إسلام ويب

فقه الأسرة [3]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله لعباده النكاح، وجعل له شروطاً كالصداق ومعرفة رضى الثيب، وقد يشترط الناس في النكاح شروطاً هي محل خلاف بين العلماء؛ كاشتراط المرأة عدم التعدد، وهذا لا ينبغي لأنه مخالف لشرع الله تعالى الذي أباحه، ويعد طعناً في رسول الله وصحابته الذين عددوا الزوجات، وهو ما يسعى إليه أعداء الإسلام لإفساد الأسرة المسلمة، وللتعدد في الزوجات فوائد كثيرة يجهلها كثير من النساء.

    1.   

    بعض الشروط العامة للنكاح

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:

    فقد تحدثنا على أركان النكاح, وما لتلك الأركان من شروط, وقد ذكرنا بعض شروط النكاح العامة، وسيكون الحديث اليوم أيضاً -إن شاء الله- عن الشروط في النكاح، وما يتعلق بذلك.

    كون الصداق مالاً متمولاً مملوكاً منتفعاً به

    أما تلك الشروط العامة الباقية؛ فمنها ما يتعلق بالصداق فإنه يشترط أن يكون مالاً متمولاً، فإن كان غير متمول كالخمر والخنزير ونحو ذلك مما لا نفع شرعي فيه؛ فاختلف أهل العلم في النكاح هل يبطل بذلك أم يكون النكاح صحيحاً والشرط باطلاً؟

    وإذا كان الصداق من مال لا يجوز تملكه كالخمر والخنزير, وكالمحرم الأكل كالحمار ونحوه مما لا يحل أكله إذا أشرف على الموت، فقد اختلف في هذا النكاح هل هو صحيح، فيصحح العقد، بصداق آخر غير الصداق المشروط، أو يبطل العقد أصلاً لأنه سبق أن الصداق ركن من أركان النكاح؛ لقول الله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] فالأصل فيها الإنفاق ويمكن أن تكون لتعدية، وسوف يكون النكاح حينئذٍ مما لا يمكن أن يتصور إلا منها.

    وكذلك: إذا كان الصداق مما يجوز تملكه؛ لكن لا انتفاع به، لا لذاته ولكن لقلته كالأرز مثلاً، أو نحو ذلك، فهذا من تمول مملوك لكن لا انتفاع به لقلته لا لتحريم عينه.

    فكذلك اختلف هل يصحح النكاح بأن يجعل العقد على أقل الصداق، وقد سبق أنه ثلاثة دراهم عند الجمهور، أو يبطل النكاح أصلاً لأن العقد لم يكن على منتفع به.

    كذلك: إذا كان الصداق ديناً، فإن كان مؤجلاً إلى أجل يبلغه عمرهما عادةً صح النكاح قطعاً، كما إذا كان الصداق ديناً لسنة أو سنتين أو نحو ذلك ويبلغه عمرهما عادةً، بخلاف ما إذا كان الصداق بأجل لا يبلغه عمرهما عادة أو أحدهما، كما إذا كان إلى ثلاثين سنة، وعمر الزوج أو الزوجة قد وصل إلى الستين، أو السبعين مثلاً؛ فحينئذٍ لم يختلف أهل العلم في أن العقد يصحح بصداق آخر إلا بصداق المثل أو لأقل صداق، فصداق المثل يختلف باختلاف النساء، فصدقاتهن على اعتبار نظائرهن فينظر إلى أواسط نظائرهن في البلد من ناحية القرابة والسن، فتقاس على أواسط أهل بلدتها وقرائبها، وإذا صحح بأقل الصداق فقد سبق الخلاف فيه, والترجيح أنه ثلاثة دراهم وهو النصاب المحدد كذلك في قطع يد السرقة كما سبق.

    رضا المرأة الثيب

    كذلك من هذه الشروط العامة: أنه يشترط رضا المرأة إذا كانت ثيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الثيب أملك لنفسها من وليها )؛ ولأنه قال: ( البكر تستأمر وإذنها صماتها، والثيب أملك لنفسها من وليها )؛ فلذلك لا يمكن أن تجبر وهي ثيب، والثيب تُعْرِب أي: تصرح برغبتها أو رفضها؛ فإن رضيت صح النكاح وإلا كان النكاح كعقد ... وقد سبق البحث فيه، إذاً الراجح: بطلانه إلا إذا كان... كما سبق في حديث عائشة في نكاحها لابنة أخيها عبد الرحمن بن أسعد بن الزبير رضي الله عنهم.

    وإذا رفضت البكر، وأراد والدها تزويجها بغير رضاها فهو كذلك مكروه، ولكن الراجح صحة النكاح حينئذٍ؛ لأنها قد تؤثر عليها العاطفة في وقت ثم يزول عنها ذلك فيما بعد، وهو أدرى بمصلحتها، وعليها الاستجابة له إذا اختار الأب على أساس مصلحتها هي لا على أساس مصلحته هو، وإن علم أنه قدم مصلحة نفسه على مصلحة المرأة فيعتبر حينئذٍ عاضلاً، ويرفع القاضي يده عن الولاية، ومثل ذلك ما لو عضلها أو منعها من النكاح بكفء؛ فتعدد ذلك، والتعدد مختلف فيه وهذه قاعدة عامة، بم يحصل التعدد؟ أو بم يكون الشيء عادة؟ ففي قول المالكية وهو رواية عن الحنابلة: أن التعدد المقصود به المرة الثانية، فإذا حصل مرة أولى لن يعتبر ذلك عادةً فإن عاد فوقع على نحو ما وقع أولاً كثر تعدده.

    وقالت طائفة أخرى: بل المقصود التكرر ثلاثاً بأن يحصل في المرة الثالثة؛ فلا يكون التعدد إلا بذلك، ونظير هذا، العادة في الثيب، فالمرأة إما أن تكون مبتدئة وإما أن تكون معتادة، فالمبتدئة هي التي تحيض لأول مرة أو لثاني مرة، على القول: بأن التعدد يشترط له ثلاث، والمعتادة هي التي تكرر عليها حول في نفس الوقت، ثلاث مرات، أو مرتين على القول: الوارد، ونظير ذلك ما خلافه في العزم أيضاً بم يحصل التعدد فيه، فإذا عضلها عن كفء واحدٍ فلا ترفع يده عن ولايتها، واحتمال أن يكون هو يعرف في ذلك الكفء ما لا يستطيع التصريح به من العيوب، فإن تعدد ذلك نزعت ولايته عنها ويزوجها فيها القاضي بغير إذن ذلك الولي.

    وبعض العلماء قد يخالف في هذا الأمر، فيمنع موليته، يعضلها لمصحته هو لا لمصلحتها هي، وذلك مخالف للشرع، وهو خيانة للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وغش بها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الصحيحين أنه قال: ( ما من والٍ يوليه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )؛ ولذلك لا بد من نصيحة من ظهر منه هذا الأمر، ولا بد أن يبين له الحكم الشرعي فيه، وأن يزجر عن مخالفته.

    1.   

    الشروط في النكاح والوفاء بها

    أما الشروط في النكاح: فإنما يشترطه الولي أو المرأة أو الزوج، في عقد النكاح من الشروط، وهذه الشروط الأصل عدمها، الأصل في العقد ألا يشترط فيه أي شرط، وهكذا أصل العقود الشرعية كلها أنها خالية من الشروط.

    خلاف العلماء في الشروط في العقد

    أما إذا اشترط فيها شرط فقد اختلف أهل العلم فيه؛ فمنهم من منع إدخال الشروط في العقود مطلقاً ورأى بطلان العقد بالشرط، وهو أبو حنيفة رحمه الله, واستدل بما حدث به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم، (نهى عن بيع وشرط)، وقاس أبو حنيفة جميع العقود على البيع، فقال: كل عقد تضمن شرطاً فالعقد باطل والشرط باطل، وذهب بعضهم إلى بطلان الشرط وبقاء العقد، أي على أن العقد صحيح، وأن الشرط باطل، وذهب آخرون إلى أن العقد صحيح والشرط صحيح، وذهب آخرون إلى التفصيل، وقد روى بعضهم في هذا قصة حصلت لأحد المستفتين، فقد جاء إليه ابن أبي لؤلؤة فسأله عن بيع وشرط، جاء إلى أبي حنيفة أولاً فسأله عن بيع وشرط، فقال: الشرط باطل والبيع باطل، فسأل ابن أبي لؤلؤة ، فقال: العقد صحيح والشرط باطل، فذهب إلى ابن شبرمة فقال: العقد صحيح والشرط صحيح؛ فعاد إلى أبي حنيفة فقال: أسمعت ما قال: صاحباك؟ فاخبره به فقال: ما أدري ما قالا، غير أنه حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( نهى عن بيع وشرط )؛ فالعقد باطل والشرط باطل، فرجع إلى ابن أبي لؤلؤة فأخبره، فقال: لا أدري ما قالا غير أن هشام بن عروة أخبرني عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشترطي لهم الولاء وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق)، فرجع إلى ابن شبرمة فقال: لا أدري ما قال، غير أن ابن شهاب حدثني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، (اشترى منه جملاً فشرط عليه حملانه إلى المدينة)؛ فالشرط صحيح والعقد صحيح.

    ومالك رحمه الله كان يرى تفصيلاً في هذا؛ فيرى أن الشروط تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: شرط يتضمنه العقد ولا ينافيه، فهذا سواء ذكر أو لم يذكر فهو يلازمه، فالاشتراط في النكاح كاشتراط النفقة في النكاح، او اشتراط العدل، أو اشتراط الصداق مثلاً، فهذا يتضمنه العقد أصلاً ولا ينافيه، ومثله شرط: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]؛ فهذا الشرط يتضمنه العقد أصلاً سواء ذكر أو لم يذكر؛ فلا حرج في ذكره، وهو لازم أصلاً ذكر أو لم يذكر.

    القسم الثاني: شرط ينافي العقد أصلاً، كاشتراط ألا توارث بينهما، أو ألا تأتيه إلا نهاراً، أو ألا يساكنها في قريته؛ فهذا الشرط منافٍ لمقصد العقد أصلاً، وهو مبطل للعقد إن تعلق بذات العقد كما ذكر أو في محله، فإن تعلق الشرط بأمر آخر كالصداق ونحوه فيبطل الشرط، ويصحح العقد حينئذٍ.

    القسم الثالث: شرط لا يتضمنه العقد ولا ينافيه، كاشتراط ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها؛ فهذا يصحح ويكره جعله في العقد، فيكره للولي أن يفعله في العقد ويكره الاتفاق على ذلك, ويكره للعاقد مطلقاً الإقدام على هذا؛ لأنه مخالف للسنة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم إدخال الشروط في العقود.

    حكم الوفاء بالشروط في العقد

    ومع ذلك فإنه يلزم الوفاء به إن كان مباحاً شرعاً؛ لما أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )، وقد اختلف أهل العلم في تفسير قوله: ( إن أحق الشروط )، ما هي الشروط المقصودة هنا؟ فقالت طائفة منهم: إن المقصود بالشروط، هي الشروط في العقد، كشرط ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها، وقالت طائفة أخرى: بل المقصود بالشروط العقود بذاتها، فإن العقد يسمى شرطاً، عند طائفة من أهل العلم؛ ولذلك يلقب الموثقون للعقود بالشرائط؛ لأنهم يكتبون الشروط أي العقود، والكتب المؤلفة في الشروط ككتاب الشروط في صحيح البخاري ، المقصود به ما يتعلق بالعقود، وقد قال: باب الإمامة في الشروط، فالمقصود بالشروط هنا ما يتعلق بالعقود مطلقاً؛ فالعقد يسمى شرطاً، وعلى هذا فالحديث محتمل للدلالتين معاً، فيمكن أن يكون المقصود به الشروط بمعنى العقود فيجب الوفاء بها؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وبقوله: وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177]، وبقوله: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل:91]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب, وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر )؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان )، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة ينادى عليه على رءوس الأشهاد: هذه غدرة فلان ابن فلان ).

    ويختص النكاح بترتيب ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج )؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان لديكم أخذتموهن بشرط الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، وإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت به استمتعت بها على عوج )، ولقوله صلى الله عليه وسلم كذلك في ذكر النكاح ما ذكر من شدة الأمر فيه في عدد من الأحاديث، ولقول الله تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]، ولذلك يسمى عقد النكاح ميثاقاً غليظا، وليس كسائر المواثيق لشدته، وللجانب التعبدي فيه؛ ولأن الشارع رتب عليه من الأحكام ما لا يترتب على غيره من العقود كما سبق في الإرث والقوامة ونحو ذلك، ومن هنا لا بد من البحث في الشروط التي تدخل في العقود، فما كان منها لمصلحة العقد ولو لم يتضمنه العقد فإنه إن لم يتعدد فلا حرج فيه إن شاء الله، وإن تعدد فمحل خلاف؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله يرى أن العقد إن تضمن شرطين بطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، ( نهى عن شرطين في بيعة، وعن بيعتين في بيعة، وعن رزق ما لم يضمن )، فهذا الحديث يقتضي أن كل عقد، وقع فيه شرطان بطل بذلك، وحمل مقصود هذا على مطلق الشروط، وحملها الشافعي على ما لا مصلحة فيه للعاقدين؛ فما كان فيه مصلحة للعاقدين أو لأحدهما وهو شرط الذي يحقق مصلحة للعقد، فهو جائز ويجوز اشتراطه بالعقد ويلزم الوفاء به إن لم يقبل بالنهي عنه بخصوصه.

    1.   

    تعدد الزوجات واشتراط المرأة في العقد عدم الزواج عليها

    ولذلك نظائر كخياطة الثوب الذي هو صداق، وكنسيج الصوف الذي هو صداق، ونحو ذلك مما فيه مصلحة لأحد العاقدين؛ ولذلك فأكثر الشروط التي فيها نقطة فيما يتعلق بالصداق هي لمصلحة العقد.

    مشروعية تعدد الزوجات وحكم اشتراط المرأة عدم ذلك

    أما الشرط الذي يخالف الحكمة الأصلية من النكاح، ولم يرد فيه نهي بخصوصه، كشرط ألا يتزوج عليها مطلقاً، فهذا الشرط محل بحث، وينبغي أن نوضح فيه لحاجة الناس إلى البحث فيه، الأصل أن الرجل إذا كان لديه طول النكاح، ووجد القدرة في بدنه، والقدرة في ماله على أن يعف عدداً من النساء فله ذلك إلى أربع نسوة، وقد بدأ الله بذلك قبل الإفراد بواحدة، فقال: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]؛ فجعل الواحدة فرعاً عن التعدد، فالأصل إذاً التعدد في حق القادر عليه، وهذا يختلف باختلاف الناس، لأن فئة من الناس لا تطيق إلا اثنتين فلا يجوز لها التعدد، وفئة لا تطيق إلا ثلاثاً، فلا يجوز لها التعدد، وفئة تطيق أربعاً فلا يجوز لها الزيادة على ذلك، وإن لم تحصل العشرة المطلوبة في النكاح بواحدة لزم التعدد حينئذٍ كما سبق؛ لأن ما سبق أن بينا أن النكاح تعتريه أحكام الشرع، حتى ولو كان الإنسان متزوجاً، فتبقى حينئذٍ أحكام الشرع تعتري نكاحه في الثانية والثالثة والرابعة.

    فإن اشترطت عليه ألا يتزوج عليها, وكانت لا تعفه فقد شرطت ما هو مخالف لحدود الشرع، ومخالف لأصل المشروعية حينئذٍ.

    اشتراط المرأة القوامة في النكاح

    ومثل ذلك ما إذا شرطت أن تكون ولاية طلاقها بيدها، متى شاءت طلقت نفسها، ولو علقت ذلك بشرط التعدد فإن تزوج عليها فأمرها بيدها، فإن الشارع الحكيم جعل ولاية النكاح والفرقة بيد الزوج لا بيد المرأة.

    وقد علم الله سبحانه وتعالى ضعف النساء، وسرعة تأثرهن بالعواطف فلم يجعل ولاية النكاح ولا ولاية الفرقة بأيديهن؛ بل جعل ذلك راجعاً إلى الرجال، فانتزاع ذلك ممن جعله الله بيده، وجعله في من انتزعه الله منه، مخالف لحكمة الشرع في الأصل؛ ولذلك يترتب عليه من الضرر والمشكلات الشيء الكثير جداً؛ فالمرأة كثيراً ما تندم على تصرف تصرفته عن كثب وقرب، فتأتي وهي تريد الرجوع حيث لا يصح ذلك ولا ينفع، ومن ابتلي باستفتاء الناس له اطلع على الكثير من هذا، ثم إن جعل طلاقها بيدها أيضاً موقع لرجل في حرج كبير؛ لأن الله سبحانه وتعالى: قسم ما في الدنيا ما في البيت بين الزوجين، فالدنيا ما فيها يتصل إلى معنويات أو ماديات، فأشرف ما فيها من الماديات خص الله به النساء دون الرجال، كالذهب والحرير، فهذا أشرف ما في الدنيا من الماديات وقد خص الله به النساء وشرفهن به دون الرجال، وأشرف ما في الدنيا من المعنويات الولاية، كولاية النكاح، وولاية الفرقة، وقد خص الله الرجال بذلك دون النساء، وهذا عدل الله، بتوازن، فإذا حصل الإخلال به وقع الإخلال في التوازن، فمنع الرجال من نصيبهن لأن المرأة لا تستطيع أن تبيح للرجل الذهب ولا الحرير، وبالمقابل ينبغي ألا يبيح لها هو الولاية على النكاح أو الولاية على الفرقة؛ لأن هذا ليس من شأنها ولا من طاقتها، فهذا التوازن إذاً من حكمة الله وعدله، والإخلال به مضر ببناء الأسرة.

    زيادة الغيرة في النساء من الضرائر

    لا شك أن العوائد تؤثر في هذا؛ فكثير من النساء تتأثر بعادة وبمحل أهل بلدها، وبما أدركت لدى أمهاتها؛ فتظن أن كل مخالطة وعشرة تصدر من الزوج, وكل أمر يعمله ولو كان كبيرة، يمكن اغتفاره ويمكن تجاوزه إلا أمراً واحداً, وهو أن يفعل ما أحل الله له من التعدد.

    ومن المعلوم أن الغيرة في الرجال مطلوبة شرعاً محمودة طبعاً، وأن الغيرة في النساء مذمومة؛ لأنها لا يترتب عليها إلا الخروج عن الأدب والحياء، فليس فيها أية فائدة، فغيرة الرجل تقتضي حماية لأهله ورعاية لمصالحهم، وغيرة المرأة لا تقتضي شيئاً، إلا الغضب الذي لا فائدة فيه، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله للرجل الذي أتاه يريد السفر فقال: ( إني أريد الرجوع إلى أهلي فأوصني، قال: لا تغضب فردد مراراً قال: لا تغضب ).

    فلذلك لا بد أن يعلم أن هذه الغيرة الشائعة بين النساء التي تقتضي الحرص على ما ليس لهن، هي من الجبروت والطغيان؛ لأنها تقتضي الحرص على أخذ الإنسان ما لم يعطه الله عز وجل، وما ليس من حقه، فإذا كان حقها موفوراً لها وأخذت كل حقها، فليس لها شرعاً أن تطالب بما ليس لها، وبما انتزعه الشارع من يدها وجعله في يد غيرها.

    الفوائد العائدة على المرأة عند تعديد زوجها

    وليعلم النساء أنه لا مصلحة لها في ذلك نهائياً؛ فالمرأة تظن أنها إذا تزوج عليها زوجها بأخرى فقد فقدت كثيراً من مصالحها، لكن الواقع خلاف ذلك تماماً، فمن مصلحتها إذا كانت مشغولة بإرضاع أو ممنوعة شرعاً بمانع شرعي كحيض أو نفاس، قد تجد من يساعدها في إعفاف زوجها ومنعه من الحرام، وكذلك فإن خدمته والقيام بكثير من مصالح البيت وبناء الأسرة يحتاج فيها الإنسان إلى المساعدة، ولا شك أن الإنسان في أي عمل يقوم به يحرص على وجود مساعد له، يساعده ويعينه على عمله؛ فكيف لا تحرص المرأة إذاً وهي قد وليت في ولاية شاقة لها تبعات كثيرة، فلا تجد مساعداً يساعدها في هذا العمل ويقوم عنها بجانب منه، فالعقل يقتضي ذلك والمصلحة تقتضيه، ثم إن هذه القضية أيضاً معينة على انقطاع الفاحشة، وانقطاع المحرمات التي بدون ذلك قد تكثر، فكثير من النساء يشكين من تخلف الأزواج عن البيوت إلى أوقات متأخرة، ويشكين من مخالطة أزواجهن للنساء ونحو ذلك من المحرمات، والسبب هو أنه لو كان هذا الرجل يملك طولاً بنكاح جارية لو سمحت له بذلك لما حصل هذا النوع من المخالفات الشرعية التي فيها خصام وشجار في داخل البيت، وفيها مخالفة للشرع، وفيها عدم قيام بلازم الاستخلاف في الأرض كما سبق؛ فلهذا من المساعدة على قطع الرذائل وإزالتها من المجتمع قبول النساء بمثل هذا، إذا كان الأزواج أهل له من الناحية المادية.

    من أضرار رفض النساء للتعدد

    كذلك فإن بعض النساء تصل بها الغيرة إلى الكلام في أصل تشريع التعدد فتعتبره عيباً أو عاراً، أو ذماً، وقد أحله الله في محكم التنزيل، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون وأصحابه المهديون، والطعن فيه طعن في أصل الشرع المقدس المطهر؛ فلذلك من طعن فيه لذاته فهو كافر بالله، حين رد على الله سبحانه وتعالى بعض ما شرعه، وهو صالح لطريقة من طرائق الوجود الذين قالوا: نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، وهو أصل ذلك برأي المنافقين الذين قال الله فيهم: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:48-52].

    حرص الأعداء على عدم تعدد الزوجات وأهدافهم في ذلك

    ومن المعلوم أن هذا الزمان قد تآمر فيه أعداء الإسلام على هذه الأمة، فنهبوا خيرات بلادها، واستطاعوا كذلك أن يكون منها طبقة تربت على ثقافة المستعمر، ونظرت بعينه، وفكرت بعقله، وارتبطت بتاريخه فهي التي تتولى الحكم في الأمصار الإسلامية في أغلب الأحوال، وهي التي تباشر تشريع الإناث، وفرضهم على ما يخالف شريعة ربهم، ثم تمكنوا كذلك من التفريق بين هذه الأمة بفصلها إلى دويلات لا تستطيع الواحدة منها القيام بمصالحها واتخاذ قراراتها، ثم وصلوا إلى أكثر من ذلك حيث أرادوا أيضاً تقليل أعداد هذه الأمة، وذلك بنظرين: أحدهما اقتصادياً، والآخر سياسياً، فالاقتصادي يريدون به حاجة الأمة إلى ما يصدرون به من وسائل الرفاه وآلات العمل، فالماكنات التي يعملونها، يمكن أن يستغنوا عنها بالأيدي العاملة، -أي: ماكنات الزراعة- والغسيل ونحو ذلك من الماكنات، هذه يمكن أن يستغنى عنها بالأيدي العاملة، فإذا كثر البشر لن يحتاج إليها؛ لأن عمل البشر عادة أكثر إتقاناً ودقة، ولذلك هو أغلى في الأسواق، وكلما هو معمول باليد الآن فهو أغلى في الأسواق مما هو معمول في مصنع، ونحن... وهي أن القوة هي التي تكون من وراء القرار، والقوة إنما تكون بالقوة البشرية؛ فالشعب إذا كان كثيراً فإنه يكون فيه مختلف التخصصات، وفيه أنواع العقول، فيستطيع حينئذٍ التضحية حتى لو مات بعضه في سبيل الوصول إلى قراره وقضيته فسيبقى من أبقاهم الله، لكنهم يريدون تقليل أعداد هذه الأمة، حتى يتمكنوا من السيطرة الدائمة عليها وتخليصها وتذليلها لعدوها المستعمر لها؛ فلذلك كانت مؤامرتهم بتحديد النسل، وتقليله شائعة بين الناس، وجاءت بمختلف الوسائل؛ ففي البلدان التي انكسرت فيها العلمانية الشرسة، كالحال مثلاً في بعض بلدان المغرب العربي المجاورة لنا، شرعوا أحكاماً تقتضي تحريم التعدد في النكاح مطلقاً، وأنه جريمة يعاقب عليها بالسجن عشرين عاماً أو خمسة وعشرين عاماً.

    وأذكر أن رجلاً ضربت امرأته فكانت لا تلد؛ فأذنت له بالزواج بثانية فتزوج بها وهي من الصالحين ومن حملة كتاب الله، وكان قائماً بحق أهله جميعاً، فاشتكاه أحد جيرانه، ورفع عليه قضية في المحكمة أنه معدد للزوجات، وأنه متزوج باثنتين؛ فكانت قضية كبرى فاستدعي لدى المحكمة، فوجد محامياً من أهل النباهة والذكاء فهمس في أذنه: إذا سئلت هل أنت متزوج بفلانة فقل: هي صديقة فقط، فقال: ذلك أمام المحكمة فسئلت هي فأقرت به فحكم القاضي ببراءته، وهذا في بلد إسلامي عربي، يصدر فيه مثل هذه الأحكام العجيبة.

    والغريب أن هذا النوع من العلمانية أيضاً، سارٍ لدى كثير من نسائنا، حتى في هذا البلد؛ فالمرأة يسهل عليها أن تستوعب أن لزوجها خدناً مثلاً من النساء، ولا يسهل عليها أن تستوعب أنه متزوج بأخرى؛ فهذا علمانية عجيبة جداً، ومخالفة صادة للشرع، كذلك فإن هذه المعاملة لتحديد النسل، وتقليل العدد وصلت إلى إنشاء جمعيات كما تعلمون، فإن كل بلد من بلدان العالم لها جمعيات ترقية الأسرة، هذه الجمعيات التي تسمى بها الاسم البراق، جمعية ترقية الأسرة، وهي في الواقع مؤامرة على المجتمع المقصود بها تقليل أعداده، وتقليصها حتى يكون دائماً تابعاً لبلاد الكفر، وتكون قراراته دائماً غير نابعة من القيم؛ بل هي متأثرة بضغوط الدول؛ فلذلك لا بد من الانتباه إلى مثل هذه المؤامرات التي لا توجه إلى الأفراد بل توجه إلى الأمة بكاملها.

    تشوف الشارع إلى إسقاط شرط عدم التعدد

    كذلك فإن شرط عدم التعدد في العقد لو قدر أنه حصل فإن الشارع تشوف لإسقاطه؛ فلو علمت المرأة أن زوجها تزوج عليها فسكتت، ولو لمدة ساعة حيث يمكنها القيام بشرطها بطل شرطها، ولم يكن لها القيام بعد ذلك، ومثل ذلك مما ينقل هذا الشرط أيضاً لو اشتراه منها الزوج بمالٍ فقد سقط الشرط، ولم يعد لها أن تطالب به فيما بعد، وإن كان لفظ الشرط في العقد بغير شرط، كأن يقول: أنكحتك فلانة على ألا سابقة ولا لاحقة مثلاً، أو ولا سابقة ولا لاحقة، فهذا ليس صورة شرط فلا يلزم الوفاء به، إلا إذا كان مشروطاً بأن قال: فإن فعل فأمرها بيدها، أو فهي طالق؛ فذلك الشرط هو الذي يعبر عنه بـ(إن) التي هي حرف شرط، أما (لا) وحدها فليست من أدوات الشرط، وإن كانت قد تدل على الشرط كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بايعت فقل لا خلابة )؛ فلذلك الشرط معروف في الشرع من قبل، وأن الخلابة وهي الغش محرمة شرعاً، وأما التعدد في السابقة واللاحقة فهذا غير مذموم شرعاً؛ فلذلك لا يكفي فيه مجرد لا؛ بل لابد فيه من الشرط بأداة من أدوات الشرط.

    وإن شرطت المرأة مالاً وكان في طوقه يجب عليه الوفاء به؛ فإن عجز عنه كان ديناً عليه متى قدر أداه، كما إذا شرطت هدية لأبويها أو قدراً معيناً في الصداق، أو نوعاً معيناً في السكن أو في الفراش أو نحو ذلك وجب الوفاء بذلك كله إن استطاع؛ فإن لم يستطع كان ديناً عليه متى قدر أداه إلا إذا اسقطته عنه.

    والشروط العرفية، حيث لا شرط في العقد, ولكن جرت عادة أهل البلد على الاشتراط فلم يشترط، فكثير من الفقهاء يذكر أن ذلك الشرط لازم، إذا جرى العرف في الشروط، في بلد معين، ولكن لم يشترط الولي ذلك لوليته، فيرون أن العقد منسحب عليه الشرط المعروف في البلد، ولكن لا دليل على ذلك شرعاً؛ لأن العبرة في العقود بالألفاظ والمباني على الراجح، وعلى هذا فإذا لم يشترط الولي شرطاً في العقد لم يلزم، ولو كان معروفاً في البلد معهوداً، يشترط به العاقدون، فلا يلزم الوفاء به.

    ما ينبغي لمن يريد التعدد

    ثم لا بد كذلك أن نعرف أن من أراد التعدد والإقدام عليه لحاجته إليه؛ فهو مخاطب بما سبق من الآداب الشرعية كلها في النكاح، في الاختيار، والعليات الست, وغير ذلك مما سبق جميعاً، ينطبق عليه، ثم بعد هذا لا بد كذلك من الانسجام، من أن يكون قد اتفق مع أهله على هذا؛ فقد سبق أن الزوجة طرف مشارك في بناء الأسرة، وأنه يلزم إشراكها في الرأي في الأمور، للاحتجاج إلى مساعدتها في هذا الأمر من الهدي النبوي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يستشير أزواجه حتى في قراراته العامة )؛ ولذلك فإن أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية أنقذت الموقف العام للمسلمين جميعاً، عندما أشارت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحلل ويحلق رأسه وينحر هديه، ففعل ففعل الناس ذلك، وقد أمرهم فلم يطيعوه ثلاثاً، وما ذلك إلا لحرصهم على الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة في سبيل الله؛ فلما أمرهم رسول الله أن يتحللوا لم يبادروا إلى ذلك، فرجع مغضباً فدخل على أم سلمة فأخبرها، فأشارت عليه بهذا الرأي؛ فلما حلق رأسه تسابق الناس جميعاً إلى التحلل وحلق رءوسهم فأنقذت هذا الموقف، ورأيها مأخوذ به لدى النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف، كقولها أيضاً في أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، و عبد الله بن أبي أمية وهو أخوها، لما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادا الإسلام فلم يقبل منهما، قالت أم سلمة : ( لا يكون ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك )، فأشارت بهذا الرأي على رسول الله، ثم أشارت عليهما أن يتوسطا بـعلي بن أبي طالب ؛ فلما أتياه قال لهما: لا أجرأ على تكليم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ما كان ينبغي لأحد أن يكون أحسن جواباً منه، فقولا له ما قال إخوة يوسف ليوسف: تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف:91]، فأتياه فقالا ما علمهما علي بن أبي طالب : قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف:91]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92].

    وكذلك فإن حصول الاتفاق مع الزوجة على مثل هذا النوع، يقتضي أيضاً تأييدها هي على عدم الاستبداد، فمن المعلوم أن هذا يدخل في الشورى.

    1.   

    فوائد الشورى بالنسبة للأسرة والمجتمع

    الشورى من أفكار العمل الجماعي مطلقاً سواء كان عمل أسرة، أو جماعة، أو مجتمع أو دولة؛ فلذلك الجميع مطلبهم الشورى, وقد ذكر لها علي بن أبي طالب رضي الله عنه عشرة فوائد:

    الفائدة الأولى: الامتثال لأمر الله تعالى حيث قال: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، وقال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159].

    الفائدة الثانية: التسنن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المشورة، فقد كان يشاور الناس حتى كان يشاور بريرة وهي مولاة عائشة رضي الله عنها.

    الفائدة الثالثة: أن فيها تعويداً للنفس على طلب الرأي من الغير، وهذا انتصار على النفس؛ لأن النفس تريد من الإنسان أن يتكبر ويتجبر، فإذا أجبرها على المشورة، وعلى أن يشاور الآخرين، دل هذا على هديه لنفسه وانتصاره عليها.

    الفائدة الرابعة: أن في الشورى أيضاً وصولاً إلى الحل الأمثل، والرأي الصواب؛ لأنه إذا تزاحمت العقول خرج الصواب.

    الفائدة الخامسة: أن فيها إجباراً للمأمورين على الامتثال، فإذا شاركتهم في الرأي فسألتهم فأبدو جميعاً رأيهم، فإنه من العار عليهم ألا ينفذوا ما أشاروا به، ففيها حظ لهم على الامتثال.

    كذلك فيها زيادة للأجر، فالوالي مطلقاً مطالب لإصلاح دين من ولي عليهم، لا إصلاح دنياهم فقط، فكل أمير وكل قائد عليه أن يسعى لإصلاح الرعية في دينهم، وترجيح كفة حسناتهم يوم القيامة، فهذا من حقوقهم عليه، ولذلك فمشورته لهم مما يزيد أجرهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء ) وقال: ( إني لأؤخر الأمر وأنا أريد أن أفعله رجاء أن يشفع فيه )؛ فهذا النوع هو من إشراك الرعية في الأجر، حتى لو كان الرعية زوجة تريد إشراكها في استشارتها في الأمر إشراك لها في الأجر.

    الفائدة السابعة: قطع الندم؛ فالأمر الذي استشرت فيه لا تندم على نتيجته مطلقاً؛ ( فما ندم من استشار ولا خاب من استخار )، وإذا كانت نتيجته سلبية؛ فإنك لن تقول: هذا تفكيري أنا وحدي؛ بل قد اشترك معي غيري في هذا التفكير، وجاء قدر الله بعد ذلك، ففي هذا تسلٍّ عند الإخفاق، كما قال الشاعر:

    فلا بد من شكوى إلى ذو مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع

    فأنت قد بذلت الجهود كلها.

    الفائدة الثامنة: أن الشورى تعويد للمأمور على هذا الخلق الكريم، وتعويد له على نبذ الاستبداد، فالرعية يمكن أن تكون راعية يوماً من الأيام، فإذا كانت متعودة في فترة كونها رعية على الاستبداد ستستمر على ذلك إذا كانت راعية، وإذا كانت متعودة للشورى في وقت كونها رعية، فستتعود على ذلك بعد كونها راعية، في حال كونها راعية، إذاً: تعويد الناس على هذا الخلق الحميد من الأمور المفيدة.

    الفائدة التاسعة: أنها جبر للقلوب أيضاً، ومدعاة للتحابب بين الناس؛ فالإنسان الذي تستشيره في أمرك سيدلك على الخير دائماً ويعلم أنك محب له الخير حين أطلعته على بعض خصائصك وأسرارك، فسيكون ذلك مدعاة لبناء الثقة.

    وبناء الثقة أمر مطلوب في داخل الأسرة وفي داخل المجتمع، ويتم بأربعة أمور:

    أولاً: بالتعارف فإن المعرفة أساس للصداقة والثقة.

    ثانياً: بالتعاون المادي المثمر من الناحيتين، فالتعاون المادي تكتشف به حقيقة صاحبك، هل هو أمين أو هو عجيل؟ تكتشف أمانته إذا أقرضته أو أعرته، وتكتشف عجلته أيضاً إذا استقرضت منه؛ فإنك تعرفه تمام المعرفة من معاملته المادية، كما كان عمر يقول: لمن زكى رجلاً: هل سافرت معه، هل عاملته بالدينار والدرهم، وهذا الذي يكتشف به الرجال ويعرف به مدى صدقهم، ومدى أخلاقهم، عجلتهم وصبرهم.

    ثالثاً: من أركان بناء الثقة الاستشارة.

    رابعاً: الهدية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء )؛ فالهدية توجب المودة كما توجبه المشورة أيضاً.

    الفائدة العاشرة: من فوائد الشورى الترجيح عند الشك؛ فالإنسان قد يأتي له عدد من الاحتمالات؛ لأن الشورى هي في الواقع اتخاذ القرار، وتعامل مع الغيوب؛ لأنه إقدام على أمور غيبية مستقبلية، ولا تدري ما الله صانع فيها، وقد حجبت عنك وحجب عنك أكثر الاحتمالات، وهي أرزاق يمكن أن يرزق آخر باحتمال لم ترزق أنت به، فإن استشرته بدا لك.. وكشفت لك أكثر مما كان بدا لك وانكشف لك من قبل من الاحتمالات التي هي الحلول، وأهل التخطيط يسمون هذا تحكماً؛ فيقولون: التخطيط سيرجع إليك؛ فالتنبؤ هو استشراف المستقبل والاحتمالات التي تقع، والمخاطر التي تهدد والفرص التي يمكن أن تستغل، والتحكم هو اختيار لواء الحل الأمثل عند وقوع أي مشكلة من المشكلات التي توقعت حصولها.

    إذاً: هذه فوائد الشورى ومن المهم تعويد الأسرة عليها؛ ولذلك فإن الزوج إذا كتم النكاح عن زوجته، ولم يخبرها أنه تزوج عليها، فكثيراً ما يكون هذا سبباً للمن، والفساد داخل الأسرة، ويقتضي منه هو أيضاً ذلاً، أن يكون دائماً ذليلاً لأن لديه سراً يخاف أن يكتشف، فهذا يقتضي ضعفاً في شخصيته، وفي قوامته أيضاً؛ فلذلك ينبغي أن يكون صريحاً بتعامله، وأن يكون مشاوراً قبل الإقدام على هذا الأمر، وقد اختلف أهل العلم في نجاح السر الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو؛ فذهب الشافعي إلى أنه كل نكاح لم يشهد عليه عدلان، وقد روي هذا عن ابن عباس وغيره من الصحابة، وقال آخرون بل هو ما أوصي الشهود بكتمانه، وهذا الكتمان اختلفوا فيه، هل المقصود كتمانه مطلقاً، أو كتمانه عن الزوجة وأهلها، أو عن أهل قرية معينة، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، يصحح بعد الدخول للاطلاع عليه، فيعلم أن الذي وقته على العقد هو نفس الإعلان فقط, والإعلان ثبت عن النبي وهو سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، ( أمر بإعلان العقود والمشاهد )؛ فيعلن العقد بعد الاطلاع عليه وحصوله، فهذا تصحيحه، وعلى مذهب الشافعي ، إذا شهد به عدلان كفى ذلك فلم يكن نكاح سر؛ ولكن الأول أحوط وأوضح؛ لأن النكاح يترتب عليه كثير من الأحكام، كما يتعلق بالميراث، وثبوت النسب ونحو ذلك، والطعن في الأنساب عادة متفشية في الأمم، وقد بين للأمة صلى الله عليه وسلم، أن هذا العمل هو في الجاهلية، وأنها لا تزال في هذه الأمة، فقال: ( أمران من أمر الجاهلية في أمتي هما بهم شرك أو كفر )؛ وبينهما وهما: ( الطيرة والطعن في الأنساب )؛ فالأنساب من الأمور التي يجب الحفاظ عليها, وهي ستة أمور لم يأت نبي قط إلا للحفاظ عليها: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والنسب، والمال، هذه الست لم يأت نبي قط إلا للحفاظ عليها، وهي من ضروريات الإنسان التي يحتاج إليها في كل شيء، من شئونه، وكتمان النكاح مدخل لها في دائرة الخطر، ومثل ذلك أيضاً كتمان الفرقة وكتمان الطلاق، وسيأتي إن شاء الله في حلقة قادمة ما يختص بالفرقة.

    1.   

    الأسئلة

    ولعلنا نقتصر بهذا القدر في هذه الحلقة لنتناول بعض الأسئلة، وستكون الحلقة القادمة إن شاء الله عن العشرة، وهي من أهم الحلقات التي ينبغي أن يحضرها الناس وأن يطبقوها في حياتهم.

    تولي الأبعد عقد نكاح الثيب مع وجود الأقرب

    السؤال: هل يجوز عقد نكاح امرأة ثيب بولاية عمها رغم أنه زعم أنه وكيل عن الأب، وشهد على ذلك رجل وجمع من النساء وهم جميعاً في نفس المدينة؟

    الجواب: النكاح يصح بولاية الأبعد مع وجود الأقرب، حتى لو امتنع الوالد من ولاية هذا النكاح ومن عقده، وكانت ثيباً فيمكن أن يتولى العقد عمها، أو أخوها أو ابنها، فنكاح الثيب يصح بولاية الأبعد مع وجود الأقرب.

    العذر بالجهل

    السؤال: هل يعذر الجاهل بجهله؟

    الجواب: هذا ليس على إطلاقه؛ فالجهل أنواع منه جهل بالمعلوم من الدين بالضرورة، كالجهل بأركان الإيمان وأركان الإسلام، وفي الأمور المحرمة الكبرى، كحرمة الزنا أو شرب الخمر أو نحو ذلك، فهذا لا يعذر به أحد؛ لأن الإسلام لا يعرف إلا بهذه الأمور، إنسان يقول: إنه مسلم، وهو لا يعلم وجوب الصلاة، فهل هو مسلم؟ أو إنسان لا يعلم وجوب الزكاة، ولا يعلم حرمة الزنا، ولا يعلم حرمة النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا حرمة القتل؛ فهذا لا يعرف الإسلام أصلاً؛ فهذا النوع من الأمور الكبرى في الإسلام هو الذي لا يعذر الإنسان بجهله فيها، أما ما سوى ذلك من الأمور التفصيلية فهي مما يعذر بجهله، كما يتعلق بتفصيلات العقائد والأحكام؛ ففروعها وتفصيلاتها هي من هذا القبيل الذي يعذر فيها الإنسان بجهله، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ( دخل علي عجوزان من اليهود، فذكرتا عذاب القبر، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن عذاب القبر فقال: عائذاً بالله من عذاب القبر )، ثم لم أزل بعد أسمعه يستعيذ بالله من عذاب القبر، وهذا الحديث، قد يقل فيه: إن عائشة رضي الله عنها، لم تكن تعلم عقيدة عذاب القبر، وهي من تفصيلات العقيدة، من الإيمان باليوم الآخر، وهي القيامة الصغرى، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يأمرها بتجديد الإيمان، ولم يجدد نكاحها، وعذرها بجهلها في ذلك.

    ومثل هذا حديث ذات أنواط, وهو عند أصحاب السنن، و أحمد في المسند، عن أبي واقد الليثي ، قال: (مررنا بشجرة كانت تدعى في الجاهلية ذات أنواط؛ فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال أصحاب موسى اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة )، فجعل هذا كفراً ولكن لم يكفرهم به معذرة لهم بالجهل؛ لأنه من الأمور التفصيلية، فهم يرون أن هذه الشجرة تعظم تعظيماً أقل من تعظيم الإلهية، فلم يروا ذلك شركاً وهو شرك في الواقع؛ لكن لأنهم جهلوا وكانوا حدثاء عهد بالإسلام، عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، و(ذات أنواط شجرة)، كان أهل الجاهلية ينوطون بها أسلحتهم، أي: كانوا يشدون بها أسلحتهم يعلقونها فيها، تعظيماً لها وتبركاً بها, ولهذا قال كثير من أهل العلم: ما كان من عمل الجاهلية من التعوذ بالحجارة والأشجار والتبرك بها هو من الشرك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( قلتم والذي نفس محمد بيده ما قال أصحاب موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ).

    قراءة مختصر الأخضري ومختصر خليل وطرق التأليف في الفقه

    السؤال: هل تجوز قراءة مختصر الأخضري ومختصر خليل مع أنه ليس فيه أحاديث متواترة؟

    الجواب: الأصل في الدراسة أن يرجع فيها إلى المقررات التي تقرر، فمثلاً إذا كان الإنسان يريد دراسة الفقه فله طرق لذلك، منها أن يدرس كتاب المنتهي... مأخوذ من الأدلة من الأحكام فقط، ثم يدلل له بعد ذلك أدلتها في مستوى أعلى، كالصبي الذي يدرس القرآن خالياً من التجويد، ثم يدرس التجويد بعد ذلك، أو كالذي يحفظ القرآن يحفظ متنه دون دراسة تفسيره، ثم يدرس التفسير بعد ذلك، وهذا من مقررات الدراسة، وقد سلك الناس في التأليف في الفقه ست طرائق:

    الطريقة الأولى: يكفي الاقتصار على قول واحد هو الراجح لدى المؤلف دون ذكر للدليل ولا التعليل، ودون ذكر الاختلاف، هذه الطريقة الأولى هي التي جرى عليها المختصرون، فأكثر أصحاب المختصرات، لا يذكرون الخلاف في المسائل، وإنما يذكرون قولاً واحداً وهو الراجح..

    الطريقة الثانية: ذكر الخلاف من غير ذكر دليله، أي: يذكرون الخلاف في المسائل الخلافية دون أن يتعرضوا للدليل، ولا للتعليل، ولا للترجيح، كالكتب المقارنة التي تذكر أقوال العلماء منها القوانين الفقهية، فإن المؤلف يذكر مسألة، فيقول: اختلف فيها الناس على أربعة أقوال: قول الحنفية كذا، قول الشافعية كذا، قول المالكية كذا، قول الحنابلة كذا وهذه طريقة ثانية في التأليف في الفقه.

    الطريقة الثالثة: ذكر الأقوال والأدلة في داخل المذهب الواحد، ويقتصر على مذهب واحد فتذكر الأقوال فيه، مقرونة بالدليل والترجيح، فيختار الراجح منها، كما فعل أبو عمر بن عبد البر في كتاب الكافي في المذهب المالكي، وكما فعل ابن قدامة في كتاب الكافي في المذهب الحنبلي، وكما فعل الشيرازي في كتاب المذهب الشافعي وهكذا.

    الطريقة الرابعة: أن ذكر الأقوال في داخل المذهب من غير ذكر دليله، يذكر الخلاف في داخل المذهب من غير دليل، وهذا هو حال الشروح والحواشي، تذكر الأقوال في المذهب، وتحاول استقصاءها من غير ذكر الأدلة، ونظير هذا ما فعل ابن مفلح في كتاب الإنصاف؛ فهو يحصر أقوال الحنابلة جميعاً في كل مسألة من غير ذكر الأدلة.

    الطريقة الخامسة: ذكر أقوال أهل العلم، أو مقارنة المذاهب مع ذكر الأدلة والترجيح؛ فالمؤلف يذكر الأقوال مقترنة بأدلتها ويرجح هو، كما فعل ابن قدامة في المغني، وكما فعل أبو عمر في الاستذكار، وعدد من أهل العلم هكذا يفعلون، يذكرون المذاهب وأدلتها ويختارون هم كما فعل الشوكاني في نيل الأوطار.

    الطريقة السادسة: اختيار قول واحد مرتبط بالدليل، فيأتي به وبدليله، وهذه طريقة المبتدئين وهو أيسر شيء لهم، أن يقرن لهم كل فرع بدليله ويختار لهم مذهب واحد في كل مسألة كما فعل الشوكاني في الدراري المضيئة، وعدد من أهل العلم؛ فهم يأتون بقول واحد مع دليله، سواء كان الدليل مرتبطاً بالقول كما فعل الشوكاني ، أو غير مرتبط به كما فعل الشيخ ... الشنقيطي رحمه الله في كتابه ... فإنه يذكره أولاً مختصراً في الأحكام ثم يأتي بالأدلة بعده، وقد سئل عن ذلك رحمه الله: لم لم يذكر الأدلة مقترنة بالفروع، فقال: أردت احترام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أخلله بكلامي، فكل باب يذكر فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، في آخر... على ما قبله.

    وعموماً فهذه الطرق كلها اجتهادية وكلها وسائل تعليم، ونظيرها أيضاً التعليم عن طريق المحاضرات، أو عن طريق الجامعات، أو عن طريق الدراسة في الكتب ... إلى آخره؛ فكل هذه الأمور اجتهادية لا حرج فيها؛ فلذلك يجوز دراسة هذه الكتب جميعاً ولا بد للدارس المبتدئ من دراسة الفروع، ولا بد له من مرحلة تقليدية، لا بد أن يكون مقلداً في مرحلة من المراحل، ومدرسة من المدارس، ومذهب من المذاهب، يأخذ بالرأي والتأييد من غيره؛ لأنه في ذلك الوقت لا يصلح للاستنباط، لم يتعلم بعد دلالات الألفاظ، ولم يدرس الأدلة، إلا إذا درس الأدلة فيكون وجب عليه العمل بالراجح؛ لأن العمل بالراجح واجب ضمن مرحلة فقط من مراحل التعلم، وإذا تجاوزها الإنسان لا ينبغي له أن يقتصر عليها، وإذا تجاوزها أيضاً لم يعذر كما كان معذوراً من قبل في صباه عندما كان يدرس فقط، ويعرف الحكم الذي لديه ولا يعرف دليله، ولا يعرف ماذا عليه من الأحكام، وهذا يختلف باختلاف نباهة الطلاب وذكائهم.

    وقد ذكر الشوكاني رحمه الله أنه درس وهو صغير على أبيه كتاب الأزهار، وهو مختصر من الفقه الزيدي، فقال له: فرائض الوضوء خمسة، غسل المخرجين، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، ومسح الرجلين إلى معقد الشركين، ودليل ذلك قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، وفي قراءة (وأرجلِكم) بالجر، فقال: قلت لأبي: لم يقل الله تعالى: فاغسلوا المخرجين، واليدين إلى المرفقين؛ بل قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]؛ فما دليل غسل المخرجين في الوضوء، قال: يا بني! أنت صغير، وعندما تكبر ستعرف دليل ذلك، فلما تعلم ألف كتابه المشهور السيل الجرار على حدائق الأزهار، فجاء بهذا السيل الذي أزال عنه كل ما لا دليل عليه.

    إخبار المرأة المتزوجة التي وقعت في الفاحشة بوقوعها

    السؤال: ما حكم امرأة متزوجة واتخذت الفاحشة مع رجل سواء كان وارث أو رجل متزوج أم لا، وسواء كانت الفاحشة كبرى أو صغرى مثل ... فهل تخبر الزوج بذلك أم لا؟

    الجواب: هذا نعوذ بالله من أعظم أنواع الكبائر، ومن أفحشها عقوبة شرعاً، فإن الله سبحانه وتعالى أغناها عن ارتكاب الفاحشة وهي محصنة، وجزاؤها الدنيوي هو الرجم حتى تموت؛ ولذلك فهذا النوع من الخيانة هي أعظمها، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، عندما سأله أبو ذر عن أكبر الكبائر قال: ( أن تتخذ لله نداً وهو خلقك، قال: ثم ماذا؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، قلت: ثم ماذا؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يشركك في معاشك )، هذا من أكبر الكبائر، وأعظمها عند الله سبحانه وتعالى، وأشدها عقوبة، والنبي صلى الله عليه وسلم بين كذلك الذين يخاصمهم الله يوم القيامة، كما في الحديث القدسي: ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: ملك كذاب، وأشيمط زان، وعائل مستكبر )، (ملك كذاب) فالرئيس العام أو الملك، كذبه على الناس يعتبر من أغلظ الكذب، وأفحشه لأنه سيكون تضليلاً للعامة، وكذلك كل أفعاله التي لا يستطيع أحد ردها؛ لأنه إذا كذب على الناس لم يستطع أحد القيام باكتشافه فسينتشر الكذب حينئذٍ ويشيع، ومثل ذلك كل أعماله الفاحشة الكبيرة؛ فإذا فعلها كان الأصل إذا فعلها غيره أن يشكى إليه هو، فإذا فعلها هو فشكايته إلى الله وحده فقط؛ فلذلك كان الله خصمه يوم القيامة، ومثل ذلك (الأشيمط الزاني) ومعناه: من كان كبيراً وكان زانياً نعوذ بالله، فهذا خصمه الله يوم القيامة، وكذلك (العائل المستكبر) أي: الفقير المتكبر الذي لا يعمل، ولا يكتسب تكبراً؛ فهو متكبر وليس له وسيلة للتكبر أصلاً، فهذا خصمه الله يوم القيامة.

    لكن ليس عليها أن تصرح بما ذكرت لزوجها إلا إذا كانت تخاف أن تكون قد حملت من الزنا؛ فإن استطاعت أن تستتر بستر الله وألا تخبر زوجها بذلك فذلك أولى، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في حق من أصابه من هذه القاذورات شيئاً فإنه إن استتر بستر الله كان صائراً إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه، وإن عوقب بشيء منها في الدنيا، كان له كفارة، فلذلك عليها أن تستتر بستر الله، وأن تتوب إلى الله، وتكثر التوبة والإنابة إلى الله، وتبتعد عن مثل هذا النوع من الفواحش، وتعلم ما فيه من الضرر الماحق في الدنيا والآخرة.

    وأما بالنسبة للاستبراء فإن استطاعت أن تمتنع عن زوجها بالأعذار، كأن تخرج لحاجة، أو تسافر حتى تحيض ثم تطهر فذلك إلى استبراء، وإن لم تستطع واستطاعت الكشف الطبي والفحص، هل فإن حصل حمل أم لا، حصل حمل فلا بد أن تخبره.

    قيام الكشف مقام العدة

    السؤال: [هل يقوم الكشف مقام العدة؟]

    الجواب: بالنسبة للكشف لا يقوم مقام العدة لكنه قرينة ... عليها فقط في مثل هذا الحال نعم، فالكشف مطلقاً لا يقوم مقام العدة؛ بل العدة هي الأصل وهي التي شرعها الله في كتابه، وهي التي يستطيعها كل أحد، والكشف من الأمور المتعذرة على كثير من الناس، فليس كل أحد يطيقه؛ فلذلك لم يكن الشارع يرتب عليه الأحكام المترتبة على العدة.

    النيات التي ينبغي استحضارها عند عقد النكاح والجماع

    السؤال: هل يشترط استحضار النيات عند إرادة الزواج؟ لم يتزوج بعد لكنه خطب؟

    الجواب: الأمر ...، فالنية حتى لو تزوج قبل هذه النيات فبالإمكان أن يجدد النيات، فالنيات يجددها الإنسان، ومتى ما أراد مباشرة أهله، فيجدد نيته، امتثال أمر الله في قوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ [البقرة:222]، وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك فيما سبق، وكذلك حصول الولد الذي يكون صالحاً، وينوي كذلك الاستمرار في إقامة بيت المسلمين ورعايتهم؛ فهذه الأمور مما يمكن تلافيها عند استحضار النية فيها وتجديدهما.

    التراجع عن الخطبة لعدم استحضار النية

    السؤال: هل يمكن أن يتراجع عن الخطبة؟

    مداخلة: ...

    الشيخ: لا، عليه أن يستحضر النية ويستمر على خطبته.

    السؤال: ما الموقف الشرعي ... السودان؟

    الجواب: نعوذ بالله من بلايا هذا الزمان الذي تنتشر فيه الفواحش والآثام، فلو طلب مثل هذا الشخص فلا حرج في مثل ذلك، وبالأخص في البلدان التي ينتشر فيها كثيراً، ينتشر فيها هذا المرض كثيراً، ولكن الأصل البراءة وعدم ...

    توكيل الغائب في عقد نكاحه

    السؤال: هل يجوز الزواج بامرأة لست معها في نفس الدولة، كأن توكل وكيلاً يعقد وأنت غائب؟

    الجواب: لا حرج في مثل هذا النوع، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي بالحبشة وهو بالمدينة؛ فتولى نكاحها عثمان بن عفان ، أو عمرو بن سعيد ، وأرسلها النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، دفع النجاشي المهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسلها إليه.

    موقف إمام المسجد من رجل وامرأة طلبا منه عقد النكاح

    السؤال: [ما موقف إمام المسجد من رجل وامرأة أتياه يطلبان عقد نكاحهما؟]

    الشيخ: بالنسبة لإمام المسجد إذا أتاه رجل وامرأة يريدان إيقاع عقد النكاح وهو لا يعلم حالهما، فهذه الصورة مريبة، فلا بد من أن يؤخرهما حتى يتقصى الأمر، وحتى يعرف أن هذه المرأة المتزوجة... مانع آخر شرعي، ولا بد أن تأتي بولي من أهلها؛ فالولي ركن كما سبق، وقد بينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا نكاح إلا بولي )، وبينا قوله صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له ).

    حدود علاقة الخطيب بخطيبته

    السؤال: ما هي حدود علاقة الخطيب بخطيبته؟

    الجواب: قد سبق بيان ذلك وأنه لا يجوز له الخلوة بها، ولا يجوز له الكلام والجلوس معها حتى لو كان ذلك في الهاتف ويجوز له زيارتها، وزيارة أهلها, وعيادة من مرض منهم، ويجوز له رؤية وجهها وكفيها، ورؤية قامتها ومشيها، وقد سبق أن ذلك مطلوب شرعاً في بداية الخطبة، ويجوز له الإهداء إلى أهلها لما في ذلك من طلب المحبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا )، ويجوز له الإهداء إليها هي لكن لا يكون ذلك في خلوة ولا في ريبة كما سبق، وبالإمكان أن يراجع هذا الموضوع في الدرس الماضي.

    طلب الأم طلاق ابنتها قبل الدخول بها لكذب الزوج في إعطاء الصداق

    السؤال: رجل تزوج فتاة ثم تبين أنه كذاب قبل الدخول بها، فهل يحق لوالدتها أن تطلب منه الطلاق، خاصة أن أمره انكشف، حيث إنه التزم مرات ومرات بأن قال: إنه سوف يعطي الصداق، أربعمائة ألف ولم يعط إلا خمسة وعشرين ألفاً؟

    الجواب: الكذب ليس من العيوب التي تقدح في الخيار؛ بل هو مرض وعيب على صاحبه، ويجب عليه التوبة والإقلاع عنه، ويجب نصحه إذا وعد، بأن يفي بوعده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بالوفاء بالوعد وبين أن الإخلاف صفة من صفات المنافقين؛ فعليه ألا يخلفه وأن يفي بوعده، وألا يرضى بأن يوصف بالكذب، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ).

    التداوي بالرقية للعقم

    السؤال: هل يجوز للمرأة الرقية على العقم إذا قاربت الأربعين؟

    الجواب: الرقية إنما هي على المرض، فمن كان مريضاً بأي مرض سواء كان عضوياً أو عقلياً، وسواء كان من ما يعرف سببه أو لم يعرف؛ فيشرع لصاحبها الرقية، وذلك إذا أتى من يثق بدينه وإيمانه فقرأ عليه قرآناً أو نفثه عليه، أو كتبه له في قدح فغسله فشربه، سواءً كتبه بعسل أو بزعفران، أو بلبن أو كذلك إذا نفث له على تراب، فوضعها في ماء فشرب من ذلك الماء، أو وضع التراب على محل الأذى من الجسم، فكل ذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة والسلف الصالح، وأما ما سوى ذلك من الرقى فالرقية هي طلب الحصول منفعة أخرى من غير مرض، كما إذا كانت المرأة وصلت إلى سن الإياس عن الإنجاب، فأرادت الرقية من هذا، فهذا ليس مرضاً، هذا أمر معتاد فلا رقية فيه، إنما الرقية من المرض، فما هو من المرض الذي يرقى له، وما ليس كذلك لا رقية فيه.

    ما يستمتع به الرجل من زوجته

    السؤال: هل يجوز أن يرضع الرجل الإنسان من زوجته، وإذا كان الجواب فهل ثبت فعل ذلك؟

    الجواب: أن الرجل يجوز له الاستمتاع بكل زوجته مما أحل الله له، وإنما يحرم عليه إتيانها في الدبر على الراجح فقط، وأما سوى ذلك من الاستمتاع بها فهو جائز، ومن ذلك امتصاص اللسان إذا كان مما يستمتع به فلا حرج فيه، لكن الذي ذكره، هو ما فيه... البشري، كامتصاص الفرج أو نحو ذلك، فهذا هو المحرم لما فيه من علل الجنس البشري كله، وقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] وهذا من المحرمات، وهو وافد من بلاد الكفر، وقد وجد في بلاد الكفر وانتشر؛ فلذلك لا بد أن يمتنع عنه المسلمون، وألا يصلوا للانجراف وراءهم، وهذه العادات كلها تسربة من بلاد الكفر، وكذلك يعتبر إهانة للإنسان في ذلك.

    نفوذ طلاق الغضبان

    السؤال: ما حكم طلاق الغاضب، حيث أن رجلاً طلق زوجته وهو غاضب؛ تعصيه كثيراً ما تكلفه ما لا يستطيع من متاع الدنيا، فهل هذا الطلاق باطل لا أصل له، وله أن يراجع بعد أن طلق غاضباً فصلح؟

    الجواب: الطلاق إذا كان في حال الغضب فالراجح نفاذه؛ لأنه ينزل على السكران فكيف لا ينزل على الغضبان، فإذا غضب الإنسان فهو مكلف، والمكلف مخاطب بتصرفاته, ومنها طلاقه؛ فلذلك لا يحل له التراجع حينئذٍ إلا إذا كان طلقها طلقة رجعية، فيرتجعها فقط بنية الرجعة، فالغضب ليس عذراً، وهذا هو الراجح، وقد قال بعض أهل العلم: إن الغضب ثلاث درجات: فأدناه الغضب المعتاد الذي يعقل الإنسان معه التصرفات، ويباشر كل أموره، فهذا تصرفه فيه نافذ قطعاً، وطلاقه فيه نافذ قطعاً.

    النوع الثاني: الغضب الشديد الذي يزيل عقل الإنسان بحيث لا يدري الأعلى من الأسفل، ولا يستطيع التفكير، ويتصرف ولا يدري أنه تصرف ذلك التصرف، فهذا رأوا أن طلاقه غير نافذ فيه، وأن كل تصرفاته أيضاً غير نافذة؛ لأنه كالنائم فقد رفع عنه القلم.

    النوع الثالث: ... وسط بين الأمرين، وهو متردد وقد جعلوه محل اختلاف، ولكن الراجح أن الغضب مطلقاً يجري فيه الخلاف.

    فإذا كانت طلقة أولى فما زال معه طلقتان بعدها.

    طلب المرأة الطلاق من زوجها الذي لا يصلي ولا يحب الدعوة

    السؤال: امرأة تزوجت رجلاً ثم ظهر لها أنه لا يصلي، ولا يحب الدعوة؛ فهل يجوز لها طلب الطلاق منه؟

    الجواب: يجب عليها أن تنصحه أولاً، وتسعى لإصلاحه، فإن عجزت عن ذلك فلها أن تطلب منه الطلاق وأن تخالعه.

    طلب المرأة الطلاق لعدم قيام الزوج بالنفقة

    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها الطلاق إذا لم ينفق عليها؟

    الجواب: النفقة حق واجب للمرأة فيجب على زوجها أن ينفق عليها بقدر ما يصلح حالها؛ فإذا ترك النفقة لعجز فإنه يؤجل ويؤخر حتى يقدر عليه، وتحسب عليه النفقة وتقوم عليه بذلك، كالدين الذي عليه، وإن ترك ذلك من غير عجز وهو قادر عليه، فقد أثم في حقها هو، ولها أن ترفع أمرها إلى القاضي، ولها أن تطلب منه الطلاق حينئذٍ إذا لم يقم بواجبه حيالها.

    السؤال: ما حكم ما يتعلق بحوادث السير، والضمان الذي فيها وما يتعلق بالديات وإسقاطها في هذه الحوادث؟

    الجواب: السيارة عجماء جبار، وكل تصرف نشأ عن حركتها فهو على سائقها؛ فما كان منه عمداً حكم فيه بالعمد، وما كان منه خطأً حكم فيه بالخطأ؛ فالعمد يتحمل السائق المسئولية فيه وحده، والخطأ تتحمل العاقلة فيه الدية مع السائق، ولا عبرة بالمالك؛ فالسائق سواء كان مالكاً أو غير مالك فهو المخاطب؛ لأن حركة هذا الجماد ما حصلت إلا بتصرفه هو، فإن حصل اصطدام بين سيارتين، فكانت إحداهما على خطها الذي ينبغي أن تسير فيه، وكانت الأخرى قد غايرت، وخالفت السير، فتلك التي خالفت السير هي المعتدية، وهذا منصوص عليه في الفقه؛ فالسفينة المصعدة والهابطة، فالمصعدة هي التي تتحمل المسئولية، ونص مالك على ذلك في المدونة، ونص عليه أحمد في عدد من الروايات عنه، فالسفينة المصعدة هي التي يتحكم صاحبها، وهو الطابق الأعلى، بخلاف الصاعدة فصاحبها غير متحكم؛ فلذلك إذا خالفت السير فسارت في مسار غير مسارها فهي ظالمة، فصاحبها سائقها هو المسئول وحده, وإذا حصل خطأ مشترك من السائقين، فكل على حسب خطئه، وينبغي أن يقوم ذلك أهل الخبرة والمعرفة، فهذا أخطأ بنسبة 20%، وهذا أخطأ بنسبة 80%، فيكون ضمان الجناية على قدر ذلك.

    أما ما يتعلق بالدية، فدية الخطأ على العاقلة إن كان من رجل جانٍ عاقلاً، فالسائق مثلاً إذا كان له عاقلة فكان من قبيلة معروفة فيها قرابة الألف من الرجال؛ فيلزم شرعاً أن يتكافئوا فيما بينهم وأن يقدموا الدية، منزلة على ثلاث سنين؛ تحل بأواخرها، وهي دية الخطأ المخمسة، وجمعها ليس حقاً واجباً على القبيلة؛ بل هو لأولياء الدم، فما في جمعها من التكاليف عليهم هم، وليس على القبيلة، ليس على العاقلة، فإن كان السائق ليس له قبيلة ولا عاقلة؛ فالدية على أهل الديوان؛ فإن كان من السائقين فسائقو السيارات الكبيرة هم جميعاً يدي بعضهم عن بعض، أو كان من الشرطة فالشرطة جميعاً يدي بعضهم عن بعض، أو من المعلمين فيدي بعضهم عن بعض، أو من الإداريين فيدي بعضهم عن بعض، وهكذا فالدواوين يدي بعضها عن بعض، فكل ديوان عمل موحد، كالأطباء والمهندسين، ونحو ذلك فيدي بعضهم عن بعض، ويتحمل الديوان كله، والمسجلون في هذا الديوان جميعاً يتحملون أقساطاً بحسب ذلك، وهذه الدية إذا جرت عادة قبيلة من القبائل على إسقاطها ألا تأخذ دية من قبائل أخرى، أو من جيرانها أو لا تأخذها أصلاً من أحد، تكرماً وتعففاً، فإن كان ورثة الميت من البالغين جميعاً فقد أسقطوا حقهم، كسائر قبيلتهم وهذا أمر محمود شرعاً؛ لأنه مجرد إسقاط حق، وإن كان فيهم أصبياء يتامى فلا يحل إسقاط حقهم؛ بل لا بد من التأكيد على هذه القبيلة بدفع مال مقابل حقهم؛ فالدية ميراث عن هذا الميت، فما كان من ورثته من البالغين فقد أسقطوا حقهم، وما كان في ورثتهم من الأصبياء يتامى فلا بد أن يعطوا حقهم، وهذا الحق كما ذكرنا منزل على ثلاث سنوات يحل بأواخرها، فإذا كان معجلاً فسيكون أقل طبعاً من المؤجل، وإذا كان... لهم لا يتسلفون... فيسكون أيضاً أقل مما لو تولوه منهم، فلذلك يمكن أن يعطوا ويصالحوا على أقل من الدية بنصيبهم من الدية.

    أما بالنسبة للتقويم الذي يوجد لدى المحاكم، وهو تقويم قديم، كان قديماً يقدر بمائتي أوقية، إلى أن كانت الأوقية ذات ثمن، ثم زيد فيه إلى مليون ومائتي ألف، وهو الحال الآن الذي يحكم به في المحاكم، وهو تقويم قديم جداً للإبل، وفي بلادنا هذه العبرة فيها بأثمان الإبل، فالدية فيها مائة بعير محلسة على أسنان الإبل، وقيمة الإبل من المعلوم أنها ارتفعت كثيراً، وقيمة الأوقية انخفضت كثيراً؛ فلذلك لا بد لمن أراد حكم الشرع في هذا أن ينظر إلى قيمة الإبل، وألا ينظر إلى مجرد تقويم قديم لدى المحاكم؛ فهذا لا اعتبار له، وما يتعلق بالتأمين على السيارات وتصرفات التأمين عقد فاسد مطلقاً؛ لما فيه من تحميل الغير مسئوليته، ومن... وأقدمها الشخصية...كقول الله تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى [النجم:36-41].

    وقد جاء في القرآن في أربعة مواضع: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]، والنبي صلى الله عليه وسلم بين في أن تصرف الإنسان أن الإنسان هو المسئول عن تصرفه في عدد من الأحاديث الكثيرة، وقد جاء بيان هذا في سورة يوسف، في قول الله تعالى في يوسف عليه السلام: قَالَ مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ [يوسف:79] فتحميل الغير ما لم يتحمله هو من الظلم؛ فلذلك عقد التأمين عقد فاسد، ولا يلزم منه شيء، وإنما يفعله المسلمون اليوم إكراهاً وإجباراً فقط، فيدفعون هذه النقود فقط أنهم مكرهون على دفعها؛ لكن لا يترتب عليها أية تبعة، وإن وكل لإمام ... يسقط مقابله من الدية عن العاقلة فقط، فالعاقلة مؤسسة اجتماعية، ومسئوليتها مشتركة يمكن أن يخفف عنها من الدية في مقابل ما أخذ فقط.

    كذب الرجل على امرأة تزوجها بإسكانها في سكن ملائم

    السؤال: امرأة تزوجها رجل، وقال لها: إنه يملك كذا وكذا، وأنه سوف يسكنها في سكن ملائم، وبعد الزواج به، قال لها: إنه ليس لديه شيء مما أخبر به، وتبين لها أنه يكذب عليها؟

    الجواب: هذا ليس سبباً للخيار وليس سبباً لبطلان النكاح، فالنكاح صحيح، ولكن الرجل عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى؛ فقد غر هذه المسلمة لما قال لها، وقد غشها بذلك، وهو متوعد بالوعيد الشديد، فكذبه ذنب ويجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى منه، ويجب أن يسترضي هذه المرأة وألا يخادعها.

    موقف المرأة إن علمت أن زوج أختها تزوج الثانية

    السؤال: من علمت أن أختها تزوج عليها زوجها فماذا عليها أن تفعل؟

    الجواب: عليها أن تسكت وألا تبلغها ذلك؛ لما يخشى في ذلك من إفساد ذات البين، ومن خروج أختها عن حكم الشرع، وعليها أن تسكت عن ذلك، وألا تتدخل فيه.

    السؤال: ما حكم من... صيام..؟

    الجواب: أن ذلك من الأمور الجائزة، ويجب الوفاء به، ومن استعار حلياً عليه أن يرده، ومن استعار ثياباً أن يردها، إذا... أو كانت مستعارة لوقت محدد.

    السؤال: هل هناك فرق إذا كانت غالية الثمن أم لا؟

    الجواب: لا، لا فرق حينئذٍ.

    إطلاع البائع المشتري على قدر الربح

    السؤال: هل للبائع أن يطلع المشتري على قدر الربح أم لا؟

    الجواب: لا، غير مطالب بذلك، إلا في دور واحد وهو بيع المرابحة، بيع المرابحة يجب فيه البيان، ويحرم بالخفاء.

    اشتراط المرأة على خاطبها عدم الذهاب بها إلى القرية لأسباب معينة

    السؤال: امرأة اشترطت على خاطبها، ألا يذهب بها إلى أهله؛ لأنها تخاف على ابنتها أن ترجع عن التزامها، وأن أهله في البادية يسكنون، فماذا تنصحونها؟

    الجواب: أنه إن رضي بهذا الشرط فقد سبق الكلام في لزوم هذا النوع من الشروط، وإن اشترطتها عليه قبل العقد ورضي بذلك، فهو وعد منه، والراجح وجوب الوفاء بالوعد لقوله صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ) وقال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، فيلزمه أن يفي بوعده؛ ولكن إذا خالف فلا تأثير على النكاح في ذلك.

    الصلاة خلف من يترك الجمعة

    السؤال: [ما حكم الصلاة خلف إمام يترك الجمعة؟]

    الجواب: بالنسبة للإمام الذي يترك الجمعة ولا يصليها، إذا كان متؤلاً فالصلاة وراءه صحيحة لأنه غير عاص؛ لأنه اجتهد فأخطأ، ولكن لا يحل الاعتماد عليه في ترك الجمعة؛ بل يجب على أهل القرية أن يصلو الجمعة خلف إمام آخر، ولا يحل لهم ترك الجمعة؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين )، ويقول: ( من تخلف عن ثلاث جمع متواليات طبع الله على قلبه بطابع النفاق )، ويقول: ( أَلَا هل يوشك أن يتخذ أحدكم الصبة من الغنم تأتي الجمعة فلا يشهدها والجمعة فلا يشهدها والجمعة فلا يشهدها، ثم يطبع على قلبه )، فهذا مما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الولاية في عقد النكاح

    السؤال: [لمن تكون الولاية في عقد النكاح؟].

    الجواب: قد سبق أن هذا في حق الثيب جائز، أما في حق البكر فلا يجوز، فالبكر لا بد أن ينكحها والدها, أو وصيه إذا كانت يتيمة أو القاضي، أما الثيب فيجوز أن ينكحها أي ولي من أوليائها.

    تزويج عائشة رضي الله عنها بنت أخيها

    السؤال: [ ما قولكم في إنكاح عائشة ابنة أخيها في غيبته؟].

    الجواب: حديث عائشة رضي الله عنها أنكحت ابنة أخيها في غيبة عبد الرحمن فلما جاء فقال:... النكاح عليه؟ فأقر ذلك، فهل يعتبر إقراره الأخير هو عقد النكاح، أو المعتبر العقد الذي قامت به عائشة ، هذه المسألة محل بحث بين أهل العلم.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ولك الحمد كثيراً، كما تنعم كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718711

    عدد مرات الحفظ

    765257361