اليمين شأنها عظيم ولهذا كان من الفجور أن يحلف الرجل كاذباً ليقتطع بها حق مسلم، ومما لا يجوز فيها أن تكون بغير الله كالحلف بالمخلوقات سواء كان بشراً أم صنماً أو غيرهما، وفي المعاريض مندوحة، ومن أنواع اليمين ما يسمى باليمين اللغو، فهذه لا كفارة فيها ولا إثم، أما اليمين المنعقدة فهي التي تلزم صاحبها فإن خالف فيأثم وتلزمه الكفارة إلا إذا خالف إلى خير فلا إثم مع لزوم الكفارة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم.
أول كتاب الأيمان والنذور.
حدثنا محمد بن عيسى وهناد بن السري المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين وهو فاجر؛ ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان, فقال الأشعث: في والله كان ذلك, كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني, فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألك بينة؟ قلت: لا, قال لليهودي: احلف, قلت: يا رسول الله, إذاً: يحلف ويذهب بمالي, فأنزل الله عز وجل:
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ
[آل عمران:77], إلى آخر الآية ).
حدثنا محمود بن خالد قال: حدثنا الفريابي قال: حدثنا الحارث بن سليمان قال: حدثني كردوس عن الأشعث بن قيس ( أن رجلاً من كندة ورجلاً من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن, فقال الحضرمي: يا رسول الله, إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا وهي في يده, قال: هل لك بينة؟ قال: لا, ولكن أحلفه، والله يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه, فتهيأ الكندي لليمين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم, فقال الكندي: هي أرضه ).
حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن أبيه قال: ( جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال الحضرمي: يا رسول الله, إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي, فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي أزرعها، ليس له فيها حق, قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا, قال: فلك يمينه, قال: يا رسول الله, إنه فاجر ليس يبالي ما حلف عليه, وليس يتورع من شيء, فقال عليه الصلاة والسلام: ليس لك منه إلا ذاك, فانطلق ليحلف له, فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما لئن حلف له على مال ليأكله ظالماً ليلقين الله عز وجل وهو عنه معرض )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في تعظيم اليمين على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن نمير قال: حدثنا هاشم بن هاشم قال: أخبرني عبد الله بن نسطاس من آل كثير بن الصلت أنه سمع جابر بن عبد الله قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار، أو وجبت له النار ) ].
الأيمان تتعاظم, فيعظمها الزمان والمكان واللفظ, ويعظمها كذلك الأثر, فمن جهة الزمان تعظم بعد العصر كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم, أو في زمن معظم كالشهر الحرام.
ومن جهة المكان؛ كالحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحرم.
ومن جهة اللفظ؛ كالذي يقسم بأسماء الله كلها فإنه يختلف عن الذي لا يذكر شيئاً من الأسماء؛ كأن يقول: عليَّ كذا وكذا ونحو ذلك, فتغلظ بحسب لفظها, وتغلظ أيضاً بحسب أثرها؛ على ماذا يقسم؟ هل هو على شيء عظيم، أو على شيء حقير, ومن جهة أثره وما يفوت في ذلك.
واليمين الغموس ليس فيها كفارة يمين؛ لأن كفارة اليمين على ما يستقبل الإنسان لا على خبر ماض, وهي أغلظ من أن يكفر عنها, فيتاب منها ويستغفر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الحلف بالأنداد
حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف فقال في حلفه: واللات فليقل: لا إله إلا الله, ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق, يعني: بشيء ) ].
وفي قوله: ( من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق ), يعني: حتى لو كان مازحاً, كأن يقول: دعنا نفعل كذا, دعنا نكذب, دعنا نلعب, دعنا نقامر, دعنا نزني, دعنا نسرق أو كذا, حتى ولو كان الإنسان في هذا مازحاً, فإنه يأثم بها, فعليه أن يتوب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد, ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: فيمن حلف على طعام لا يأكله
حدثنا مؤمل بن هشام قال: حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي عثمان أو عن أبي السليل عنه عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: ( نزل بنا أضياف لنا، قال: وكان أبو بكر يتحدث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقال: لا أرجعن إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء ومن قراهم، فأتاهم بقراهم، فقالوا: لا نطعمه حتى يأتي أبو بكر فجاء، فقال: ما فعل أضيافكم؟ أفرغتم من قراهم؟ قالوا: لا، فقلت: قد أتيتهم بقراهم فأبوا، قالوا: والله لا نطعمه حتى يجيء، قالوا: صدق، قد أتانا به فأبينا، حتى تجيء، قال: فما منعكم؟ قالوا: مكانك، قال: فوالله لا أطعمه الليلة، قال: فقالوا: والله ونحن لا نطعمه حتى تطعمه، قال: ما رأيت في الشر كالليلة قط، قال: قربوا طعامكم، قال: فقرب طعامهم، قال: بسم الله, فطعم وطعموا، فأخبرت أنه أصبح فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي صنع وصنعوا، قال: بل أنت أبرهم وأصدقهم ).
حدثنا ابن المثنى حدثنا سالم بن نوح و عبد الأعلى عن الجريري عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر بهذا الحديث نحوه, زاد عن سالم في حديثه قال: ( ولم يبلغني كفارة )].