إسلام ويب

ما المخرج ؟للشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تكلم الشيخ حفظه الله عن الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، كما تحدث عن ماضي الأمة الإسلامية المشرق، وواقعنا المعاصر المظلم، ثم بين الأسباب التي يمكن من خلالها أن تعود الأمة إلى مجدها وعزها.
    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على رسول الله الذي بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما دام الليل والنهار.

    أيها المؤمنون: تعيش الأمة الإسلامية إحباطاً ويأساً وهي ترى عدوها الكافر منتجاً ومصنِّعاً ومنظَّماً، وتنظر إلى نفسها وهي في شتاتٍ وفُرقةٍ وتخلف، فهل هذه هي النهاية؟! وهل هذا هو الفصل الأخير في حياة الأمة؟! وما هو المخرج من ذلك؟

    أقول: لا يوجد في العالم حضارة عرفها الإنسان كحضارة الإسلام، شهد بذلك الشرق والغرب، الصديق والعدو؛ حتى قال غوستاف لوبون: ما عرف العالم مُصْلِحاً ولا فاتحاً أحلم ولا أعدل من المسلمين!

    كيف كنا في فجر الرسالة؟! كيف حالنا يوم كنا خير أمة أخرجت للناس؟! من الذي زكانا؟! يقول الله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، كنتم خير أمة عرفها الدهر، وصوتت لها الأيام، وكتب لها التاريخ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

    أنا أذكر لكم ثلاثة نماذج من صدر الإسلام، من خير أمة أخرجت للناس، ثم اسأل التاريخ الشرقي والغربي؛ تاريخ اليونان، والرومان، والفرس، والأمريكان، وقل لهم: هل عندكم مثل هذه النماذج؟!

    بالله عليكم، وتالله عليكم، وأسألكم بالله! هل في العالم حاكمٌ وإمام يكشف القميص عن جسده أمام رعيته على المنبر وهو يقول: (اقتصوا مني اليوم، قبل ألا يكون درهمٌ ولا دينار، اقتصوا مني قبل يوم القيامة)، من الذي قال ذلك؟

    محمد عليه الصلاة والسلام الذي أعلن في عرفة وقال: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى).

    محمدٌ عليه الصلاة والسلام الذي أعلن حقوق الإنسان، وكرامته ومكانته، يقول يوم النحر: ( كل دمٍ من دماء الجاهلية تحت قدمي هذا موضوع -سلمت قدمك- كل ربا من أموال الجاهلية تحت قدمي هذا موضوع -سلمت قدمك-).

    وأسألكم بالله هل في العالم رجلٌ إمامٌ حاكمٌ يحكم عشرين دولة، يذهب إلى بيت عجوز -كما روى أهل العلم بأسانيد صحيحة- فيكنس بيتها، ويصنع طعامها، ويغسل ملابسها. من هو؟ إنه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.

    انقلوا هذه الأخبار إلى العالم، وقد اعترف بها الكثير من الغربيين، كـكيريسي موريسون، وغوستاف لوبون، وغيرهم من مؤرخي الغرب.

    هذا نموذج لـأبي بكر الذي يبكي على المنبر ويقول: [قوموني أيها الناس].

    وأسألكم بالله! هل في العالم إمام وحاكم يلبس المرقَّع وهو يحكم من طنجة إلى مشارف كابول، كان على المنبر، وبطنه يقرقر من الجوع بين الخطبتين فيقول: [قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين] من هو؟ إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

    يا من يرى عمراً تكسوه بردتُه     والزيت أُدمٌ له والكوخ مأواهُ

    يهتز كسرى على كرسيه فرقاً     من خوفه وملوك الروم تخشاهُ

    كيف كنا؟! وكيف صرنا؟! انظروا لأمسنا المشرق، وليومنا المظلم، ماذا حل بنا؟! لماذا تخلفنا وصرنا في آخر الركب؟! كنا في مشرق تاريخ الأيام في قيادة الركب، لماذا؟! لأنا اعتززنا واحتمينا بالإسلام، لأنا انتصرنا بالواحد الأحد، فنَصَرَنا جل في علاه.

    ذهب عمر رضي الله تعالى عنه يستلم مفاتيح بيت المقدس ، عليه ثيابٌ ممزقة، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه: [البس يا أمير المؤمنين لباساً لائقاً، فإن النصارى سوف يشاهدونك -وقد دوخ الدنيا- قال: لا. نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله].

    فلما اعتز بعض المسلمين بغير الدين أذلهم الله، فعاشوا الذل والمسكنة والتخلف، ورضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وانتهوا من قيادة البشرية.

    والنماذج كثيرة، وأقف على نموذجٍ لمسلمٍ فقير يعتز بإسلامه وبإيمانه، وأنا أقرأ مذكرة لأحد السائحين يصف شاباً ملتزماً بدينه قوياً بإيمانه، ذهب إلى بريطانيا ليدرس، فسكن مع عائلةٍ إنجليزية، فكان إذا حانت صلاة الفجر قام في جوهم البارد القارس إلى الصنبور فتوضأ وصلى، فتقول له عجوزٌ إنجليزية: لو نمتَ في هذه الساعة، البرد قارس، والماء بارد! قال: لا. إن ديني يأمرني أن أصلي في هذا الوقت، فعلَّقَت بكلمة، وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد.

    الأمة يوم تخلفت عن المسجد والمصحف.. هُزِمَت في ميادين الحياة.. والصناعة.. والعسكرية.. والتربية، من خان حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، يخون حيَّ على الكفاح.

    هذا فقيرٌ مسلم كان مجاهداً في جيش القادسية ، قادسية (لا إله إلا الله)، دخل على قائد الفرس رستم بثيابٍ ممزقة، ورمحٍ مثلم، فقال رستم : أيها العرب أما تأدبتم؟! -لأن فارس دولة عظيمة، والعرب عندهم أوباش وقبائل متناثرة- ما لكم؟! تجاوزتم طوركم؟! أتيتم تقاتلون دولة فارس؟! [قال ربعي : يا أيها الوزير! إن الله تعالى ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام] فصارت هذه الكلمة رائدة وافية يعتز بها كل مسلم: الله ابتعثنا، نحن أمة خرجت للناس مبْتَعَثَة مرشَّحة لقيادة البشرية، فالواجب أن نكون نحن أكثر الناس تقدماً في الدنيا والدين، جمالاً، وعقلاً، وثقافةً، وعلماً؛ ولكن متى؟!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530912

    عدد مرات الحفظ

    777158858