متى تكون للرجل عدة؟
حقوق العدة
للعدة حقان: حق لله وحق للزوج، فتلزم بها المرأة، ولو كان قد مات زوجها؛ من أجل كرامة الزوج، ومن أجل إظهار عظم حق الزوج على الزوجة.
أما حق الله في العدة فهو معرفة براءة الرحم، وأما حق الزوج فإن كان قد مات عظم حقه عليها، لتبين حزنها الشديد على بعلها الذي له القوامة عليها، ولو كانت مطلقة طلاقاً رجعياً فعظم حقه أن يردها دون مهر ودون ولي ودون شهود وإن كان الطلاق ثلاثاً؛ لأن هذا تعبد لله جل في علاه، والراجح الصحيح: أن العدة ثلاثة قروء تعبداً لله جل في علاه.
أنواع العدة
عدة المرأة على ثلاثة أقسام:
عدة الوفاة والطلاق والخلع.
والعدة لغة: مأخوذة من العد والحساب، والعد في اللغة: هو الإحصاء، وسميت بذلك؛ لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر، فلليائسة مثلاً أو الصغيرة التي لم تحض، وعدة المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها: هي ما تعده من أيام أقرائها.
والعدة في الاصطلاح: هي اسم لما تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة الرحم أو للتعبد أي: تعبداً لله، ولو كان بت في طلاقها فتعتد ثلاثة قروء تعبداً لله جل في علاه، أو لتفجعها على زوجها، وهي عدة الوفاة وتكون أربعة أشهر وعشراً.
أدلة مشروعية العدة
أصناف النساء في العدة
أنواع العدة الثلاثة التي ذكرناها هي: عدة القروء، والأشهر، ووضع الحمل، فأصناف النساء في العدة ثلاثة:
الصنف الأول: امرأة تحيض.
الصنف الثاني: امرأة يائسة لا تحيض، أو صغيرة لم يأتها الحيض.
الصنف الثالث: امرأة حامل، وفيه قسمان وقسم له فرعان:
القسم الأول: امرأة حامل -وهذا ليس له فروع- فعدتها بالوضع.
والقسم الثاني: امرأة حائل ليست بحامل ولها فرعان: امرأة تحيض وامرأة لا تحيض، فالتي لا تحيض إما كبيرة في السن أي: يائسة، وإما صغيرة في السن لم يأتها الحيض، فإن كانت من التي يحضن فعدتها بالقروء، وإن كانت من اليائسات فعدتها بالأشهر كما سنبين.
والعدة بالقروء تكون للمطلقة الرجعية، أو المبتوتة يعني: بانت منه بينونة كبرى بأن طلقت ثلاثاً مثلاً.
والقرء طهر أو حيض، ويكون للمطلقة الرجعية والمطلقة المبتوتة التي بانت من زوجها بينونة كبرى بشرط وقيد، وهو الدخول بها، فلو طلقها ولم يدخل بها فليس عليها عدة، قال تعالى في سورة الأحزاب:
فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا
[الأحزاب:49].
أما المدخول بها، قال الله تعالى:
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ
[البقرة:228].
وهذه العدة لصنفين من النساء: امرأة مطلقة رجعية، وامرأة مبتوتة.
اختلاف العلماء في المراد بالقرء وبيان الراجح
وهذا هو الإشكال العظيم حتى نعرف ماهية العدة، وهل تعتد المرأة بالطهر أم تعتد بنزول الدم يعني بالحيض؟ فالقرء يحتمل الحيض ويحتمل الطهر، والقول الفصل في هذه المسألة أن القرء لغة: يطلق على الطهر وعلى الحيض، وهذا يسمى في اللغة لفظاً مشتركاً، كأن تقول: اشترى وتعني: باع أو اشترى، فالقرء هو الطهر والحيض، واختلف العلماء في معناه اصطلاحاً:
فأما الشافعية والمالكية فيرون أن المراد بقول الله تعالى:
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ
[البقرة:228]، يعني ثلاثة أطهار، فيرون أن القرء هو الطهر، ولهم أدلة من الكتاب والسنة والنظر، أي: من الأثر والنظر.
أدلة القائلين بأن القرء هو الطهر
أما من الأثر فقد قال الله تعالى:
يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ 
[الطلاق:1].
وجه الدلالة من الآية: أن العدة هي الأطهار لا الحيض.
فقوله تعالى:
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
[الطلاق:1] يعني: فطلقوهن في طهرهن، ويدل على هذا: حديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للذي طلق زوجته في الحيض (مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسك وإن شاء طلق) فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلق في الطهر، فهذه دلالة على أن المقصود بالقرء: هو الطهر.
وأيضاً ورد بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: أتعرفون ما الأقراء؟ الأقراء: الأطهار.
وهذه الصحابية لم يخالفها أحد، يعني: في أن عدة المرأة تحسب بالطهر.
أما من النظر: فإن الشافعي استدل بدلالة قوية جداً من النظر، ألا وهي: اللغة، فقال: القرء يشتق من الجمع والجمع لا يكون إلا على الطهر، لأن الطهر هو جمع الدم أو تجميع الدم داخل الرحم، أما الحيض فهو خروج الدم من الرحم.
وهذا القول من القوة بمكان، أن القرء معناه: الجمع، وإذا نظرت إلى الجمع وجدت أن الطهر: هو الذي يساوي الجمع؛ لأن الطهر معناه: تجميع الدم داخل الرحم، والحيض خروج الدم من الرحم، فصراحة لو وقفنا عند اللغة لقلنا: القرء هو الطهر، كما قال الإمام الشافعي .
أدلة القائلين بأن القرء هو الحيض
أما الأحناف والحنابلة فرأوا أن القرء هو الحيض، واستدلوا على ذلك أيضاً بالأثر وبالنظر.
أما بالأثر فمن كتاب الله جل في علاه، قال الله تعالى:
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ
[البقرة:228].
وجه الدلالة: أن الذي طلق في الطهر سيكون على امرأته أن تعتد عدة المطلقة طهرين ونصف الطهر فلا تنطبق، ولا يمكن أن تطلق عليها ثلاثة قروء تماماً، ولا تكون إلا في الحيض، ونحن نقول: الأصل في اللفظ: أن يبقى على ظاهره وألا يؤول إلا بقرينة، ولا قرينة هنا صارفة؛ لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أثبت هذا العدد، وهو ثلاثة قروء، وهذه لا تصح بحال من الأحوال إلا أن تحيض للمرة الأولى ثم للمرة الثانية ثم للمرة الثالثة، فيكون ثلاثة قروء.
ولو طلقها في الطهر، فستبدأ تحسب من هذا الطهر، فلو طلقها في نصف الطهر، فسيكون هذا الطهر ناقصاً ثم الطهر الثاني والثالث، فتكون عدتها طهرين كاملين وشطر طهر، فلا يمكن أن ينطبق على قول الله بأنه ثلاثة قروء، وإنما ينطبق على الحيض فقط فتكون عدتها ثلاثة كاملات.
أما السنة: فحديث فاطمة بنت حبيش في السنن رضي الله عنها وأرضاها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتكت أنها تثج الدم ثجاً، فقال: (إذا أتى قرؤك فلا تصلي) وجه الدلالة من الحديث: أن القرء هنا: الحيض، فإذا جاء الحيض فتطهري، ثم صلي بين القرء إلى القرء، يعني: في الطهر الذي بين الحيض والحيض، وهذا دليل واضح جداً على أن المرأة قرؤها هو: الحيض.
أيضاً: هناك حديث مرفوع ضعيف أعله الدارقطني لكنه صح موقوفاً عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه إذ يقول: طلاق الأمة اثنتان، يعني: يطلقها الأولى والثانية، وليس لها ثالثة، ثم قال: وعدتها حيضتان، وهذا أوضح من الأول وصريح: بأن عدتها حيضتان.
وأيضاً في سنن الترمذي وأبي داود بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولتدع الصلاة أيام أقرائها) يعني: في حيضها.
ومن النظر: يبدوا أن العدة ما أوجبها الله إلا للتعبد أو التفجع أو براءة الرحم، وبراءة الرحم لا تعرف إلا بالحيض.
الراجح في معنى القرء
والراجح من القولين صراحةً هو كلام الأحناف والحنابلة، لأننا قد تعهدنا وأقسمنا على أنفسنا أن نتكلم ونعلم أنفسنا والآخرين أن مدار الدين كله على قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه، وهذا جاء نهر الشرع أي: كلام النبي، فلا كلام مع كلام النبي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
لتدع الصلاة أيام أقرائها) والحديث صححه المحدثون، فلذلك نقول: الصحيح أن القرء هو: الحيض، وأن عدة المرأة تحسب بالحيض ولا تحسب بالطهر، فهذا هو الراجح الصحيح.
الرد على أدلة القائلين بأن القرء هو الحيض
وأما الرد على ما استدل به الشافعية والمالكية، فنقول: الآية محتملة، وقد جاء الحديث وفصلنا المسألة عندما قال: (
مره فليراجعها) فهو طلقها في حيض فيأثم بذلك، فليراجعها ثم يمسكها فلتطهر ثم تحيض تم تطهر.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطلاق السني: هو أن يطلقها بطهر، فسياق الحديث على الطلاق الذي يقبله الله لا أنه في معرض بيان العدة.
الفرق بين الطلاق السني والبدعي
فالعدة من الحيض لا من الطهر، والآية والحديث يبينان لنا التفريق بين الطلاق السني والطلاق البدعي، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لـ
ابن عمر هذا طلاق بدعي عندما طلقها في الحيض، والطلاق السني: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه.
أما في اللغة: فلا يستطيع أحد الرد على ما قاله الإمام الشافعي؛ لأنه من القوة بمكان، ولكن نقول: إن الأثر يقدم على اللغة، فإن المسألة إن لم تحد فحدها الشرع، فإن لم يحدها الشرع فالعرف وإلا فاللغة.
فاللغة لا تتقدم على لسان الشرع، وقد جاء لسان الشرع وبين أن القرء هو الحيض، فلا نقدم اللغة على الشرع، وهذا الراجح الصحيح.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.