إسلام ويب

الأحاديث المعلة في الصلاة [36]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحاديث المعلة في الصلاة: حديث (إن رفعكم لأيديكم إلى السماء في الصلاة لبدعة)، وحديث (إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة)، وحديث: (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه).

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنكمل ما توقفنا عنده في المجالس السابقة فيما يتعلق بإيراد جملة من الأحاديث التي يتكلم العلماء عليهم رحمة الله تعالى عليها بإعلال في أبواب الصلاة، وقد ذكرنا جملة من الأحاديث في هذا الباب، ومما نورده في هذا هو حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى أنه قال: إن رفعكم لأيديكم إلى السماء في الصلاة لبدعة، يقسم على ذلك عبد الله بن عمر عليه رضوان الله.

    هذا الحديث قد جاء من حديث حماد بن سلمة عن بشر بن حرب عن عبد الله بن عمر عنه عليه رضوان الله تعالى أنه كان يقول: إن رفعكم أيديكم إلى السماء في الصلاة لبدعة، يقسم على ذلك عبد الله بن عمر عليه رضوان الله.

    الحديث أخرجه البيهقي على ما تقدم في كتابه الخلافيات من حديث حماد بن سلمة عن بشر بن حرب عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، وهذا الحديث معلول بجملة من العلل:

    علل أثر ابن عمر

    أول هذه العلل: أن هذا الحديث تفرد به بشر بن حرب عن عبد الله بن عمر ، و بشر بن حرب هو من المتوسطين ليس من الضعفاء المتروكين ولا أيضاً من الثقات الحفاظ، وليس أيضاً من أهل الاختصاص في الرواية عن عبد الله بن عمر وطول الملازمة، وإنما مرتبته دون ذلك.

    والثقات من أصحاب عبد الله بن عمر عليه رضوان الله كابنيه سهل و نافع وغيره يروون عنه رفع اليدين في الصلاة، وهذا الحديث هو حديث عبد الله بن عمر يأخذ به بعض الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم بكراهة رفع اليدين في الصلاة إلا في تكبيرة الإحرام، وهذا الحديث على ما تقدم معلول وذلك أن بشر بن حرب الذي يرويه عن عبد الله بن عمر قد خالف الثقات من أصحاب عبد الله بن عمر في الرواية في هذا.

    ومن أمثل هذه الروايات ما جاء في رواية ابن شهاب الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر في رفع اليدين في تكبيرة الإحرام وكذلك الركوع والرفع من الركوع، وهذا يدل على نكارة تفرد بشر بن حرب في هذه الرواية.

    كذلك أيضاً من وجوه النكارة في هذا الحديث: أن هذا الحديث مخالف للمستفيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكبير والإشارة في الصلاة، وذلك أنه قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث بضعة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يروون عنه الرفع، يروون عنه رفع اليدين في الصلاة، وهذه الرواية هي التي تخالف أيضاً الروايات عن عبد الله بن عمر فضلاً عن الأحاديث التي ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير حديث عبد الله بن عمر والتي تدل على رد هذا الحديث.

    ثم أيضاً من القرائن عند العلماء عليهم رحمة الله: أن العمل الذي ينقل ويستفيض لا يكتفى بإسناد واحد فيه في الإثبات، وعندنا هنا في حديث عبد الله بن عمر نفي رفع اليدين، ولكن في رفع اليدين يخالف في ذلك ما جاء ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث في رفع اليدين في الصلاة.

    كذلك أيضاً وهذا أيضاً من وجوه الإعلال وهي علة ثابتة في ذلك: أن حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى هذا مخالف لما عليه الإطباق عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى برفع اليدين، ولا يحفظ عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يرفع يديه في الصلاة، ولهذا البخاري رحمه الله في كتابه جزء رفع اليدين يشدد في هذا، يشدد في القول بعدم الرفع ويدرك أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يقولون بالرفع، بل كان يقول عليه رحمة الله في هذه المسألة قال: من قال بعدم الرفع فقد طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الصحابة يجمعون على هذا ولا يعرف لهم مخالف في إثبات الرفع لا بإسناد صحيح ولا ما دون ذلك مما يدخل عدداً في دائرة الاحتجاج من الأحاديث الحسنة ولا يعرف لهم مخالف عن ذلك الصحابي، فـعبد الله بن عمر عليه رضوان الله هو الذي جاء عنه التوجيه في هذا الرواية في عدم الرفع وقوله إنها بدعة، ثم جاء عنه أحاديث الرفع وهي التي اعتمدها البخاري رحمه الله، وكذلك أيضاً جاء في غيره رفع اليدين من وجوه عدة دليل على نكارة رواية بشر بن حرب عن عبد الله بن عمر .

    وأيضاً من وجوه الإعلال لحديث بشر بن حرب عن عبد الله بن عمر : أن بشر بن حرب فيما يظهر أنه لم يضبط هذا الحديث وأن المراد بالرفع هنا رفع اليد للدعاء وليس المراد بذلك هو الرفع عند التكبير، ومعلوم أن في الصلاة دعاء كالدعاء بين السجدتين كقول الإنسان: رب اغفر لي وارحمني وأهدني وأجبرني، وكذلك دعاء الإنسان في تشهده، فهل هذا من مواضع رفع الدعاء أم لا؟

    محمل أثر ابن عمر ومعناه

    الذي يظهر -والله أعلم- أن عبد الله بن عمر في قوله البدعة هنا يقسم على ذلك عبد الله بن عمر أن المراد بذلك هو رفع اليدين في الدعاء لا رفع اليدين عند التكبير، يؤيد هذا أن الحديث قد جاء عن بشر بن حرب من وجهين:

    الوجه الأول: جاء من حديث حماد بن سلمة عن بشر بن حرب عن عبد الله بن عمر قال: رفعكم أيديكم إلى السماء، فجاء بالعموم.

    الوجه الثاني: جاء من حديث الحسين بن واقد عن بشر بن حرب عن عبد الله بن عمر قال: رفعكم أيدكم في الدعاء في الصلاة، مما يدل على أن مراد عبد الله بن عمر عليه رضوان الله في رفع اليدين مراده برفع اليدين هنا هو في الدعاء وليس المراد بذلك هو الرفع المقترن بالتكبير، إذاً فهي مسألة أخرى، وبهذا نعلم أن بعض الوجوه التي ترد في كلام بعض الرواة في الأحاديث التي تأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن لا يلتفت إليه إذا كان العمل على خلافها، وذلك كعمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في الرفع.

    أصح رفع في الصلاة ومواضع الخلاف فيه

    أصح رفع في الصلاة هو المقترن بتكبيرة الإحرام، وهذا محل اتفاق عند السلف وعند الأئمة الأربعة، وإنما الخلاف في الرفع فيما عدا ذلك، وأهل الكوفة أهل الرأي كـأبي حنيفة ومن تبعه يقولون بعدم الرفع إلا في تكبيرة الإحرام ويخالفون فيها، فيجعلون تكبيرة الإحرام واجبة، فيجعلون تكبيرة الإحرام الرفع فيها واجب على خلاف العلماء عليهم رحمة الله تعالى من قول جماهيرهم أن التكبير في ذلك ركن ولكن الإشارة في ذلك سنة، وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يشدد في هذا.

    ولهذا جاء عن ابن المبارك رحمه الله يقول: صليت فقال: صليت مع النعمان يقول: فقال لي لما رآه يكبر في ركوعه عند الركوع وعند الرفع من الركوع قال: ألا تخشى أن تطير؟ قال: لم أطر في الأولى فلماذا أطير في الثانية، لأن أبا حنيفة رحمه الله يرى تكبيرة الإشارة في التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام، قال: يا أبا حنيفة أنت ترى أن الإنسان يشير في الأولى فالذي لا يطير في الأولى لا يطير في الثانية، فلماذا تقول بأني لا أطير في الرفع ثم أطير فيما عدا ذلك؟ وهذا ليس استدلالاً فقهياً يرد به الدليل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089186820

    عدد مرات الحفظ

    782542680