حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا ابن وهب عن ابن جريج عن يحيى بن صبيح حدثني عمار مولى الحارث بن نوفل : (أنه شهد جنازة
قوله: [ باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم ] إذا حضر جنائز رجال ونساء وأطفال فإنه يقدم الرجال، ثم الأطفال، ثم النساء، وهذا مثلما يكون في صفوف الصلاة، ففي صفوف الصلاة يكون الرجال أولاً، ثم يليهم الأطفال، ثم تليهم النساء.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس وأبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة أنهم قالوا: إن السنة تقديم الطفل على المرأة، وأن الطفل يلي الإمام، وتكون المرأة من ورائه، وقول الصحابة عن شيء: إنه من السنة، فإنهم يعنون بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون له حكم الرفع، ومن الصيغ التي لها حكم الرفع أيضاً قول الصحابي: هذا هو السنة، أو هو سنة، فهذا يحمل على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمقصود بالسنة هنا: الطريقة والمنهج، والسنة تطلق على أربعة إطلاقات.
الإطلاق الأول: تطلق ويراد بها الطريقة والمنهج، فسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي كل ما جاء في الكتاب والسنة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وقولهم هنا: (من السنة)، أي: سنة الرسول، وهي منهجه وطريقته، فالمقصود بذلك المعنى العام.
الإطلاق الثاني: تطلق ويراد بها حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فتكون مرادفة للحديث، ومنه قول الفقهاء والعلماء عندما يريدون أن يحتجوا بمسألة فيجملون الأدلة ثم يفصلونها، فيقولون: وقد دل على هذه المسألة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فأما الكتاب: فقول الله تعالى كذا، وأما السنة: فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، فالسنة إذا جاءت معطوفة على الكتاب فالمراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
الإطلاق الثالث: تأتي السنة ويراد بها ما يعتقد موافقاً للسنة، أي: خلافاً للبدعة، فالسنة تقابل البدعة، ومنه الكتب التي ألفت في العقيدة من سلف هذه الأمة، كالسنة لـابن أبي عاصم ، والسنة للالكائي ، والسنة للطبراني ، والسنة لـمحمد بن نصر المروزي ، ولـأبي داود ، وهو كتاب بعنوان: كتاب السنة ضمن السنن، وقد جمع فيه الأحاديث المتعلقة بالعقيدة، فالسنة هنا تقابل البدعة.
الإطلاق الرابع: تأتي بمعنى المندوب والمستحب، وهذا في اصطلاح الفقهاء، فإنهم إذا قالوا: يسن كذا، فمعناه: أنه من الأمور المستحبة المندوبة، وليس من الأركان ولا من الواجبات، وإذا قالوا: أركان وواجبات وسنن، فإنهم يقصدون بالسنن المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ويطلبها الشارع طلباً غير جازم.
وإذا كانت الجنائز جنائز أطفال ذكور وإناث فالذي يبدو أن الإناث تكون وراءها، فيقدم الذكور على الإناث، ولو كان هناك أطفال إناث ونساء في حال الصلاة فإن الأطفال والإناث يكنّ وراء النساء، فالذين يقدمون على النساء هم الأطفال الذكور، وتكون صفوفهم في الصلاة عليهم كصفوفهم في الصلاة وراء الإمام في صلاة الجماعة.
قوله: [ عن عمار مولى الحارث بن نوفل أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها ].
هي أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنهما، وهي زوجة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعنها وعن الصحابة أجمعين، وابنها هو زيد ، وقد ماتا في وقت واحد، وقدما للصلاة، فقدِّم الابن وجعلت هي وراءه، أي: أن الابن يلي الإمام وأمه تكون وراءه إلى جهة القبلة.
يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن صبيح ].
يحيى بن صبيح صدوق أخرج له أبو داود .
[ عن عمار مولى الحارث بن نوفل ].
عمار مولى الحارث بن نوفل صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ وفي القوم ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ وأبو سعيد ].
هو سعد بن مالك بن سنان، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[ وأبو قتادة ].
هو أبو قتادة الحارث بن ربعي صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وأبو هريرة ].
قد مر ذكره.
حدثنا داود بن معاذ حدثنا عبد الوارث عن نافع أبي غالب قال: (كنت في سكة المربد فمرت جنازة معها ناس كثير، قالوا: جنازة
قال أبو داود : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر بقتله بقوله: إني قد تبت ].
قوله: [ باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه ] أي: إذا قدِّم وجعل بين يدي الإمام ليصلي عليه، فأين يقف، هل يقف عند رأسه، أو وسطه، أو عند صدره، أو ماذا؟ وقد جاءت السنة بأنه يقف عند رأس الرجل ووسط المرأة عند عجيزتها، وهذه المسألة من المسائل التي جاءت في السنة بالمغايرة فيها بين الرجال والنساء في الأحكام، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، فلا يفرق بينهما إلا إذا جاء دليل يدل على التفريق بينهما كما في مسألتنا هذه، فإذا جاء التفريق فُرِّق بينهما، وأيضاً مثل التفريق بين بول الجارية وبول الغلام اللذين لم يأكلا الطعام، وهناك مسائل كثيرة يفترق فيها الرجال عن النساء في الأحكام، والأصل هو عدم التفريق إلا إذا وجد ما يدل على التفريق، فالسنة هي الوقوف عند رأس الرجل ووسط المرأة.
وقد أورد أبو داود حديث نافع أبي غالب قال: (كنت في سكة المربد)، السكة هي الطريق، والمربد: مكان بالبصرة، (فمرت جنازة يتبعها ناس كثير فسأل عنها، فقيل: هذه جنازة عبد الله بن عمير فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينة له) وهو تصغير برذون، والبرذون -كما سبق أن مر بنا- هو الفرس غير العربي، فهو إذن ليس أصيلاً، فقد قيل: إنه من خيل الترك.
(وعلى رأسه خرقة تقيه من الشمس، فقلت: من هذا الدهقان؟) الدهقان يطلق على عدة معاني، منها: التاجر، ومنها: القوي على التصرف مع حدة، وزعيم الفلاحين ورئيس الإقليم.
قوله: (فلما وضعت الجنازة) أي: جنازة عبد الله بن عمير ، (قام وصلى عليها، وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء) معناه: أنه أتقن العمل الذي عمله أنس بن مالك في الصلاة، حيث صلى أربعاً، ووقف عند رأس الرجل.
قوله: (فقام عند رأسه)، وهذا هو محل الشاهد، أنه يقف عند رأس الرجل، (وكبر أربع تكبيرات لم يطل ولم يسرع) أي: ليس هناك تطويل ولا إسراع، وإنما هو توسّط، ومعلوم أن التكبيرات ليس فيها تطويل، ولكن الكلام فيما بينهن من القراءة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء.
وهذا يدل على أن التكبيرات على الجنازة تكون أربعاً، وقد جاء أكثر من ذلك إلى تسع، ولكن الذي عليه عمل الصحابة والخلفاء التكبير أربع تكبيرات.
قوله: (ثم ذهب يقعد فقالوا: يا أبا حمزة ! المرأة الأنصارية)، أي: أنه لما فرغ ظن أنه ليس هناك جنازة أخرى، (فقيل: المرأة الأنصارية) أي: هناك جنازة أخرى لامرأة أنصارية.
قوله: فقربوها وعليها نعش أخضر، وهو غطاء غُطِّيت به ليسترها، قيل: إن هذا إنما أتي به من الحبشة، فقد كانوا يفعلون ذلك، وقيل: إن أول ما فُعل ذلك بـفاطمة رضي الله عنها، وقيل: إنه فعل بـزينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها.
وهذا الأثر يدل على أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك، وهو ستر للمرأة يواري حجمها وتقاطيعها.
قوله: (فقام عند عجيزتها) أي: عند وسطها.
قوله: [ (فصلى عليها نحو صلاته على الرجل، ثم جلس، فقال
أي: هل فعلك هذا مطابق لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام في التكبير أربعاً والوقوف عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ فقال: نعم، وهذا هو رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أنه من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وليس من فعل أنس نفسه، فهو متبع لا مبتدع.
قوله: (قال: يا أبا حمزة ! غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا، فهزمهم الله، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن علي نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه؛ لأنه كان شديد الإيذاء والإساءة للمسلمين.
قوله: (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيء بالرجل ).
أي: تريّث الرسول صلى الله عليه وسلم في مبايعة ذلك الرجل ليفي الناذر بنذره، فلما لم يفعل الناذر شيئاً بايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (وجيء بالرجل فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبايعه؛ ليفي الآخر بنذره، قال: فجعل الرجل يتصدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ]، المراد بالرجل الذي يتصدى صاحب النذر.
قوله: (ليأمره بقتله ) أي: أنه ينتظر منه إشارة وأمراً بقتله.
[ (وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله) ]، أي: أنه لم يُقدم بدون إشارة وإذن من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يحصل منه تنفيذ بايعه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: (نذري يا رسول الله! فقال: إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك، قال: يا رسول الله! ألا أومضت إلي) أي: أشرت إليّ إشارة.
فقال عليه الصلاة والسلام: (إنه ليس لنبي أن يومض) أي: ليس له أن يظهر شيئاً ويبطن شيئاً آخر، وقد سبق أن مر بنا حديث مثل هذا، وفيه: (لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين).
قوله: [ قال أبو غالب : فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها، فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش، فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها يسترها من القوم ]، وهذا التعليل غير واضح؛ لأنه لو كان ذلك من أجل الستر فهي الآن مستورة، فينبغي أن يتغير هذا الأمر ويتحول لتغير العلة، ولكنه وقف وسطها مع سترها، فدل ذلك على أن الموقف يكون في وسط المرأة في جميع الأحوال، سواء كانت مستورة أو غير مستورة.
[ قال أبو داود : قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر في قتله بقوله: إني قد تبت ]، لأنه صلى الله عليه وسلم تريث وتمهل من أجل أن يفي بنذره.
داود بن معاذ ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا عبد الوارث ].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع أبي غالب ].
نافع أبو غالب ثقة أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن أنس ].
أنس رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
سبق أن ذكر أبو داود ترجمة أين يقف الإمام في صلاة الجنازة فيما إذا كان المصلى عليه رجل أو امرأة، وجاء في حديث أنس بن مالك الذي تقدم أنه يقف عند رأس الرجل، وعند عجيزة المرأة، وقد أورد أبو داود بعد هذا حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه هذا وهو: (أنه صلى وراء النبي عليه الصلاة والسلام على امرأة ماتت في نفاسها، فوقف في وسطها) وهذا لا ينافي ما تقدم من ذكر العجيزة؛ لأن ذلك هو الوسط أو قريب من الوسط، وكل منهما يدل على أنه لا يقف عند رأسها، وإنما يقف عند رأس الرجل.
هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يزيد بن زريع ].
يزيد بن زريع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حسين المعلم ].
هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الله بن بريدة ].
عبد الله بن بريدة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سمرة ].
هو سمرة بن جندب رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس سمعت أبا إسحاق عن الشعبي : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبر رطب فصفوا عليه، وكبر عليه أربعاً) فقلت للشعبي : من حدثك؟ قال: الثقة من شهده عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ].
قوله: [ باب التكبير على الجنازة ] أي: أن صلاة الجنازة فيها تكبيرات، وقد جاءت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأقل شيء جاء هو أربع تكبيرات، وهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالباً، وكذلك خلفاؤه، وأكثر ما ورد تسع تكبيرات، ولكن الأكثر من حيث العمل والذي عليه عمل الخلفاء هو أربع تكبيرات.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر رطب فصفوا عليه)، قوله: (رطب) أي: حديث عهد بدفن، وعليه أثر الدفن، (فصفوا عليه، وكبر أربعاً) أي: صلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، فكان إماماً لهم، وكانوا يصلون معه بصلاته صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن من لم يصل على الميت قبل دفنه في المصلى أو في المسجد فإنه يصلي عليه بعد الدفن بحيث لا يطول الأمد كثيراً، ويكون حديث عهد بالدفن، وحديث ابن عباس هذا يدل على أنهم صلوا عليه في وقت قريب، فقد قال: (رطب)، والرطوبة هذه نتيجة كونه دفن حديثاً ولم يتقادم عهده، فصلى عليه وصلوا معه، فدل هذا -كما ذكرنا سابقاً- على أن الصلاة على القبر بعد الدفن سائغة، وأن هذا ليس خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقد فعله معه أصحابه، والأصل أن الأحكام عامة، ولا تثبت الخصوصية للنبي عليه الصلاة والسلام إلا بدليل، وصلاة الصحابة معه تدل على أنه حكم عام وليس من خصائص الرسول، وحتى لو صلى وحده عليه الصلاة والسلام فإن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل.
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن إدريس ].
هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبا إسحاق ].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الشعبي ].
هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أضاف الشعبي ذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما سئل من حدثه به قال: الثقة من شهده، أي: من شهده عبد الله بن عباس ، يعني: أن صحابي الحديث هو عبد الله بن عباس.
فقوله: (من شهده) أي: من شهد ذلك وحضره مع هؤلاء الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأما كلمة: الثقة، فمعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، فلا يحتاجون إلى تعديل المعدلين، ولا إلى توثيق الموثقين بعد تعديل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن لعل الشعبي أراد من وراء ذلك أن يبين أن الذي حدثه بذلك هو عمدة، وهو ممن يعول على كلامه فقد شهد ذلك، وإلا فإن المعروف من طريقة العلماء أنه لا يقال للواحد من الصحابة: ثقة، وإنما يكفي أن يقال: صحابي، فإن وصف بأنه صحابي فهو أعلى الأوصاف، فلا يحتاج بعد ذلك إلى أن يوصف بشيء آخر لا ثقة ولا غير ثقة، ولهذا فالمعروف عند المحدثين وغيرهم من العلماء إذا ذكروا واحداً من الصحابة فإنهم يكتفون بأن يقولها عنه: له صحبة، اللهم إلا إذا كان له خصوصية فيذكرونها فيقولون: شهد بدراً، أو شهد الحديبية، أو إنه من السابقين الأولين، وغير ذلك من صفات الصحابة التي يتفاضلون ويتفاوتون بها، وأما توثيق الصحابة وأن يقال عن الواحد منهم: ثقة، فهذا غير معروف، وقد ذكروا في ترجمة عبد الله بن المبارك رحمه الله أن بعض العلماء قال عنه: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة؛ لأنه عظيم الشأن، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من باب أولى.
قال أبو داود : وأنا لحديث ابن المثنى أتقن. ].
أورد أبو داود حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال ابن أبي ليلى : (كان
فما دام أن الأغلب الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه هو التكبير أربع تكبيرات فالأولى فعل ذلك، فإن فعل غيره مما ورد فهو أمر سائغ، وهذا يسمى: اختلاف تنوع، فكل تلك الأنواع حق، فإذا أتي بذلك في بعض الأحيان حتى يُعرف أن الأمر ليس مقصوراً على أربع، وأن غير ذلك سائغ فلا بأس بذلك، فقد يجهل الناس ذلك كما حصل من عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فقد كان المعهود أن الإمام يكبر أربعاً، فلما كبر خمساً سألوه، فبين أن الرسول فعل ذلك.
هو هشام بن عبد الملك، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا محمد بن المثنى ].
معنى: (ح) التحول من إسناد إلى إسناد آخر، ومحمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا محمد بن جعفر ].
محمد بن جعفر هو الملقب بـغندر البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة عن عمرو بن مرة ].
هذا الإسناد أنزل من الإسناد الأول، ففي الإسناد الأول: هشام بن عبد الملك حدثنا شعبة ، أي: أن بين أبي داود وبين شعبة واسطة واحدة، وفي الإسناد الثاني: محمد بن مثنى حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، فبينه وبين شعبة واسطتان.
[ عن عمرو بن مرة ].
هو عمرو بن مرة الهمداني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي ليلى ].
هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زيد بن أرقم ].
زيد بن أرقم رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : وأنا لحديث ابن المثنى أتقن ].
أي: أنه أتقن حديث الشيخ الثاني في الإسناد النازل، وهو: محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة .
حدثنا محمد بن كثير أخرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف أنه قال: (صليت مع
قوله: [ باب ما يقرأ على الجنازة]، أي: ما يُقرأ في الصلاة من القرآن.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أنه قرأ بفاتحة الكتاب وقال: إنها من السنة)، والصحابي إذا قال: من السنة، فالمراد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون له حكم الرفع، فجاء عن ابن عباس رضي الله عنه قراءة الفاتحة، وجاء عنه قراءة سورة بعدها، والمتعين هو قراءة الفاتحة، وأما غيرها فهو مثل السورة في الصلاة المفروضة، أي: أنها مستحبة.
وقد أسمعهم ابن عباس قراءته هنا؛ حتى يعرفوا أنها سنة.
ولا يُشرع أن يقول شيئاً قبل الفاتحة غير الاستعاذة، فليس هناك دعاء استفتاح، فإنه لم يأتِ شيء يدل عليه في صلاة الجنازة.
هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعد بن إبراهيم ].
سعد بن إبراهيم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن طلحة بن عبد الله بن عوف ].
طلحة بن عبد الله بن عوف ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس مر ذكره.
حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد يعني: ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) ].
قوله: [ باب الدعاء للميت ]، أي: في الصلاة، ومعلوم أن صلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت والشفاعة له، فهذا هو المقصود منها، وما قبل ذلك من الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بمثابة التمهيد؛ لأن من أسباب قبول الدعاء أن يسبقه حمد الله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الذي سبق أن مر بنا في قصة ذلك الرجل الذي سأل في صلاته ولم يحمد الله، ولم يصل على رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجل هذا)، فدل هذا على أن من أسباب قبول الدعاء أن يسبقه بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة الفاتحة هي حمد لله وثناء عليه وتمجيد له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك يأتي بالمقصود من الصلاة على الجنازة وهو الدعاء، إذاً فصلاة الجنازة إنما شُرعت للدعاء، وما سوى الدعاء مما يكون قبل ذلك إنما هو تمهيد؛ لأنه من أسباب قبول الدعاء.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) أي: اجتهدوا في الدعاء من قلوب مخلصة، فهذا هو المقصود من صلاة الجنازة.
ومعلوم أنه كونه يدعا له وحده فهذا هو الأصل، لكن إذا دُعي للحي بعده كما جاءت به السنة فلا بأس بذلك، وأما أن يقوم الإنسان على الجنازة يدعو لنفسه فلا، بل يدعو للميت، وأما قوله في الدعاء: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده) فهذا دعاء للحي، ولكنه يتعلق بالميت، فالذي يبدو أن المقصود منه هو أن الإنسان يجتهد ويقبل على الله، ويهتم بالدعاء، فلا يكون هناك ذهول ولا غفلة؛ حتى يحصل المقصود من الصلاة على الجنازة.
عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثني محمد يعني: ابن سلمة ].
هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن إبراهيم ].
هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن مروان بن الحكم سأله: (كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة؟) والمراد بذلك الدعاء، أي: كيف سمعته يدعو للميت في صلاة الجنازة؟ (قال: أمع الذي قلت؟) وفي هذا إشارة إلى كلام سابق كان بينهما قبل هذا السؤال.
وهذا فيه ثناء على الله عز وجل قبل الدعاء، ومعلوم أن التمهيد للدعاء بالثناء عليه وتعظيمه وتمجيده تعالى أمر مطلوب ينبغي للعبد أن يحرص عليه، وأن يعنى به.
وقوله: (وجئناك شفعاء) أي: ندعوك، فالمقصود بالشفاعة هنا، أي: جئناك نطلب منك أن تغفر لها، وأما ما قبله فإنما هو تمهيد له، ووسيلة إليه.
وإذا قيل: كيف يكون هذا والله جل وعلا يقول وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، فلا بد من الإذن؟
فيقال: لقد أذن الله تعالى في الشفاعة بالدعاء، ومعنى هذه الآية: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، أي: أن الشفاعة في الآخرة لا تكون إلا لمن أذن الله له فيها، ولا تكون إلا لمن رضي قوله وعمله، وأما بالنسبة للدنيا فالشفاعة دعاء، والدعاء مأذون فيه، وقد مر في الحديث: (إنه لا يصلي عليه أربعون يشفعون فيه إلا شفعهم الله فيه) أي: يدعون له.
أبو معمر عبد الله بن عمرو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الوارث ].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو الجلاس عقبة بن سيار ].
أبو الجلاس عقبة بن سيار ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثني علي بن شماخ ].
علي بن شماخ مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر ، وقد مر ذكره.
[ قال أبو داود : أخطأ شعبة في اسم علي بن شماخ ، قال فيه: عثمان بن شماس ، قال أبو داود : سمعت أحمد بن إبراهيم الموصلي يحدث أحمد بن حنبل قال: ما أعلم أني جلست من حماد بن زيد مجلساً إلا نهى فيه عن عبد الوارث وجعفر بن سليمان ].
جاء هذا في بعض نسخ أبي داود ، ولا أدري ما معنى هذا الكلام، فـعبد الوارث معروف أنه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، فلا أدري ما وجه أخذ حماد بن زيد عليه، ولعله لكونه رُمي بالقدر.
وأما جعفر بن سليمان فصدوق أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن، ولعل كلام حماد بن زيد فيه من أجل أنه كان يتشيع، ولكن هذا لا يمنع من الأخذ عنهما، فـعبد الوارث بن سعيد أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في الأسانيد، وهو حجة وعمدة.
[ قال أبو داود : أخطأ شعبة في اسم علي بن شماخ ، قال فيه: عثمان بن شماس ، وسمعت أحمد بن إبراهيم الموصلي ].
أحمد بن إبراهيم الموصلي صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة في (التفسير).
[ يحدث أحمد بن حنبل ].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال: ما أعلم أني جلست من حماد بن زيد ... ].
أي: أنه يكرر الكلام فيهما.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعائه في صلاته على جنازة (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده).
هنا في رواية أبي داود ذكر الإيمان أولاً، وذكر الإسلام آخراً، فقال: (اللهم من أحييته فأحيه على الإيمان، ومن توفيته فتوفه على الإسلام)، والمعروف في أكثر الروايات هو العكس، (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان)، ومعلوم أن الإيمان والإسلام إذا انفرد أحدهما فإنه يشمل الآخر، وإذا جُمع بينهما في الذكر فإن المعنى يوزع بينهما كما في حديث جبريل، ومعلوم أن الإنسان في الحياة الدنيا يحيا على دين الإسلام، وأما عند الموت فإنه يكون على الإيمان، وهو أكمل من الإسلام، فدرجة الإيمان أعلى من درجة الإسلام؛ لأن الإيمان يشمل الإسلام وزيادة، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، ولهذا جاء في القرآن في سورة الحجرات: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، وجاء في حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جماعة وفيهم رجل كنت أظنه أولاهم، فقلت: يا رسول الله! إنك أعطيت القوم وفيهم فلان وهو مؤمن، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أوْ مسلم) أي: أنه يلقنه أن يقول: مسلم؛ لأن الإسلام هو المقدار الذي يشترك فيه الناس، فكل من دخل في الإسلام فإنه يقال له: مسلم، لكن ليس كل من دخل في الإسلام يقال له: مؤمن؛ لأن الإيمان أكمل من الإسلام، ولهذا فالمشهور عند أهل السنة أن الإنسان يستثني في الإيمان فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنها درجة كمال، ولكن إذا قيل له: أأنت مسلم؟ فإنه يقول: نعم مسلم، وإذا قيل له: أنت مؤمن؟ فيقول: مؤمن إن شاء الله.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجهاً في تقديم الإسلام وهو: أن الإسلام إذا ذُكر مع الإيمان فالمراد به العمل، وما دام أن الإنسان في الحياة فعنده استطاعة على العمل، وأما عند الموت فلا مجال إلا للإيمان، أي: الاعتقاد الصحيح.
أقول: وهذا يوضح هذا المعنى، فالإسلام -كما هو معلوم- هو الاستسلام والانقياد، فهنا قال: لأن الإسلام يراد به العمل، ولهذا لما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام في حديث جبريل قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) ولما فسر الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) فكله اعتقادات قلبية ليس فيها عمل، فعند الجمع بينهما يحمل الإسلام على الأمور الظاهرة، ويحمل الإيمان على الأمور الباطنة، وكما قال شيخ الإسلام إن الحياة فيها عمل، وأما عند الموت فإنه يموت على الإيمان والتصديق بأركان الإيمان هذه.
ويمكن أن يقال: إن الحديث وقع فيه قلب، وذلك كما وقع في حديث أبي هريرة : (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) فقلبه بضعهم فقال: (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)، وكما جاء في حديث: (من كان له إبل لا يؤدي زكاتها بطح يوم القيامة بقاع قرقر، فتمر عليه تطؤه بأخفافها، كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها)، فقد جاء مقلوباً: (كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها)، مع أن الرد لا يكون إلا بعدما ينتهي الآخر، فيبدأ الأول من جديد، وأما إذا مر عليه الأول فالآخر يكون في الطريق إليه فلا يكون ذلك رداً، فالرد إنما يكون بعد الاستكمال، فيمكن أن يكون هذا من قبيل القلب.
والذي يبدو أن هذا اللفظ عام، فيدعا به لأي ميت، ولا تغير فيه الضمائر بحسب الميت إن كان ذكراً أو أنثى، بل يقال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا) للجميع، ثم هذا الدعاء شامل يدخل فيه الحي والميت، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، والشاهد والغائب، وهو دعاء للجنازة ولغير الجنازة، وللحاضر والغائب، والصغير والكبير، والذكر والأنثى.
موسى بن مروان الرقي مقبول أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا شعيب يعني: ابن إسحاق ].
شعيب بن إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال عبد الرحمن : عن مروان بن جناح ].
أورد أبو داود حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فسمعه يقول: اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك)، وهذا يدل على جواز تسمية الشخص إذا كان يعرفه، فقد قال: (اللهم إن فلان بن فلان) فيسميه باسمه كما جاء في هذا الحديث، وهنا أبهم الاسم؛ لأن الاسم ليس مقصوداً، وإنما المقصود هو العموم فأبهمه، وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله: (في ذمتك) أي: في عهدك.
قوله: (فقه فتنة القبر) وهي رهبة وفزع السؤال والامتحان في القبر.
قوله: [ قال عبد الرحمن : في ذمتك وحبل جوارك ].
وهذا قريب من معنى الذي قبله، والمراد في ذمتك.
قوله: (فقه من فتنه القبر وعذاب النار)، وهذا سؤال يشمل السلامة من العذاب بعد الموت، سواء كان في القبر أو في النار.
قوله: (وأنت أهل الوفاء والحمد) أي: أهل الوفاء بالوعد، فقد وعد عباده بالمغفرة إذا فعلوا ما طُلب منهم، وهو أيضاً أهل لأن يحمد، وكل ذلك تعظيم لله عز وجل، وثناء عليه، وهذا من المناسب عند الدعاء كما عرفنا.
قوله: (اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم)، وهذا أيضاً دعاء بالمغفرة والرحمة، فقد وصف الله عز وجل بأنه غفور رحيم، فهو غفور يطلب منه أن يغفر، وهو رحيم يطلب منه أن يرحم.
قوله: [قال عبد الرحمن : عن مروان بن جناح ] أي: أن لـأبي داود في هذا الحديث شيخين، أحدهما: عبد الرحمن وكان تعبيره: عن شيخه يعني عن ابن جناح ، وأما الشيخ الثاني فقال: حدثنا، وهذا يبين أن التعبير الذي حصل من أحد الشيخين ليس مطابقاً لتعبير الثاني، وإنما قال هذا: حدثنا، وقال الآخر: عن، وهذا يبين عناية المحدثين بصيغ التحديث وإن لم يكن الشخص مدلساً.
عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي هو الملقب بـدحيم، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا الوليد ].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا الوليد ].
هو الوليد بن مسلم .
[ وحديث عبد الرحمن أتم ].
عبد الرحمن هو الشيخ الأول لـأبي داود في هذا الحديث.
[ حدثنا مروان بن جناح ].
مروان بن جناح لا بأس به، أخرج له أبو داود وابن ماجة ، وقولهم: ولا بأس به بمعنى صدوق.
[ عن يونس بن ميسرة بن حلبس ].
يونس بن ميسرة بن حلبس ثقة أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن واثلة بن الأسقع ].
واثلة بن الأسقع رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر