إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (875)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج (نور على الدرب)، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله، وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع: محمد (أ. س. د. ع)، أخونا يناقش في قضية استمع إليها عبر حلقات هذا البرنامج فيقول: أرجو عرض هذه المسألة على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، استمعت في إحدى حلقات (نور على الدرب) عن القراءة والصلاة والدعاء عند القبور، حيث أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بأن قراءة القرآن عند القبور لا تجوز، وطالب الشيخ بالدليل لمن يقول بجواز قراءة القرآن عند القبر، وقد اطلعت على كتاب الروح لـابن قيم الجوزية ، حيث وجدت الحديث التالي: قال الخلال ، وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق حدثني علي بن موسى الحداد وكان صدوقا قال: كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا! إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لـأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله! ما تقول في مبشر الحلبي ؟ قال: ثقة، قال: كتبت عنه شيئا؟ قال: نعم، فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك، فقال له أحمد : ارجع وقل للرجل يقرأ. انتهى.

    وقال الحسن الزعفراني : سألت الشافعي عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا بأس بها. انتهى.

    وقد نقلت هذين النصين حرفياً من كتاب الروح لـابن قيم ، وهناك أقوال كثيرة في هذا الكتاب تجيز القراءة والصلاة عند القبر، أرجو من سماحة الشيخ توضيح هذه المسألة مأجورين بإذن الله تعالى، وفقكم الله، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد اطلعت على ما ذكره السائل وما نقله عن كتاب الروح، قد اطلعت عليه في كتاب الروح، ولكن ينبغي أن يعلم السائل أن الأدلة الشرعية منحصرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي إجماع أهل العلم، أما ما يتعلق بأقوال أفراد الصحابة فهي تعرض على الكتاب والسنة، والعبادات توقيفية، لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع، ولم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا عن خلفائه الراشدين أنهم كانوا يقرءون عند القبور، ولا يصلون عند القبور.

    أما ما فعله ابن عمر هذا اجتهاد منه رضي الله عنه، وهكذا من فعله بعده من بعض السلف من باب الاجتهاد، والاجتهاد يخطئ ويصيب، والواجب هو عرض ما تنازع فيه الناس على كتاب الله، وعلى سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى ما أجمع عليه أهل العلم، ومعلوم أن القراءة محلها البيوت، والمساجد، وليس محلها المقابر، المقابر إنما تزار ويدعى لأهلها، وهكذا الصلاة ليس محلها المقابر، وإنما محلها المساجد والبيوت، فكما أنه لا يصلى عند القبور، كذلك لا تتخذ محلاً للقراءة، لا عند الدفن، ولا بعد الدفن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)، فدل ذلك على أن القبور ليست محلاً للصلاة، قال: (لا تتخذوها قبوراً) يعني: بترك الصلاة فيها، قال: (صلوا في بيوتكم)، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)، وكلها أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة).

    فالمقصود؛ أن المساجد والبيوت هي محل القراءة، وهي محل الصلاة، وليست المقابر محل صلاة ولا محل قراءة، وإنما تزار للدعاء لأهلها، ولتذكر الآخرة، والزهد في الدنيا، وتذكر الموت، وكان عليه الصلاة والسلام إذا زار القبور يدعو لأهلها، يسلم عليهم ويدعو لهم، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)، ولم يعلمهم أن يقرءوا عندها القرآن، وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان عليه الصلاة والسلام إذا زار القبور يقول: السلام عليكم دار قوم المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد).

    فلم يكن عليه الصلاة والسلام يقرأ عند القبور، ولم يكن يصلي عند القبور عليه الصلاة والسلام، والخير كله في اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، ولم يكن خلفاؤه الراشدون يفعلون ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ)، وابن عمر له اجتهادات خالف فيها السنة، فمن ذلك: أنه كان يغسل داخل عينيه، وهذا خلاف السنة، وهذا من اجتهاده رضي الله عنه، ومن ذلك: أنه كان إذا حج أو اعتمر يأخذ من لحيته ما زاد على القبضة، وهذا خلاف السنة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين)، خرجه البخاري في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين)، متفق على صحته، وكان يأخذ ماءً لأذنيه، والسنة أن تمسح الأذنان بماء الرأس.

    فالحاصل أنه له اجتهادات رضي الله عنه، لا يوافق عليها من جهة السنة، فهكذا ما يروى عنه من القراءة عند القبر، وقت الدفن، هذا شيء اجتهد فيه رضي الله عنه، والسنة بخلافه، والإمام أحمد رحمه الله لما بلغه ذلك كان لاجتهاده رضي الله عنه ورحمه رأى أن يوافق ابن عمر ، وأن يقر الكفيف على قراءته بعدما قال له: إنها بدعة، فقوله الأول هو الصواب، قول أحمد الأول هو الصواب، وهو الذي يوافق الأدلة الصحيحة الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولأن القراءة عندها، والصلاة عندها وسيلة إلى عبادتها من دون الله، فالناس قد يظنون أن القراءة عندها لها مزية، ولها ثواب زائد، وهكذا الصلاة عندها، فيجرهم هذا إلى اتخاذها مساجد، وإلى دعاء أهلها، والاستغاثة بأهلها، والتوسل بأهلها، فيقع الشرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088779992

    عدد مرات الحفظ

    778981577