إسلام ويب

تفسير سورة فصلت (12)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإنسان إذا لم يستنر قلبه بنور الإيمان، ولم يحقق خصال التوكل والثقة بربه جل وعلا فإنه يبقى متذبذباً بين مشاعر الفرح والحزن والشقاء والسعادة، فإن أنعم الله عليه بإنعامه وفضله أعرض ونأى بجانبه، وجحد رازقه وتكبر على إخوانه، وإذا أصابه شر يئس وتعس ودعا ربه وجأر إليه بأنواع الدعاء، فهو عند الضراء يائس قانط، وعند النعماء متجبر مختال، فأولى له من إنسان.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ [فصلت:49-51].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت:49]، وهذا الإنسان هو عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف وأبو جهل ، وكذلك هذا اللفظ عام في كل إنسان كافر. وقد وصف الله الإنسان في غير ما موضع من كتابه، فمرة بالظلم والكفر، ومرة بالعجلة والجهل، وهذه حال الكافر المظلم القلب، المغطى قلبه بالذنوب والآثام، فمن أراد أن يعالج هذا المرض ليسلم وينجو ويخرج من هذه الدائرة العفنة فعليه بثمان وصفات طبية ربانية، فمن عالج نفسه بهذه الأرقام الثمانية سلمت نفسه وبرئت، وطابت روحه وزكت نفسه، وهي قوله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:19-34]. وهذه الوصفة الطبية وصفها الله خالق الإنسان، والعليم بظاهره وباطنه. وما من إنسان أبيض .. أسود .. أصفر .. في الأولين .. في الآخرين يستعمل هذا الدواء المكون من ثمان وصفات إلا ويصبح ليس بظلوم ولا بكافر، ولا بهلوع ولا بجزوع، ولا غير ذلك، بل ينجو من تلك الصفات.

    وهنا قال تعالى: لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ [فصلت:49]، أي: لا يمل الإنسان الكافر ذو النفس المظلمة مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ [فصلت:49] دائماً، ولا يشبع، بل يسأل الخير والصحة، والمال والعافية، والسيادة والعز والكمال. وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ [فصلت:49] والمرض والفقر والذل فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت:49]. فهو ييأس من روح الله ويقنط من رحمة الله، وعلة ذلك: ظلمة نفسه؛ بسبب الكفر، فهو ما آمن إيماناً حقاً حتى يحيا به ويصبح حياً بين الناس. وهذه هي صفة الكفر، والعياذ بالله.

    وقوله: لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ [فصلت:49]، أي: الكافر أبداً مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ [فصلت:49]. فهو ما يمل طلب الخير ولو يملك الدنيا كلها، وقد قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( لو أن لابن آدم واديين من ذهب لتمنى الثالث، ولا يهلك على الله إلا هالك ).

    والشاهد عندنا: أن هذا الإنسان ما هو بالمؤمن العبد الصالح. فقوله تعالى: لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ [فصلت:49]، أي: لا يمل الإنسان الكافر مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ [فصلت:49]، أي: طلب المال والراحة والعافية في الدنيا، وإن أصيب وابتلي ومسه الشر فلا يرجو الله ولا يسأله، بل هو قنوط يئوس. فنبرأ إلى الله من هذه الصفة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088803273

    عدد مرات الحفظ

    779143117