إسلام ويب

جلسة على الرصيفللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الحديث إلى أولئك الشباب الذين يملئون الأرصفة والطرقات في مجالسهم وأماكنهم أمر مهم جداً، وهو باب من أبواب الدعوة إلى الله تعالى، فلابد من إخراجهم مما هم فيه من الضياع وعدم الالتزام بالدين إلى نور الإيمان والطاعة، وهذه هي مسئولية الشباب الملتزم المستقيم على دين الله. لذلك فقد تكلم الشيخ -حفظه الله- إلى الشباب بكل وضوح وصراحة، وبيَّن خطر الغفلة والضياع ثم ذكر قِصَر الدنيا وأنها لا تساوي شيئاً، وتكلم عن بعض أوصاف الجنة والنار، ثم حض على التوبة النصوح والاستعداد ليوم المعاد.
    إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعـد:

    موعدكم هذه الليلة مع الدرس الثلاثين وفي يوم السبت ليلة الأحد (8 /جمادى الأول/ 1411هـ) وعنوانه: (جلسة على الرصيف).

    صحيح أن الجلسة على الرصيف مما لا يسوغ ولا يليق بطلبة العلم كما تحدث عن ذلك أحد الإخوة الذين كتبوا إليَّ رسالة في هذا الموضوع، لكن الحديث معروف، وعنوان هذا الدرس ملائم لموضوعه إن شاء الله تعالى.

    أخي الشاب.. أخي الحبيب..!!

    السلام عليك ورحمة الله وبركاته..

    حقيقة أقول لك: إني سعيد أنني أتحدث إليك الآن، لقد مر علينا زمن كنا نرى فيه فلذات أكبادنا، في مجالسهم وأماكن سمرهم وسهرهم، فيخيل إلينا أن الحديث إلى أولئك الشباب قد يكون ضرباً من الخيال والمحال، فإذا به الآن يصبح واقعاً فالحمد لله على كل حال.

    أخي الحبيب، هل نطمع أن يكون هذا اللقاء الميمون في هذه الجلسة، وفي هذه المحاضرة، سبباً في الاتصال الدائم بيننا، نستمع إليك وتستمع إلينا، ونتدارس المشكلات بروح الأخوة والمحبة، أرجو أن يكون هذا اللقاء فاتحة خير وبركة لنا ولإخواننا من الشباب، بل أقول: هل نطمع أن يتسع صدرك لرؤية إخوانك الطيبين، حين يزورونك عشر دقائق أو خمس دقائق، ليتناولوا معك فنجاناً من الشاي، أو كوباً من الماء، ويرسلوا إليك خبراً يهمك، أو يحدثوك بقصة أو يستشيروك في مشكلة، أو يقدموا لك هديةً؟! أرجو أن يتسع صدرك -أيها الشاب- لمثل أولئك الإخوة! حين يقدمون إليك بما ذكرت.

    نحن واثقون -أيها الأخ الكريم- أن كرمك الفطري، لن يعتذر عما نطلبه منك.

    أخي، هل رأيت المآذن دوماً تشق الفضاء؟

    أخي، هل سمعت النداء يردد: الله أكبر؟

    أخي، هل غسلت فؤادك يوماً بنور السماء؟

    تعال معي يا حبيبي إلى روضة من ضياء.

    تعال إلى حيث يدعو المنادي صباح مساء: يردد.. الله أكبر.

    شباب الأرصفة والشباب المستقيم

    أيها الشباب! إن الفرق كبير وكبير بين صنفين من الشباب، فرق بينهما في الاهتمامات المستقبلية، فرق بين من طموحه أن يمتلك سيارة فارهة فخمة يجوس بها خلال الديار، ويحدث بصرير عجلاتها الإزعاج للناس، أو يحمل عليها صديقاً أو زميلاً، وبين من يتعدى طموحه ذلك إلى أن يطمح في تحقيق نصر وعزة للإسلام، أو يطمح أن يكون ممن يكتب الله عز وجل على يديه انتصار هذا الدين، أو يطمح أن يكون عالماً يشار إليه بالبنان، أو داعية أو خطيباً يهز أعواد المنابر، أو مجاهداً يخضب الأرض بدمه.

    وفرق كبير بين من غايته ومناه أن يمتلك بيتاً واسعاً، وزوجة حسناء جميلة، وبين من يطمح أن يكون من المتقين، الذين هم: فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].

    فرق بين من يسهر الليل يتقلب على فراشه في أسف، حزناً لواقع الأمة الإسلامية، التي أصبحت تئن تحت المطارق والضربات ليلاً ونهاراً، وبين من يبيت يتقلب، لأن صديقه الذي امتلأ قلبه بحبه قد تركه إلى غيره، أو أن فريقه الذي يشجعه قد مُني بهزيمة منكرة، في مباريات رياضية.

    أيها الإخوة! فرق كبير بين من يعد العدة ويتربص، ويعد الأيام والليالي ينتظر الإجازات؛ ليسافر إلى أماكن الفساد والرذيلة، في بانكوك أو كازابلانكا أو فرنسا وغيرها، وبين من يعد العدة ويترقب الأيام والليالي، ليسافر ليحيي شعيرة من شعائر الله، الجهاد في سبيل الله على أرض أفغانستان، أو على غيرها من بلاد الله، التي ترفع فيها أعلام الجهاد في سبيل الله عز وجل.

    فرق أي فرق -أيها الإخوة- بين من يسافر؛ ليتعاطى الخمور والمخدرات، ويبيت في أحضان المومسات والبغايا؛ ليعود إلى بلده وقد فقد الحياء، والرجولة وفقد الدين، وفقد المال والصحة والسعادة، وبين من يذهب يدعو إلى الله عز وجل، ويبلغ الناس رسالات الله عز وجل، ومن يذهب إلى المسلمين يتفقد أحوالهم ويعايشهم، ويحاول أن يخفف عنهم من همومهم وآلامهم.

    فرق كبير بين إنسان من الشباب، إذا سمعته المجالس فرحت وارتفعت الرءوس، واشرأبت الأعناق، وطاب الحديث؛ لأنه فلان بن فلان الرجل الطيب المطيب، صاحب الحديث اللذيذ، والمجلس المبارك، والصدقات، والابتسامات وتحفيظ القرآن والعلم والتعليم والمسجد والعبادة، وبين إنسان آخر إذا ذكر فإنما يذكر بالسب والشتم والدعاء؛ لأنه إما مدمن خمر، أو متعاطي مخدرات، أو آكل ربا، أو واقع في فاحشة، أو صاحب أسفار، أو زميل لشلة من شلل الفساد والريب، أو رجل لا يعرف إلا في أماكن السوء والانحلال.

    أيها الإخوة! هناك فرق بين من يتمتع بما أحل الله عز وجل له، فتجد أن صحته سليمة، وحياته مستقيمة وراحته تامة ونومه هنيء؛ لأنه قد أرضى الله عز وجل فأرضاه الله تعالى، وبين إنسان يتقلب على فراش المعصية، قد امتلأ جسمه بالأمراض والأوبئة، بسبب معصية الله عز وجل، وفقد الهدوء والأمن والاطمئنان، فهو يتقلب على مثل شوك السعدان يأوي إلى الفراش يريد النوم فيطير من عينيه؛ لأن الأحزان والمصائب التي ملأت قلبه، لم تدع للنوم إلى عينه سبيلاً.

    فرق بين من أرضى الله عز وجل، وبين من أسخط الله عز وجل. الله تعالى بيده ملكوت السماوات والأرض، من رضي الله عنه فالدنيا في عينه واسعة، حتى ولو تقلب على جمر الغضى، وحتى لو كان يعيش على سرير المرض، فإن الله عز وجل إذا رضي عن عبد فإنه لا خوف عليه.

    وإذا العناية لاحظتك عيونها      نم فالمخاوف كلهن أمان

    وبين إنسان آخر سخط الله عز وجل عليه، فجعل كل ما عنده سبباً في شقاوته فيتعبه ويقلقه، فالصحة كانت سبباً في وقوعه في الرذائل والمعاصي، والولد كان وبالاً عليه، والشهادة كانت سبباً في شقائه، فكل ما أعطاه الله تعالى من عطايا هذه الدار، أصبحت سبباً في شقائه؛ لأن الله تعالى سخط عليه فجعل كل ما في هذه الدنيا وبالاً عليه.

    أيها الإخوة! وكذلك فرق بين من يتمتع برضاء أمه وأبيه، فإذا خرج من البيت، قالت له أمه: يا ولدي! حفظك الله في حلك وترحالك! فقبل رأسها ودعا لها، وخرج وملء قلبه الرضا والسرور وبين إنسان آخر يدخل على والديه، فلا يلتفت إليهما، ولا يلتفتان إليه، هم يدعون الله تعالى عليه بكرةً وعشياً أن يهديه أو أن يهلكه، حتى يرتاحا من شره.

    أيها الإخوة! هؤلاء شباب هذه الأمة، منهم ومنهم، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ومنهم الصالحون ومنهم القاسطون.

    مبشرات في نتائج الاستبيان

    أخي الشاب! "أنت مع من أحببت" ولعلي لا آتي بجديد إذا قلت: إن كل امرئ محاسب عن نفسه، حتى الأب لا يجزي عن ولده، والزوج لا يجزي عن زوجه والولد لا يغني عن والده شيئاً، مع كل هذا فإني أضع بين يديك هذا السؤال لماذا يحرص الشباب الملتزمون على هداية الناس؟

    لماذا يحرصون على ذلك؟

    ولماذا يتكدر هؤلاء إذا سمعوا الأخبار السيئة عن انحراف بعض الناس؟

    بل لماذا يشتدون أحياناً ويغضبون إذا سمعوا أو رأوا ما يسخط الله عز وجل؟

    هل تعتقد -أخي الحبيب- أن هناك سبباً آخر غير محبتهم الخير لك؟

    كلا، إنهم لا يضيرهم أبداً أن ينحرف من ينحرف، ويضل من ضل، ويهلك من هلك: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105].

    إذاً: لا يضرهم أن يهتدي الناس أو يضلوا، يستقيموا أو ينحرفوا يصلحوا، أو يفسدوا, لكن الله عز وجل جعل في قلوبهم رحمة، فإذا رأوا الفاسق والعاصي حزنوا لذلك وابتأسوا حتى كأنهم سوف يعذبون بمعصيته وإثمه فيحرصون من ثَمَّ على هدايته وجلب الخير له. إنها محبتهم للخير للأمة، وحرصهم على هداية الناس، وكراهيتهم أن يروك وأنت تعذب في النار.

    أحبابنا كم كان سرورنا بالغاً- ولعله يشاطرني السرور كل من علموا بهذه النتيجة- أنه خلال استفتاء أشرت إليه سابقاً وأجري مع مجموعة تربو على مائتين من شباب الأرصفة، من الشباب الذين يقيمون في الأرصفة، أو يجلسون في جنبات الطريق بارك الله فيهم وهدانا الله تعالى وإياهم إلى سواء السبيل، ونفع الأمة بنا وبهم، كم كان السرور بالغاًُ حين نعلم جميعاً أن (70%) من هؤلاء الشباب أعلنوها صراحة أنهم يحبون الشباب المتدينين، جملةً وتفصيلاً، وأن (10%) يحبون بعض الشباب المتدينين، وأن (10%) هم الذين لا يحبون المتدينين، لسبب أو لآخر.

    إذاً: (80%) يحبون الشباب المتدينين، وحين سئل كثير من هؤلاء الشباب: هل تحب أن تكون شاباً متديناً؟

    قد تتعجبون إذا علمتم أن أكثر من (99%) منهم قالوا: نعم، نحب أن نكون شباباً متدينين، (99.5%) يرغبون أن يكونوا شباباً متدينين، وهذه إحصائية دقيقة، وليست كإحصائيات الانتخابات في بعض البلاد التي تخرج بنسبة (99.999%) بالموافقة. هذه إحصائية مكتوبة على الورق أن (99.5%) من الشباب، يتمنون أن يصبحوا شباباً متدينين، لماذا؟ لأنهم يريدون رضوان الله والجنة، وبعضهم قال: ويريد الراحة في الدنيا.

    عن أنس رضي الله عنه: {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: والله ما أعددت لها كثير صلاة، ولا صيام، ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت}رواه البخاري وغيره.

    وأيضاً عن ابن مسعود وأبي موسى: {أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم -كما في البخاري-: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم -يعني: يحبهم، ولكنه لم يعمل مثل عملهم- فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب}

    وقائل: هل عملٌ صالح      أعددته ينفع عند الكرب

    فقلت حسبي سنة المصطفى           وحبه فالمرء مع من أحب

    أيها الإخوة: إنك حين ترى كثيراً من هؤلاء الشباب، تعلم أنهم يحبون الطيبين من خلال عيونهم ونظراتهم ووجوههم، فإن الوجه يعبر عما وراءه:

    والنفس تعرف في عيني محدثها      إن كان من حزبها أو من أعاديها

    عيناك قد دلتا عينيَّ منك على      أشياء لولاهما ما كنت أدريهـا

    وأحياناً لغة العيون تدل على ما في الضمائر والقلوب.

    فيا أخي الشاب الحبيب، أولاً: أبشر بالخير الآجل والعاجل، فإن قدمك قد وضعت في الطريق الصحيح حيث جعلت ولاءك لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وأعلنت إعلاناً صريحاً أنك تحب الشباب الملتزمين المتدينين، ولا تعدل بهم أحداً، لا فناناً ولا مطرباًُ ولا لاعباً ولا تاجراً ولا أميراً ولا وزيراً.

    فضل الحب في الله

    أخي الكريم! هذا حب في الله عز وجل، فهل ذقت طعم المحبة في الله تعالى، إنها محبة في الله ليست محبةً في الفريق، فلم تحب فلاناً لأنه يشجع النادي الذي تشجعه، وليست محبة من أجل المال، فلست تحبه لأنك تستفيد منه مالاً، وليست محبة في الشكل، تحب فلاناً لحسن شكله وحسن هيئته وجمال خلقته، لا. وليست محبة الهوى التي يتبعها الذل، فإن محبة الهوى ذل في الوجه، وذل في الحياة، وذل بعد الممات.

    مساكين أهل الحب حتى قبورهم      عليها غبار الذل بين المقابر

    إن المحبة في الله طعم آخر غير ذلك كله، إنها طعم لا يمكن وصفه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار}.

    أخي، هل اقتربت من الطيبين؟

    هل نظرت في وجوههم المشرقة بنور الإيمان؟

    هل سمعت لذيذ كلامهم وحلاوة حديثهم وبرد أنفاسهم؟

    عن أبي إدريس الخولاني رضي الله عنه قال: {دخلت مسجد دمشق فإذا فيها فتىً براق الثنايا، وإذا الناس حوله، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه فيه، قال: فوقع حبه في قلبي، فسألت عنه فقيل لي: هذا معاذ بن جبل، هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما كان من الغد بكرت فوجدته قد سبقني في التبكير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى إذا قضى صلاته أتيته من قبل وجهه، فجلست بين يديه، وقلت له: والله إني لأحبك في الله. فنظر إليّّ، وقال: آلله -تحلف بالله- قلت: آلله. قال: آلله قلت: آلله. قال: فأخذ بحبوتي فجذبني إليه -جرني إليه- فقال لي: أبشر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: {وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيَّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيَّ، ووجبت محبتي للمتباذلين فيَّ}.

    أخي الحبيب.. أخي المسلم

    هل تريد في دنياك شيئاً أعظم من أن الله تعالى يحبك؟

    من أحبه الله تعالى، فماذا يضره أن يبغضه الناس كلهم لو أبغضوه؟

    مع أنه تعالى إذا أحب شخصاً كتب له الحب بين الناس، إذا أحب شخصاً نادى في السماء إني أحب فلاناً فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض، ينادي جبريل في السماء إن الله يحب فلاناً فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض فيحبه الناس المؤمنون كلهم أجمعون.

    هل تريد شيئاً أكثر من أن يحبك الله عز وجل فيجعل كل طرائقك وكل مسالك خطاك مآلها إلى النجاح؟

    إن هذا غاية ما يتمناه كل إنسان، وطريقه سهل يسير، هو: أن يخفق قلبك بمحبة المؤمنين. فهل جربت هذا؟

    هل تحرك قلبك بحب أصحاب الوجوه النيرة؟

    هل خفق قلبك بحب أصحاب النوافل؟

    هل خفق قلبك بحب أهل الصيام والقيام؟

    هل خفق قلبك بحب أهل العلم والدعوة والجهاد؟

    هل خفق قلبك بحب أهل الصدقة والبذل والإنفاق في سبيل الله؟

    عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن من الناس أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء بمكانهم من الله عز وجل، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم قوم تحابوا في ذات الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [يونس:62-64] }.

    هذه المحبة الإيمانية الأخوية، هي أدوم شيء في هذه الدنيا، فإن المتحابين في الله لا يتفرقون أبداً، لقد خفقت قلوب المؤمنين بحب بعضهم بعضاً منذ عشرات السنين، وما زال هذا الحب لا تزيده الأيام والليالي إلا ثباتاً ورسوخاً ومضاءً، وأحلف لكم بالله -أيها الأحبة- إنني أرى بعض الشباب الطيبين منذ سنين طويلة، وبينهم من الألفة والود والتراحم والتحاب والصداقة، أشد مما بين الأخ الشقيق مع أخيه، فكنت أقول في نفسي: ربما تكون هذه عاطفة مؤقتة وتزول، ولكني وجدت الأيام لا تزيدها إلا ثباتاً ورسوخاً وعمقاً، فهم منذ سنين طويلة على غاية من الحب فيما بينهم والتواصل والتراحم لم يجد الشيطان سبيلاً إلى فصم عرى هذه المحبة، فهي محبة باقية، بخلاف المحبة في غير الله، كالمحبة في الفريق -مثلاً- أو المحبة في المال، أو المحبة على معصية، فما أسرع ما تزول، يقال: من أحبك على شيء أبغضك على فقده، فكم من تاجر افتقر تفرق عنه أصحابه وأحبابه، وكم من رئيس أو مسئول لما أُعفي من منصبه، أو ابتعد عنه أو تقاعد؛ تركه الناس وأعرضوا عنه، وكم من إنسان كان يتمتع بشيء فلما زال وذهب عنه هذا الشيء؛ أعرض عنه الناس؟!

    حتى ربما يرونه في الشارع فلا يسلمون عليه!

    فهل تريد يا أخي الحبيب شيئاً أدوم وأثقل وأثبت من المحبة في الله تعالى؟

    ما كان لله دام واتصل، بل إن هذه المحبة تدوم حتى بعد الموت، ألم تر إلى الطيبين، إذا ذُكر بعض أحبابهم الذين ذهبوا إلى قبورهم، دمعت أعينهم، وقالوا: رحمة الله على فلان، ووالله إننا نتلذذ بأن نردد أسماء بعض أحبابنا وأصحابنا الذين لقيناهم يوماً من الدهر، ثم سبقونا إلى الدار الآخرة، فكلما ذكرناهم ترحمنا عليهم، قلنا رحمة الله عليهم، وكلما عرف الطيبون والصالحون أن صديقهم فلاناً له أولاد بعد وفاته، أو زوجة أو أم أو قريب، أو عليه دين؛ سارعوا في سداد دينه، أو إعانة ورثته أو ما أشبه ذلك.

    فالمحبة باقية بعد الموت، بل وباقية في الدار الآخرة، قال الله عز وجل: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] أما غير المتقين فالمودة بينهم في الحياة الدنيا فقط، أما يوم القيامة فكما قال الله عز وجل:ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [العنكبوت:25].

    فاختر يا أخي الحبيب، لنفسك أي الطريقين شئت! وأنا واثق كل الثقة أنك لن تختار لنفسك طريقاً تدري أن فيها العطب في الدنيا والآخرة، فإن العاقل لا يختار لنفسه إلا أسلم الطرق وأحسنها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088779638

    عدد مرات الحفظ

    778977339