إسلام ويب

شرح تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لابن الأمير الصنعاني [2]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اشتملت رسالة ابن الأمير الصنعاني على أصول من قواعد الدين، ومن أهم ما تجب معرفته على الموحدين، ومنها أن كل ما في القرآن حق، وأن الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة.

    1.   

    أصول بين يدي الرسالة

    كل ما في القرآن حق

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فاعلم أن هاهنا أصولاً، هي من قواعد الدين، ومن أهم ما تجب معرفته على الموحدين.

    قال المصنف رحمه الله: [

    إنه قد علم من ضرورة الدين: أن كل ما في القرآن فهو حق لا باطل، وصدق لا كذب، وهدى لا ضلالة، وعلم لا جهالة، ويقين لا شك فيه، وهذا الأصل أصل لا يتم إسلام أحد ولا إيمانه إلا بالإقرار به، وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه ].

    ذكر المؤلف رحمه الله قواعد أسماها أصولاً، وقال: إنها من أهم ما يجب على الموحد أن يعرفه، أي: هذه الأصول والقواعد، فيجب معرفتها واعتقادها والعلم بها، واعتقادها؛ لأنها أمر مجمع عليه ومتفق عليه بين أهل العلم، ومعلوم من الدين بالضرورة، فيجب على طالب العلم أن يعلم هذه الأصول، وأن يفهمها ويعتقدها جيداً، ومن لم يؤمن بهذه الأصول فإن في إيمانه وتوحيده خلل ونقص، وقد يكفر إذا قامت عليه الحجة وليس له عذر.

    يقول المؤلف: الأصل الأول: كل ما في القرآن حق. هذا مجمع على اعتقاده، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، فكل مسلم يعتقده، ومن اعتقد خلاف هذا الأصل، واعتقد أن القرآن فيه باطل، فهو مرتد عن الإسلام بإجماع المسلمين، نسأل الله السلامة والعافية.

    قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

    وقال تعالى: أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ [الرعد:19] وإذا علم أن هذا الأصل مجمع ومتفق عليه، فإنه من اعتقد أن في القرآن باطل، أو نقص، أو تحريف، أو زيادة، أو أنه يمكن أن يزاد فيه وينقص، فقد كذب الله في قوله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] فالله تعالى تكفل بحفظه، والقرآن هو الحق ، وماذا بعد الحق إلا الضلال.

    الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الأصل الثاني: الرسل بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة:

    أن رسل الله وأنبياءه -من أولهم إلى آخرهم- بعثوا لدعاء العباد إلى توحيد الله بتوحيد العبادة، وكل رسول أول ما يقرع به أسماع قومه قوله: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [هود:2]، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:3].

    وهذا الذي تضمنه قول: (لا إله إلا الله)، فإنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها، لا مجرد قولها باللسان.

    ومعناها: هو إفراد الله بالإلهية والعبادة، والنفي لما يعبد من دونه والبراءة منه، وهذا الأصل لا مرية فيما تضمنه، ولا شك فيه، وفي أنه لا يتم إيمان أحد حتى يعلمه ويحققه ].

    قوله: إن الرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا للدعوة إلى توحيد الله بتوحيد العبادة. هذا أصل مجمع عليه والنصوص في هذا واضحة، قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

    فكل رسول بعثه الله إلى قومه، يدعوهم إلى توحيد العبادة في بادئ ذي بدء كما أخبر الله تعالى عن نوح وهود وصالح وشعيب قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].

    وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65].

    وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73].

    وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85].

    أما توحيد الربوبية فهو أمر فطري تقر به جميع طوائف الأمم إلا من شذ، ولا عبرة بمن شذ، مثل: الدهريين الذين يقولون: ما يهلكنا إلا الدهر. ومثل: الشيوعية الملاحدة الذين يقولون: لا إله والحياة مادة. ومثل: الطبائعين الذين يؤمنون بالطبيعة، ومن يقول بالصدفة، فهؤلاء مجموعة من الطوائف البشرية قد شذوا، وإلا فجميع طوائف البشر مقرون بتوحيد الربوبية، ولذا كان النزاع بين الرسل وأممهم في توحيد العبادة والألوهية؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: أن رسل الله وأنبياءه -من أولهم إلى آخرهم- بعثوا لدعاء العباد إلى توحيد الله بتوحيد العبادة، وكل رسول أول ما يقرع به أسماع قومه: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ [هود:2]، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:3].

    وقوله: وهذا الذي تضمنه قول: (لا إله إلا الله)، هذه الكلمة العظيمة التي من أجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، ولأجلها قامت راية الجهاد، وخلقت الجنة والنار، وقسم الناس إلى شقي وسعيد.

    ومعناها: لا معبود بحق إلا الله.

    وقد دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها، لا مجرد قولها باللسان، فطلبت من أمها إفراد الله بالعبادة، والبراءة من الشرك وأهله، ولا يكفي مجرد قولها باللسان، وقد كان كفار قريش يعرفون معناها؛ ولهذا امتنعوا من قولها، ولذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش: أطلب منكم كلمة إذا قلتموها ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم، فقال أبو جهل : ما هي هذه الكلمة؟ لنعطينك وعشر أمثالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله. فرفض ونكص على عقبية، وجعل ينفض يديه ويقول: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] فرفض وامتنع أن يقولها، لأنه يعرف معناها، لكن عباد القبور اليوم يقولونها وهم يطوفون حول القبور، ولا يعرفون لمعناها، فتجده يقول: لا إله إلا الله وهو ينقضها بأفعاله، فيطوف حول القبر ويذبح له وينذر له، وما ذلك إلا لأنه لا يعرف معناها، وحتى قد وجد من بعض الجهال من يطوف حول الكعبة وهو يقول: يا رسول الله! يا رسول الله! فلا يعرف معنى التوحيد ولا معنى لا إله إلا الله، لكن كفار قريش يعرفون معناها، ولهذا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإمام المجدد في بعض رسائله: فلا خير في رجل كفار قريش أعرف منه بمعنى لا إله إلا الله، فعباد القبور كثير منهم لا يعرف معنى لا إله إلا الله، فيقولها بلسانه وينقضها بأفعاله، أما كفار قريش فيرفض أحدهم قولها، لأنه يعرف معناها؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: إنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها، لا مجرد قولها باللسان.

    ومعنى هذه الكلمة: إفراد الله بالإلهية والعبادة، والنفي بما يعبد من دونه والبراءة منه، أي: تشتمل على شيئين: نفي وإثبات، فلا إله: نفي، وإلا الله: إثبات، فلا إله: هذا هو الكفر بالطاغوت، والبراءة من كل معبود سوى الله، ولذا كانت كلمة التوحيد مشتملة على كفر وإيمان: كفر بالطاغوت، وإيمان بالله، كفر بالطاغوت في قولك: لا إله، إذ هو نفي لجميع أنواع العبادة لغير الله، إلا الله: إثبات العبادة بجميع أنواعها لله، فهذا معناها، ولهذا قال المؤلف: ومعناها: هو إفراد الله بالإلهية والعبادة، والنفي لما يعبد من دونه والبراءة منه، وهذا الأصل لا مرية ولا شك فيما تضمنه، ولا يتم إيمان أحد حتى يعلمه ويحققه، وأنه يجب على كل إنسان أن يفرد الله بالعبادة، وأن يتبرأ من الشرك وأهله.

    1.   

    الأسئلة

    حكم تعليق التمائم

    السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يعلق التمائم ويقول: إن هذا أمر مختلف فيه، ولا ينكر به على أحد، أفيدونا أفادكم الله، خاصة وقد انتشر بين المسلمين شرك التمائم، والاعتقاد أنها تدفع الضر عنهم وعن أطفالهم، أو تجلب لهم الرزق، وبعضهم: قد يعلقها في سيارته؟

    الجواب: تعليق التمائم وهي: أن يعلق تميمة: إما خيطاً أو غيره في رقبته، أو يضعه في ساعده، أو في عضده، أو في رجله، أو يضعه في سيارته، وقد أراني بعض الإخوان شيء من التمائم من الخيوط الآن وجدها مع بعض الناس، وهي من المحرمات الشركية، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله عليه).

    ولها حالتان:

    الأولى: إذا علق تميمة واعتقد أنها بنفسها تدفع الضر أو تجلب الخير، فهذا شرك أكبر مخرج عن ملة الإسلام، نعوذ بالله من ذلك، ولا يعتقد أحد ذلك من المسلمين.

    الثانية: أن يعلق التميمة ويعتقد أنها سبب، والذي يدفع الضر ويجلب النفع هو الله سبحانه، فهذا شرك أصغر ووسيلة إلى الشرك الأكبر.

    فإن كان المعلق من القرآن أو من الأدعية الشرعية، فهذا قد رخص به بعض أهل العلم، وقالوا: لأنها أدعية وآيات من القرآن ينفع الله بها. روي هذا عن بعض الصحابة، وعن طائفة قليلة من أهل العلم، والقول الصواب لأهل العلم، وهو قول الجماهير منهم: المنع، وأنها محرمة ولو كانت من القرآن، لما فيها من تعلق القلب بغير الله؛ ولعموم النصوص في ذلك، فإن النصوص عممت ولم تخصص، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك).

    بخلاف الرقى، فإنه جاء ما يخصصها، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً).

    فهذا تخصيص.

    أما التمائم فلم يأت ما يخصصها، بل النصوص عامة في ذلك، ولأنها وسيلة إلى تعليق التميمة الشركية، ووسيلة إلى امتهانها عند دخول الحمام وقضاء الحاجة، فلهذا كان الصواب الذي عليه الجماهير: أنه لا يجوز تعليق التميمة حتى ولو كانت من القرآن، إذ هي من تعلق القلب بغير الله، ولأن النصوص عامة ولم تخصص؛ ولأن ذلك أيضاً من باب سد الذريعة.

    طبقات الصوفية

    السؤال: ذكر شيخ الإسلام أن من الصوفية من هو معتدل، ومنهم من هو غالي، وأن هناك صوفية من أهل السنة المتقدمين، كـالجنيد وغيره، ومنهم الغلاة المتأخرين، كـالحلاج وابن عربي، فما رأيكم في هذا الكلام؟

    الجواب: ليعلم أن الصوفية طبقات وليسوا على حال واحدة، فهناك من الصوفية الذين يدعون المغيبات والمكاشفات، ويدعون علم الغيب، فهؤلاء مشركون.

    وكذلك من يدعو الناس إلى عبادته، أو يدعي أنه يستحق العبادة، أو أنه يتصرف في الكون، فهؤلاء عملاء للكفار، وهناك بعض الصوفية الذين يتعبدون ببعض البدع، لكن لا يقعون في الشرك، لكن عندهم زهد وعندهم تعبدات وأذكار وأدعية وأقول مبتدعة، فهؤلاء مبتدعة ما دام أن هذه الأوراد أو الأدعية لم تصل إلى الأمور الشركية، وهناك بعض الصوفية الذين يسمون الصوفية وليس عندهم أشياء من هذا، لكن عندهم بعض الشيوخ الذين يسمونهم بعض الناس صوفية؛ لما عندهم من الزهد والتقشف، ولكن ليس عندهم أمور منكرة، والمقصود أن الصوفية طبقات: منهم الكافر، ومنهم المبتدع، ومنهم من ليس بمبتدع.

    مراتب إنكار المنكر

    السؤال: إذا أعلن للمنكر، وتضرر منه الخاص والعام من المسلمين، فهل يجوز الإنكار على المنابر، ومن قبل وسائل الإعلام، ليعلم الناس أن هذا الأمر منكر وحرام، وهل صح عن الصحابة والسلف أنهم أعلنوا الإنكار على من أعلن المنكر؟

    الجواب: إذا رؤي منكر وأعلن فإنه يجب إنكاره، ويكون إنكاره أولاً باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب، على المراتب الثلاث الذي جاءت في حديث أبي سعيد الذي رواه الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

    فإذا كان الإنسان يستطيع إنكار المنكر وتغييره باليد وجب أن يغير باليد، كما لو كان الإنسان ولي الأمر، أو الأمير، أو السلطان، أو رجال الحسبة فيما لهم من الصلاحيات، أو الرجل في بيته إذا كان يستطيع، فإن عجز أنكر بلسانه، ومن الإنكار أن يرفع به إذا كان هذا المنكر يرفع به إلى ولاة الأمور، كالمحتسب يرفع بهذا ويبلغ ولاة الأمور هذا المنكر حتى يزيلوه، ويأمرون بإزالته، وهذا هو الواجب، وإذا كان يمكن إزالته باللسان، فإن العلماء يبينون المنكر ويعلنون ويوضحون للناس أن هذا منكر، وأنه لا يجوز لأحد أن يفعله.

    وإن كان المنكر لا يستطيع أحد إنكاره لا باليد ولا باللسان، بحيث لو أنكره باللسان حصل له ضرر محقق في بدنه أو أهله أو ماله، فإنه في هذه الحالة ينكر بالقلب، بمعنى: أنه يكره هذا المنكر، وتظهر علامات الإنكار على وجهه، ولا يجالس أهله، ويقوم من هذا المكان الذي يفعل فيه المنكرات.

    أسباب الثبات في أوقات الفتن

    السؤال: هل زماننا هو زمن الفتن؟ وما وصيتك لنا؟ وما أسباب الثبات في أوقات الفتن؟

    الجواب: لا شك أنه في آخر الزمان تكثر الفتن، وهذا الزمان الذي نعيشه فيه فتن كثيرة، منها هذه الشبهات التي ينشرها أعداء الله، سواء في وسائل الإعلام أو في غيرها، شبهات تلبس الحق بالباطل، وهذا من الفتن المنتشرة والمتلاحقة لاسيما والعالم الآن كأنه قرية واحدة، فوسائل الإعلام والقنوات الفضائية يبث فيها كل شيء، بل تدخل على الإنسان وهو في قعر بيته، وفيها من المنكرات الشركية العظيمة، دعوة إلى الوثنية، ودعوة إلى اليهودية، ودعوة إلى النصرانية، كل القنوات مفتوحة أمام الناس، والفتن قد تلبس الحق على بعض الناس، والوسيلة للخروج من هذه الفتن هو: التسلح بسلاح العلم الشرعي، فينبغي للإنسان أن يتفقه ويتبصر في دينه، وذلك حتى يعبد ربه على بصيرة، وحتى لا يقع في منكر، وأيضاً حتى يستطيع أن ينكر المنكر، لاسيما المنكرات الشركية، كما ينبغي على المسلم أن يقبل على العلم والعبادة، فقد ثبت في صحيح مسلم رحمه الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلي) والهرج: الفتن.

    سلفية الإمام الصنعاني في المعتقد

    السؤال: ما رأيكم في من يتهم الإمام الصنعاني أنه بقية من بقايا المذهب الزيدي، وخاصة ما يتعلق بالذم لـمعاوية رضي الله عنه؟

    كما أنك قد ذكرت عند قراءة ترجمة الصنعاني أنه سلفي، فعلى ماذا يحمل إيراده لأقوال الهادوية والزيدية في سبل السلام، مع أنهم ممن لا يعتد بهم؟

    الجواب: أولاً ما رأيت منه كلاماً في ذم معاوية رضي الله عنه، ولو وجد له كلام في معاوية لكان شيئاً يسيراً غلط فيه ولا يخرجه ذلك عن معتقد السلف الصالح.

    وأما نقله لمذهب الزيدية والهادوية، فلأن هذه طائفة موجودة هناك في اليمن، فهو يذكر أقوالهم في المسائل الفقهية، والظاهر أن بدعتهم بدعة خفيفة لا تصل إلى درجة الكفر، وإنما هم مذنبون كغيرهم، مثل: المعتزلة والأشاعرة، لهم أقوال ينقلها العلماء ويحذرون منها، وكذلك الهادوية إذا نقل مذهبهم وكانت في المسائل الفرعية فهو أمر هين، أما في المسائل الاعتقادية فلا بد أن ينبه على خطئهم فيها.

    تفسير (لا إله إلا الله)

    السؤال: هل يجوز تفسير لا إله إلا الله: إخراج اليقين الفاسد وإدخال اليقين الصادق؟

    الجواب: تفسير لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وأما مسألة إخراج اليقين الفاسد وإدخال اليقين الصحيح، فهذا عند جماعة التبليغ، فهم يقولون: معنى لا إله إلا الله: إخراج اليقين الفاسد وإدخال اليقين الصحيح، واليقين الفاسد إنما هو عند المشرك، ولا يلزم منه أن يكون كل واحد عنده يقين فاسد، إذ يجب على المشرك أن يخرج اليقين الفاسد ويعتقد اليقين الحق، بمعنى: أن يتبرأ من الشرك وأهله، وأن يعتقد أن العبادة حق الله تعالى، وأنه لا معبود بحق إلا الله، ويتبرأ من دينه الأول الذي كان عليه، كالوثنية أو النصرانية، وهذا لا شك أنه فاسد، وقد يتيقن بهذا بعض المشركين، وقد لا يتيقن، فيكون عنده شك وليس عنده يقين، وليس كل مشرك عنده يقين، فبعض النصارى عندهم شك في دينهم وليس عندهم يقين، والمقصود أن هذا ليس على إطلاقه، فقولهم: إخراج اليقين الفاسد ليس بصحيح.

    فالذي يجب على المسلم أن يعتقد العقيدة الصحيحة، وأن يعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله، ويتبرأ من الشرك وأهله، فإذا كان على الشرك فإن عليه أن يتبرأ من الشرك وأهله، ويعتقد الاعتقاد الحق، وهو: أن لا إله إلا الله، وأن الله هو المستحق للعبادة، وأنه لا معبود بحق إلا الله، ويتبرأ من دينه السابق الذي كان عليه، سواء كان يقيناً أم شكاً.

    حكم إطلاق لفظ (واجب الوجود) على الله

    السؤال: ما رأيكم في قول محقق الكتاب واجب الوجود، وهل يصح إطلاق هذا اللفظ على الله لغير حاجة، أو عند الثناء عليه؟

    الجواب: الله تعالى واجب الوجود لذاته، وهذا معنى قوله: هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو أحد لم يتفرع من شيء، ولم يتفرع منه شيء، ليس له أصل ولا فرع، قال الله عز وجل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، بخلاف المخلوق، فإنه موجود بإيجاد الله له، أما الله تعالى فلم يوجده أحد، فهو واجب الوجود لذاته، فهو الأحد الفرد الصمد، ليس له فرع ولا أصل، وليس له ولد ولا والد سبحانه وتعالى.

    الفرق بين واجب الوجود وممكن الوجود

    السؤال: يقول: وما الفرق بين واجب الوجود وممكن الوجود؟

    الجواب: واجب الوجود بذاته هو الله، الذي هو الأول ليس قبله شيء، ولم يسبقه ولم يلحقه عدم.

    أما الممكن فهو المخلوق الذي يجوز عليه الوجود والعدم، فهو إذا أوجده الله وجد، وإن لم يوجده الله صار معدوماً، فالله تعالى يخلق ما يشاء باختياره، والخلق والرزق والإماتة والإحياء كل هذه من أفعال الرب سبحانه وتعالى، فمن خلقه الله وأوجده فقد وجد بعد أن لم يكن، ويجوز عليه العدم.

    معنى (يتوكلون) و(يتكلون)

    السؤال: قال المؤلف رحمه الله: ولا يتكلون إلا عليه. فما رأيكم في هذه العبارة، فلو قال: ولا يتوكلون إلا عليه. وما هو الفرق بين التوكل والاتكال؟

    الجواب: السائل يظن أن العبارة فيها خلل، وأن الأفضل: ولا يتوكلون. فنقول: يتكلون بمعنى يتوكلون، اتكالاً تفيد التوكل بمعنى يتوكل، والتوكل هو: الاعتماد بالقلب وتفويض الأمر إلى الله تعالى.

    والتوكل يشمل أمرين:

    الأمر الأول: فعل الأسباب النافعة المشروعة الجائزة، ثم بعد ذلك تفوض الأمر إلى الله في حصول النتيجة، قال الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23].

    فالمؤمن يتوكل على الله، ويعتمد إلا على الله، ويفوض أمره إلى الله في حصول النتيجة مع فعل الأسباب، وليس معنى التوكل أن تهمل الأسباب، فالله أمرك بفعل الأسباب، فحين تطلب الرزق تبيع وتشتري، أو تحرث وتزرع، فهذه كلها أسباب تفعلها، ثم تتوكل على الله في حصول النتيجة وحصول الرزق، كالطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً، قال عليه الصلاة والسلام: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً) .

    قوله: (تغدوا خماصاً) أي: تذهب في أول النهار ضامرة البطون جائعة، وتروح في وقت الروح والمجيء وقد امتلئت بطونها فلم تجلس في أوكارها، بل سعت فرزقها الله، وكذلك أنت تسعى وتطلب الرزق، ثم تعتمد على الله في حصول النتيجة.

    وكذلك أيضاً في العمل الصالح، فأنت تعمل العمل الصالح، وتجتهد في توحيد الله وإخلاص الدين له، وأداء الواجبات وترك المحرمات، ثم تتوكل على الله في حصول الثواب، وفي الحصول على مرضاة الله تعالى ودخول جنته، كما قال سبحانه: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32] فهذا سبب، وإلا فدخول الجنة برحمة الله والعمل تبع، فالمقصود: أن التوكل يشمل أمرين: فعل الأسباب، ثم تفويض الأمر إلى الله في حصول النتيجة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767529936