إسلام ويب

أشراط الساعة رواية ودراية [2]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ظهرت بعض علامات الساعة الصغرى في مراحل مختلفة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد موته وحتى يومنا هذا، ومن تلك الأشراط والعلامات التي ظهرت: انشقاق القمر، وموت الصحابة، وظهور الخوارج، واستحلال المعازف وشرب الخمر، ودخول الفتن بيوت العرب، وظهور الأنفاق في مكة، وإعادة بناء الكعبة، وخروج نار من الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

    فقد تقدم معنا الكلام على جملة من المسائل المتعلقة بأشراط الساعة، ومقدمات مهمة أيضاً، وذكرنا أيضاً من أشراطها علامتين.

    العلامة الثالثة من علامات الساعة: انشقاق القمر؛ حيث قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، فانفلق القمر فرقتين أو فلقتين، أحدهما وراء الجبل، والأخرى دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا ).

    سبب انشقاق القمر

    وانشقاق القمر من علامات الساعة التي جعلها الله جل وعلا من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جلباً لقلوب الضعفاء، ودفعاً للشبهات التي أثاروها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وفي قوله: (بمنى) دليل على أن ذلك كان في موسم حج قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حج قبل حجة الوداع، ولكن قد اختلف كم مرة حج؟ هل هي مرة واحدة أم أكثر من ذلك؟ وقد ثبت في صحيح البخاري للنبي عليه الصلاة والسلام حجة، وثبت في الصحيحين في ظاهر المعنى في حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى هذا حينما قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى).

    وقد ذكر جماعة من أهل السير أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما شق الله جل وعلا له القمر جماعة من صناديد قريش؛ كـأبي جهل و العاص بن وائل و العاص بن هشام و الوليد بن المغيرة وغيرهم من كفار قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اشهدوا )، يعني: على هذا، فلما شق الله القمر لنبيه عليه الصلاة والسلام لم يؤمن كفار قريش بذلك، وقالوا: إن هذا من السحر. كما روى ذلك ابن جرير وغيره من حديث أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى قال: (لما شق الله جل وعلا لنبيه القمر فلقتين قال كفار قريش: إن هذا سحر، اسألوا السفار - يعني المسافرين -، فسألوهم، فقالوا: قد رأينا القمر فرقتين).

    انشقاق القمر على الحقيقة

    وانشقاق القمر هو على الحقيقة، وليس على الخيال، وقد زعم بعض المتأخرين أن هذا من الخيال الذي جعله الله جل وعلا شبيهاً بالتخيلات التي يفعلها السحرة في أعين الناس، كما فعل السحرة من أصحاب موسى، وإن كان قد قال ذلك بعض الأجلة من المتأخرين فلا شك أنه وهم وغلط، وذلك أن الله جل وعلا قد أطلق انشقاق القمر، والأصل في ذلك أنه يحمل على الحقيقة.

    ثم إنه لا يظهر فيه الإعجاز إذا كان على التخيلات، فإن الناس يستطيعون أن يفعلوا مثل ذلك، كما يفعل السحرة، ولكن يفعلون في بعض البشر دون سائر الخلق، فلما كان هذا قد تحقق في سائر الخلق ممن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن كان بعيداً من أهل الآفاق دل على أن هذا هو على الحقيقة، وإن كانوا يعتضدون بما جاء عند ابن جرير الطبري من حديث عكرمة عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (لما شق الله القمر لنبيه عليه الصلاة والسلام وكسفه)، وجاء في رواية: (كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فرقتين)، قالوا: فلما ذكر عبارة الكسوف دل على أنه حيل بين القمر وبين الشمس بكوكب، فأضاء على شطره، فكان ثمة شيء من الغيم الكثيف على الجهة الأخرى تشبه بجزء القمر الآخر، فتشبه حينئذٍ في أعينهم على أنه انشقاق، وليس كذلك، وإنما هو من الخيال، وهذا لا شك أنه بعيد كل البعد.

    والانكساف الذي جاء في الأثر عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أراد به المعنى، ثم إن عبد الله بن عباس لم يشهد ذلك، بل كان حين انكساف القمر ربما لم يولد،؛ وقد ذكر جماعة من أهل السير أن انكساف القمر كان قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربع، والخمس أقرب، وقد جاء في الصحيح من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى قالت: (نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] وأنا جارية ألعب قبل الهجرة).

    ومعلوم أن عبد الله بن عباس عليه رضوان لله تعالى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد ناهز الاحتلام، يعني قاربه، فيكون حينئذٍ عمره قريب من الرابعة عشرة، وهذا ثابت كما جاء في البخاري عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (أتيت إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم وهو بمنى، وهو يصلي إلى غير جدار، وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام على أتان، قال: فمررت بين يدي بعض الصف، وتركت الأتان ترتع). والشاهد من هذا أن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى قال: (قد ناهزت الاحتلام) يعني: قاربه ولم يحتلم، واستدل بهذا البخاري عليه رحمة الله على أن عبد الله بن عباس لم يبلغ حينما ترجم لهذا الخبر بقوله: (باب متى يصح سماع الصغير) يعني: روايته، ومعلوم أنه حينئذٍ لم يبلغ، فدل على أنه لم يدرك انشقاق القمر، وهذا لا يقدم على من شهد ذلك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كـعبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى.

    عدد مرات انشقاق القمر

    وانشقاق القمر جاء في بعض المرويات أنه وقع مرتان كما جاء من حديث أنس بن مالك عند ابن جرير الطبري وغيره من حديث شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى قال: (انشق القمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين). وجاء في بعض المرويات: (فرقتين)، مما يحتمل أن المراد بالمرتين أنه على جزئين، لا ثلاث، وليس المراد بذلك تكرار الانشقاق، وهذا هو الأظهر.

    فائدة في نكران كفار قريش لانشقاق القمر مع ظهوره وبيانه

    وفي هذا إشارة إلى فائدة عظيمة جليلة القدر، وهي أن الله جل وعلا مهما يظهر من آياته البينة والدلائل المعجزة إلا أن من ران على قلبه، وختم الله جل وعلا عليه أنه لا يؤمن، كحال كفار قريش الذين شهدوا الانشقاق، وأحالوا ذلك إلى السفار من المسافرين، وأهل الآفاق، فسألوهم فصدقوا ما كان من إعجاز على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم لم يؤمنوا أيضاً، وبقوا على كفرهم، مما يدل على أنه ما كان دونه من الإعجاز من باب أولى أن يصد عنه من ختم الله جل وعلا على قلبه، ومما ينبغي معه ألا يلتفت إلى من انصرف عن الحق والصراط المستقيم، وأعرض عن ذلك مع ظهور الحجج البينة من كلام الله جل وعلا، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما أخبر عنه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام مما يحدث في آخر الزمان من أشراط الساعة وعلاماتها وأماراتها، فيقع جهاراً نهاراً، فيتأولونه يمنة ويسرة، فإذا لم يؤمن أسلافهم بما رأوه رأي العين من إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بعد تحديهم، فوقعت المعجزة بعد التحدي، فكانت المناسبة ملائمة لقوة الإعجاز، ومع ذلك لم يؤمنوا، فمن جاء بعدهم من باب أولى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088789960

    عدد مرات الحفظ

    779057268