إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [35]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المهم للباحث في علل الحديث أن يضم إلى علم الرواية علم الدراية والمقصود به فهم المدارس الفقهية في عصور الرواية، بحيث يتيسر له معرفة علل بعض الأحاديث التي قد تبدو في أول الأمر صحيحة السند من حيث الصناعة الحديثية التي تغفل الجانب المذكور، وتمثيلاً لذلك فقد وردت أحاديث تدل على استحباب رفع اليدين في عدة مواضع ومع هذا ورد حديث يقول: (افتتح النبي صلى الله عليه وسلم صلاته ثم كبر قال: ثم لا يعود)، ورغم صحة إسناده ظاهراً إلا أن علماء الحديث الكبار حكموا بضعفه، لتأثر راويه بمدرسته الفقهية التي لا ترى الرفع في غير تكبيرة الإحرام، وهو خطأ غير متعمد.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنتكلم في مقدمة مهمة فيما يتعلق بالتدرج في فهم المسألة الفقهية في الدين، ثم رابط ذلك فيما يتعلق بفهم علل بعض الأحاديث التي سترد معنا بإذن الله عز وجل.

    أشرنا مراراً إلى أن عمل السلف الصالح من الصحابة وكذلك أيضاً من التابعين له أثر على ما يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام مما ينسب إليه من الأحاديث في أبواب العلل، وأن هذا الأثر يتضح عند طالب العلم بمقدار تتبعه ودقته في النصوص الواردة عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى.

    يتضح هذا في مسألة نتكلم عليها وهي مسألة الإشارة أو رفع اليدين في الصلاة ومواضعها وعلاقة هذا بالفقه الوارد عن الصحابة عليهم رضوان الله، بالنسبة للمواضع التي يكون فيها رفع اليدين في الصلاة جاء في ذلك جملة من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأحاديث على أنواع: نوع يذكر الرفع في كل موضع يعني: في كل خفض ورفع يرفع الإنسان يديه.

    النوع الثاني: نوع يذكر الرفع في تكبيرة الإحرام فقط.

    والنوع الثالث: يذكر الرفع رفع اليدين في المواضع المشهورة وهي: تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع من الركوع، والرفع من التشهد الأول، هذه أربعة مواضع.

    النوع الرابع: أنه يذكر هذه المواضع الأربعة إلا الموضع الرابع الذي هو الرفع من الركوع، وهي: تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع من الركوع فقط ثم لا يكون بعد ذلك رفع اليدين، ويكون ذلك في كل ركعة بالنسبة للركوع بالنسبة لما بعده.

    النوع الخامس في هذا: أن الرفع كله في الصلاة لا يجوز وهو يبطلها حتى لو كان في تكبيرة الإحرام، هذه أنواع الأحاديث الواردة المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي سنتكلم على شيء منها في هذا المجلس بإذن الله تعالى.

    المتأمل للوارد عن الصحابة عليهم رضوان الله مما يفعلونه وكذلك أيضاً مما ينسبونه للنبي عليه الصلاة والسلام يجد أنهم يتفقون على نوع ويختلفون على أنواع، وذلك أنهم يتفقون على أصل الرفع فإذا اتفقوا على أصل الرفع يسقط لدينا النوع الخامس وهو المنع من الرفع كله يعني: أنه لا يوجد رفع في الصلاة، فهذا يسقطها باعتبار شذوذها ولو كان الإسناد صحيحاً فكيف إذا كان الإسناد مطروحاً ويأتي الكلام عليه بإذن الله.

    بالنسبة للرفع الذي جاء عن الصحابة عليهم رضوان الله جاء عن نحو ثلاثين صحابياً رفع في الصلاة ولم يثبت عن أحد أنه خالف في هذه المسألة، وقد نص على هذا غير واحد من الأئمة كما نص على ذلك البخاري رحمه الله في كتابه جزء رفع اليدين قال: لم يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع في الصلاة، يعني: أنهم جميعاً رفعوا، حتى قال الحاكم وغيره: لا يوجد سنة في الدين اتفق عليها الصحابة عليهم رضوان الله كما اتفقوا على هذه السنة يعني: سنة الرفع رفع اليدين في الصلاة مما يدل على استفاضتها وتأكدها واشتهارها عنهم قولاً، وكذلك أيضاً عملاً، وذلك لاستفاضة أيضاً الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.

    موضع الخلاف الوارد لدينا في هذا الباب نستطيع ضبطه من جهة عمل الصحابة والصحابة ثبت لديهم أنهم رفعوا من جهة الصلاة أصلاً، وآكد الرفع تكبيرة الإحرام فهم يطبقون عليها، يجمع الصحابة عليهم رضوان الله على تكبيرة الإحرام من جهة الرفع رفع اليدين فيها، وبهذا نعلم أيضاً أن الأحاديث التي تمنع من تكبيرة الإحرام أنها مردودة أيضاً.

    بالنسبة للنوع الثاني والثالث وهو ما يتعلق بالرفع برفع اليدين في كل خفض ورفع، وما يتعلق برفع اليدين في المواضع الأربعة أو المواضع الثلاثة، نجد أن من يقول بتكبيرة الإحرام أنه يكون في الرفع أنه يكون في تكبيرة الإحرام فقط نجد أن هذا القول هو قول مدرسة فقهية معينة وهي أهل الكوفة لديهم القول بهذا وهم من يقولون برفع اليدين في تكبيرة الإحرام فقط، ولا يقول بهذا من المدارس الفقهية وإن وجد من الآحاد لا يوجد مدرسة فقهية تقول بقول الكوفيين في هذا الباب، ثم توسعت مدرسة الكوفيين وأصبحت مدرسة أهل الرأي سواءً كانت في الكوفة أو في غيرها، فهؤلاء الكوفيون يقولون بهذه المسألة، هذه المدرسة القديمة الموجودة التي يفتي بها الكوفيون من الطبقة الكبرى من التابعين ومن جاء بعهم الذين يقولون بالإشارة باليدين في الصلاة في تكبيرة الإحرام فقط أصبح لها أثر على الأحاديث المروية على النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الرأي تارةً يطوع الحديث لا عن عمد وربما أيضاً من بعض الأجلة من الفقهاء فربما رووا الحديث وقلبوا معناه من غير قصد ليتوافق مع الفقه الموجود لديهم، وهذا أمر ينبغي أن ينتبه إليه أنه يؤثر على الاستنباط ويؤثر على الرأي ويؤثر على الفتيا، أن الرأي إذا جاء الحديث إلى بلد وقد توطن فيها رأي سابق فإن هذا الرأي السابق يحاول صياغة النص ليتوافق معه، يظهر هذا في أول حديث معنا، وهو الحديث التالي..

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089114117

    عدد مرات الحفظ

    781886284