وكيع و عبد الرزاق و عبد الله بن وليد العدني و مؤمل و أبو عاصم كلهم عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً.

    ورواه أبو أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً وهو وهم وغلط، والصواب في ذلك أنه موقوف على جابر بن عبد الله .

    وقد جاء من وجوه أخرى أيضاً لا تصح مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رواه ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً، وهذا الإسناد مع كون ظاهره الحُسْن إلا أن البخاري عليه رحمة الله تعالى قد أعله، كما نقل ذلك الترمذي في كتابه العلل أن البخاري عليه رحمة الله قال: إني لا أعرف لـابن أبي ذئب عن أبي الزبير حديثاً، والمراد من ذلك أن ابن أبي ذئب في روايته عن جابر بن عبد الله لا يروي بواسطة أبي الزبير , وإنما بواسطة غيره، فإنه يروي عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله , ويروي عن المقبري عن جابر بن عبد الله , ويروي عن المقبري عن القعقاع عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة موقوفاً.

    أهمية معرفة التركيب في الإسناد عند الحكم على الحديث

    وهذا الإعلال من البخاري عليه رحمة الله لرواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير هو إعلال مهم لطالب العلم أن يتوقف عنده، والمراد من هذا أن طالب العلم لا ينبغي له أن ينظر إلى ذات الرواة ورسومهم، وإنما ينظر إلى تراكيب الإسناد وإن كان ظاهر الإسناد الصحة، فإننا إذا نظرنا إلى رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله نجد أن ظاهرها الحسن والصحة والجودة، ولكن إذا نظرنا إلى هذا التركيب نجد أن ابن أبي ذئب مع كونه له أحاديث عن جابر بن عبد الله إلا أنه لا تعرف له رواية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وهذا مرده إلى السبر؛ وأنه ينبغي لطالب العلم أن يسبر أحاديث الرواة، فيكون سابراً مثلاً لأحاديث جابر بن عبد الله ، وسابراً أيضاً لأحاديث أصحابه، فما خرج عن تلك القاعدة من رواية المشهورين فإنه لا ينبغي قبوله مع ظهور التوثيق فيه.

    والعلة في رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله يظهر أنها فيمن دون ابن أبي ذئب ، فإن ابن أبي ذئب مع كونه ثقة، وروايته عن أبي الزبير , و أبو الزبير أيضاً ثقة ويروي عن جابر بن عبد الله ؛ فالوهم حينئذ من غيرهم, فكان هذا الإسناد مركباً.

    وبه نعلم أن معرفة الأسانيد المركبة والمقلوبة حيث أبدل راو براو أنه لا يمكن أن يتحقق للإنسان إلا بإدامة نظر, وضبط للأسانيد, ومعرفة للشيوخ والتلاميذ، فإذا نظرنا في ترجمة ابن أبي ذئب فإننا لا نجد أنهم يذكرون من شيوخه أبا الزبير ، وكذلك حينما يترجمون لـمحمد بن مسلم بن تدرس وهو: أبو الزبير لا يذكرون من تلامذته ابن أبي ذئب ، وبهذا نعلم أن هذا من القرائن التي تدل على نكارة هذا الطريق.

    وبه نعلم أيضاً أن هذا الطريق الذي يروى به مرفوعاً أنه منكر، والحمل في ذلك على الحسين بن يزيد , فإنه قد تفرد بهذه الرواية، وهو مضعف ولين الحديث.

    وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر من حديث يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح، والصواب في هذا الوقف.

    وهل هذا الوقف صحيح ويقال به؟

    أولاً: يقال بالنسبة لرفعه فإنه منكر ولا يصح؛ وذلك لما تقدم من الترجيح في أبواب الإسناد.

    ثانياً: لما ثبت في ظاهر كلام الله جل وعلا، وظواهر النصوص من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عمل الصحابة أن ميتة البحر حلال بالإطلاق، سواء ما طفى عليه ميتاً أو ما قذفه البحر.

    وهذا الحديث حديث جابر بن عبد الله يفرق بين الحالين، أن ما قذف به البحر بأمواجه إلى الشاطئ ومات على ذلك ووجد ميتاً، وما جزر عنه البحر، بمعنى: أنه كان على سطحه ثم جزر عنه البحر وبقي على أطرافه فهذا حلال، وأما ما طفى عليه ميتاً فهذا حرام، وهذا التفريق لا دليل عليه، والأصل في ميتة البحر أنها حلال، وجاء النص في ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحليل ميتة البحر الطافية, فجاء عن أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب و أبي هريرة و أبي أيوب و عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر , وجاء أيضاً عن جماعة من فقهاء البلدان، فروي هذا عن سعيد بن المسيب , و عطاء بن أبي رباح , و مكحول و قتادة و إبراهيم النخعي ، وجماعة من فقهاء الكوفة وغيرهم، وكذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله نفسه, -وهذا أيضاً من وجوه الإعلال- من الإطلاق في حلية ميتة البحر على سبيل العموم، وهذه القرائن التي دلت على نكارة هذا الحديث مرفوعاً.

    لكن هل تدل على نكارته موقوفاً أم لا؟

    بعض العلماء يميل إلى نكارته موقوفاً أيضاً, باعتبار أن ما عليه عمل الصحابة وظواهر الأدلة يخالف ذلك، وأنه يبعد على جابر بن عبد الله أن يفتي بمثل هذا القول، ويقال: إن إعلال الحديث مرفوعاً لا إشكال فيه، وأما بالنسبة للوقف فالإعلال فيه نظر، وذلك أن الأسانيد في ذلك صحيحة، فإنه قد رواه جماعة عن أبي الزبير , فرواه أيوب و ابن جريج و زهير و سفيان الثوري و حماد بن سلمة كلهم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله موقوفاً عليه، وقد صحح الوقف غير واحد من الأئمة ورجحه على الرفع، واحتمال ضعف الموقوف فيه نظر؛ وذلك أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يجتهدون في أبواب التصحيح وفي أبواب الأحكام؛ ففي أبواب الحلال والحرام لهم اجتهادات في ذلك يخالف بعضهم بعضاً، فالإعلال بمجرد ذلك فيه ما فيه، وأما كون ذلك ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصح عنه فإنه بحاجة إلى نقله بما هو أصلح وأقوى من هذه الطريق، خاصة لثبوت العموم في كلام الله جل وعلا بحل ميتة البحر، وكذلك ما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تقدم معنا في حديث أبي هريرة : ( هو الطهور ماؤه، الحل ميتته )، وما جاء في حديث عبد الله بن عمر : ( أحلت لنا ميتتان ودمان )، وغير ذلك من الأحاديث.

    تفرد الراوي عن شيخه برواية حديث في مسائل الأصول دون غيره من مشاهير زملائه

    ومن قرائن التعليل التي يستفاد منها في الكلام على هذا الخبر، النفس الذي ظهر من كلام البخاري بإعلاله لهذا الحديث أنه قال: بتركيب طريق ابن أبي ذئب عن أبي الزبير ، وهذا حينما يقف عليه، وقد وقف عليه بعض المتأخرين وحكم عليه بالصحة، باعتبار أن ابن أبي ذئب قد تابع إسماعيل بن أمية في روايته عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، وقال: هذه المتابعة قوية وتكون حينئذ صحيحة، وهذا فيه نظر فإن تراكيب الإسناد مردها إلى معرفة الأخذ، فــأبو الزبير له أحاديث كثيرة عن جابر بن عبد الله ، وهذه الأحاديث التي يرويها أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أخذها عنه أصحابه، وثمة من أصحابه من هو مشهور بالأخذ عنه، وممن أخذ عنه شعبة بن الحجاج وجماعة، وأمثال هذه الرواية التي تروى بمثل هذا الأصل الذي جاء النص فيه في كلام الله جل وعلا وتفرد به من هو دونه دليل على النكارة ولو لم يركب الإسناد؛ لأنه بحاجة إلى ما هو أقوى من ذلك.

    ولهذا ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يتكلم على حديث من الأحاديث ووجد متابعات أن ينظر في الشيوخ والتلاميذ، وأن ينظر في بلدان المحدثين وأصحابهم، وأن ينظر في عدد الأحاديث التي رواها، فإذا نظرنا في رواية ابن أبي ذئب عن أبي الزبير فإننا لا نجد له أحاديث إلا هذا الحديث, وهذا من علامات النكارة التي يرد بها الحديث.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088786402

    عدد مرات الحفظ

    779038010