إسلام ويب

فضائل الصحابة - فضائل أبي عبيدة بن الجراحللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • على المسلم أن يقرأ سير السلف الصالح وخصوصاً سير الصحابة رضي الله عنهم، حتى يعرف ما كانوا عليه من العبادة والصلاح والشهامة والتضحية في سبيل هذا الدين، فيحاول أن يقتدي بهم وأن يسلك منهجهم، فإنه لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ومن هؤلاء الرجال الأماجد الأبرار الذين يقتدى بهم: أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه.

    1.   

    أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح

    نسب أبي عبيدة بن الجراح

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

    ما زلنا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اصطفاهم الله جل في علاه على البشرية أجمعين وخص نبيه صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الأكارم الأماجد الأفاضل، وقد ذكرنا أن أفضل هذه البشرية بعد الأنبياء هم الصحابة، وأفضل هؤلاء الصحابة هم الخلفاء الراشدون الأربعة ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، وأولهم هو أبو عبيدة بن الجراح، أمين هذه الأمة، واسمه: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري المكي ، أحد السابقين الأولين، شهد له الصديق قبل توليه الخلافة، وأشار به في كمال أهليته، فإن أبا بكر قال في السقيفة: وأرضى لكم أحد الرجلين، يقصد بذلك عمر وأبا عبيدة بن الجراح .

    يجتمع أبو عبيدة في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر .

    ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر على أبي عبيدة

    شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وسماه أمين هذه الأمة، ومناقبه شهيرة كثيرة، روى أحاديث معدودة، وغزا غزوات مشهودة.

    عن يزيد بن رومان قال: انطلق ابن مظعون وعبيدة بن الحارث وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهم الإسلام وأنبأهم بشرائعه فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها إلى الإسلام.

    شهد أبو عبيدة بدراً فقتل يومئذ أباه، حتى يثبت لله جل وعلا -والله أعلم بذلك- أنه لا هوادة في قلبه للمشركين، بل لا يوجد فيه إلا ولاء لله وبراءة من كل مشرك، وأبلى يوم أحد بلاء حسناً، ونزع يومئذ حلقتين من حلق المغفر دخلتا في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما، حتى قيل: ما رئي هتم أحسن من هتم أبي عبيدة بن الجراح، مكافأة لما فعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال الزبير بن بكار : قد انقرض نسل أبي عبيدة وولد إخوته جميعاً، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة.

    وكان أبو عبيدة بن الجراح -أمين هذه الأمة- معدوداً فيمن جمع القرآن العظيم، قال موسى بن عقبة في مغازيه: في غزوة ذات السلاسل التي حدثت بعد إسلام عمرو بن العاص بأشهر قليلة، فقد أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش أو على سرية ثم إن عمرو بن العاص طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم المدد؛ لكثرة الأعداء وقلة المسلمين، وهذه الغزوة كانت في مشارف الشام، فانتدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وكثيراً من المهاجرين، فأمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، فـأبو عبيدة كان أميراً على أبي بكر وعمر، فلما قدموا على عمرو بن العاص قال: أنا أميركم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح . فقال عمرو بن العاص : إنما أنتم مدد أمددت بكم، فلما رأى ذلك أبو عبيدة تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم له: (تطاوعا ولا تختلفا)، وهو الذي يسمع لرسول الله ويطيع، وكان رجلاً حسن الخلق، لين الشكيمة، متبعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، فسلم الإمارة لـعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، وهذا الذي جعل عمرو بن العاص يظن أن له مكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من غيره من الصحابة، ولذلك لما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يا رسول الله! إني سائلك، قال: سل، قال: من أحب الناس إليك؟) وكان يتوقع أن يقول: أنت؛ لأنه أمّره على أبي بكر وعلى عمر وعلى أبي عبيدة بن الجراح ، أكارم وأماجد وأفاضل الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (عائشة ، فقال: لست عن النساء أسأل، بل عن الرجال أسأل، فقال: أبوها، فقال: ثم من؟ قال: عمر ، قال: ثم من؟ قال: عثمان ، وفي رواية قال: أبو عبيدة بن الجراح ، فسكت عمرو بن العاص ) .

    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)، لذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في مرض موته: (لو كان أبو عبيدة حياً لوليته عليكم، أو لاستخلفته عليكم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح ).

    وعن عمرو بن العاص قال: (قيل: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة . قيل: من الرجال؟ قال: أبو بكر . قيل: ثم من؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح ).

    وكان أبو عبيدة رضي الله عنه موصوفاً بحسن الخلق وبالحلم والتواضع، قال عمر لبعض جلسائه: تمنوا، فتمنى كل واحد أمنية - انظر كيف تمنى عمر بن الخطاب ما لم يتمن لنفسه ولا لشخصه، إنما تمنى لله ولنفع هذه الأمة- فقال عمر : لكني أتمنى بيتاً ممتلئاً رجالاً أمثال أبي عبيدة بن الجراح ، فالأمة تفوز وتنتصر بوجود مثل أبي عبيدة بن الجراح.

    وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه قد أمر أبا عبيدة على بيت المال؛ لأمانته، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (أمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن الجراح).

    قال ابن المبارك : عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: بلغ عمر رضي الله عنه أن أبا عبيدة حوصر بالشام ونال منه العدو، فكتب إليه عمر : أما بعد: فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة إلا جعل الله بعدها فرجاً، وإنه لا يغلب عسر يسرين، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا [آل عمران:200]، قال: فكتب إليه أبو عبيدة رضي الله عنه: أما بعد: فإن الله يقول: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ [الحديد:20] إلى أن قال: مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد:20]، قال: فخرج عمر بكتابه فقرأه على المنبر فقال: يا أهل المدينة، إنما يعرض بكم أبو عبيدة أو بي، أي: أنه يرغب في الجهاد، وكأنه يبين أن هذه الدنيا -التي تمسكتم بها- زائلة، فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً، انفروا أو استحقوا العذاب، فـعمر بن الخطاب فهم هذا، من هذه الآية: إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ فقال: إما يعرض بي أو يعرض بكم، اخرجوا إلى الجهاد.

    تواضع أبي عبيدة وزهده وورعه

    قال ثابت البناني: عن أنس : قال أبو عبيدة: (يا أيها الناس! إني امرؤ من قريش، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى إلا وددت أني في مسلاخه). وهذا من تواضعه رضي الله عنه وأرضاه.

    وعن قتادة قال: قال أبو عبيدة بن الجراح : وددت أني كنت كبشاً فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي. هذا ورع قد مات مع الذين ماتوا، حتى إننا الآن لا نسمع به ولا نشم رائحته.

    وعن طارق : أن عمر كتب إلى أبي عبيدة في الطاعون: إنه قد عرضت بي حاجة، ولا غنى بي عنك فيها، فعجل إلي، فلما قرأ الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، سبحان الله! وذلك لأن عمر كان يحب أبا عبيدة بن الجراح كثيراً جداً، فقد كانت أمانة الأمة كلها مجتمعة في هذا الرجل، فلما علم عمر أن الطاعون بأرض الشام وكان أبو عبيدة هناك، علم أنه قد يهلك، والأمة تحتاج لمثله، فانظروا إلى فقه عمر ثم انظروا إلى ما هو أروع من ذلك وهو فقه أبي عبيدة بن الجراح ، فإن عمر بن الخطاب لما خاف على أبي عبيدة قال: إني قد عرضت لي حاجة ولا غنى بي عنك فيها، يعني: أريدك أن تأتي؛ وذلك حتى ينقذه الله من الطاعون، وهذا كان خلاف السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نزل الطاعون بأرض فلا تخرجوا منها ولا تدخلوا إليها). فلما قرأ أبو عبيدة هذا الكتاب قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، فكتب إلى عمر : إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك، يعني: اجعلني في حل من أمرك، فإني في جند من جنود المسلمين، ولم أرغب بنفسي عنهم، فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة ، قال: لا، وكأن قد. قال: فتوفي أبو عبيدة وانكشف الطاعون.

    تأمير الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء لأبي عبيدة

    وأمّر النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة غير مرة، منها المرة التي جاع فيها عسكره وكانوا ثلاثمائة، وألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له: العنبر، فقال أبو عبيدة : ميتة، يعني: كيف نأكل الميتة؟ ينكر على من يأكل هذا الحوت.

    لكن يحل لهم أكل هذه الميتة من وجهين:

    الوجه الأول: أن هذه ميتة بحر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحلت لنا ميتتان: ومنها: السممك)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) .

    الوجه الثاني: أنهم كانوا في حالة ضرورة.

    وهذه القصة كانت من الكرامات التي منحها الله لـأبي عبيدة بن الجراح .

    (فألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له: العنبر، فقال أبو عبيدة : ميتة. ثم قال: لا، نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله؛ فكلوا) وذكر الحديث وأصله في الصحيحين.

    ولما فرغ الصديق من حرب أهل الردة وحرب مسيلمة الكذاب جهز أمراء الأجناد لفتح الشام، فبعث أبا عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ، فتمت وقعة أجنادين بقرب الرملة، ونصر الله المؤمنين، فجاءت البشرى والصديق في مرض الموت، ثم كانت وقعة السماوة، ووقعة مرج الصفر، وكان أبو بكر قد بعث خالداً لغزو العراق، ثم بعث إليه أن يمد جند الشام، فقطع المفاوز حتى وصل السماوة، فأمره الصديق على الأمراء كلهم، وحاصروا دمشق، وتوفي أبو بكر، فبادر عمر بعزل خالد ، وهذا الذي أخذ على عمر ، فإنه دائماً كان يطلب من أبي بكر أن يعزل خالد بن الوليد ، ولكنه عاتب نفسه بعد ذلك، حتى إنه بكى وقال: رحم الله أبا بكر فقد كان أعرف بالرجال مني، فأمر عمر بعزل خالد واستعمل على الكل أبا عبيدة ، فوصل الكتاب إلى أبي عبيدة فكتمه مدة، وهذا من دينه وحلمه؛ وذلك حتى لا تنهار معنوية الجند، وحتى لا تكون المسألة خلافاً بينهم على الإمارة، فقد نحى الكتاب جانباً، وجعل الإمارة كما هي حتى انتهت المعركة، فأبلغ خالداً بما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فكتم أبو عبيدة هذا الكتاب، وكل هذا من دينه ولينه وحلمه، فكان فتح دمشق على يده، فعند ذلك عقد صلحاً مع الروم، ففتحوا له باب الجابية صلحاً، وإذا بـخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي، فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح، فعن المغيرة أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم.

    ثم كان أبو عبيدة رأس الإسلام يوم وقعة اليرموك التي استأصل الله فيها جيوش الروم، وقتل منهم خلق عظيم، وتوفي أبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه في الطاعون.

    نسأل الله جل في علاه أن يجمعنا به في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756354560