إسلام ويب

الشباب مسئولية من؟للشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بدأ الشيخ هذا الدرس بمقدمة عن أهمية الشباب في بناء الأمم وسقوطها، مبيناً بعض أحوال الشباب في مجتمعاتهم، ثم بدأ يستعرض بعض المؤثرات التي لها دور في إصلاح الشباب أو إفسادهم، مركزاً على دور الأب والأم في تربية الأبناء، وذكر بعض الأمثلة، ثم تكلم عن دور المدرسة الحاضن الثاني للأبناء مبيناً ضعف جانب التربية فيها، وتكلم عن حال الطلاب مع محيط المدرسة من مدرسين ومناهج ونظام. ثم تكلم عن المناهج وخصها بالذكر لأهميتها ودورها في صياغة فكر الطلاب، ثم ذكر نبذة عن الشباب المنحرف، وبين أسباب فساد الشباب في هذا الزمان والمتمثلة في ضعف التربية وفساد وسائل التوجيه العامة من إعلام وغيره.

    1.   

    أهمية الشباب في بناء الأمم أو سقوطها

    الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على خير خلق الله أجمعين، محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    إنه بقدر اتساع مشاكل الشباب، وهمومهم، وواجباتهم، وكذلك بقدر واجبنا نحوهم؛ يكون موضوع (مسئولية الشباب) موضوعاً واسعاً جداً، لا يمكن بأي حالٍ أن يستوعبه كلام عابر في لقاء محدود؛ بل يجب أن يكون قضية عامة في أي مجلس، وأن تخصص لـه مراكز وأجهزة ومؤسسات لدراسته؛ ولا سيما في هذا العصر المعقد.

    زيادة الشباب في أمتنا الإسلامية وقلتهم في الغرب

    إن أولى البشائر التي نبشر بها إخواننا الشباب، أن هذه الأمة أمةٌ شابة في جملتها وفي مجموع حياتها؛ ثم إنها أمة شابة في واقعها الذي تعيشه الآن وفي هذه الظروف، فأكثر أمم الأرض شباباً هي الأمة الإسلامية والحمد لله.

    كانت أكثر الأمم عدداً في أوائل هذا القرن هي أمم الغرب، فقد كانت دول الغرب تعد بعشرات الملايين؛ في حين كانت بعض الدول الإسلامية مثل: مصر -قبل مائة سنة- كانت خمسة أو ستة ملايين فقط، بينما كانت بريطانيا تزيد على 20 مليوناً، وكذلك فرنسا وأمثالها.

    فكانت أمم الغرب أكثر أمم الأرض شباباً، ولكن من حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن أترف هؤلاء في الحياة الدنيا، وأعطاهم زينة ومتاعاً يستدرجهم به، ويمهلهم حتى يأتي اليوم الذي يأخذهم فيه أخذ عزيز مقتدر.

    لقد جاء الوقت الذي اشتغلت فيه هذه الأمم بلذاتها وشهواتها من جهة، ومن جهة أخرى استفاقت أمتنا -والحمد لله- واستيقظت، والعوامل في ذلك كثيرة - عوامل انحدار أولئك، وعوامل إفاقة هذه الأمة- لا مجال لعرضها، وهناك عوامل أوسع وأعم من عوامل الانحدار أو الإفاقة، وهي عوامل بشرية بحتة.

    فهذه العوامل بجملتها أدت إلى أن تصبح الأمة الإسلامية هي -والحمد لله- أكثر أمم الأرض شباباً؛ ولو أخذنا مثالاً على ذلك تركيا -مثلاً- سكانها الآن أكثر من 70 مليوناً، نسبة الشباب فيهم عالية جداً، لا تكاد تقارن هذه النسبة لو قارناها بـألمانيا وتركيا، فهما أكثر دولتين بينهما نوع من العلاقة العمالية وما أشبه ذلك؛ حتى إن ألمانيا لما أرادت أن تضع إعانات لزيادة عدد السكان كان أكثر من حصل على هذه الإعانات هم العمال الأتراك، الذين يعملون في ألمانيا.

    إذن نحن أمام خير كثير -والحمد لله- فالأمة شابة، نحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها؛ لكن هذا يستتبع مشكلات ومسؤوليات وتبعات كثيرة جداً، فمن يربي هؤلاء الشباب ومن يوجههم ويقومهم؟

    قبْل أيام قليلة فقط أصدرت الأمم المتحدة بياناً عن الإحصاء العام للعالم، وذكرت أنه في نهاية عام (2000م) سيصبح عدد المسلمين (ألف وستمائة مليون).

    أحوال المجتمع وواجبه تجاه الشباب

    إننا لو افترضنا أن الشباب فقط (ستمائة مليون) معنى هذا أن الشباب المسلم وحده سوف يكون أكثر من عدد سكان أوروبا بشيوخها وشبابها وصغيرها وكبيرها، وهذا يستتبع مسئولية عظيمة جداً؛ فهم يخافون منا، ونحن إلى الآن لم ندرك قيمتنا، ولم نعرف واجبنا، ولم نضع نوعاً من الأسس العامة لتربية هذا الشباب واحتضانه؛ بل إن أكثر ما عندنا من توجيه للشباب هو: لوم هؤلاء الشباب، فإن تحدثنا عن الشباب فباللوم، فالشباب المنحرف يلام من الدعاة ومن الشباب المستقيمين؛ ومن الوعاظ، والخطباء، ومن رجال الأمن، ومن كل من يهمه صلاح المجتمع، ومن كل من يصطلي بنار الفساد والانحراف الذي يأتي من قبل هؤلاء الشباب، فنجد اللوم الشديد لهم، وهذا الكلام هو بالنسبة إلى الشباب المنحرف، وأما الشباب المستقيم، فإنه يذم ويطعن فيه، ويتهم بالتهم التي لا تخفى على أمثالكم.

    إذاً فعماد الأمة، وقوام وجودها، وأساس نهضتها -بإذن الله تبارك وتعالى- هم الشباب المستقيم، فكيف توجه إليهم التهم من كل مكان؟!

    فإن تعرض متعرض أو متحدث لواقع الشباب، فأول ما ينصرف إلى أن الشباب لا يقدرون المسئولية، والشباب لا يقوم بواجباته، ويعزف عن الأعمال الضرورية للأمة والمجتمع إلى أعمال أخرى، ويضيع أوقاته و.. وهكذا؛ لكن أين البديل؟

    أين ما خُطِّط له ليكون هذا الشباب كما نريد من الاستقامة؟

    وكما يريد الله تبارك وتعالى لـه؟

    نحن نعيش في هذا الوضع الحرج الصعب، وحال شبابنا أشبه ما يكون بقول القائل:

    ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

    1.   

    غياب دور الأب والأم في تربية الأبناء

    فماذا فعل الأب؟

    وماذا فعلت الأم؟

    بل ماذا فعلت المدرسة؟

    وماذا فعلت وسائل الإعلام والصحافة؟

    وماذا فعل المسجد؟

    فلو اختبرنا هذه العناصر الأساسية في بناء الشباب وتربيته وتوجيهه؛ لوجدنا التقصير الشديد في حق هؤلاء الشباب، وقد يطول المقام لو ضربنا الأمثلة على هذه كلها؛ أما الآباء فأجزم جزماً -وعندي الأمثلة والأدلة عليه- أن بعضهم لا يدري عن ابنه أين ينام؟

    وأين يذهب؟

    ومن أين يأكل؟

    ومن أين يأخذ مصروفه؟

    بل بعضهم لا يدري في أية سنة يدْرس أبناؤه! وحصلت أمثلة كثيرة من ذلك.

    فقد حدثني أحد مديري المدارس في الثانوية: أنه أرسل إلى أحد الآباء يطلب منه الحضور لمعالجة وضع ابن لـه، وهذا الابن طالب في الأولى الثانوية؛ قال: فتأخر الأب فقال لـه: لماذا تأخرت؟

    قال الأب: ذهبت إلى المتوسطة، فقد كنت أظن أن ابني في الثالثة المتوسطة، فذهب إلى المتوسطة وهي في حي بعيد، وقال للمدير: طلبتموني فجئت، فقال له المدير: ما طلبناك، قال: بل فعلتم وأنا أبو فلان، فقال له المدير: سامحك الله؛ إن ابنك تخرج العام الماضي، فاذهب وابحث عنه في أية ثانوية ففكر الأب واتصل بالأم، ثم بحث عنه فوجده في مدرسة أخرى.

    وهذا الموقف هو واحد من نماذج كثيرة، تبين أن الأب لا يدري شيئاً عن ولده، وبعض الآباء يقولون: شباب اليوم خائب، وليس فيه خير، وشباب اليوم كذا... وينسون واجبهم هم.

    إن مثل هذا النموذج قد يكون كثيراً، وإن التقصير أيضاً كثير، وإن عقوق الآباء للأبناء موجود، وكذلك الأم، فكثير من الأمهات يهمها حضور الحفلات والزيارات والتسوق والتجول، وتذهب هنا وهناك، ولا تدري عن أبنائها أو حتى عن بناتها شيئاً، والخادمات هن اللاتي يتولين تربية الأبناء، ولهذا فإن هناك من المفاسد والأضرار ما لا يتسع لـه المقام، قد حدثت كثيراً حتى من ناحية الصلة المعنوية والإحساس والشعور النفسي.

    ولا بد أن كثيراً منكم قد سمع عن هذه الأسر: عندما سافرت الخادمة، بكى الأبناء بكاءً مراً، وهم يودعونها إلى المطار؛ والأم تسافر في العطلة، وتذهب أينما تشاء، ولا يبكي أحد من أبنائها.. لماذا؟

    لأن الطفل يبكي على الحنان الذي سيفقده، وأما الحنان الذي لم يره ولم يشعر به فلا يبكي عليه؛ إنما يبكي على هذه التي عطفت وشفقت عليه، وحملته وربته وأرضعته.

    إذاً: فالذي قام بهذه التربية هن أولئك مع أن فيهن ما فيهن، فمنهن التي ليست بمسلمة أصلاً، ومنهن التي لا تعرف من دينها شيئاً، ومنهن التي لو كانت عابدة تقية فأقل ما يمكن أن يتربى عليه الطفل أنه يتربى على لغتها وعلى مفاهيمها؛ وأمه تلك التي قد تكون عاملة أو مثقفة، لم يستفد ولم ينل من ثقافتها شيئاً.

    إذاً: فنحن أضعنا البيت؛ الأم والأب أضاعوا الشباب، وهذه إيماءة أو إشارة إلى ما وراءها، ولا يخفى عليكم ما بعد ذلك.

    1.   

    دور المدرسة في تربية الأجيال

    لو نظرنا إلى المدرسة فإننا نجد أن العدل والإنصاف يقتضي منا أن نقول: إن الشباب مظلوم في المدرسة؛ نعم!

    كثير من الشباب لا يقبل التوجيه، وكثير من المدارس والمدرسين فيهم من الخير ما فيهم، لكن يبقى للشباب حق، وأنه يحتاج إلى صوت يقول لهؤلاء: أنا مظلوم وأنا لم أنل حقي الذي يجب عليكم شرعاً أن تعطوني إياه، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).

    وهذا النص وهذا الكلام هو من جوامع كلمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي أوتيها، ولو جمعنا كل علماء القانون والتربية والاجتماع وعلم النفس، وكل هؤلاء الذين يبحثون ويضيعون الأعمار في تأصيل مسئولية الأمة وأجهزتها تجاه ما عليها من الحقوق، لم نصل أبداً إلى مثل هذا النص الجامع الصريح الواضح: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، ابتداءً بالإمام فهو راع للأمة ومسؤول عنها كما قال عمر -رضي الله عنه-: [[لو أن بغلة تعثرت في العراق لسئل عنها عمر]] وانتهاء بالزوجة وفي رواية: بالعبد الرقيق الذي هو راعٍ في مال سيده وهو مسئول عن رعيته.

    إنَّ الأحكام يشترط لمن يؤديها أن يكون حراً ذكراً بالغاً أما العبد فقد سقطت عنه كثير من الأحكام والواجبات؛ ومع ذلك فإن مسؤوليته لا تسقط أبداً مع أنه أقل عضو أو عنصر في الأمة.

    إذاً، لو نظرنا أو تأملنا المدرسة لوجدنا أن هناك خللاً كبيراً في التربية، ولا يتسع المجال هنا لتفصيله؛ من حيث تعامل المدرسين، ومن حيث المناهج، ومن حيث الأسلوب العلمي أو الطريقة التي تمكن للنظام أو المنهاج العام غير المنهج الدراسي.

    فنحن نعيش الآن -كما ترون- كثيراً من آثار هذا التذبذب وهذا الاقتراب، أما من حيث المدرس؛ فالمدرس: إما أن يكون نموذجاً للجيل الضائع -جيل الطفرة الذي لم يتربَّ ولم يعرف كيف يسير في هذه الحياة- وُكِّل إليه أبناء وهو لا يحسن تربية نفسه فضلاً عن أن يحسن تربيتهم؛ وإما أن يكون لديه جانب علمي جيد، ولكنه ليس لديه جانب تربوي؛ فكيف يعطي؟!

    وكيف يبلغ هذا العلم؟!

    فليس الحل هو المواد التربوية التي يزعمونها، فهذه مواد في الحقيقة هي: فلسفة التربية أو هي عبارة عن فلسفة غربية للتربية، وليست هي التربية النبوية التي يجب أن تكون عليها الأمة، إلا ما عُدِّل وما يحاول أن يعدَّل، ففيها شيء من ذلك.

    وإن كان المدرس ناجحاً مستكملاً للشروط؛ فإن مدرسين آخرين يخذلونه في واجبه، فما يرتقه يفتقونه، وما يصلحه يفسدونه، بالإضافة إلى المفسدات أو العوامل الأخرى المثبطة في المدرسة، فالأمة تحتاج إلى تكامل، وهذا واقع نراه جميعاً في هذا الميدان وحده في مدارسنا أو في كثير منها.

    فساد مناهج التربية في المدرسة وتناقضها

    إن نظرنا إلى المناهج؛ فسبحان الله! إن العقل البشري فطره الله تعالى على الانضباط، وجعل الفطرة لا تتناقض معه، ولهذا لو نظرنا إلى كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يخاطب الفطر، ويخاطب العقول أَلَّا تتناقض، فمثلاً: خطابه للمشركين كيف تعرفون وتقرون: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف:87]، فكيف تتناقضون، وتقولون: إنَّ الله هو الخالق ثم تعبدون غيره، وهذا كثير جداً؟!

    إذاً: هذه هي أهم قضية وهي قضية التوحيد؛ فنجد القرآن دائماً لا يخاطب النفس بمنهج مضطرب؛ لأنها ترفض التناقض، لكننا نجد مناهجنا متناقضة، ففي مادة التوحيد يدرس الطالب أن هذا من الشرك، ويدرس في الحديث أو في مادة الثقافة أن دين الإسلام دين شامل كامل... إلى آخره -وهذا حق-.

    ثم تأتي مادة أخرى كمادة الاجتماع أو الأدب أو غير ذلك -فتصنف بعض العلوم، أو بعض المجالات والميادين على أنها خارجة عن نطاق الإسلام وعن نطاق الدين؛ فيقرأ الطالب حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً في مادة الحديث كقوله: {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} أو حديث: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت} إلى آخره -وهذه أشياء بدهية- ويجده يقرأ في مادة الأدب قطعة تحتوي موضوعاً عن الهجاء، أو موضوعاً عن الغزل -من أوله إلى آخره- وأنواعه، ومن الذين بلغوا القمة فيه؟ فيكون فيه القذف، وفيه الكذب، الافتراء، وفيه ما فيه مما يخالف ما قرأه في المادة الأخرى.. وهكذا.

    وهذا غير التناقض الذي نجده في مواد أخرى مثل الذي نجده بين العقيدة والتاريخ، فيدْرُس في العقيدة أن الباطنية فرقة هدامة كافرة ومرتدة -هذا إن درسها- وقد ألغيت المادة التي تتعلق بهذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يَدْرُس في التاريخ أن العبيديين أو الفاطميين لهم حضارة، ولهم ولهم... من الأمجاد الكثيرة، وربما ترفق صور للقباب التي بنوها، والضرائح التي عملوها، وهذه من الشرك؛ لأنها تخالف ما تقرر في التوحيد، وهكذا يتناقض الشباب، ولا يدري كيف يفكر، ومن أين يأخذ، فأقل ما في هذه المناهج أن يعيش الطالب وقد استقر في ذهنه هذا الانفصال الكبير، بين حقائق إيمانية دينية وبين أمور أخرى قد تكون علمية؛ كما تسمى وتصنف لهم.

    شمولية المنهج التعليمي في الإسلام

    نأتي إلى موضوع المنهج العام للأمة الذي يجب أن تسير عليه في تعليمها، فنحن -والحمد لله- الأمة التي علمت العالم، والأمة التي علمت الدنيا كلها.

    فهذا تاريخ الحضارات الموجود أمامنا، وما عرفت الدنيا كلها تعليماً عالمياً أبداً، ولا حضارة عالميةً أبداً إلا بالإسلام ومن المسلمين؛ فكل الحضارات الماضية -الرومانية واليونانية- كلها حضارات محلية محدودة، لم تكن تفكر تفكيراً عالمياً، ولم تعط نظرة تربوية عالمية أبداً، فجاءت هذه الأمة، بهذه الحضارة التي انبثقت من خلال أمة تؤمن بالله واليوم الآخر، ونظرها أبعد من هذا العالم؛ لأنها تؤمن بالآخرة التي هي المجال الرحب والواسع جداً، أما هذه الدنيا فقد استوعبتها، وكل أنواع ووسائل التعليم وطرائقه وأساليب التلقين، قد دُرِست وهضمت في هذه الأمة -والحمد لله- وكُتب عنها المؤلفات.

    أما أوروبا، ويؤسفنا أننا نضطر أن نقارن دائماً؛ لكن واقعنا هو أن الفكر الغربي يسيطر على أكثر أمور حياتنا ومناهجها؛ فنضطر أن نقارن هذه الأمة بأوروبا التي مرّ عليها أكثر من ستة قرون لم يؤلف فيها كتاب واحد، في أي علم وفي أي فن، ولا حتى وريقات؛ في الوقت الذي كان في هذه الأمة يؤلف بعض علمائها (200) كتاب أو (300) أو أكثر.

    ومن ذلك ما يتعلق بتربية الإنسان وبتربية الشاب منذ أن يولد؛ بل من قبل ذلك -والحمد لله- من الزواج، فقد علَّمنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف نختار، ثم علَّمنا العشرة مع الزوجة، ثم علَّمنا أول ما يولد الطفل ماذا نفعل، إلى أن يربى وإلى أن يكبر، فهناك منهج مرسوم وواضح.

    ومن الناحية العملية رسم لنا علماؤنا منهجاً عجيباً فريداً جداً لا نظير لـه في الدنيا، ويكفينا أن نعلم أن خيرة علماء الأمة وحفاظها تصدروا للتعليم والتدريس والإفتاء، وبعضهم دون العشرين، وبعضهم قريب من العشرين، فكيف وصل هؤلاء؟ ابتداءً من عبد الله بن عباس ونظرائه من الصحابة، وانتهاءً بالإمام مالك والشافعي وأحمد وغيرهم؛ ففي سن مبكرة يصبح اسم هذا العالم يتردد في جنبات الدنيا شرقاً وغرباً، رغم أنه كانت وسائل الإعلام محدودة جداً، فكيف حصل هذا؟!

    نحن الآن يدرس الطالب (18سنة)، وتأتي إليه وهو شبه أمي! (6 سنوات) مرحلة ابتدائية و(6 سنوات) مرحلة متوسطة وثانوية، فهذه (12 سنة)، وبعد ذلك يأخذ (4 سنوات) في الجامعة -وبعضهم لا يكتفي بالأربع، فالذي يتخرج الآن من الجامعة بعد (4 سنوات) يعد مجتهداً أو مثالياً، وكذلك قد يكمل البعض أكثر من ذلك (18 - 20 سنة) حتى يتخرج مع من يرسب ومع من يعيد؛ فتجده يكاد أن يكون أمياً ما أتقن شيئاً؛ وهذا خلل كبير في المناهج وخلل في أسلوب التعليم، إذن فهذا حال الشباب في المدرسة.

    1.   

    دور المجتمع في إصلاح الشباب

    وعندما ننتقل إلى المسجد فماذا نجد؟

    فالخطباء والدعاة أكثر ما يتكلمون -كما أشرت- إلى عيوب الشباب، وذنوبهم الشباب، وأخطائهم؛ بل ربما قد تكون كلمة المتحدث، أو موعظة الواعظ مما ينفر الشباب الذين يحضرون إلى المسجد؛ فضلاً عن الشباب الذين لم يدخلوا المسجد؛ فليس هناك نوع من الخطاب المدروس، وكيف يخاطب هؤلاء الشباب خطاباً مدروساً، ليعي واجبه، وليفقه حقيقته، وليعرف ما له وما عليه؟

    أما الشباب الذينهم خارج المسجد، فيكاد يكون أمرهم ساقطاً من حساب أهل المسجد ومن يأتون إليه، وعند خروجهم من المسجد سواءً كان ذلك بعد محاضرة فيها المئات منهم، أو كان ذلك بعد صلاة جمعة؛ قد يجدون أمام المسجد تجمعات من الشباب الذي لا يصلي فلا يؤبه لهم، ولا يخاطبون، وكأننا غير مسئولين عنهم، فأصبحت هذه ظاهرة عادية جداً؛ ولنأخذ مثالاً:

    صلاة المغرب التي يجتمع بها أكثر عدد من المصلين بالنسبة لبقية الفروض، وكما ترون يخرج الناس تباعاً، فيجدون كثيراً من تجمعات هؤلاء الشباب بجوار المسجد وفي الشارع، فلا يكلمون أحداً منهم، ولا ينظرون إلى أحد منهم أيضاً، ثم في النهاية نأتي ونلوم هؤلاء الشباب؛ فماذا قدمنا لهم؟

    ماذا عملنا لهم نحن المصلين أو الدعاة أو الخطباء أو الوعاظ؟

    لا شيء، بل ربما لم نفكر فيما يجب علينا نحوهم.

    1.   

    وسائل وأسباب انحراف الشباب

    فإذا انتقلنا إلى وسائل التوجيه العامة، نجد أنه يقصر التعبير عنها، إن قلنا: إنها لا توجه الشباب توجيهاًً صحيحاً، فهذا التعبير قاصر جداً عن الحقيقة، بل نقول: إنها توجهه توجيهاًً سيئاً ومنحرفاً إلا ما ندر أو قل؛ أما الصحافة فإن الشاب يشتري الجريدة، فيجد فيها أربع صفحات أو أكثر -أحياناً- ملحقاً كاملاً كله عن الرياضة؛ ففيها لهو ولعب، وأخبار عن النجوم والأبطال، فمن هم هؤلاء النجوم والأبطال؟

    علَّمنا شبابنا أن البطل هو بطل السينما، وأن النجم هو الممثل أو الممثلة وأن وأن...؛ فأصبح الشاب لا قضية له ولا هم له إلا هذه الأمور، وأكثر الشباب لا يشتري جرائد إلا لهذه الأمور، فإذا ترك هذه الأمور وهذا العفن أو نظر ومد بصره إلى الصفحات الأولى، فماذا يجد؟

    سيجد أخباراً وقضايا لا تهمه، ولا تعيشها أمته، ولا علاقة له بها.

    ثم بعد ذلك نقول: الشباب مقصر، الشباب يقترف الإجرام، ونجد أكثر من عصابة من الشباب، وعندما حُقِّق مع عصابات سرقات أو مخدرات، اعترفت أنها رأت هذا العمل في الأفلام؛ فهل نتج عن هذا منع لهذه الأفلام؟

    وقد حصل أن قُبِضَ على شاب في خلوة وفي زنا ثم عوقب -ولا بأس فهذا أمر قرره الله وشرعه الله- لكن هل حصل أن عاقبنا صاحب الفيلم أو صاحب الفيديو الذي أنتج الفيلم، والذي أثار غريزة هذا الشاب للزنا؟

    وهل عاقبنا المجلة التي أفسدت فطرة هذا الشاب، ودعته إلى الفاحشة؟

    وهل عاقبنا الذين يدفعون هؤلاء الشباب في مجالسهم وفي ملاهيهم وفي كازينوهاتهم أو في مقاهيهم وفي التبرج؟

    بل بالعكس؛ فقد تهيأ أحياناً بعض هذه الأمور على أنها من أمور الترفيه العام، ثم إذا عمل الشاب شيئاً عوقب وجلد؛ ولذلك لم يصلح هؤلاء الناس اليوم.

    من أسباب انحراف الشباب

    أقول بكل أسف: لماذا لا يصلح الشباب الذين يسجنون؟

    فالأصل في المجتمع المسلم: أن من يقام عليه الحد أو يجلد أنه يتوب ويتطهر، وهو كفارة لـه كما في حديث عبادة المتفق عليه، والذي يبين أن العقاب كفارة لـه عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أما الآن هل يستقيم هذا الشاب؟

    لا، فمن يدخل السجن هذه الأيام يزداد إجراماً، لماذا؟

    وما أسباب ذلك؟

    لا نقول: إن السبب الوحيد أنه يفاجأ بفعله؛ بل كل ما فعله وما في ذهنه أن يفعله ينسق مع ما ترَّبى عليه، فلما عمل هذا العمل جاءه اللوم، وجاءه العتاب، وقمع وضرب وسجن، لماذا؟!!

    وقد يقال له: كيف تخلو بهذه الفتاة مثلاً؟!

    وكيف تتفق أنت وهي وتذهبون وتسافرون إلى مكان بعيد إلى الخارج؟!

    فيقول في نفسه: عجيب! كل يوم أنا أرى في الأفلام أناساً يختلون بنساء ولا قرابة بينهم! وكذلك أركب الطيارة، وأجد أن المضيفات ليس لهن محرم، ويخلو بهن الناس أيضاً، سبحان الله! وأيضاً أذهب إلى المستشفى فأرى الممرضات بدون محارم، ونحن لا نبرر ذلك لكن نقول: نحن على منهج مضطرب، ويجب أن نكون صادقين في تربيتهم أي: الشباب فمثل هذا يرى أنه يعاقب بشيء، تقول له نفسه وشيطانه: إنه يتمشى مع ما رُبي عليه، وهو مع ما يراه؛ ولكن لو أننا فعلاً جففنا كل منابع الشر ومنعناه عن الأمة، ونحن نعرف أن الشرع الذي حرم الزنا أول ما حرم النظر؛ لأن النظر وسيلة، وهذه قاعدة عامة من ديننا، والأمثلة عليها كثيرة جداً، لا نستطيع الآن أن نأتي بأدلة عليها، وهي قاعدة (سد الذرائع) فكل شيء محرم؛ فإن ما يؤدي إليه يحرم.

    1.   

    عقبات أمام التزام الشباب

    ثم نأتي إلى الشباب المهتدي، هذا الشاب الذي سَلِمَ من كل هذه العوارض والعوائق -والحمد لله- تخطَّى عقبة البيت والخادمة والأم والأب، وتخطَّى عقبة المدرسة وما فيها من مشاكل ومدرسين وفساد في المناهج، وتخطَّى عقبة الإعلام مثل الحصان الجواد السابق الذي قد تخطَّى حواجز كثيرة جداً جداً، حتى وصل إلى بر الأمان.

    وحاله يقول: الآن التزمت وتمسكت واهتديت -والحمد لله- وعرفت الله، فمن يشجعه على هذا؟

    بل قد تبدأ الدوامة من جديد؛ فكل من كان يلومه على ما كان يفعله وهو في ضياعه يلومه الآن، فهذا يقول له: يا أخي أنت متزمت جداً، حتى لحيتك جعلتها هكذا، وهذا يقول له: حتى زوجتك لا يراها أحد حتى إخوانك؟

    والله إنها مصيبة، ثم تأتي الجرائد وتقول: (هؤلاء المتطرفون والأصوليون).

    والعجيب أنه إذا جاء هذا المسكين يتكلم في الشرك، قالوا: كفَّرت الناس! كفَّرتنا ونحن مسلمون! -لا حول ولا قوة إلا بالله- وإذا تكلم في السنة قالوا: أنحن أهل بدع؟!

    بدَّعتنا وضللَّتنا! وحتى بعض الدعاة يقول: هذا ليس عنده حكمة في الدعوة. فمن أين تأتي الحكمة، أو من علَّمه الحكمة؟!

    الحمد لله أنه اهتدى، وبدأ يتكلم؛ فلا تهاجموه بل وجهوه، ونقول للدعاة: إن التوجيه من قبلهم قليل، وقد يكونون معذورين، وقد لا يكونون كذلك فهذا أمر آخر.

    لكن المقصود أن الشباب -حقيقة- يعاني ويتعرض لضغوط شديدة، قد تجعله ينحرف ويرجع، ويقول: ولم لا أكون كما كنت؟! وإذا بدأ العد التنازلي فإنه لا ينتهي إلى حد، فيبدأ يهمل موضوع السنن مثلاً، ثم موضوع الحجاب بالنسبة للزوجة، ثم هكذا حتى يعود في النهاية إلى ما هو أسوأ مما كان عليه! نسأل الله العفو والعافية!

    إذاً: هناك قضية مهمة جداً يجب أن نتنبه لها جميعاً، وهي أن الشباب في هذه الأمة مظلوم على ما فيه من أخطاء، وعلى ما فيه من أمور ليس هذا المقام مقام تفصيل لها، ولا أن نعذره بها، لكنه مظلوم من جانب؛ وهو يعاني العقوق بينما يشكو الآباء من عقوق أبنائهم، ويشكو المدرسون من عقوق طلابهم أيضاً، فكذلك الابن يعقه أبوه، ويعقه مدرسوه، وتعقه أمته بهذا التوجيه السيء المنصب عليه ليل نهار، والذي نهايته هذه البلبلة وهذه الحيرة.

    غياب دور الدعاة والعلماء عن الاهتمام بالشباب

    إننا نجزم جزماً أنه لو استقامت أمور هذه الأمة، ومؤسساتها الدعوية -ومن أهم ذلك البيت، والمدرسة، والمسجد، ووسائل الإعلام- لو استقامت كما يريد لها الله؛ لغيَّر شباب هذه الأمة وجه الدنيا كلها.

    فالآحاد منهم -قلة أو عشرات- نبغوا في علوم لم يكن أحد يتوقع أن ينبغوا فيها، فمن توجه منهم للإنفاق في سبيل الله أتى بالعجائب، ومن توجه للجهاد أتى بالعجائب، ومن توجه للعلم أتى بالعجائب، وهكذا مع كل هذه العقبات.

    ولو وُجهت الأمة كلها طاقاتها وقواها وخططها إلى التوجيه الصحيح والسليم، الذي لا يتناقض ولا يضطرب ولا يتعارض، لوجدنا فعلاً أن هذا الشباب سيكون -حتى مع انحرافه- كـأبي محجن الثقفي؛ وتعلمون قصة أبي محجن في يوم القادسية فـأبو محجن كان شاباً عابثاً، شرب الخمر، فسجنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -وهو قائد الجيش أيام القادسية- في قصره؛ ودارت المعركة التي لم يشهد التاريخ القديم لها نظيراً، فليالي القادسية -الطويلة المشهورة- ما كانت حتى كاليرموك، بل أشد بكثير؛ فـأبو محجن هذا -وهو الذي سجن لشربه الخمر، وتعلمون أن أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الشاب هو أن يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات عياذاً بالله- تحسَّر وتقطَّع قلبه أنه لم يكن في الجيش؛ فطرق على امرأة سعد، وصرخ فيها، وعاهدها بالله لئن أعطته فرس سعد رضي الله عنه (البلقاء) وخرج، ليقاتلن ولَيَرَيَنَّ الله تعالى ما يصنع، فإن سَلِمَ ليعودن إليها، وأنه لن يمنعه من العودة إليها إلا أن يُستَشْهَد في سبيل الله؛ فقبلت منه، وأعطته الفرس وخرج.

    فعجب المسلمون من هذا الرجل الذي يضرب في الأعداء، فإن أتى على ميمنتهم أخذ فيهم ما أخذ، وإن أتى على ميسرتهم فتك بها، وإن وقف منهم صنديد بوجه المسلمين بطش به، والناس يتعجبون، وسعد يقول: [والله لولا أنَّ أبا محجن في القيد، لقلت: إنه أبو محجن وأن هذه هي البلقاء] وكان سعد رضي الله عنه مريضاً، وعندما افترق الصفان، وأظهر الله تعالى المسلمين رجع أبو محجن قبلهم، ووضع القيد في يديه، وأرجع البلقاء إلى مكانها؛ فجاء سعد وقال لامرأته: رأيت عجباً! قالت: وما رأيت؟

    قال: كذا وكذا، قالت: فإنه أبو محجن، وإنها البلقاء!

    فنقول: هذا مثال والأمثلة كثيرة جداً، على أنه عندما يعيش الشباب قضيته، ويعيش هموم أمته، ويُوَجَّه التوجيه الصحيح، ويرى المعركة مشتعلة، فوالله سيأتي بالعجائب بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، على ما فيه من تقصير، وعلى ما فيه من معاصي؛ أما أن تتعاون فئات وجبهات كثيرة جداً عليه في حال انحرافه، ثم في حال توبته وهدايته، فلا نتوقع من هذا الشباب إلا أن ينجرف حتى في حال الهداية.

    فيؤدي به إلى جنوح بعض الشباب إلى الغلو في الأحكام، والغلو في بعض القضايا، أو جنوحه إلى نوع من تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، وكلاهما من الغلو المذموم، وإن أي خطأ قد يقع في العقائد أو في السلوك أو في التعامل مع المجتمع، فنحن -بالدرجة الأولى- المسؤولون عنه! نعم نحن قبل كل شيء؛ ثم بعد ذلك نلوم هؤلاء الشباب.

    نرجو أن نكون قد وفقنا -بإذن الله تعالى- في إثارة هذه القضية، وأن تكون حاضرة في أذهاننا جميعاً، لنعرف واجبنا نحو إخواننا الشباب، المنحرف منهم والمستقيم، الفاجر والتقي؛ ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يغفر لنا ولكم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

    1.   

    الأسئلة

    أسباب الفجـوة بين الشباب الملتزم وكبار السن

    السؤال: غالباً ما تحدث فجوة بين الشاب الملتزم وبين كبار السن، فماهي الأسباب وكيف نتجاوز هذه الفجوة؟

    الجواب: الأسباب كثيرة: منها ما يتعلق بالشاب، ومنها ما يتعلق بالكبار، والأمة الإسلامية لا تعرف هذا الانفصال الذي يُدَّعى دائماً بين الكبار والصغار، وبعض الناس يؤصلون هذا الانفصال، وينسبون إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا ترغموا أبناءكم على أن يعيشوا كحياتكم، فإنهم ولدوا لزمان غير زمانكم" أو ما أشبه ذلك، وهذا الحديث باطل وكذب لم يقله الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس في ديننا أن الشباب لهم رأي، وأن الكبار أو الشيوخ لهم رأي ووجهة أخرى، فلا نفترض هذا التعارض أو التضاد حتى لا نفكر كيف يجتمع هذا وهذا.

    وإن من حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن جعل في الشباب طاقات، وهذه الطاقات توجهها حكمة الكبار، وتجاربهم؛ فالأمة جسد واحد، وكل عضو من هذا الجسد لـه قيمته وله دوره؛ فبعض الشباب قد لا يحسن أسلوب الدعوة، ولا يحسن التعامل -وكثيراً ما ننبه ولا نمل من هذا التكرار- إلى الإحسان في المعاملة وحسن الخلق، ولا سيما مع الوالدين الذين قال الله تبارك وتعالى فيهما: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] فإذا كانا كافرين، ويجاهدانك على الكفر، وأُمرتَ بأن تصاحبهما في الدنيا معروفاً؛ فكيف بهما إذا كانا مؤمنين، ولكن لديهما بعض الأخطاء أو الانحرافات أو التقصير؟!

    فلا بد من الرفق والإحسان، ومن ناحية أخرى يجب على الكبار أن يتفهموا أيضاً مشاكل الشباب، وألاَّ يقيسوا الأمور من خلال مفاهيم وتقاليد ورثوها، ربما تكون خاطئة، وربما تكون بحاجة إلى تعديل، وربما يكون ما عند الشباب خير.

    لكن في بعض أمور الدين حقيقة، فالكبار ربما يكونون أكثر محافظةً على الصلاة -مثلاً- من الشباب، ولكن من جانب آخر، فالشباب أكثر إتقاناً لواجبات الصلاة وسننها وآدابها من الكبار، وهذا لا يعني الاختلاف، إنما يعني أن الابن يصحب أباه كلما استيقظ الأب وذهب إلى المسجد، والأب يأخذ من ابنه كيف يصلي، ولا يقل: (عشرون سنة وأنا أصلي هكذا، وأنت تأتي وتقول لي كذا) بل اقبل منه يا أخي، اقبل من ابنك؛ لأنه يعلم ما لا تعلم أنت، فلا بد من الإحسان والرفق والتفاهم من الطرفين.

    تقلب حال المسلم في الطاعة بين الفتور والصحوة

    السؤال: فضيلة الشيخ: حينما أكون مع الشباب الصالح أكون نشيطاً، ولكن إذا ذهبت إلى منـزلي وإلى المدرسة أُصبح سلبياً، فهل هذه ازدواجية في شخصيتي؟

    وبماذا تنصحون؟

    الجواب: نرجو ألاَّ تكون ازدواجية، وإنما تكون كحال حنظلة رضي الله عنه كما تعلمون حديثه مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ولكن ساعة وساعة).

    القلب البشري مشدود ومرتبط بالأرض، فالإنسان خلق منها؛ ولذلك هناك نوازع ودوافع تدفع الإنسان إليها، وهذا من حكمة الله؛ ليكون هو موضع الإبتلاء من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهذا العبد أيرتفع أم يهبط؟

    والإنسان لا يستقر على حال، ولو أن كل إنسان عرف الإيمان واليقين والتوحيد استقر عليه؛ ما تفاضل الناس في الإيمان هذا التفاضل، ولا تفاضلت موازينهم يوم القيامة؛ لكن من الناس من يأتيه اليقين ثم يضعف ثم قد يفقده -عياذاً بالله- ومنهم من يأتيه الشك أيضاً ثم يضعف، ثم يذهب ويحل محله اليقين وهكذا، فالنفس الإنسانية لا تستقر على حال.

    ومن هنا أُمر الإنسان دائماً أن يتعاهد إيمانه، وأن يجدده وأن يحرص عليه؛ فإن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص، لكن الواجب عليك يا أخي أن تأخذ من حال إقبالك لحال إدبارك، ومن حال يقينك لحال شكك، ومن حال قراءتك لكتاب الله وتلذذك به وتلذذك بالدعاء والمناجاة والضراعة، أن تأخذ من ذلك وتستبقي إلى الحالات التي تجد نفسك فيها قاسي القلب، لا ترى الخشوع، ولا تحس بلذة الضراعة ولا لذة المناجاة.

    هذا هو الواجب، وينبغي للإنسان أن يتعامل مع هذه النفس، وكثيراً ما يشكو الإخوان من هذه الظاهرة، وكثيراً ما تحدثنا عنها، وتحدث عنها العلماء رحمهم الله قبلنا.

    خطر الخلاف بين الدعاة والملتزمين

    السؤال: أنا شاب التزمت بدين الله -والحمد لله- ولكني فوجئت بواقع الشباب؛ حيث أنهم يعيب كل منهم الآخر، فكاد هذا الأمر أن يصرفني عن الالتزام وعن الطريق المستقيم، فما توجيهكم؟

    الجواب: هذا جزء مما أشرنا إليه من التناقض، فالتربية إن لم تكن مضطردة، فلا شك أنها سوف توقع الشاب في الحيرة والربكة والتناقض، فإذا كان المدرسون متناقضين أو أن البيت يتناقض مع المدرسة يقع الشاب في الحيرة؛ فكيف إذا كان التناقض بين من هم في نظر الشاب يمثلون الخير والصلاح والاستقامة؟

    ولا يعني ذلك أنه لا يوجد خلافات بين العلماء أو بين الدعاة فإنها موجودة، لكن ما فائدة أن تعرض هذه الأمور أمام الشباب؟!

    وما فائدة أن ينتقد الشباب بعضهم بعضاً، أو أن ينتقد بعض الدعاة بعضاً، أو أن ينتقد بعض الشباب بعض الدعاة أو العلماء أمام هذا الشاب الذي هو أحوج ما يكون أن يصلب عوده، ويقوى إيمانه في معرفة الحق والخير والتمسك.

    فالواجب والأساس هو: أن ندعو الشباب إلى التمسك بالكتاب والسنة إلى الحق لا إلى الرجال فنحن بالحق نعرف الرجال، وليس بالرجال نعرف الحق -أي أن المعيار هو الحق لا الرجال- فإذا أصَّلَت هذه القضية عنده أي: الشاب الملتزم واستوعبها وفهمها وتربى عليها، ثم علَّمته أدب الخلاف، وعلَّمته أن الأمة الآن متفرقة، وأنها تُخترق من أعدائها ولكن الحق واحد، وأن الطريق إلى الحق يمكن الوصول إليه -والحمد لله- بانتهاج منهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم بالاستدلال والسؤال وكذا وكذا، فإذا تعلم الشاب وعرف ذلك؛ فإنه عندما تعرض عليه العوارض يكون لديه المنهج والميزان.

    لكن أن نبدأ بتعليمه المشاكل، وليس لديه ميزان ثابت، فهذا -وأقولها بكل ألم وأسف- أَوجد نوعاً من الشباب الذين انحرف بعد الهداية، وارتد بعد الاستقامة -نسأل الله العفو والعافية- لأنها أمور تُؤدِّي إلى خلل كبير في التربية، وتفقد الشاب القدوة؛ ومن طبيعة الشباب التعلق بالنموذج.

    فهذه قضية يجب علينا أن نعيها، فهي المدخل الذي دخل منه المجرمون والمفسدون؛ فعلموا الشباب أن النموذج هو لاعب الكرة، أو أن النموذج هو الممثل.

    فلا بد للشباب من نموذج يحبه كشيخ أو داعية أو عالم.. وهكذا، فبقدر ما تمس أنت هذا النموذج، فإنك تُحطِّم الأمل الذي لديه؛ ولذا يجب أن نربيهم على ألاَّ يتعلقوا بالأشخاص؛ لأنه لا يمكن أن نستأصل من قلوبهم ومن فطرتهم ومن عواطفهم التعلق بنموذج معين حي أو ميت، ولهذا نقول: إن النموذج الذي يجب أن نتبعه جميعاً هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وأن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.

    ومن الضوابط التي لا تخفى -إن شاء الله- ألاَّ نحاول تحطيم هذا الشاب بضرب النموذج الذي يحبه أو يميل إليه، ما دام هذا النموذج من أهل السنة والجماعة، وهذا الشرط الأساس الذي لا نتعداه.

    أما إن كان من أهل البدع، وله مناهج بدعية منحرفة، فهذا لا يصلح أن يكون نموذجاً، بل ليس عضواً فضلاً عن أن يكون نموذجاً.

    الانشغال بعيوب الآخرين

    السؤال يقول: أجد نفسي شغوفاً بتقصي عيوب الآخرين متناسياً عيوب نفسي، فهل من علاجٍ لذلك؟

    الجواب: نسأل الله أن يشفيك يا أخي، وأن يشفينا جميعاً، اللهم يا رب! نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها، وأن تزكيها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

    إن هذا من شر الأدواء الذي يصيب طلاب العلم -نسأل الله العفو والعافية- فشر الناس من شُغِلَ بعيوب غيره عن عيوب نفسه، وكما قال بعض السلف الصالح: ''علامة إعراض الله عز وجل عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه'' وقال الآخر: ''كانوا ينهون عن فضول النظر كما ينهون عن فضول الكلام''، فكان السلف الصالح -رضوان الله تبارك وتعالى عليهم- يُربون تلاميذهم وأمتهم على ذلك؛ فكان عمر رضي الله عنه يُربي الأمة كلها من فوق المنبر فيقول: [[رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي]] فعرف أولئك الأخيار الأطهار أن الذي يضرك هو عيبك أنت، وأن الذي يسيء إليك هو ذنبك أنت لا ذنوب الناس وعيوبهم.

    إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لولا أنه يضرنا تركه لما قمنا به، وهذا هو المحمل الصحيح لقول الله تبارك وتعالى: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] أي: إذا قمتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يضركم، ولكن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر وندعو إلى الله، وأن نقول للكافر: أنت كافر، وللمبتدع: أنت مبتدع، وللظالم: أنت ظالم؛ لأن الله أمرنا بذلك ففعلنا، وإلا لو لم يأمرنا به لكفانا ظلم أنفسنا وعيب أنفسنا وما فينا من شرك -عياذاً بالله- أو بدعة أو تقصير عن غيرنا.

    أمَّا أن يصل الأمر إلى أن هذه الشهوة النفسية الموجودة لدى كثير من الشباب تُشبع وتثار، فيصبح بعضهم يتتبع عورات المسلمين، ويتتبع عورات وسقطات العلماء أو الدعاة، ويُربىَّ على ذلك؛ فهذا من أسوأ أنواع التربية، وهذا مرض خطير نسأل الله العفو والعافية، وأُبشِّر من قد يربي الشباب على هذا بأن الدور سيأتي عليه:

    فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها      وأول راضٍ سيرة من يسيرها

    وتأكدوا أن أي إنسان يطعن وينال ممن يقوم بالدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإن أخطئوا -وكلنا عرضة للخطأ- لكن من يكون هذا همه؛ فإن الله سيسلط عليه من يفضحه؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف رحله} نسأل الله العفو والعافية.

    حرصٌ على تتبع الأخطاء ففلان قال فيه كذا، وهذا وقع في كذا، وهذا عيبه كذا سبحان الله العظيم يا إخواني! حتى أئمتنا الأجلاء الكبار الأئمة الأربعة الذين أجمعت الأمة على إمامتهم لديهم أخطاء؛ فهل يحسن أن نعرضها على الناس، وأن نقوم في المسجد ونقول: الإمام مالك أخطأ في كذا وكذا، والشافعي قال كذا.

    فالأشياء واضحة جداً ولا نريد أن نخوض في شيء وننهى عن الذي نقول، وكمثال على ذلك -وهذا الذي يقع دائماً بعد شهر رمضان- الإمام مالك رحمه الله -إمام دار الهجرة وهو المحدث المشهور الذي ورث هذا العلم العظيم، وأورثه للدنيا كلها- كان يكره صيام الست من شوال، فهل نعدها من السقطات عياذاً بالله؟ أو نقول شيئاً غير ذلك؟

    فهؤلاء الأئمة، فكيف بالعلماء من دونهم وكيف بطلاب العلم؟

    فالذين يتتبعون هذه المثالب والعورات، ويحبون تتبع عيوب الآخرين؛ يجب أن يعلموا أنهم واقعون في هذا الخطر العظيم، وسيلقون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنخشى أن يلقوا الله مثل "الرجل المفلس" الذي أخبر عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

    {أتدرون من المفلس؟!

    قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.

    قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة، ولكن يأتي وقد ضرب هذا، وظلم هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته -مقابل ما فعل وما انتهك- فإن نفدت حسناته يؤخذ من سيئاتهم فتطرح عليه فيلقى في النار} نسأل الله العفو والعافية.

    فاحذروا يا شباب -بارك الله فيكم- واحذر يا أخي؛ حتى مع أهلك في البيت إذا بدأت زوجتك أو أمك تقول: فلانة، فقل لها: لا يا أمي! هذه غيبة، فعلِّم نفسك وعلِّم إخوانك، ولا تذكر مسلماً بشيء أبداً، وإن كان من زملائك أو كائناً من يكون، إلا ما اقتضت بذلك مصلحة شرعية لا مصلحة نفسية أو ذاتية، فبعض الناس يخلط بينهما فيقول: أنا لا أقصد إلا الشرع، اختبر نفسك فإذا كان غرضك الشرع؛ فعلامة ذلك أن تنتقد هذه الكلمة أو هذا الموقف من أي شخص كان، أما أن تنتقدها إن كانت من فلان، فإن جاءت من غيره فإنك تغض الطرف عنه، فاعلم أن الأمر لنفسك وليس لربك، فكل واحد منا يختبر نفسه، والله تعالى حسيبه.

    واجب شباب الصحوة في التضحية في سبيل الله

    السؤال يقول: شباب الصحوة -والحمد لله- كثير، ولكن يفتقد كثير منهم -ونحن منهم- التضحية لهذا الدين، فكيف نجعل في أنفسنا هذه السمة؟

    الجواب: نعم هذا حق، ونسال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا جميعاً للقيام بهذا الواجب، وأن يكون همنا حين نمسي وحين نصبح هو رضاه سبحانه والدعوة إليه والعمل لأجله؛ فالمؤمن الحقيقي هو الذي يكون هذا حاله؛ ولذلك يضحي، لأنه عرف أنه ما خلق إلا لهذا، وما ائتمنه الله تبارك وتعالى بالعلم إلا لهذا.

    ولذلك كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضحين غاية التضحية، فضحوا بالأوقات رضي الله تعالى عنهم وضحوا بأنفسهم في سبيل الله، وماتوا شهداء، وكذلك ضحوا بالعلاقات، وقطعوا كل الأواصر والتواصل مع أقرب الناس إليهم، إذا لم يكونوا كما شرع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    أما نحن فحقاً هذا موجود لدينا -عدم التضحية- لضعف إيماننا وقلة يقيننا، وتشعب همومنا، فليس همنا واحداً، وعندما قال ابن القيم رحمه الله:

    فَلِواحدٍ كن واحداً في واحدٍ أعني طريق الحق والإيمان

    فلواحد: هو الله تبارك وتعالى، وكن واحداً: أي كن أمة لا تتشكك ولا تتشعب أيضاً؛ في واحد: أي في طريق واحد وهو طريق الحق وطريق الإيمان.

    نحن الآن: يُزاحم هذا الهم -هم الدعوة، وهم رضى الله تبارك وتعالى، والعمل للدار الآخرة- يزاحمه العمل للدنيا والوظيفة، وحظ النفس، وحب الراحة والإخلاد إلى الكسل، كلها تزاحم هذا الهم؛ ولذلك يجب أن نضحي، ويجب على الشباب أن يتعود على التضحية.

    فنقول: ضحِ يا أخي بوقتك، وضحِ بمالك، وأنفق في سبيل الله عز وجل؛ ولو أن تشتري شريطاً أو كتاباً أو أن تشتري ورقة تكتب فيها إعلاناً أو تصور إعلاناً من إعلانات الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    ضحِّ ولو بسمعتك؛ فلماذا قال الله تبارك وتعالى: وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]؟!

    لأن اللُّوام كثير؛ فهذا يقول:جن الرجل! وهذا يقول: أصابه الخبل! وذاك يقول: ترك وظيفته من أجل الدعوة!! وهذا يقول: ضحى بنفسه! فكل واحدٍ سيلومه، ولكن ضحِ بكل هذا، ولا يهمك إلا أن تكون فعلاً كما يرضي الله، فإن أرضيت الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كفاك الله تعالى عن كل ما عداه، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم للجهاد والتضحية والبذل له وفي سبيله.

    توحيد الله هو قضية الأمة بأجمعها

    السؤال: لقد ذكرت أن الشباب إذا اهتموا بقضيتهم فإنهم يُنتجون، فما هي قضيتنا حتى ننتج؟

    الجواب: قضيتنا هي توحيد الله وعبادة الله، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وإقامة هذا الدين في الأرض، والاهتمام بأمر المسلمين؛ لأن (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، فهم (كالجسد الواحد) كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه قضية المؤمن؛ بل قضية كل إنسان يريد أن يسعى إلى رضى الله، وأن يقدم مرضاة الله على هوى النفس وعلى حظها، وأن يقدم في الدنيا ما يقربه في الدار الآخرة، ويرفعه الله أو يقدمه في هذه الحياة الدنيا؛ وأن يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، وأن يوالي في الله، ويعادي في الله.

    فهذه قضية أو جوانب من القضية الرئيسية الكبرى؛ ثم تندرج تحتها الواجبات مما فرض الله تعالى علينا القيام به جميعاً، من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد وكل ما شرع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلو لم يكن عند المسلمين إلا سنةً من سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهملت أو أميتت أو تركها الناس؛ فإنه يجب علينا أن نحييها، فكيف إذا أُهمل التوحيد؟!

    وكيف إذا أهملت أركان الإسلام؟!

    إذاً يجب أن نجاهد لكي نحيي ما أمات الناس، ونصلح ما أفسد الناس، لتكون فينا صفة الغرباء الذين أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حالهم وبينه، فهي قضية واحدة، وتستطيع أن تجعلها قضايا كثيرة بحسب التخصص والتأهل، فقضية العلماء غير قضية العامة، وقضية المتخصص في جانب معين غير قضية من يتقن جانباً آخر، قضية التاجر المسلم -صاحب المال- غير قضية صاحب العلم، فصاحب العلم يؤلف، ويدحض الشبهات، ويبين البدع، ويكشف الضلالات، ويقيم الحجة؛ أما التاجر المسلم فقضيته أن ينفق وأن يعطي، ويمد الجمعيات الإسلامية التي على الكتاب والسنة ومنهج السلف، وأن يبني المدارس والمساجد.. وهكذا.

    فكلٌ منا له قضية بحسب موقعه الذي أعطاه الله، فقضية المدير في إدراته أو الوزير في وزارته أو الحاكم في دولته هي إقامة دين الله، وإقامة حدود الله -إقامة فرائض الله بحسب ولايته التي أعطاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وكذلك قضية الزوجة في بيتها: أن تحفظ نفسها وتطيع ربها وتطيع زوجها وتربي أبنائها؛ وكل هذا قد جعله الله تعالى على التفصيل أيضاً، فكل منا لـه قضيته، لكن في الجملة قضية الأمة قضية واحدة، وهي توحيد الله تعالى، وكذلك القضايا الأساسية الأخرى المتفرعة عنه.

    وسائل تفعيل قضية التوحيد والدعوة إلى الله

    السؤال: ألا تظن أن المعرفة الذهنية لهذه القضية موجودة؟

    ولكن ماهي الوسيلة لجعلها يقيناً يتحرك من أجلها كل مسلم؟

    الجواب: نعم. يكون ذلك باستشعار المسئولية التي سوف يسألك الله تبارك وتعالى عنها يوم القيامة؛ وكما ألمحنا أن كل منا مسؤول عن هذه القضية، وعن هذا الهم، وإذا علمت أن الله تعالى سيسألك بحسب علمك أو بذلك أو الجانب الذي أعطاك؛ وأن الله تبارك وتعالى إن أعطاك المال فليبتليك ويختبرك، وإن أعطاك العلم فلذلك أيضاً، وإن أعطاك ما أعطاك، فإنما أعطاك كل ذلك لتقوم بحقه تبارك وتعالى فيه بأقل شيء وهو -كما نقول دائماً وهو الذي لا نملك نحن أن نعتذر عنه- أن ندعو الله تبارك وتعالى، فعمل القلب مهم، كحب الأخيار، وحب الصالحين، وحب الدعاة إلى الله، والدعاء لهم بأن يحفظهم الله، وأن ينصرهم، وأن يؤيدهم، وكذلك حب إخواننا المجاهدين -في كل مكان- والداعين إلى الكتاب والسنة في كل مكان أيضاً، ودعاء الله تبارك وتعالى لهم، والذب عن أعراضهم.

    وأيضاً: كُره المنكرات وأهلها، والبدع والضلالات ومن دعا إليها، ودعاء الله تبارك وتعالى أن يهديهم أو يهلكهم، فإن هذا أمر قلبي.

    أما أن المؤمن يعيش فيصبح ويمسي وهمه الدنيا والمطعم والمشرب والوظيفة والزوجة والسيارة، ولا يهمه رضى الله، ولا توحيده، ولا طاعته، ولا نشر السنة، ولا نشر الحق والخير؛ فهذا الذي -في الحقيقة- يجب عليه أن يعيد النظر، وكل منا حسيب نفسه بأن يعيد النظر ليختبر إيمانه ويجدده، لينال رضى الله وينال جنة الله تبارك وتعالى.

    فاتقوا الله، واعملوا أن هذه الأعمار ثمينة، فوالله إن الإنسان يوم القيامة سيندم، ويتمنى لو أنه يجد دقيقة واحدة يقول فيها: سبحان الله أو الحمد لله أو لا إله إلا الله أو الله أكبر، لأن هذه غراس في الجنة؛ فإذا رأى أن غراس أخيه أكثر من غراسه، تمنى ولو دقيقة ولو لحظة ليعود، قال تعالى: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100] فيتمنى أن يعود إلى الدنيا ليقول: (أشهد أن لا إله إلا الله).

    فهذا العمر ثمين جداً، ولكنه يُضاع، وأعظم طاقات الأمة تُضاع في اللهو وفي اللعب، ولو أن أحداً بدد ثروات الأمة، ونهب بترولها، ودمر مدنها؛ لغضبنا جميعاً.

    فوالله إن طاقات الشباب، وأعمارهم، وأوقاتهم، أثمن وأغلى من البترول، ومن كل حضارة مادية ننجزها؛ ومن كان يخالفنا في هذا فليس بيننا وبينه اتفاق في شيء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718655

    عدد مرات الحفظ

    754786434