إسلام ويب

شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر [1]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • علم مصطلح الحديث من العلوم الشرعية التي تناولت قواعد في فهم ودراسة الحديث النبوي متناً وإسناداً، وقد وفق ابن حجر رحمه الله في كتابه نخبة الفكر في الإتيان بمجمل القواعد المتعلقة بهذا العلم، وتقسيم أبوابه وفصوله، وهذه القواعد هي أغلبية في تطبيقاتها، إلا أنها لا تخلو من استثناءات، لا يضبط مسارها إلا من سبر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وسار على منهج أهل الحديث المتقدمين الذين برزوا في هذا العلم وأجادوا فيه.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

    فهذه مجالس نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا فيها لشرح (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) للشيخ الإمام العالم العلامة الرحلة، فريد عصره ووحيد دهره، وشيخ مشايخ مصره، بحر الفوائد، ومعدن الفرائد، عمدة الحفاظ والمحدثين، شهاب الملة والدين، أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني الشهير بـابن حجر رحمه الله.

    الحكمة من الابتداء بالحمد

    قال المصنف رحمه الله: [الحمد لله الذي لم يزل عالماً قديراً، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس بشيراً ونذيراً، وعلى آل محمد وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد].

    ابتدأ المصنف رحمه الله هذا المؤلف اليسير بالحمد لله تيمناً وطلباً للاستعانة، وتبركاً بذكر الله سبحانه وتعالى، وتيمناً بإتمامه وكماله، وكذلك اقتداءً بما فعله الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    ولهذا نقول: يشرع للإنسان عند كتابة شيء أو قول شيء ذي بالٍ أن يبتدئ ذلك بذكر الله، أو ببسم الله الرحمن الرحيم، وعلى سبيل التخصيص إذا كان ذلك في المكاتبات اليسيرة، والتي تكون بين الأفراد، كما جاء في حديث عبد الله بن عباس في كتابة النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان إذا كتب قال: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله).

    وهذا الأمر جرى عليه فعل الصحابة عليهم رضوان الله من بعده، وقد كان أيضاً هو حال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه؛ في خطب الجمعة، وفي الخطب العامة للناس، وفي الأمور ذات البال، ولو لم يكن ذلك الخطاب للناس عامة، ولو كان لأفراد معدودين، فإذا كان مهماً أو جليل القدر، كما يتعلق بخطبة النكاح، وإن كان الناس قليلاً في ذلك حضوراً فإنه يشرع للإنسان أن يبتدئ ذلك بالحمد لله رب العالمين، وغير ذلك مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقد جاء في هذا حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كل أمرٍ ذي بال لا يبتدئ فيه ببسم الله أو بذكر الله أو بالحمد لله فهو أجدع أو أبتر أو أقطع ) على روايات وألفاظ مختلفة متعددة في هذا، وهذا الحديث لا يصح إسناده، والصواب فيه الإرسال، وقد أعله الدارقطني رحمه الله، وقد روى هذا الحديث الخطيب البغدادي وغيره.

    على كل نقول: يغني عن ذلك ظاهر القرآن الكريم، فإن الله عز وجل جعل ابتداء السور بالبسملة، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم عند ابتداء المكاتبات، وما يتعلق بالخطب، وأصبح سنة جارية في هذا.

    والعلماء لا يختلفون في مشروعية ذلك وتمكينه، بل ذهب بعضهم إلى وجوبه. وإنما يختلفون في البداءة ببعض المعاني كالبداءة بالأشعار، هل يبتدأ الشعر ببسم الله الرحمن الرحيم أم لا؟ وبذكر الله عموماً أم لا؟ هذا من مواضع الخلاف، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يبتدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد جاء عن سعيد بن جبير وغيرهم، كما رواه الخطيب البغدادي في كتابه الجامع، وذهب جمهور العلماء وهو مروي أيضاً عن سعيد بن جبير و الزهري وغيرهم، القول بالبدء ببسم الله الرحمن الرحيم، باعتبار أن الشعر كالنثر؛ حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وقد جاء عند ابن عدي في كتابه الكامل من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الشعر كالكلام؛ حسنه حسن، وقبيحه قبيح)، وهذا الحديث جاء مرفوعاً وموقوفاً، والأظهر أنه لا يصح مرفوعاً، وعلى كل فقد مال غير واحد من العلماء إلى تحسينه موقوفاً على عائشة عليها رضوان الله.

    ثم أيضاً: إن ما يتعلق بالشعر هو يتعلق بالنثر، والعكس كذلك، باعتبار أنها ألفاظ، وقد أشار الإمام الشافعي رحمه الله إلى أن الشعر يعامل بمعاملة النثر من من جهة حسن معانيه وقبحها، ولهذا المصنف رحمه الله ابتدأ هذا الكتاب بالحمد لله لجلالة هذا العلم والفن، والمعاني التي يوردها لتعلقها بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    الفصل بين الإجمال والتفصيل بـ(أما بعد)

    قوله: (أما بعد) هذا هو فصل الخطاب، وثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: أما بعد.

    وأما قول: (وبعد) فلا أعلمه يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مع صحته، فنقول: إن الأصح والأولى أن يقول الإنسان في فصل الخطاب: (أما بعد) عند الفصل بين الإجمال والتفصيل، ولا حرج على الإنسان أن يكررها أيضاً في أكثر من موضع.

    سبب تأليف متن (نخبة الفكر)

    قال المصنف رحمه الله: [فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت وبسطت واختصرت، فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله؛ رجاء الاندراج في تلك المسالك].

    هنا أشار المصنف رحمه الله إلى عنايته واهتمامه بالمصنفات المتعددة، وأنه قصد بتصنيف هذا الكتاب إيجاد متن مختصر في علوم الحديث وقواعده ومصطلحه، تقريباً للأفهام، وباستطاعة طالب العلم أن يحفظه ويفهمه، وأن يطبقه عند إرادته ذلك.

    وقوله: (فسألني بعض الإخوان) هنا المصنف رحمه الله بيّن أنه سئل تصنيف هذا الكتاب، وفي هذا بيان أن الإنسان إنما يصنف لمصالح الناس وحاجاتهم، ولا يصنف لإظهار إبداع أو تميز أو قدرة على الكتابة في الفن، وإنما ينظر إلى حاجة الناس. وكذلك فإن التصنيف عند طلب الناس وحاجتهم فيه كسر لرغبة النفس، ودفع لإحسان الظن بالمؤلف، وأنه إنما كتب لحاجة الناس، ولطلبهم لهذا الأمر، واستجابة له، ولم يكن ذلك مجرد رغبة ذاتية أو هوى.

    وقد ذكر المصنف رحمه الله ما يتعلق بتعدد المصنفات في هذا الباب، والمراد بتعدد المصنفات فيه وكثرتها هي علوم الآلة الموصلة إلى الحديث، والعلوم عندنا على نوعين: علوم أصلية، وعلوم آلة، وعلوم الآلة هي العلوم الموصلة إلى تلك العلوم الأصلية، فكل علم من العلوم الأصلية له علم آلة يوصل إليه، وعلوم الآلة تتنوع صعوبة بمقدار صعوبة الغاية، وهذا أمر معلوم، فعلوم القرآن علوم معلومة، وثمة علوم توصل إليها، والسنة لها علوم معلومة، وثمة علوم توصل إليها مما يسمى بمصطلح الحديث وقواعد الحديث، وغير ذلك مما يتعلق بقرائن الترجيح ومسائل العلل ونحو ذلك من العلوم الموصلة إلى الغاية. وكذلك ما يتعلق بعلم الفقه وهو علم أصلي، وأما ما ينسب إليه من علوم فهي من علوم الآلة كالقواعد الفقهية وأصول الفقه، وغير ذلك كعلوم اللغة العربية، فثمة علوم أصلية فيها، وثمة علوم آلة موصلة إليها.

    فذكر المصنف تعدد المصنفات في هذا الباب، وكثرتها وتشعبها على الإنسان، وأنه يحتاج إلى مصنف مختصر في ذلك يرشده إلى الصواب على سبيل الاختصار.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089167877

    عدد مرات الحفظ

    782356218