هذا الحديث حديث عظيم فيه بيان درجات تغيير المنكر، وأن الناس فيه ليسوا على حد سواء؛ لأنهم متفاوتون، وأن أعلى درجة للتغيير هي: التغيير باليد لمن قدر على ذلك، فمن لم يستطع فلابد من التغيير باللسان، فمن لم يستطع فلا بد من التغيير بالقلب، وليس هناك شيء أقل من هذا، بل ذلك أضعف الإيمان، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأنه عظيم، وقد جاءت آيات كثيرة وأحاديث عديدة تدل على عظم شأنه، وأمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كانت خير أمة أخرجت للناس؛ وذلك لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما قال الله عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] ثم إن من لُعن من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم إنما كان بتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأنه عظيم في الإسلام؛ وذلك لأن فيه الدلالة على الخير، والتحذير من الشر، وإزالة المنكرات الواقعة، وهذا الحديث بين فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم درجات تغيير المنكر، فقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده). والمنكر: هو المحرم الواضح البين الذي قد علم تحريمه فإن تغييره مطلوب، فمن قدر على تغييره باليد تعّين عليه ذلك، وهذا يكون للسلطان ونواب السلطان في الولايات العامة، ويكون لصاحب البيت في بيته في الولاية الخاصة؛ لأن هؤلاء هم الذين يقدرون على تغيير المنكر بأيديهم، ومن لم يكن من أهل التغيير باليد، وكان من أهل التغيير باللسان بمعنى أنه يتكلم ويبين ويوضح، وينهى عن المنكر ويحذر منه، ويخوف منه، فإن عليه أن يقوم بهذا الواجب، مادام أنه ليس من أهل التغيير باليد، وعنده قدرة على أن يغير بلسانه، بأن يأمر وينهى ويبين، ويوضح ويحذر ويخوف، فإنه يفعل، وإذا لم يقدر على ذلك أيضاً فإن أقل شيء يفعله هو أن يغير بقلبه.
والتغيير بالقلب هو: الكراهية مع حصول التأثر، كون الإنسان قلبه يتأثر ويتألم لوجود هذا المنكر وذلك بكراهيته وبغضه وبتأثر القلب بسبب ذلك؛ لأنه ما استطاع أكثر من هذا.
قال عليه الصلاة والسلام: (وذلك أضعف الإيمان). يعني: هذا أقل شيء، وهذا يدل على أن الناس يتفاوتون في الإيمان، ففيهم من هو قوي الإيمان، وفيهم من هو ضعيف الإيمان، وكما أن حصول الإيمان الناس يتفاوتون في كماله، فهم يتفاوتون في ضعفه.
فهم متفاوتون في الكمال، أي: في كمال الإيمان، ومتفاوتون في الضعف، ولهذا قال: (وذلك أضعف الإيمان). يعني: أن من لم يحصل في قلبه شيء من التأثر والكراهية فمعنى ذلك أنه ليس عنده شيء من الإيمان الذي يحصل به أداء هذا الأمر الذي هو أقل شيء، وليس أقل أو أدنى منه.
فقوله: (من رأى منكم منكراً) يحتمل أن يكون المراد الرؤية البصرية، بمعنى أنه شاهد المنكر بعينه، فهو يغيره بيده إن كان من أهل اليد، وإلا فيغيره بلسانه إذا لم يستطع تغييره بيده.
ويحتمل أن يكون المراد بذلك ما يشمل الرؤية البصرية والرؤية العلمية، بمعنى أنه يعلم ويتحقق عن طريق صحيح أن هناك منكر، وأن المنكر موجود، فإنه يعمل على تغييره بما علمه من حصوله ووجوده، وعلى هذا فلا يكون التغيير خاص بما رآه الإنسان، بل بما علمه ويتحقق علمه، فإن المطلوب منه أن يغيره مادام تحقق وجوده وعلم بذلك، وإن لم يشاهده ويعاينه، وعلى هذا فيكون المراد بالرؤية ما هو أشمل من الرؤية البصرية أي: ما يشمل الرؤية البصرية والرؤية العلمية.
وعلى هذا فيكون معنى الآية: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]. أي: إذا قمتم بما هو مطلوب منكم، فقد أديتم ما عليكم ولا يضركم بعد ذلك ضلال من ضل إذا اهتديتم، قالوا: وفي قوله عز وجل: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ دليل على هذا؛ لأن المهتدي لا يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن من الاهتداء أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فتكون الآية هي نفسها دليل على أن الإنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن الإنسان إذا أدى ما عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم تحصل الاستفادة بعد ذلك فلا يضره ضلال من ضل؛ لأنه أدى ما عليه، وأرشد إلى ترك الضلال، والأخذ بسبل الهداية، فإذا لم تنفع الموعظة، ولا ينفع التذكير، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحينها يكون المرء قد أدى ما عليه، وليس عليه بعد ذلك من حرج، وإنما يكون عليه الإثم إذا لم يكن أدى ما عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الحاصل: أن هذا حديث عظيم مشتمل على تغيير المنكر، وتفاوت الناس ودرجاتهم فيه، وأنهم ليسوا على درجة واحدة، وأن كل من قدر على درجة منها تعيّن عليه الإتيان بذلك، وليس له أن يترك ما أوجب الله تعالى عليه، وإلا فإنه يكون آثماً إذا ترك ما هو قادر عليه من التغيير باليد، وهو أعلى شيء، ثم التغيير باللسان الذي يليه.
ولشيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] تحقيقات في مباحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسائل المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نذكرها بالنص لأهميتها:
قال الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى: [ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]. قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ؛ لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد، وممن قال بهذا حذيفة و سعيد بن المسيب كما نقله عنهما الألوسي في تفسيره و ابن جرير ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب و أبي عبيد القاسم بن سلام ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن عمر و ابن مسعود فمن العلماء من قال: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ أي: أمرتم فلم يسمع منكم، ومنهم من قال: يدخل الأمر بالمعروف في المراد بالاهتداء في الآية، وهو ظاهر جداً، ولا ينبغي العدول عنه لمنصف.
ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد: أن الله تعالى أقسم أنه في خسر، بقوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]. فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل، وقد دلت الآيات كقوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25] والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر عمهم الله بعذاب من عنده؛ فمن ذلك ما خرجه الشيخان في صحيحيهما عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (دخل عليها فزعاً مرعوباً يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه -وحلّق بأصبعيه الإبهام والتي تليها- فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث). وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) أخرجه البخاري و الترمذي .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: (يا أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود و الترمذي و النسائي بأسانيد صحيحة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:78-81]، ثم قال: كلا والله! لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم ليلعننكم كما لعنهم) رواه أبو داود و الترمذي وقال: حسن، وهذا لفظ أبي داود ، ولفظ الترمذي : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [المائدة:78] فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى يأطروهم على الحق أطراً).
ومعنى تأطروهم أي: تعطفوهم، ومعنى تقصرونه: تحبسونه، والأحاديث في الباب كثيرة جداً، وفيها الدلالة الواضحة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ، ويؤيده كثرة الآيات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] وقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ [آل عمران:110] وقوله: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79]. وقوله: وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] وقوله: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94]. وقوله: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165]. وقوله: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].
والتحقيق في معناها: أن المراد بتلك الفتنة التي تعم الظالم وغيره، هي: أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بالعذاب صالحهم وطالحهم، وبه فسرها جماعة من أهل العلم والأحاديث الصحيحة شاهدة لذلك كما قدمنا طرفاً منها.
أما السنة المذكورة: فقوله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه، فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان ما أصابك؟! ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟! فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه) أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
ومعنى (تندلق أقتابه): تتدلى أمعاؤه، أعاذنا الله والمسلمين من كل سوء.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت رجعت، فقلت لجبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟!) أخرجه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن حيان وابن مردويه والبيهقي كما نقله عنهم الشوكاني وغيره.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه جاءه رجل فقال له: يا ابن عباس ! إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فقال ابن عباس : أوبلغت ذلك؟ فقال: أرجو. قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل، قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:44] وقوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3]. وقوله تعالى عن العبد الصالح شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88] الآية. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وابن مردويه وابن عساكر كما نقله عنهم أيضاً الشوكاني وغيره.
واعلم أن التحقيق: أن هذا الوعيد الشديد الذي ذكرنا من اندلاق الأمعاء في النار، وقرض الشفاه بمقاريض النار، ليس على الأمر بالمعروف، وإنما هو على ارتكابه المنكر عالماً بذلك، ينصح الناس عنه، فالحق أن الأمر غير ساقط عن صالح ولا طالح، والوعيد على المعصية لا على الأمر بالمعروف؛ لأنه في حد ذاته ليس فيه إلا الخير، ولقد أجاد من قال:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيمُ
وقال الآخر:
وغير تقيّ يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو مريضُ
وقال الآخر:
فإنك إذا ما تأت ما أنت آمر به تلف من إياه تأمر آتيا
وأما الآية الدالة على أن المعرض عن التذكير كالحمار أيضاً، فهي قوله تعالى: فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:49-51]، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، فيجب على المذكِّر والمذكَّر أن يعملا بمقتضى التذكرة، وأن يتحفظا من عدم المبالاة بها؛ لئلا يكونا حمارين من حمر جهنم.
فإن كانت دعوته إلى الله بقسوة وعنف وخرق، فإنها تضر أكثر مما تنفع، فلا ينبغي أن يسند الأمر بالمعروف إسناداً مطلقاً، إلا لمن جمع بين العلم والحكمة والصبر على أذى الناس؛ لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم، وهو مستلزم للأذى من الناس؛ لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يتعرض لهم في أهوائهم الفاسدة، وأغراضهم الباطلة، ولذا قال العبد الصالح لقمان الحكيم لولده فيما قص الله عنه: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17]
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـورقة بن نوفل : أوَ مُخرجيّ هُم؟! -يعني: قريش- أخبره ورقة أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ما ترك الحق لـعمر صديقاً.
واعلم أنه لا يحكم على الأمر بأنه منكر إلا إذا قام على ذلك دليل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين، وأما إن كان من مسائل الاجتهاد فيما لا نص فيه، فلا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكراً، فالمصيب منهم مأجور بإصابته، والمخطئ منهم معذور كما هو معروف في محله.
واعلم أن الدعوة إلى الله بطريقين: طريق لين، وطريق قسوة.
أما طريق اللين فهي: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه، فإن نجحت هذه الطريق فبها ونعمت، وهو المطلوب، وإن لم تنجح تعينت طريق القسوة بالسيف حتى يعبد الله وحده، وتقام حدوده، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25]. ففيه الإشارة إلى إعمال السيف بعد إقامة الحجة، فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب، والله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وارتكب لأخف من ضررينِ وخيرنْ لدى استوا هذينِ
ويشترط في وجوبه: مظنة النفع به، فإن جزم بعدم الفائدة فيه لم يجب عليه، كما يدل له ظاهر قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]. فقوله صلى الله عليه وسلم: (بل ائتمروا بالمعروف وتناهو عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياماً الصابر فيهن كالقابض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم) .
وفي لفظ: (قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم) أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه وأبو داود وابن ماجه وابن جرير والبغوي في معجمه وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، وقال الراوي هذا الحديث عنه أبو أمية الشعباني ، وقد سأله عن قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ : والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا..) إلى آخر الحديث.
وهذه الصفات المذكورة في الحديث من الشح المطاع والهوى المتبع.. إلى آخره، مظنة لعدم نفع الأمر بالمعروف، فدل الحديث على أنه إن عدمت فائدته سقط وجوبه.
الأولى: إقامة حجة الله على خلقه، كما قال تعالى: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].
الثانية: خروج الآمر من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف، كما قال تعالى في صالح القوم الذين اعتدى بعضهم في السبت: قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ [الأعراف:164]. وقال تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ [الذاريات:54]. فدل على أنه لو لم يخرج من العهدة لكان ملوماً.
الثالثة: رجاء النفع للمأمور، كما قال تعالى: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164] وقال تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]. وقد أوضحنا هذا البحث في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة الأعلى في الكلام على قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى [الأعلى:9]، ويجب على الإنسان أن يأمر أهله بالمعروف كزوجته وأولاده ونحوهم وينهاهم عن المنكر؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6]. وقوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) .
وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغرز: (أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر) رواه النسائي بإسناد صحيح كما قاله النووي رحمه الله.
واعلم أن الحديث الصحيح قد بين أن أحوال الرعية مع ارتكاب السلطان ما لا ينبغي ثلاث:
الأولى: أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر من غير أن يحصل منه ضرر أكبر من الأول، فآمره في هذه الحالة مجاهد سالم من الإثم، ولو لم ينفع نصحه، ويجب أن يكون نصحه له بالموعظة الحسنة مع اللطف؛ لأن ذلك هو مظنة الفائدة.
الثانية: ألا يقدر على نصحه لبطشه بمن يأمره وتأدية نصحه لمنكر أعظم، وفي هذه الحالة يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهية منكره والسخط عليه، وهذه الحالة هي أضعف الإيمان.
الثالثة: أن يكون راضياً بالمنكر الذي يعمله السلطان متابعاً له عليه، فهذا شريكه في الإثم، والحديث المذكور هو ما قدمنا في سورة البقرة عن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: لا. ما أقاموا فيكم الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (فمن كره).
يعني: بقلبه ولم يستطع إنكاراً بيد ولا لسان فقد برئ من الإثم وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بها وتابع عليها فهو عاص كفاعلها.
ونظيره حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند مسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) . وقوله في هذه الآية الكريمة: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ صيغة إغراء يعني: الزموا حفظها، كما أشار له في (الخلاصة) بقوله:
والفعل من أسمائه عليك وهكذا دونك مع إليك
انتهى.
هذا هو كلام شيخنا: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في المسائل المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك في كتابه أضواء البيان عند قول الله عز وجل في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105].
الجواب: هذا المنكر حصل علانية، وظن أبو سعيد رضي الله عنه والرجل الذي معه أن مروان قد نسي أن الصلاة قبل الخطبة، فذكروه، ولكنه كان قاصداً لذلك وعازماً على أن يخطب قبل أن يصلي, فتركوه وشأنه بعد أن أدوا ما عليهم, ومن المعلوم أن الذي حصل أمر منكر فنبه عليه، ولكنه لما لم يستجب ما خرج أبو سعيد وترك المكان وقال: أنا أغادر المكان لأن هذا أمر منكر, بل جلس ولم يغادر، وهذا يدل على أن تقديم الصلاة ليس بشرط وليس بأمر لازم, وأن صلاتهم مع تقديم الخطبة صحيحة، وإن كانت على خلاف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سعيد رضي الله عنه لم يخرج ويترك المكان بسبب حصول مخالفة للسنة، بل بقي مما يفيد أن هذا الذي فعله مروان لا يؤثر في صلاة العيد، ولا يكون مخلاً لها؛ لأن ذلك ليس شرطاً، وليس بلازم.
الجواب: هذا من الاستهزاء، ومن تكلم بهذا الكلام القبيح فإنما يجني على نفسه، وتعود مضرته عليه، وغالباً أن الذي يتكلم بهذا الكلام ضعيف الإيمان، وعنده فسق، فالمؤمن لا يقول مثل هذا الكلام, بل يفرح بأعمال الهيئات؛ لأن أعمالهم فيها التعاون على البر والتقوى، والدلالة على الخير، وإعانة الناس على أنفسهم، والناس بحاجة إلى من يعينهم على أنفسهم، وليسوا بحاجة إلى من يضيعهم أو يسعى إلى تضييعهم أو يفرح بضياعهم، ولا يجوز للمسلم أن يحب أن الهيئة لا يحصل منها هذا العمل؛ لأن كراهية الدعوة هذا إنما تحصل من أهل الفساد, فهم الذين يشتهون عدم وجود مثل هذه الدعوة إلى الله ويرغبون في عدم وجودها.
وهذا من أقبح الكلام، وفيه استهزاء وتهكم بأولئك الذين يقومون بمهمة عظيمة، كما قال الله عز وجل: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم...) وهذا لفظ عام، والناس يتفاوتون، ولا شك أن من المخاطبين: السلطان ونواب السلطان ومنهم: (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والأمراء, والولاة على نواحي معينة الذين أُنيط بهم مهمات على نواحي خاصة وبلاد خاصة, فعليهم أن يقوموا بهذه المهمة، ولا شك أنهم يملكون التغيير باليد، وكذلك أيضاً صاحب البيت يملك التغيير باليد؛ لأنه راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، ويستطيع أن يغير بيده؛ لأن بيته داخل تحت ولايته وهو يتصرف في داخل بيته بالأمر والنهي ومنع المنكر وإزالته من البيت، وليس الأمر خاصاً بالهيئات، أما التغيير باليد فلا يملكه إلا من له الولاية كالسلطان أو نواب السلطان كالهيئات, وأما التغيير باللسان فيمكن للمسلم أن يغير بلسانه, ويمكن يقول: يا أخي اتق الله! هذا الفعل لا يجوز. وهكذا.
الجواب: كون الإنسان يغير بيده وهو ليس من أهل الولاية فهذا مظنة أن يحصل شيء لا تحمد عقباه ويمكن أن يكون هذا الذي يريد أن يغيره يضر به؛ وعثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ومن ليست له ولاية على أمر فإن دخوله فيه لتغييره يمكن أن يؤدي إلى أن يقابل بخصام ومضاربة، ثم يترتب على ذلك مفسدة لهذا الإنسان.
الجواب: لا, ليس لكل أحد، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ومن لم يستطع فبقلبه) أي: أخبر أنه قد لا يستطاع التغيير باللسان.
الجواب: هذه حجج واهية ساقطة, وهل المسافر لا يصلي صلاة الجماعة؟! ألم تشرع الجماعة في شدة الخوف والكفار يقاتلون المسلمين؟! فيقوم الإمام بتقسيم الناس إلى مجموعتين ويصلون صلاة الخوف، فإذا لم تسقط الجماعة في الخوف, فكيف يقال: إن الإنسان المسافر الذي يقيم مدة طويلة لا يقال: إنه مسافر, فما الفرق بينه وبين أهل البلد؟ إلا أن هذا عند أهله وهذا ليس عند أهله، وإلا فإن الراحة والطمأنينة والاستقرار موجود، وليس هناك حل وارتحال وتعب ونصب, فيكون هو وزميله ممن هو من أهل البلد سواء من حيث انعدام المشقة، وحالة السفر هذه غير واردة، ولا يقال فيها: إن الإنسان مسافر، وإنما حكمه حكم المقيمين، ويجب عليه ما يجب على المقيمين، وعليه إذا سمع النداء أن يجيب, أما أن يزعم أنه لا يسمع الأذان، فهذا كما هو معلوم من التفريط، والإنسان لو كان عنده موعد طائرة في ساعة معينة فهل ينام ويترك موعد الطائرة؟ لا، بل سيكلف من ينبهه، وهكذا في الصلاة يجب عليه أن يطلب من أحد أصحابه أو جيرانه بأن يدق عليه الباب أو ينبهه, أو يأخذ ساعة ويجعلها على الوقت المعين الذي يريد أن يستيقظ فيه، كما لو كان له موعد مع إنسان فإنه يجعل منبه الساعة على الوقت المعين بحيث تدق ويقوم.
إذاً: على الإنسان أن يحافظ على صلاته وأن يأخذ بالأسباب، وحتى لو لم يسمع وهو نائم فعليه أن يجعل المنبه يدق قبيل الآذان حتى يتمكن من القيام والوضوء والذهاب إلى المسجد.
الجواب: الكفر البواح أي: الواضح الجلي الذي ليس فيه إشكال، قال: (إلا أن تروا منهم كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، أي: كفر واضح، وليس شيئاً محتملاً أو فيه شك.
الجواب: معناه: أن يراه الناس بالمشاهدة أو يرونه بالعلم؛ لأن الرؤية تكون علمية أو نظرية، والمعنى هنا: تروا أي: تعلموا، والمقصود: أن يكونوا متحققين من وقوعه.
الجواب: كون الإنسان ينصح أمام الناس فما هي فائدته؟ إنما الفائدة تتعلق بأن ينصحه بينه وبين نفسه, أما النصح أمام الناس فهذا يعني أنه يجاهر الناس لكي يعلموا ما فيه من سوء، وهذا غير سائغ وغير لائق، ولا أدري ماذا يقصد بكونه يطلب النصيحة أمام الناس, ولعله يريد أن يدبر له مكيدة, فيأتي الناصح لينصحه أمام الناس، فيقوم المنصوح بالتشويه بالناصح ومقابلته بالكلام السيئ كونه نصحه علانية.
الجواب: إذا وجدت التقوى في القلب ظهرت على الجوارح، مثلما جاء في الأثر الذي أشرت إليه: (ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال)، أما كون الإنسان يقول: التقوى هاهنا، وليس عنده تقوى، فهذه تصير دعوى، والدعوى تحتاج إلى بينة، والبينة هنا هي الاستقامة وظهور التقوى، أما أن يقول: التقوى هاهنا، ثم بعد ذلك يترك ما هو واجب عليه فهذا يدل على عدم حصول التقوى.
الجواب: لا، إذا كان من الأمور الواضحة الجلية التي لا يجهلها أحد، مثل الخمر أو الزنا وما إلى ذلك فهذه كلنا يعرفها؛ لأن هناك أمور مشتهرة لا تخفى على أحد، لكن هناك بعض الأمور التي تخفى، فإذا كان هذا من الأمور الواضحة فعليه أن يبين وأن ينهى، وإذا كانت من الأمور الخفية التي لا يعلم الحق فيها وهل هي منكر أو ليست بمنكر فلا يفعل، وإنما عليه أن يسأل أهل العلم: هل هذا منكر أو ليس بمنكر؟
الجواب: نعم؛ لأنها داخلة تحت أمهات النساء كما قال تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23]، فهي من أمهات الزوجة، وأمهات المرأة هي أمها وجداتها, فيكون زوج البنت محرماً لأمها ولجداتها؛ لأنهن كلهن أمهات وداخلات تحت قوله: وأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23].
الجواب: نعم, تأكل معهم وتجلس وتنصحهم, أما أنك تأكل معهم وتجلس ولا نصح فهذا غير صحيح.
الجواب: نعم، ولهذا كما عرفنا الجهاد الأكبر هو: جهاد الكفار وليس جهاد النفس, لكن جهاد النفس هو من أسباب إفادة جهاد الكفار؛ لأن الإنسان الذي لا يجاهد نفسه لا يؤثر في الكفار، وإنما الذي يؤثر فيهم هو الذي يجاهد نفسه، ولكن الجهاد الأكبر لا شك أنه جهاد الكفار وليس جهاد النفس.
وقال العجلوني عن الحديث: قال الحافظ ابن حجر في تسديد القوس: هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم بن عيلة .
الجواب: ليس معنى ذلك أنه لا إيمان عنده البتة، ولكن كما جاء في الحديث: (وذلك أضعف الإيمان) فكونه يغير هذا أقل شيء، وإذا كان قلبه ما تأثر ولا تغير فلا يقال: إنه خال من الإيمان بحيث يكون كافراً, ولكن عنده نقص شديد.
الجواب: عليك أن تبذل لهم كل ما تستطيع في الوصول إلى ذلك، ولو بقطع الأسلاك أو بأي شيء يمكنك، وإذا كنت تقدر فافعل ولا تتأخر.
الجواب: هذا في الحقيقة من الأمور المنكرة, أولاً: الموسيقى في أي مكان ليس للإنسان أن يستمع لها، فكيف في المساجد التي هي محل ذكر الله؟ فالإنسان عليه أن لا يجعل هذه النغمة موجودة في هاتفه بحيث إذا دق عليه ظهر هذا الصوت السيئ, بل يكون الصوت ليس فيه شيء من الموسيقى، ولكن أيضاً مع هذا عندما يدخل المسجد عليه أن يغلق الجوال, حتى هذا الصوت الذي يدق ويشغل الناس ولو كان ليس بموسيقى فهو لا ينبغي أن يوجد، وإنما الإنسان عليه إذا دخل المسجد أن يغلق الجوال أو يجعله على الصامت إذا كان يريد أن يعرف من يتصل به، ولا يجعل صوت الجوال مفتوحاً والناس في صلاة فيشوش عليهم، فهذا غير سائغ، وأسوأ من ذلك إذا كان الصوت بهذه الصفة المذكورة في السؤال.
الحاصل: أن على الإنسان عندما يكون معه الجوال ويدخل المسجد أن يقفله أو يجعله على الصامت الذي لا يظهر معه صوت، وأما من ناحية كونه يجعل فيه النغمة الموسيقية, فهذا لا يصلح ولا يسوغ له أن يجعل ذلك لا في المسجد ولا في غير المسجد, ولا يليق بالإنسان أن يجعل الصوت الذي يدق به تلفونه عند الاتصال به هذا الصوت الموسيقي, وكما هو معلوم أنه في المسجد أسوأ وأسوأ، وهو لا يسوغ لا في المسجد ولا في غير المسجد.
الجواب: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه..), فإذا كنت تستطيع أن تغير باللسان فعليك أن تنصح.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر