إسلام ويب

علامات الساعة المتبقية[2]للشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • البعث نبأ أزعج الكفرة؛ لأن بعده الجزاء والحساب، وقد غيب الله علم الساعة لحكم جليلة ولكن وضع له علامات تدل على قرب وقوعه؛ ليتأهب المرء لذلك اليوم بالعمل الصالح المستمر، وفي هذه المادة كلامٌ نفيس عن الساعة وعلاماتها الكبرى.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعد:

    فإن نبأ البعث والقيام من القبور للجزاء والحساب والمؤاخذة نبأٌ أزعج الكفرة، وزلزل كيان قلوبهم؛ لأنهم لا يريدون أن يسمعوا بهذا الخبر، يريدونها حياةً متفلتةً من الضوابط والقيود، والمؤاخذة والمسئولية، يريدون أن يعيشوا في هذه الدنيا عيشة البهائم والحيوانات ويتنافسون في الشهوات، ويستغرقون في الملذات، ثم يموتون كما تموت الحمير والبقر ولا يبعثون ولا يسألون ولا يؤاخذون، هذه إرادتهم وهذا منتهى آمالهم، ولكن إرادة الله عز وجل وحكمته في الخلق اقتضت غير ذلك.

    فالإنسان ليس حيواناً ولا بهيمة، الإنسان مخلوقٌ مكرم خلقه الله عز وجل لغاية ولحكمة أكبر من حكمة الأكل والشرب، والشهوات والملذات؛ خلقه الله عز وجل لأرفع عمل وأقدس رسالة ألا وهي العبادة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وهذا معنى التكريم الذي يقول الله عز وجل فيه: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] والذي يقول عز وجل فيه: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18].

    إرادة الله عز وجل اقتضت إعطاء هذا الإنسان نوعية خاصة من بين سائر المخلوقات ألا وهي الإرادة، لم يجعله الله إنساناً آلياً يعبد الله بغير إرادة ولا اختيار، بل منحه القدرة وأعطاه الاختيار على أن يسلك طريق الإيمان، أو أن يسلك طريق الجحيم والكفر والنيران -والعياذ بالله- ووعده إن أطاعه بالجنة، وتوعده إن عصاه بالنار، وجعل لهذا الفصل ولهذا الامتحان موعداً، وضرب له أجلاً، ألا وهو يوم القيامة، ويوم القيامة هو اليوم الذي حدده الله عز وجل ليكون موعداً لفصل القضاء بين الناس، ومحاسبتهم على ضوء أعمالهم، ومجازاتهم على سلوكهم.

    الحكمة من جعل موعد البعث والموت غيباً

    وقد غيب الله علم هذا اليوم عن الناس لحكمة عظيمة، وهذه الحكمة هي أن يكون الإنسان متأهباً باستمرار؛ حتى إذا فاجأه شيء من أحداث القيامة يكون مستعداً، كما غيب الله عز وجل عن الإنسان موعد الموت، فهل يدري أحد متى يموت؟ لا يدري، ولهذا يقول الله: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34] لا يستطيع أحد أن يحدد ماذا يحصل له في الغد، أو متى يموت، أو في أي وقت، أو في أي زمانٍ ومكان، وقد غيب الله علم الموت عن الإنسان ليكون متأهباً باستمرار، إذا أتى الموت وإذا به حاضر.

    لكن لو علم موعد الموت لأمكن للإنسان أن يتفلت وأن يكفر وأن يشرد عن الله، وقبل الموت بأسبوع أو أسبوعين يتوب، وبالتالي ما تحققت الحكمة من العبادة، وسيبقى الناس كلهم كفرة وقبل شهر أو شهرين يتوبون وهل تعمر الأرض بالطاعة إذا عُلم الموت؟ لا.

    إذاً: غيب علم الموت وقيل للناس اعبدوا ربكم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال لهم: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] أي: حتى يأتيك الموت.

    وهذه الساعة ظل الكفار يتساءلون عن خبرها، وقال فيهم ربنا عز وجل: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1] أي: عن أي شيء يتساءلون ويخوضون؟ عن الحقيقة الكبرى التي يتجاهلونها ويعرضون عنها، ويسفهون حلم من قال بها رغم أدلتها القاطعة، وبياناتها الساطعة، ورغم آثار الله وقدرته في الأرض، فخلق الإنسان دليل على البعث فالله يقول: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر:57].. مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28].

    فيقول ربنا جل وعلا: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1] عن أي شيء يسألون ويتساءلون وهم ما بين مكذب ومصدق وظان وشاك؟: عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ [النبأ:2] الذي يستوجب منهم التصديق لعظمته؛ ولأن أمر البعث عظيم جداً، إذ بدون البعث لا يستقيم سلوك الناس في هذه الحياة: عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ [النبأ:2-4] (كلا) أداة زجر وردع وتوبيخ: ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ [النبأ:5] والتكرار للتأكيد.

    الأدلة على حقيقة البعث والنشور في سورة النبأ

    بدأ ربنا تبارك وتعالى في جولة أرضية وجولة سماوية بالتقرير على مبدأ البعث فقال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً [النبأ:6] ألم نمهدها ونهيئها من أجل استقبالكم للعيش عليها ولبلوغكم سن التكليف، ثم بلوغكم آيات الشرع وأحكام الشرع، ثم قيام الحجة عليكم؟: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً [النبأ:6-10] وليس هذا وقت تفسير لبعض هذه الآيات وأسرارها، لكني أوردتها للدلالة على أمر البعث وأنه كائن لا محالة، ثم بعد ذلك قال عز وجل: وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً [النبأ:13] بعد الجولة الأرضية جولة في الملأ الأعلى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً [النبأ:14] المعصرات: أي: السحب لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً [النبأ:15-16] كل هذا لماذا؟ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً [النبأ:17] عملنا هذا من أجل يوم الفصل فإنه كان ميقاتاً مضروباً، وموعداً معلوماً لفصل القضاء، وسمي يوم الفصل لأنه يفصل بين الخلائق، يفصل بينهم ويقسمون إلى فريقين: فريق: أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- إلى الجنة، وفريق: أهل الكفر والمعاصي والنفاق -نعوذ بالله جميعاً منهم- إلى النار.

    إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً [النبأ:17] وكأن قائلاً يقول: يا ربِّ متى هذا اليوم؟: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً [النبأ:18] لا يستطيع أن يتخلف أحد عن هذا المجيء؛ لأن الله يقول: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] لا يخفى من الناس أحد على الله عز وجل، يحضرون كلهم من آدم إلى آخر واحد يموت: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً [النبأ:18-19] لنزول الملائكة: وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً [النبأ:20-22] الطاغين: أهل الطغيان الذين طغوا وبغوا وتجاوزا الحدود، طغوا على أوامر الله، وطغوا على عباد الله، وطغوا على أنفسهم؛ لأن الطغيان ضلال وهلاك في الدنيا والآخرة، لِلطَّاغِينَ مَآباً ومصيراً: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً [النبأ:23-25] وانظرا إلى التعبير بالحميم بعد البرد، قال الله لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً [النبأ:24] يقول العلماء: (برداً) يحمل معنيين: نوماً، وقيل شراباً بارداً؛ ولكن ليس شراباً ولا برداً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً [النبأ:25] والحميم هو الماء الذي بلغت درجة غليانه أقصى درجة، وتصور أنك عندما تكون وعطشان في مدينة من المدن الحارة ثم قدم لك ماء يفور فتشربه فيزيدك ناراً، لكن لو قدم لك ماء بارداً يبرد جوفك لكان ذلك حسناً، ولهذا يطلب أهل النار من أهل الجنة: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50].

    أمر البعث أيها الإخوة! شيء لا محالة من وقوعه، وله علامات، وقد ذكرنا في الماضي بعض العلامات وسوف نختم هذه الليلة ذكرها، وذكرنا في الأسبوع الماضي في خميس مشيط اثنتين من علامات الساعة الكبرى التي تأتي قبل حدوث الساعة مباشرةً، يسمونها الآيات العشر العظام، التي إذا وقعت فلن يكون هناك شيء إلا الساعة بعدها، وإذا وقعت الأولى تتابعت كنظام، أي: كمسبحة أو عقد انقطع فتتابعت خرزاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088798697

    عدد مرات الحفظ

    779108732