إسلام ويب

حال الناس في القبورللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القبر محطة مهمة في طريق الإنسان إلى ربه، يدرك الكافر فيه بعضاً مما سيحل به، وينعم المؤمن بما سينال من أجر على جده وتعبه. وقد بدأ الشيخ حفظه الله هذا الدرس بمقدمة عن الذكر وفضله، ثم انتقل إلى موضوع الدرس بذكر أدلة إثبات عذاب القبر ونعيمه، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث المفصل لأحوال المؤمن والكافر من بداية نزع الروح إلى عودتها من السماء.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

    وبعد:

    أيها الأحبة في الله: فإن حاجة القلوب إلى سماع العلم والذكر أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث والمطر، فكما أن المطر والغيث هو حياة الأرض فكذلك العلم والدين والإيمان هو حياة القلوب، وحينما يحبس المطر عن الأرض ينعدم خيرها، ويسوء منظرها، وتستحيل الحياة فيها، قال الله: فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5] وكذلك القلوب إذا انحبس عنها الذكر والعلم، والإيمان والقرآن انعدمت فيها الحياة وتحجرت، وانقطع عنها الخير وكثر فيها الشر، فإذا جاء القرآن وجاء الإيمان اهتزت وربت وآتت أكلها بإذن ربها، وظهر الخير في سلوك الإنسان وفي تعامله وعقيدته بناءً على سماع العلم والقرآن، ولذا كانت وظيفة الرسل والأنبياء التذكير بهذا الكلام، وقد حدد الله للنبي صلى الله عليه وسلم مسئوليته بقوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] إنما: أداة حصر، حصر للمسئولية التي بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم لها، وهي تذكير الأمة: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] ويقول له: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ [الذاريات:55] لا تنفع الناس كلهم، بل تنفع شريحة واحدة من المجتمع وفئة واحدة من الناس -أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- وهم أهل الإيمان: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] والله يحدد صفات أهل الإيمان في أول سورة الأنفال فيقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً [الأنفال:2-4] هذه شهادة من الله: أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:4].

    من علامة الإيمان: حب مجالس الذكر

    إذا عرفت -يا أخي- أنك تحب الذكر وتسعى إلى مواطن الذكر وتشتاق إليه، وتتطلع إلى مواعظ الذكر فاعلم أن هذه علامة الإيمان -فاسأل الله أن يزيدك إيماناً- وإن تكن الأخرى وهو الفتور وعدم الرغبة في مجالس العلم، وإذا قيل لك: هناك درس تقول: قد سمعنا كثيراً فماذا عندهم من جديد؟

    ماذا تريد من جديد؟ هل العلماء والدعاة يغنون حتى يأتوا لك بجديد؟ لا. العلماء والدعاة أصحاب رسالة يبلغون دين الله، وهل هناك أفضل من كلام الله؟ هل هناك جديد أعظم مما يخبر الله به ويخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا وجدت في نفسك عزوفاً وعدم رغبة وكسلاً وفتوراً عن هذه المجالس فاعلم أن هذه نقطة الخطورة، وبداية الانحدار، وعلامة الهلاك -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن القلب تؤثر فيه عوامل التعرية، وعوامل الهدم والنحت من جراء الحياة، ويحتاج القلب إلى صيانة وحماية، ثوبك إذا لم تغسله اتسخ، وسيارتك إذا لم تجر لها صيانة دورية خربت، قلبك لا يريد له صيانة بل يريد له تعهداً لكن كيف تتعهده؟ في مواطن الذكر، وفي مجالس الإيمان، ولذا يخبر الله عز وجل أنه لا يوجد أظلم ممن يذكر ثم يترك الذكر، فهو ظالم في أعلى مستويات الظلم، يقول عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22] قال المفسرون: أي: لا أظلم منه، ويخبر الله عز وجل عن حالة المؤمن إذا سمع الذكر، قال عز وجل: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] أي: خافت، ويخبر عن حالة البعيد -أعاذنا الله وإياكم منه- صاحب القلب المنكوس أنه يشمئز قلبه، قال عز وجل: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] أي شيء دون الله، يعبد مباراة أو سهرة أو أكلة أو رحلة أو جلسة، أي شيء يستبشر به، لكنه ينقبض من جلسة علم، لا يريدها.

    لماذا؟ لأن قلبه منكوس قال تعالى: الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الأنعام:113].

    حاجتنا إلى العلم

    إخوتي في الله: نحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى سماع العلم، لقد كانت المؤثرات في حياة الأولين قليلة ومحدودة ولم يكن هناك انفتاح مثلما هو حاصل الآن، كان التأثير محصوراً في قنوات محددة: في الأم، والأب، والشارع المحيط بالإنسان، لكن اليوم لم يعد هناك حواجز على الأمم والشعوب، أصبح العالم كله مفتوحاً، تأثير من كل اتجاه ومن كل جانب؛ مما يحتم عليك أن تحمي قلبك مما قد يتسلل إليه من أفكار، أو يغزوه من نزغات، فتحميه بالحماية العظيمة عن طريق سماع العلم المقتبس من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نور، ولأنه حياة، ولأنه روح، يقول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى:52-53] وإن مما غزا القلوب وغطاها وغلفها نسيان القبور.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3088776347

    عدد مرات الحفظ

    778947545