إسلام ويب

تاريخ القرآن الكريم [6]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان الجمع الثاني للقرآن الكريم في زمن عثمان، فجمعت المصاحف الموجودة وأحرقت بقية المصاحف، وقد رسم هذا المصحف بالرسم العثماني، وهذا الرسم يحتمل الوجوه القرائية الصحيحة؛ لأنه لم يشكل ولم ينقط إلا فيما بعد.

    1.   

    عمل عثمان في وجوه القراءات عند جمع المصحف

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    نأتي الآن إلى مسألة وهي: إذا كان عثمان جمع الوجوه كلها فكيف عمل في هذه الوجوه.

    نقول: الوجوه على قسمين:

    وجوه يمكن كتابتها, ووجوه لا يمكن كتابتها, ما هي الوجوه التي يمكن كتابتها؟ التي بمثل: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا[البقرة:25], (تجري تحتها) هذه يمكن كتابتها, (وصى) و (أوصى), (سارعوا) (وسارعوا) ، وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ[التكوير:24], (بظنين), هذه وجوه يمكن كتابتها وتفريقها في المصحف أو في المصاحف.

    طرق الصحابة في كتابة القراءات في المصاحف

    كيف كانت طريقة الصحابة في كتابتها فيما يمكن كتابته؟ بالاستقراء يمكن نقسمها إلى طرق ثلاثة:

    الطريق الأول: نشرها في المصاحف يعني: يجعلون في مصحف: (وصى) وفي مصحف آخر: (أوصى) , على حسب، هل هي في جميع المصاحف أو في مصحف واحد، أو المقصد أنه توزع بين المصاحف؟ إذاً توزيعها بين المصاحف.

    الطريق الثاني: توزيع الخلاف في المقروء في مصحف واحد, مثل: (إبراهيم) و(إبراهام) يعني: قراءة (إبراهيم) و(إبراهام) في مصحف واحد، نجدها في مصحف واحد ،كتبت (إبراهام) و(إبراهيم) في مصحف واحد, هذا إشارة إلى خلاف في مصحف واحد.

    الطريق الثالث: أن يختاروا أحد أوجه الرسم ويتركوا الأوجه الأخرى للإقراء وهذه قد ينازع فيها منازع، بل أنا لا أشك أنه قد يقع فيها نزاع, لكن أقول: إننا إذا نظرنا إلى ما رسمه الصحابة رضي الله عنهم في مصاحفهم سنجد عندنا ثلاثة أمثلة واضحة جداً, وإن كانت عند بعضهم قليلة؛ لكن نقول: هي معتبرة؛ لأنه كان في القدرة أن يفعلوا هذا وتركوه, فكونهم يتركون في أكثر من مثال يدل على أنهم لا يريدون دائماً النوع الأول، الذي هو التوزيع, هم يوزعون أحياناً ويتركون أحياناً, ولاحظ أن الذي وزعوه في الغالب مرتبط باختلاف حرف أو زيادة ونقص.

    أما إذا اشتبهت الصورة - يعني: تقاربت الصورة - فإنه يتركونه في تقارب, والذي سماه العلماء من بعد احتمالاً، وزادوا في مسألة احتمال فقالوا: أن يوافق الرسم العثماني ولو احتمالاً, من هذا النوع أمثلته: (الصراط) فقد أجمعت جميع المصاحف التي كتبتها بالصاد وقرئت بالسين, و(لأهب) كتبت بالهمزة وقرئت بالياء: (ليهب).

    أيضاً وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ[التكوير:24], بالضاد كتبت في جميع المصاحف وقرئت بالظاء, وهذه الأمثلة ترجعنا إلى القاعدة التي ذكرتها لكم: أن القراءة قاضية على الرسم فيما لو ظن التعارض, وهو لا تعارض؛ لكن ما يأتي واحد يقول: جميع المصاحف بضنين من أين جئتم إذاً (بظنين)؟!.

    قلنا: لا ننطلق نحن من مصحف دائماً.

    وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ[التكوير:24], كلمة: بِضَنِينٍ[التكوير:24], وفيها قراءة أخرى: (بظنين), فلم يجتهد الصحابة أن يكتبوا في مصحف آخر: (بظنين) فتركوها على: (بضنين) لكن القراء الحفظة ثابت عندهم.

    فإذاً: ما صار في إشكالية بالنسبة للنقل في هذا, فتداخل المقروء والمرسوم واضحة جداً في عمل الصحابة رضي الله عنهم.

    هذه الأقسام الثلاثة وإن كان قد ينازع البعض في القسم الثالث؛ لكنه معتبر، وقد نص الإمام الداني في كتابه المقنع في قرابة ثمانين موضوعاً، ما رسم بوجه واحد وله أكثر من قراءة, هذا من أوضحها، التي هي الآيات الثلاث التي ذكرتها لكم.

    إذاً: لا يقال مطلقاً بأن عثمان ترك شيئاً من هذه الوجوه، التي يحتملها الرسم؛ لكنها من ناحية المقروء لم تترك.

    ثم تأتي عندنا الوجوه التي لا يمكن كتابتها, قلنا: إن الصراط فيه ثلاثة أوجه ثابتة، وهي: الصاد والسين وإشمام الصاد زاياً, وهذه ثلاثة أوجه متواترة.

    فهل يمكن كتابة الإشمام كتابة صاد فيها إشمام.

    وإذا قيل: (غيض) وأمثالها فهل فيها الإشمام أم لا؟ وهل يمكن كتابة الإشمام في هذا.

    وأيضاً: نوع آخر من الإشمام: لا تَأْمَنَّا[يوسف:11], فيها إشمام, فهل يمكن كتابة الإشمام في هذا؟ لا، إذاً نلاحظ أن الإشمام وجه قرائي (صوتي) لا يمكن رسمه, يؤخذ بالتلقي.

    الرد على من قال: إن الأوجه القرائية ليست مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم

    هل يمكن لأحد المسلمين أن يقول: إن هذه الأوجه القرائية ليست مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ نقول: بل هي مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي قرآن، أي: من القرآن قطعاً.

    إذاً: الذي نريد أن ننتبه له حتى الوجوه القرائية الصوتية هي مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وسلم, والصوتيات لا يمكن تدوينها ورسمها لكنها تتلقى.

    1.   

    علم الرسم وعلم الضبط

    وهنا نقول: أي معترض على شيء من الصوتيات فإنه يفرق بين متلازمين: بين الحرف المقروء, وطريقة قراءته, فمثلاً: المشتهر المنتشر قراءة حفص عن عاصم , هل يستطيع أحد أن يقرأ: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا[هود:41], أم (مُجراها)؟ ما يستطيع لا بد أن يقول: (مجراها) بالإمالة لأن هذه قضية صوتية ما تكتب, لما نكتب (مجِريها) نكتبها راء وبعدها ياء وبعدها هاء, هكذا رسمها؛ لكن الإمالة هذه لا يمكن رسمها.

    ولهذا فعلماء الضبط لما رأوا مثل هذه أدخلوا علم الضبط فدخل ما يختلط عند علم الضبط بعلم الرسم.

    الصحابة رسموا، والتابعون ومن جاء بعدهم ضبطوا، أي: دخل علم الضبط فيما بعد؛ هذا الذي نراه هو علم الضبط وليس علم الرسم, الذي هو الإِشارة إلى الإشمام أو إلى الإمالة أو غيرها.

    فإذاً: الصوت متلازم مع الحرف لا ينفك؛ ولهذا نجزم يقيناً أن ما ورد عن القراء بالتواتر أنه متلقى من الحضرة النبوية قطعاً بلا ريب؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يدخل في الاجتهاد في مثل هذه الأمور.

    1.   

    مناقشة الآثار الواردة بوقوع الخطأ في الرسم العثماني

    تأتينا مشكلة وهي: الآثار الواردة بوقوع الخطأ في كتابة مصحف عثمان , أي أن: بعص الصحابة نسب خطأ للكاتب في مصحف عثمان ، ويقولون: أخطأ الكاتب أو أن فيه حروفاً ستقيمها العرب بألسنتها، أي: إن عندنا آثاراً بعضها صحيح؛ لكن كيف نرجحها؟ وبعضها باطل ليس فيه حجة, إما منقطع وإما مكذوب, أما الآثار التي قد يكون فيها ضعف لكنها محتملة, كيف نوجه مثل هذه الآثار؟ من جهة المتن، أي: من جهة العقل ليست من جهة الأسانيد.

    هذه رواية عند ابن أبي داود وغيره يقول: عبد الله بن عامر القرشي لما فرُغ من المصحف أوتي به عثمان فنظر فقال: " أحسنتم وأجملتم, أرى فيه شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، وأورد رواية أخرى قال أيضاً: "ستقيمه العرب بألسنتها" قال: أبو بكر بن أبي داود - ولاحظوا هذا الفقه من ابن أبي داود - : أي: بلغتها، وإلا لو كان فيه لحن لا يجوز في كلام العرب جميعاً لما استجاز أن يبعث به إلى قوم يقرءونه, وهذا من فقه النص, أي: هل نتصور أن عثمان لما قال هذا الكلام يثبت أن فيه لحناً أي: خطأ، فهل هو متفق على أنه خطأ ثم يرسل المصاحف إلى الأمصار يقرءون بها؟ لا, لو كان فيه لحن لعدله؛ فتعديل اللحن سهل.

    فإذاً: عثمان إن ثبت عنه هذا فهو لا يريد أنه لحن بمعنى: خطأ, ولكن الذي يحمل عليه كلامه سيأتي كلام الداني في هذا, الذي يحمل عليه كلامه اختلاف المرسوم عن المقروء, الصلاة كيف تكتب؟ الزكاة, (لأذبحن) مكتوبة لا أذبحن, (لأوضع) مكتوبة لا أوضعوا، أي: لو قرأناها بالرسم, لقرأناها: (لا أوضعوا) (لا أذبحن) فتكون نفي.

    فهذا الذي قصد فيه عثمان أن العرب ستقيمه بلسانها؛ لأنه لما يقرأ القارئ الآية: لَأَذْبَحَنَّهُ[النمل:21], ويقرأها: (لا أذبحنه) فهل يستقيم الكلام؟ لا، ما يستقيم؛ لأنه بهذا الرسم فيه نفي للذبح.

    فهذا معنى كلام عثمان : إن المرسوم كونه لا يطابق الملفوظ تماماً؛ فإن العرب ستفهم أنه هذا المرسوم ينطق كذا, وهذا هو الواقع.

    يقول الداني بعد ما ذكر هذه الآثار الواردة عن عثمان , بالرغم أنه ضعف هذه الآثار الواردة عن عثمان لكنه قال: فإن قال قائل: فما وجه ذلك عندك لو صح عن عثمان رضي الله عنه؟ قلت: وجهه أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور في التلاوة دون الرسم, إذ كان كثير منه لو تلي على رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة وتغيرت ألفاظه, ألا ترى قوله: أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ [النمل:21], و وَلَأَوْضَعُوا [التوبة:47], و مِنْ نَبَإِ المُرْسَلِينَ [الأنعام:34], نبأ مكتوبة: مِنْ نَبَإِ [الأنعام:34], ألف عليها همزة ثم ياء, سَأُرِيكُمْ [الأعراف:145], همزة بعدها واو بعدها راء, الرِّبَا [البقرة:275], الراء بعدها الواو بعدها ألف.

    قال: وشبهه مما زيد في الألف والياء والواو وفي رسمه لو تلاه تال لا معرفة له بحقيقة الرسم على صورته في الخط لصير الإيجاب ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله, فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه, مع كون رسم ذلك كذلك جائزاً مستعملاً؛ فأعلم عثمان رضي الله عنه إذ وقف على ذلك أن من فاته تمييز ذلك، وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده سيأخذ ذلك عن العرب، إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم فيعرفونه بحقيقة تلاوته، ويدلونه على صواب رسمه, فهذا وجهه عندي، والله تعالى أعلم. وهذا كلام من محقق، وهو كلام محقق.

    إذاً هذا أحد الأوجه التي نأخذها، أي: في تخريج مثل هذا الكلام أن قصد عثمان : أن صورة المرسوم تخالف الملفوظ, وإذا كانت صورة المرسوم تخالف الملفوظ فنرجع إلى القاعدة التي ذكرتها وهي أن الملفوظ يقدم على المرسوم؛ لأنه هو الأصل.

    إذاً: المقروء حفظاً هو الأصل, والمرسوم صورة له, لو قرأنا من المرسوم وقعنا في هذا الإشكال.

    ومن باب الفائدة: تجدون أحياناً يأتي من حسن النية يأمر بكتابة المصحف إملائياً, طبعاً كتابة المصحف إملائياً هي مخالفة لإجماع عمل الصحابة, لكن من باب الفائدة تاريخياً أنه هناك مصاحف طبعت واتبعت الرسم الإملائي في بعض الكلمات، ليس في جميع الكلمات فخالفت المصحف الإمام؛ لكنها من جهة الإقراء ليست عمدة.

    علماء المغرب هم الذين عنوا عناية تامة بما يتعلق بالرسم والضبط, ولا زالوا إلى اليوم عندهم عناية تامة بالرسم والضبط, وطريقة عنايتهم بالرسم والضبط هي: أن يتعلم الطالب رسم المصحف وضبطه بالتدوين المباشر, ويتعلم الإملاء عند عالم العربية، فيتعلم رسمين: الرسم الإملائي المعاصر, والرسم العثماني, ولا سمعنا أنه في يوم من الأيام استشكل أحد من المغاربة شيئاً أو اختلط عليه الرسم الإملائي بالرسم العثماني.

    إذاً ليس هناك أي إشكالية في قضية الرسم العثماني, الإشكالية عندنا نحن, أي: النقص عندنا نحن وليس في صعوبة هذا الرسم, فالذي صعب يتعلم, لو كان يتعلم الرسم العثماني مع مبادئ التعلم ما وقع إشكال, ولو جرب أحد مع طلابه الرسم العثماني؛ فسيجد أنهم خلال أسابيع يكونون بإذن الله قد تعلموا وفرقوا بين الرسم العثماني والرسم الإملائي، بدون أي صعوبة, وقد يكون صعب لكن يبدأ يتعلم, فيعطيه صفحة يكتبها بدون نقط أو شكل أو زوائد، فيكتب كل يوم صفحتين مثلاً ثم يبدأ بعد ذلك بالتمرس على الكتابة بالرسم العثماني، وبذلك سيسهل عليه هذا الرسم. إذاً ليست الصعوبة في هذا العلم، إنما الصعوبة هي عدم تعلمه، وإلا كيف ضبط العلماء قضية هذا الرسم؟ إلا بقضية الممارسة والتعليم, مشكلتنا أننا لا نتعلم؛ فإذا رأيناه؛ نقول: والله هذا صعب! إلا إذا كان يقرأها من المصحف، لا تأخذوا القرآن من مصحفي؛ لأن سيصحف قطعاً, فإذاً أقول: إنه لا إشكال في قضية الرسم, وإنما الإشكال عندنا.

    هذا الوجه الاول الذي يحمل عليه ما ورد من قولهم: أخطأ الكاتب, أو أن فيه حروفاً ستقيمه العرب بلسانهم.

    الوجه الثاني: أن يحمل التخطئة على عدم علم المخطئ بالوجه المرسوم الثاني, بمعنى: أنه لما يرد عن عائشة رضي الله عنها قولها: أخطأ الكاتب, نقول: من حيث هي صدقت؛ لأنها لا تعلم إلا هذا النوع من الرسم الذي عندها ولا تعلم الوجه الآخر, ويمكن لو رسمت عائشة رضي الله عنها هذه اللفظة وعرضت على الكاتب لقال: أخطأت عائشة رضي الله عنها؛ لأنه لا يعلم إلا هذا الوجه.

    معنى ذلك أن نقول بين قوسين: (تنوع الرسم) , نريد أن نثبت تنوع الرسم, من فقه ابن أبي داود رحمه الله تعالى لما أورد الآثار الواردة عن عثمان في قوله: إن فيه لحناً ستقيمه العرب بألسنتها؛ أورد أثراً مهماً في هذا الباب الذي نذكره، الذي هو قضية التنوع. هذا الأثر عن ابن عون قال: ربما اختلف الناس في الأمرين وكلاهما حق, أنا جلست أتأمل هذا الأثر في كتاب المصاحف لـابن أبي داود , وقد أورده هنا رغم أنه غريب! لكن هذا من فقه ابن أبي داود في هذه المسألة, كأنه يريد أن يشير أن ما قاله عثمان أو ما خطأ به بعض الصحابة؛ الأمر فيه جاء على سبيل التنوع, فاختلف الأمران وكلاهما حق, فالرسم الذي رسمه زيد ومن معه من الصحابة صحيح, والرسم الذي احتجت به عائشة صحيح, أي: اختلاف تنوع. وهذا يمكن أن يرد، بل هو وارد إلى اليوم عندنا مثال ذلك: (شؤون) فهل نكتبها على نبرة أو على واو؟ في خلاف بين الإملائيين, وأيضاً كلمة (الرحمن) فالمغاربة يثبتون الألف, والمشارقة لا يثبتون الألف, وهذا اختلاف تنوع, أي: لو جاء واحد وقال: كتابة (الرحمان) بهذا الرسم خطأ؛ لأنه ما تعود إلا الرسم الذي يحذف الألف, والثاني الذي يكتب الألف في (الرحمن) إذا رأى (الرحمن) من دون ألف قال: خطأ, فيذهب ويعدلها.

    إذاً: هذه قاعدة كلية نحمل عليها اختلاف الصحابة، أو كل نقد ورد من الصحابة في اختلاف المرسوم, وقد يكون بعضه من غير هذا الباب, لكن الذي يدخل في باب اختلاف التنوع, أنها اختلاف كما في المرسومات, وإذا كانت اختلاف في المرسومات؛ فلا إشكال في ذلك.

    بعض القواعد التي بنى عليها الصحابة تدوينهم للقرآن

    إذاً: نتج عندنا مجموعة من القواعد ننتبه لها فيما يتعلق بقضية تدوين المصحف:

    القاعدة الأولى: أن الصحابة كتبوا كما يعلمون من الروسم التي علموها ولم يجتهدوا بافتعال رسم جديد؛ لأن هذا كله من عمل الصحابة.

    القاعدة الثانية: أن الصحابة اجتهدوا في تدوين الوجوه المختلفة من وجوه القراءات التي يمكن كتابتها, أما الصوتيات فأمرها متأخر.

    والقاعدة الثالثة: أن كل صحابي كان يكتب على حسب ما تعلم من الرسم, الذي قد يخالفه فيه غيره.

    ومن الأمثلة الواضحة في قضية هذا التنوع: التابوت، فكان الخلاف بين زيد والصحابة، فـزيد يرى أنها تكتب (التابوه), والقرشيون يرون أنها تكتب (التابوت)، فلما رجعوا إلى عثمان قال: اكتبوها بلغة قريش, أي: بالموافق لملفوظها ومنطوقها فإنه بلسانها نزل؛ فكتبوا (التابوت), هذا من أكبر الأدلة على اختلاف التنوع فيما يبينهم.

    إذا فهمنا ما يتعلق بالمرسوم بهذا الشكل فإنه يزول عندنا إشكال كثير فيما يتعلق بهل وقع خطأ في المرسوم أو ما وقع, هل هناك لحن أو ما هناك، كل هذا يزول.

    ومما يتعلق بهذه المسألة أيضاً هي قاعدة مرتبطة بهذا, أي لحن نسب إلى الكتاب سواءً كان لحناً في العربية أو لحناً في الإملاء؛ فهو خطأ من الملحن الذي أوقع اللحن هذا, الذي يزعم أن فيه لحناً؛ لأنه إذا ثبت أن الصحابة اجتهدوا، حتى لو اجتهدوا في كلام محمد صلى الله عليه وسلم فهو في بذاته حجة عربية، أي: لو تنازلنا مع الخصم هذا التنازل, قلنا: والله هذا من اجتهاد الصحابة أو بزعمك أنه رفع قليل قال: هذا من قول محمد صلى الله عليه وسلم، فيما يزعمون, سواء قالوا بهذا وبهذا، هل يسمى هذا لحناً؟ لا يسمى لحناً؛ لأن هؤلاء ممن تؤخذ منهم اللغة.

    فإذاً: لا يوجد لحن إطلاقاً على أي وجه من الوجوه, ولا يمكن أن ينسب اللحن في العربية إلى القرآن بأي وجه من الوجوه، إطلاقاً.

    قضية ثانية في الإملاء: إذا نسب اللحن في الإملاء؛ فإن القضية ارتبطت باختلاف الاصطلاح, فكل ما تقدم الزمن يختلف الاصطلاح في قضية الإملاء؛ ولهذا الفراء رحمه الله تعالى و ابن قتيبة وهما قريبان من جيل الصحابة, الفراء في مائتين وست, و ابن قتيبة مائتين وست وسبعين. لما جاء عند: وَلَأَوْضَعُوا[التوبة:47], و لَأَذْبَحَنَّهُ[النمل:21], قال: وهذا من سوء هجاء المتقدمين. وأقول: عفا الله عنه في عبارته هذه, فهي في الحقيقة ليست من سوء هجاء المتقدمين, هذا من اختلاف الاصطلاح, وإلا: لو رأينا خط الفراء نفسه الذي رسمه هو وقارناه أو وازناه بالرسم الذي عندنا؛ لقلنا: هذا من سوء هجاء الفراء , مع أنه ليس بسوء هجاء، وهذا هجاء مصطلح عليه في عصره, فإذاً: الهجاء اصطلاح يتغير فلا نحاكم رسم المصحف العثماني بما تغير وتطور من الرسوم بعده إطلاقاً, وهذه قاعدة كلية ينتبه لها.

    إذاً: لا يقال: إن هناك خطأً إملائياً أو إن الصحابة ما كانوا يعرفون الكتابة فهذا ليس بصحيح إطلاقاً, بل كانوا يعرفون الكتابة وكتبوه واجتهدوا فيه كما وصلنا, وهو اليوم ولله الحمد والمنة موجود عندنا وبين يدينا, تريدون أن تنظروا إلى رسم الصحابة؟ أي واحد منكم يمكن بالفوتوشوب أو غيره يأخذ صفحة من المصحف ثم يزيل كل ما يتعلق بالشكل والنقط ويبقي فقط سورة الكلمة ويتأملها, ينظر هذا هو رسم الصحابة، بس بخط نسخ جميل، الذي هو الخط الحادث, وإلا فهو نفس رسم الصحابة بدون نقط ولا شكل.

    1.   

    مواقف ابن مسعود من جمع المصحف

    مناقشة موقف ابن مسعود من الرسم العثماني

    نأتي إلى آخر درس اليوم وهي: ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وموقفه من المصحف, الذي هو الجمع العثماني:

    ابن مسعود رضي الله عنه استشكل استشكالاً في قضية جمع المصحف, كيف يؤخر عن جمع المصحف ويقدم زيد بن ثابت ويقول: وإني قد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وإن له ذؤابتان يمشي بهما في المدينة, أي: كان صبياً صغيراً.

    وقد وجد ابن مسعود على أنه لم يجعل في لجنة المصاحف, وكان هذا أول اعتراض عند ابن مسعود .

    حينما نتكلم عن هذا الأمر يجب أن يكون عندنا قمة في الاعتدال في هذا الموضوع؛ لأنا نتكلم عن صحابي من أشهر صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم عناية بالقرآن, وهو من السابقين للإسلام ومشهود له بالجنة، هذا جانب, وفي جانب آخر أيضاً يجب أن ننتبه له فإن الصحابي ليس معصوماً, فعندنا جانبان, وهذا من باب العدل؛ لأن البعض قد يوقفه تعظيم الصحابي عن الوصول إلى الحق في هذه المسألة؛ فيقع عنده إشكال, فلأن الإشكال سيقع عندك إذا بدأت تتأول كأنك في النهاية تجعل للصحابي العصمة، وتنزهه من أن يقع منه الخطأ, لكن الاعتدال هو المطلوب؛ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا[الأنعام:152].

    فنلاحظ أن ابن مسعود رضي الله عنه في هذا المقام رضي الله عنه قد وقع في خطأ واضح, وليس هذا قولي بل قول الصحابة وخطأوه منهم: أبو الدرداء و أبو موسى الأشعري وحتى تلاميذه رضي الله عنه الذين كانوا قريباً منه, أي: اعترفوا بخطأ ابن مسعود , وهذا يرجع إلى مسألة مهمة جداً يجب أن ننتبه لها، وهي أنه مهما كان للإنسان علواً وشأناً ورفعة فإنه يبقى للنفس حظاً, ولكل جواد كبوة؛ فهذا الحظ من النفس قد يؤثر في أحد الأماكن أو في أحد الأزمنة عليه فيقع منه ما لا يحب أن يكون قد وقع, لكن قدر الله أنه وقع؛ فلا بد أن نناقش المسألة كمسألة علمية مجردة.

    وهنا ننتبه إلى هذه المسألة؛ لأن كثير من الناس إذا كان عالماً معناه: أنه معصوم، أو نضعه في منزلة معينة, فإذا رأيناه صنع شيئاً لا نستطيع أن نتعامل مع هذه الأخطاء.

    إذاً: نجعل المسألة مبنية على هذا: و وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا[الأنعام:152], منزلته كصحابي سابق في الإسلام، من قراء الصحابة، فهذه لا يجادل فيها إطلاقاً, لكن نتكلم عن موقفه هذا, هل أصاب أو أخطأ؟

    الصحابة أنفسهم رضي الله عنهم الصحابة أجمعوا على أنه أخطأ؛ لأنه ما في أحد وافقه, فلما لم يوافقه أحد دل على أنهم خطأوه في هذا, فاعتراضه لتقديم زيد رضي الله عنه مع أنه تلقى من النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ مشافهة من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا الاعتراض في غير محله؛ لأنه إن كان هذا الاعتراض يصح فلماذا لم يقم في عهد أبي بكر , والذي كان الأمر أكثر خصوصية، فـزيد كان يتولى أكثر من الآن, ولم يكن معه في عهد أبي بكر أحد, ما كان معه إلا عمر يسنده، ويساعده في هذا, وإلا فهو المسؤول الأول عن جمع القرآن أما في عهد عثمان فقد وجد له ثلاثة يساعدونه.

    فإذاً نقول: إنه كان من المفترض أن يكون هذا الاعتراض في عهد أبي بكر وليس في عهد عثمان .

    القضية الثانية: أن الاعتراض الذي بنى عليه ابن مسعود ليس اعتراضاً علمياً؛ فكون زيد بن ثابت رضي الله عنه كان صغيراً ما له علاقة بكونه قادراً على أن يتولى هذه المهمة، أو لا؟ هذه مسألة ما لها علاقة بالحدث.

    لم يتهم إذاً: ابن مسعود علم زيد , وإنما استشكل صغر سنه لما كان هو يتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه مسألة خرجت عن المسألة التي يناقش فيها؛ مما يدلك على أن ابن مسعود قد أخذ في نفسه الشيء الكبير الذي جعله يقول مثل هذا.

    أيضاً تقديم الصحابة زيد بن ثابت لهذا العمل، وقد أجمعوا على تقديمه؛ لأنه لم يعترض عليه أحد سوى ابن مسعود ، فمع ذلك كل الصحابة موافقون لـعثمان , وتقديمهم له على هذا العمل ليس معناه الغض من منزلة ابن مسعود ، بل ابن مسعود قام في بضعهم وقال: والله إني قد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة, وإني ما من آية إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت, كلهم يوافقونه على هذا ولم يخالفونه, لكن أنكروا عليه اعتراضه على تقديم زيد ، والذي ليس له من مبرر في نظرهم.

    فإذاً: المسألة ليست مسألة كونك أنت أعلم فقط, بل هناك اعتبارات أخرى, فـزيد هو الذي سبق أن كتب في عهد أبي بكر رضي الله عنه, وهو الكاتب الخاص للوحي، وعنده مبررات أكثر من المبررات التي عند ابن مسعود , وشهد العرضة الأخيرة أيضاً, ونلاحظ أن ابن مسعود لم يحتج بأنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن.

    فإذاً: المقصد من هذا أن نقول: إن الذي قام به ابن مسعود رضي الله عنه يجب أن ننتبه له أنه قضية شخصية وانتهت, لا يعول عليها وإنما يستفاد منها.

    ومن القضايا التي يمكن أن تضاف: أن زيداً رضي الله عنه لما جمع المصحف لم يجمعه من نفسه أو جمع بالقراءة التي كان يقرأ بها, بل أخذ من مصحف أبي بكر ، أي: ليس عملاً خاصاً بقراءة زيد فقط؛ لأن بعض الآثار فيها أن ابن مسعود قال لهم: تريدونني أن أقرأ على قراءة زيد ؟

    لم يقل أحد من الصحابة لـابن مسعود أن يقرأ بقراءة زيد ؛ والدليل على ذلك: أن الموجود الآن ليس هو قراءة زيد في القراءات المتواترة، ولم تنسب إلى زيد إلا بعضها.

    فهذه مسألة فيما يتعلق باعتراض ابن مسعود على زيد بن ثابت نأخذها بهذا الإطار؛ لأنها مسألة شخصية ويغفر الله سبحانه وتعالى لـأبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود , ونعلم أنه من السابقين وهي كبوة لا تساوي شيئاً في مزاياه الكثيرة جداً, لكن ما نأخذها مثل ما أخذها الطاعنون ونجعلها حجة فنقول لهم: هذه ثابتة عندنا ونعرفها، ولكن لا يقوم الفرد ضد المجموع, فهو واحد أمام مجموعة؛ فيقدم إجماع الصحابة في مثل هذا الأمر.

    إنكار ابن مسعود كون المعوذتين من القرآن

    مسألة أخرى فيما يتعلق بـابن مسعود رضي الله عنه: وهو أنه يقولون.. وهو ثابت عنه عموماً إنه كان لا يرى المعوذتين من القرآن, يقول علقمة : كان ابن مسعود يحك المعوذتين من المصحف ويقول: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما, وكان عبد الله لا يقرأ بهما. فهذه المسألة.

    لم ينكر ابن مسعود أنها نازلة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بها. فلم ينكرها مطلقاً، إنما أنكر جزئية معينة، وهي أنها من القرآن.

    وهذه فائدة مهمة فيما يتعلق بتاريخ في القرآن: ابن مسعود وحرصه على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، فجهله رضي الله عنه أن تكون المعوذتان من القرآن, غير ممتنع عقلاً؛ لأن الصحابة كثر, فهو غير ممتنع.

    فـابن مسعود عندما يقول: لا تخلطوا بالقرآن ما ليس فيه؛ فإنهما معوذتان تعوذ بهما النبي صلى الله عليه وسلم، فهو فاهم أنها معوذات تعوذ بها النبي صلى الله عليه وسلم مثل أي دعاء يتعوذ به النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدر أنهما قرآن؛ فإقراره بأنها معوذات جزء، وإنكاره جزء آخر, نحن نناقش إنكاره، هل أنكر أحد من الصحابة هذا غيره؟ نقول: لا, بل إن تلاميذه -فيما بعد- لم يأخذوا بقوله.

    فإذاً نحن الآن أمام من يعلم ومن لا يعلم, ومن يعلم حجة على من لا يعلم, فما بالك إذا كان الذي يعلم هو كل والذي لا يعلم واحد؟! فكل الصحابة سوى ابن مسعود يثبتون ذلك، فلا يحتج محتج مثل ما فعل بعض المستشرقين وبعض المغرضين من الملحدين لا يحتج بمثل هذا؛ لأن المسألة عقلية ما تحتاج إلى مثل هذا, بل إنه يلتمس عودة ابن مسعود عن هذا الرأي, نلتمسه من أحد طرق الكوفيين في القراءة التي تصل إلى ابن مسعود ، أي: ابن مسعود و علي بن أبي طالب و عثمان .

    فـابن مسعود أحدهم, وإذا جاء إنسان يأخذ القراءة عرضاً كاملاً أو مشافهة كاملة, أي: إما سماع كامل أو عرض كامل, فهذا يلتمس منه أن ابن مسعود رضي الله عنه رجع عن هذا؛ لأنه لا يتصور من يكون بجلالة علم ابن مسعود أنه ينكر هذا ويتركه بعد أن يتبين له.

    فإذاً: نقول: إن هذا وإن كان مذهباً له إلا أنه رضي الله عنه قد ترك هذا بهذه الدلالة.

    طبعاً: بعض العلماء حين يأتون لمثل مسألة إنكار ابن مسعود تجدهم يتأولون ويذهبون يمنة ويسرة مع أننا لسنا بحاجة إلى هذا القول, أي: أن الحق واضح وأبلج, فلسنا بحاجة إلى شيء من التأولات المرتبطة بعمل ابن مسعود رضي الله عنه.

    امتناع ابن مسعود من حرق مصحفه

    القضية الأخيرة التي أشكلت في مسألة ابن مسعود هي قضية حرق المصاحف, أي: عندما امتنع ابن مسعود رضي الله عنه عن حرق مصحفه, والصحابة كلهم أحرقوا مصاحفهم وأحرقوا ما عندهم, هذه القضية من ابن مسعود وكان شديداً فيها وكان يقول: غلوا مصاحفكم؛ فإنه من يغلل يأتي بما غل يوم القيامة. هذا العمل منه رضي الله عنه عمل فردي وليس عملاً جماعياً, بل إن أبا الدرداء و أبا موسى الأشعري جاءوا إليه في بيته يطلبون منه المصحف، ويؤكدون عليه أنه يعطيهم المصحف فيرفض.

    فإذاً: هذا مذهب شخصي خاص به, ولم يؤثر هذا لا على جلالته من جهة ولا على نقل المصحف من جهة أخرى, فهذه المواقف التي ذكرناها عن ابن مسعود رضي الله عنه إذا تأملناها بعين العقل والحكمة نجد أن بعضها آراء شخصية خاصة به مخالفة لرأي كل الصحابة؛ فلا تؤثر على نقل القرآن، وبعضها - الذي هو خاصة بما يتعلق بالمعوذتين - فيه إشارة واضحة من أنه رضي الله عنه قد رجع إلى ما كان عليه الصحابة من قضية المعوذتين؛ لأن إحدى طريق الكوفيين عنه تدل على أنه رجع.

    وهناك أثر ورد عن ابن مسعود نقله أبو وائل شقيق بن سلمة يقول: إني سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم وإياكم والتنطع؛ فهذا القول من ابن مسعود كان فيه إشارة وإلماح إلى أنه بعد أن هدأت الأمور وسمع هذه القراءات كأنه قال مثل هذا القول, فهذا إشارة إلى تراجعه عن هذا المذهب الذي كان يتمسك به, ثم لو افترضنا جدلاً أن ابن مسعود بقي متمسكا ًبجميع هذه الآراء؛ أنكر المعوذتين جدلاً ومات وهو غير راض عن عمل زيد , ومات وهو قد غل مصحفه, فهل يؤثر عقلاً على نقل القرآن؟ لا، ما يؤثر مع أنه من كبار علماء القرآن لكن هناك كبار آخرون أيضاً.

    فالمقصد من ذلك أن العقل لو قلنا بهذا الإقرار يجزم يقيناً أنه لا أثر له في نقل القرآن, والدليل على عدم وجود الأثر في نقل القرآن موقف ابن مسعود السابق والتي لم يكن لها تأثير سلبي, وقد جمع بعض الناس قراءة ابن مسعود وهي موجودة, لكن ما قيمتها العلمية من جهة القراءة، الإقراء؟ ما لها أي قيمة علمية.

    فإذاً: كل هذه المواقف حتى لو ثبتت ومات عليها ابن مسعود لا تؤثر على نقل القرآن مطلقاً, ويبقى في نفوسنا جلالة هذا العالم الكبير من علماء الصحابة رضي الله عنهم, وهو من أجل علماء الصحابة في القرآن؛ لكن مع ذلك لم يغفل الصحابة عمله, فقد ذكر لـعمر بن الخطاب : أن رجلاً يملي المصحف على الناس فغضب عمر ، فلما قيل له: إنه ابن مسعود ؛ هدأ وقال: كنيف ملئ علماً, ويدل على أن الصحابة كانوا يعرفون منزلة ابن مسعود , ما كان أحد منهم يخفى عليه منزلة ابن مسعود , لكن مع ذلك لم يوافقوه على خطئه.

    ونقول: مثل هذه المواقف أيها الإخوة: يجب أن نتأدب ونأخذ الأدب الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم. ولو كان عندنا اليوم لقال بعضهم: يهجر, وبعضهم قال: يفعل به كذا, والآخر قال: هذا مبتدع ضال.. إلى آخره, ولم يكن الصحابة عندهم مثل هذه الأساليب في التعامل.

    فإذاً: يجب أن يكون من القصص والأمثال التي نأخذها في تعامل الصحابة فيما بينهم مثل هذا.

    وقد يحتد النقاش فيما بينهم, وقد تصدر عبارات فيها شيء من الثقل، لكن كانت النفوس كلها صافية وليس بينهم أي شيء, فعندما دخل أبو موسى الأشعري و أبو الدرداء عليه يلزمونه بالقوة أن يأخذوا مصحفه وهو يرفض, ومع ذلك انتهى الأمر كأن لم يكن, و ابن مسعود هو ابن مسعود ، محفوظ له كرامته وعلمه, وهؤلاء الصحابة هم الصحابة لم يتغير أي شيء, لكن مع الأسف! لو نختلف اليوم على مسألة فرعية من مسألة فرعية بمسألة فرعية؛ لأقمنا عليها ولاءً وبراءً وصارت نفوسنا فيما بيننا والعياذ بالله متقاطعة متدابرة, وهذا لا شك أنه خلل كبير في تعلم الأخلاق, ولذلك فقد كان علماؤنا المتقدمون أيام الخليل بن أحمد يؤدبون ثم يعلمون, وهذا في الحقيقة هو الصحيح, ولكن مع الأسف! صرنا نتعلم ثم لا نتأدب, إلا من رحم الله, فإذاً: يجب أن يكون باب الأدب والأخلاق قائماً.

    1.   

    الأسئلة

    تنوع القراءة في الصلاة

    السؤال: لماذا لا تقوم مساجدنا وأخص الحرمين بتنويع القراءات في المساجد, ولماذا لم نسمع من علمائنا ومشايخنا لكي نصبح مثل عهد الصحابة والتابعين.

    الجواب: لأنه حينما يستقر وضع معين, فليس من المصلحة أن تعود إلى أوضاع سابقة قد تورث الخلل عند جمهور العامة, ولهذا ما حاجة العامة إلى أن يسمعوا قراءة الدوري أو قراءة هشام ؟ ليس هناك أي حاجة, فبقاء العامة على قراءة واحدة والمحافظة عليهم واجتماع الكلمة أولى, لكن إذا كان في المحافل العلمية أو افترض لو أنكم طالعين طلعة ترويحية ومعكم أحد القراء وقرأ في المغرب برواية وفي العشاء برواية أخرى؛ هذا ما في إشكال بين طلبة العلم, أو إنسان في بيته من المقرئين أو مع مجموعة يعرفهم يقرأ بهم ما في إشكال, لكن انتبهوا إلى مسألة العامة أنه لا يلبس عليهم, فهذه مسألة مهمة. ولسنا بحاجة إلى هذا التنوع, ولو ذهبت إلى المغرب فستجدهم يقرءون برواية ورش ، وبعض أجزاء من السودان وإفريقيا يقرءون برواية الدوري وهو موجود, ولو قرأت عليهم برواية حفص لألبوا عليك العامة؛ فليس من المستحسن لمن كان يقرأ بقراءة حفص أن يؤم هناك؛ لأنه قد يلبس على العامة إذا كانوا لا يعلمون.

    طريقة ابن مسعود في التعامل مع أصحاب البدع

    السؤال: عمل ابن مسعود يجعلنا أن نقبل بما قال من نهيه عن البدعة في بلاد العراق؟

    الجواب: ابن مسعود كان في طريقته في التربية والتعليم كان فيه نوع من الحزم والشدة، ولا يعني هذا أن كل ما يصدر عنه يكون من هذا الباب؛ فهذا غير مقبول بل نقول: إنه ما ذكره فيما يتعلق بالبدع والنهي عن البدع مقبول أصلاً وفصلاً.

    دلالة تولي زيد بن ثابت جمع القرآن

    السؤال: هل يمكن أن نقول: إن زيد بن ثابت كان من بين الصحابة مميزاً إن صح التعبير وكان صاحب المهمات الصعبة.

    الجواب: لا، هو مميز في هذه المسألة؛ وصاحب هذه المهمة الصعبة؛ لكن المهمات الصعبة كانت كثيرة بين الصحابة، هذا أحدها فاختاروا من هو أقدر على ذلك، وقد قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اقتدوا باللذين من بعدي ), فإذا أضفنا إلى سنة الخلفاء الراشدين إجماع الصحابة فيدل على أن اختيار زيد كان موفقاً بلا ريب.

    ثم قال: إذ كان لـأبي بكر الصديق في تقديمه سلف, فقد قدمه النبي صلى الله عليه وسلم يوم قال: ( يا زيد تعلم لغة يهود فإني أخشى على القرآن منهم ), ولا أدري عبارة: (أخشى على القرآن منهم) ما أعرف عنها، لكن قال: ( لأنه تردني منهم كتب ), الذي أذكر.

    وهذا لا شك أن زيداً كان عنده قدرة في تعلم هذه اللغات ورسمها, فتعلم في عشرين يوماً كما ورد عنه في الصحيح.

    لكن عبارات معاصرة وإعلامية كعبارة (رجل مهمات) إلى آخره, فاستخدامها لا بأس به, لكن لا يعني أنه في كل شيء وإنما في هذا؛ لأن الصحابة كان كل واحد منهم تجده تخصص في أمر أو أمرين أو ثلاثة ويحسن أن يعمله، لا يحسنه غيره, مثل: أبي ذر هل يصلح أبو ذر أن يكون أميراً؟ لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن ذلك, ولهذا لما جاءت قضايا تتعلق بالأمارة والحكمة في سياسة أمور الناس كان أبو ذر رضي الله عنه يعارض فيها عثمان ويعارض فيها معاوية , فما كان رضي الله عنه مصيباً فيها؛ لأنه ليس من بابه, لكن باب الزهد والتواضع والورع كان هذا بابه رضي الله عنه فكان قمة في هذا الباب.

    الكتب التي تعنى بتاريخ القرآن

    السؤال: ما هي الكتب التي تعتني بموضوع تاريخ القرآن؟

    الجواب: لا يوجد كتاب في هذا الموضوع، وإنما جمعتها من مجموعة كتب, لكن من باب الفائدة أذكر لك: موقف ابن مسعود من جمع عثمان , أفضل من كتب فيه الدكتور عبد الله الجديع في كتابه "المقدمات الأساسية" فهو أفضل من كتب فيه.

    وفي الحقيقة كتابته محررة جداً, فقد تخلص من بعض الإشكاليات التي ترد عن البعض حينما يريد أن يكتب على موضوع يقف أمامه ابن مسعود كجبل وعالم من علماء الصحابة لا يستطيع أن يتجاوز من باب الاحترام له, فيقع في محاولة تأويلات لعمل ابن مسعود وهو ليس بحاجة إلى هذا, فأفضل من كتب في هذا بالذات والذي ذكرته لكم الآن جله مما ذكره الدكتور عبد الله الجديع في كتابه "المقدمات الأساسية" في موقف ابن مسعود بالذات.

    وهناك كتابات أخرى متناثرة, بعضها رد على المستشرقين مثل: مقدمة صاحب المصاحف، الذي حقق المصاحف، الذي هو الدكتور محب الدين عبد السبحان ، وفي مقدمته أشياء مهمة جداً في تاريخ القرآن.

    وأيضاً سليم الهلالي لما حقق الكتاب بعد الدكتور محب الدين له لفتات، في الرد على المستشرقين يمكن أن يستفاد منها, وعندما نذكر بعض الشبه ونرد عليها, ليست مقصداً؛ لأن الحديث عن تاريخ القرآن يجب أن يكون فيه نوع من البحث العقلي في بعض القضايا, المرتبطة بالواقع الذي كان يعيشه الصحابة بحيث لا يدخل علينا بشبه وتلبس علينا, ولو فتحت الإنترنت في بعض المواقع تجد أن بعض المسلمين عندما تأتيه شبه من الرافضة أو شبه من بعض المنصرين أو يقرأ كتاب فتقع عنده عن الشبه؛ لأنه ليس عارفاً بتاريخ القرآن, وهذا كتابنا المقدس إذا ما كنا نعرف نحن تاريخه ولا نستطيع أن ندافع عنه فمشكلة, فنحتاج إلى أن نتعلم ونعرف هذا الموضع.

    وهناك كتب في تاريخ القرآن لكنها كتب وصفية وتذكر فقط: جمعه فلان فعل فلان كتب فلان فقط, لكن ما تحلل المرحلة هذه، وتحاول أن تخرج ببعض الإشكالات وتبينها, وتبين بعض هذه القضايا، وإن كانت قد تثور مشكلة أو شبهة إلا أنه في النهاية لا تؤثر على نقل القرآن, وهذه غير موجودة، ولا أذكر كتاباً في هذا المنوال.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756197486