إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد القطان
  5. الفتوحات الإسلامية ورجال من التاريخ

الفتوحات الإسلامية ورجال من التاريخللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمع المسلمون أمرهم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فتوجه إلى قمع المرتدين، ثم بعث جيوشه إلى الفتوحات الكبرى في بلاد الشام، وفي هذه المادة يعرض الشيخ بأسوب أدبي جميل بعض وقائع فتح بلاد الشام والمعارك التي دارت بين الجيش الإسلامي بقيادته المتميزة، وإيمانه الصادق، وغايته العالية، وبين الجيش الرومي الكافر.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك، اللهم استعملنا فيما يرضيك ولا تشغلنا فيما يباعدنا عنك، واقذف في قلوبنا رجاك، واقطع رجاءنا عمن سواك حتى لا نرجو أحداً غيرك.

    اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين.

    اللهم حرم وجوهنا ووالدينا ووالدي والدينا على النار.

    اللهم انصر عبادك وأولياءك المجاهدين في كل أرض يذكر فيها اسمك يا كريم.

    اللهم إنا نسألك أن تحرر المسجد الأقصى مسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ومهبط عيسى عليه السلام، وأن ترزقنا فيه صلاة مباركة غير خائفين ولا وجلين، ونسألك اللهم أن تنصر أولياءك المجاهدين في أفغانستان .

    اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

    اللهم إنا عفونا ما بيننا وبين عبادك فاعف ما بيننا وبينك، فأنت أجود وأكرم، يا أرحم الراحمين.

    اللهم أيما عبد من أمة محمد على خطأ، وهو يظن أنه على الحق، فرده إلى الحق رداً جميلا.

    اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض واسترنا يوم العرض، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

    اللهم من أراد بنا سوءاً فاشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدميره في تدبيره.

    اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين.

    اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.

    اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، نسألك العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمن في البلد، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    أما بعد:

    رسالة الصديق إلى خالد في أرض العراق

    أيها الأحباب الكرام: نعود إلى الفتوحات الإسلامية الكبرى، والمكان هو أرض الشام ، إذ يكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه إلى خالد بن الوليد وهو على أرض العراق : [اختر لنفسك نصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم واترك نصفهم للمثنى بن حارثة ، وانطلق إلى أرض الشام يا خالد لتكون مدداً لـأبي عبيدة عامر بن الجراح أمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم].

    وجاءت رسالة أبي بكر الصديق إلى خالد بن الوليد وهو يقاتل الفرس على أرض العراق، ويحققها انتصارات عظيمة في معركة ذات السلاسل وغيرها ، فلما جاءه كتاب الصديق عقد مجلساً عسكرياً سريعاً، وأمر بإحضار الخبراء في معرفة الطرق فتقدم إليه رافع بن عميرة وقال: [أيها الأمير لا يوجد إلى الشام من هنا إلا طريقٌ خطرة مهلكة، صحراء دوية، الداخل فيها مفقود، والخارج منها مولود، فقال خالد : اختر لي طريقاً لا أمر فيه على الروم ولا على جيوشهم، ولكني أنزل منه إلى أبي عبيدة وجند المسلمين، قال: أيها الأمير! إنه طريق طويل في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا شجر] وهي التي تسمى الآن بصحراء الرطبة، وهذه الصحراء الطويلة الممتدة ما بين العراق والشام جازف خالد بن الوليد في عبورها هو وجيشه في فصل الصيف كل ذلك في سبيل مرضاة الله.

    فقال له خالد: [ إني عزمت على العبور فاطلب ما تحتاج] فقال: أحضروا ما عندكم من الإبل، فأحضروا الإبل إلى الخبير الصحراوي في الأسفار والأخطار، فقام وعطشها أياماً حتى كاد العطش أن يهلكها، ثم قدمها إلى الماء فشربت من الماء حتى امتلأت به بطونها، ثم قام بعد ذلك وربط أشفارها حتى لا تجتر الماء، وأصبحت الإبل خزانات من الماء متحركة، ثم أمر بالتخفف من السلاح، وألا يحمل الراكب إلا سيفه وسهمه ثم يحمل ما استطاع من ماء على ظهر دابته التي يركبها، وانطلق خالد بن الوليد أبو سليمان رضي الله عنه بجند الإيمان، وقد اختار ثلثي أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار معه.

    فاعترضه المثنى بن حارثة ، وقال: [لا. يا خالد ! ما أنصفت في هذا، إن خليفة رسول الله أبا بكر ، قال لك: شاطر المثنى صحابة رسول الله فلك نصفهم ولي نصفهم] وكان القادة المسلمون يتفاءلون خيراً بوجود الصحابة من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؛ لأن إصبعاً واحدة مرفوعة بالدعاء إلى الله -عندهم- أمضى من ألف سيف في القتال، والناس ينتصرون بما في قلوبهم من إيمان وصدق وإخلاص قبل أن ينتصروا بالمعدات العسكرية والتجهيزات والتموينات والترفيهات.

    لقد كان القادة المسلمون يحرصون كل الحرص على تكثير هذا العنصر المبارك التقي النقي الخفي الذي تراه فارساً في النهار راهباً في الليل، يتلو كتاب الله لا يغفل عنه، وبأمثال هذه الأيادي المتوضئة والجباه الساجدة والقلوب الخاشعة، والعيون الدامعة، والأقدام المغبرة، فتح القادة البلاد وقلوب العباد، ويوم أن غاب هذا الصنف من الناس، وأصبح الغث منهم من أتباع لينين واستالين وغيفارا وكاسترو، حلت الهزائم بعد الهزائم ونكست الأمة، وسلبت الأرض، وانتهك العرض، ولا نصر للجيوش الإسلامية إلا بأمثال هؤلاء من فرسان الميدان .. من عباد الرحمن .. من حملة الإيمان .. ممن يدعون بالقرآن.

    عقبات في طريق الجيش الإسلامي

    وتحرك خالد بن الوليد يتقدم الجيش ليعبر بهم مساحة تزيد على ستمائة كيلو متر في الصيف الحار يحث المسير بالليل والنهار، ولا يستريح إلا قليلاً، ويجعل معظم مشيه بالليل؛ لأن الليل بارد، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يقطع بالليل ما لا يقطع بالنهار، وعند الصباح يحمد القوم السرى) والسرى هو: مشي الليل، ومر اليوم الأول فشربوا ما في أزوادهم من ماء، ومر اليوم الثاني فاعتصروا القرب، ومر اليوم الثالث فتناهبتهم رمال الصحراء وأشعة الشمس المحرقة، وأصبح الواحد منهم يبحث عن أدنى ظل تحت حجر أو عود شجر يضع فمه تحته ليرتشف الهواء البارد لعله يرطب فمه، وتساقط الجند، وأعياهم الظمأ، وأصبح أحدهم لا يرى ما أمامه، من رمد الصحراء، واحمرت الوجوه واسودت من لفح الهجير، وأصبح الظل تحت الحذاء، والشمس تصهر الحديد فوق الرءوس، وخالد بن الوليد على صهوة جواده يتلفت ذات اليمين وذات الشمال؛ لعله يجد بصيص أمل في أي قطرة من الماء أو قرية أو واحة، ولكنه لا يرى أمامه إلا الصحراء المترامية الأطراف، وعلى حدودها البعيدة بدأت تظهر الصخور السوداء التي تبشر أنهم على قرب من أرض الأردن أرض الشام .

    وهنا أخذ العطش منهم كل مأخذ، فأمر خالد ببقر بطون الإبل، فبقرت بطونها وعصرت كروشها وأخذ ما فيها من ماء، وسقيت الخيول منه حتى لا تموت، فالحصان في ذلك الوقت كان بمثابة الدبابة في زماننا هذا، عند ذلك استدعى خالد دليله، وقال: أشر عليَّ، وإذا بالدليل لا يرى شيئاً فقد أطبقت عيناه من رمد الصحراء، قال: أيها الأمير! مر جندك أن يبحثوا لي عن هضبتين، فأرسل خالد الجند وانطلقوا في الصحراء يبحثون عن هضبتين فوجدوهما تلتين بارزتين في الصحراء، ولما عادوا قالوا: وجدناهما أيها الأمير! فقال الدليل: انظروا بين الهضبتين تجدوا شجرة صغيرة من الطلح، فذهبوا ينظرون فما وجدوا شيئاً، ثم عادوا وقالوا: ما وجدنا أثراً لشجر، قال: بلى ورب الكعبة فقد مررت أنا وأبي هنا وعمري سبع سنوات -بين هاتين الهضبتين- وكانت هناك شجرة طلح، عودوا واحفروا في منتصف الهضبتين، فذهبوا وحفروا فظهر جذرها، وقد اقتطعت من الجفاف، فقال: احفروا تحتها، فحفروا تحتها وإذا بهم يجدون تحتها بحراً من الماء يجري تحت الأرض؛ ففرحوا! ودبت فيهم الحياة، وأخذوا يحركون مجراه حتى امتلأ الحوض، فسقوا إبلهم وشربوا واحتملوا منه، ودبت فيهم الروح من جديد، وأكلوا وطبخوا واستراحوا، وصدق الله: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30] وانطلق الجيش في اليوم الرابع، وانحدر خالد بن الوليد بجيشه خلف جيش أبي عبيدة.

    اعتراض القلعة الرومية لجيش خالد

    لما كان خالد في طريقه اعترضته قلعة من القلاع الرومية على أرض الشام ، وتحصن أهلها، وركبوا على البروج ينظرون وهم يفتخرون بأسوارهم الشامخة، فوقف خالد يصرخ عليهم بأعلى صوته: [يا أصحاب القلعة! افتحوا قلعتكم فوالله لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو أنزلكم الله إلينا، ثم قال: أيها الجند! إني أرى رجالاً لا خبرة لهم بالقتال] لأنهم يظهرون بكل أجسادهم على سطوح القلعة، فقال: [اضربوهم بفوج من النبال وتحروا العيون] فقذفوهم بأول فوج؛ ففقأت في الحال ألف عين، وتصارخوا وتساقطوا وجروا إلى باب القلعة يفتحونه يرفعون راية بيضاء؛ لكي يتصالحوا مع خالد رضي الله عنه، وسميت هذه المعركة بمعركة ألف عين.

    وفتحت القلعة واستبشر خالد خيراً، وانحدر بجنوده وفي طريقه يفتح القرى والقلاع والمدن حتى وصل إلى جيش أبي عبيدة عامر بن الجراح، واجتمع معه واحتضنه والتزمه وقدم إليه كتاب أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، واستمر خالد بن الوليد في معاركه بعد أن قدم الاحترام إلى أبي عبيدة، وسأله أن يعطيه الإمارة؛ لأن خبرة خالد العسكرية لا تضاهيها خبرة، وأبو عبيدة يعترف له بذلك، فخاض معهم معركة أجنادين ومعارك كثيرة دوخ فيها الروم، وفتحت حمص وكثير من قرى ومدن الشام في سوريا، ولكن جاءت المعركة الفاصلة بعد أن تقدم أبو عبيدة إلى أهل حمص ، واصطلح معهم وأخذ منهم الجزية، ووضعها في خزائن المسلمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088520994

    عدد مرات الحفظ

    777095033