إسلام ويب

رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - حكم دخول الحائض المسجدللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختلف العلماء في حكم دخول الحائض المسجد إلى قولين، فالقول الأول: قول جمهور العلماء تحريمُه تحريماً باتاً، والقول الثاني: قول ابن حزم ومن وافقه جواز دخول الحائض المسجد، وقول الجمهور هو القول الصحيح الراجح، وحكم المنع خاص بالحائض دون المستحاضة.

    1.   

    حكم دخول الحائض المسجد

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    فسنتحدث إن شاء الله عن حكم دخول الحائض المسجد، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

    القول الأول

    القول الأول: جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة: يرون بأنه لا يجوز للمرأة الحائض أن تدخل المسجد.

    وذهب ابن حزم وأنصاره وأعوانه إلى جواز دخول الحائض المسجد، قال تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [البقرة:148]، وللفريقين أدلة، وسنثبت إن شاء الله الآن أيهما أرجح.

    فقول الجمهور يحرم تحريماً باتاً على المرأة أن تدخل المسجد، وإن دخلت للمكث -دون المرور- فهي عاصية آثمة، وعليها الوزر؛ لأنها خالفت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    والأدلة عند الجمهور من الكتاب، قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا [النساء:43]، فقوله تعالى: لا تقربوا الصلاة، هو الشاهد، والصلاة هنا: إما: الركوع والسجود، وإما: موضع الصلاة الذي هو المسجد وموضع الصلاة مؤول، فقوله تعالى: لا تقربوا الصلاة، معناه: لا تقربوا موضع الصلاة، والقرينة التي جعلتنا نقول بذلك التأويل هو قوله تعالى: ولا جنباً إلا عابري سبيل أي: الجنب لا يجوز له أن يصلي، فقوله: ولا جنباً لا يمكن أن يقصد بالصلاة في الآية: الركوع والسجود، بل المراد مكان الصلاة، ولذلك قال: ولا جنباً؛ لأنه بالإجماع لا تجوز صلاة الجنب، ثم أتم البيان بقوله: عابري سبيل أي: له أن يمر مرور الكرام من المسجد، والحائض أغلظ من الجنب فتمنع من المسجد، ووجه الدلالة عندهم: أنه إذا منع الجنب من المكث في المسجد للجنابة فمن باب أولى أن تمنع الحائض، وهذا التفسير لـابن مسعود ، وأنس وابن المسيب، وغير هؤلاء من أساطين أهل العلم، لا سيما وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل المرأة الحائض المسجد، وأن تطوف بالبيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)، واختلف العلماء في العلة في ذلك:

    هل المنع هو المنع من الطواف، أم المنع من دخول المسجد؟ ونحن نقول: بأنها منعت من المسجد، ومنعت أيضاً من الطواف، على الراجح من أقوال أهل العلم وهو أن الطهارة شرط في صحة الطواف.

    وأما أدلتهم من السنة: ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست بيدك)، فإنه لما قال لها: ناوليني الخمرة، قالت عائشة بلسان حالها: إني قد تعلمت منك أن الحائض لا تدخل المسجد، فكيف أدخل المسجد وأنا حائض؟! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم مقراً على فهمها: إن المرأة الحائض لا يجوز لها دخول المسجد، وأقرها على ذلك، لكن بين لها أمراً خفي عليها ألا وهو: (إن حيضتك ليست بيدك)، أي: لا يصح لك الدخول إلى المسجد كما فهمت، لكن إذا مددت يدك وناولتيني الخمرة فإن يدك ليست ككلك، فالصحيح بوجه الدلالة: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها فهمت أن الحائض لا تدخل المسجد، فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على فهمها هذا، ولكن بين لها بأن دخول يدها بالمناولة لا يعتبر دخولاً لها في المسجد، وقال لها: (إن حيضتك ليست بيدك)، بمعنى: فارق الجزء حكم الكل في هذا الحكم، أي: أن اليد لم تأخذ حكم الجسد!

    وأيضاً من الأدلة التي استدل بها الجمهور: ما رواه البخاري ومسلم عن أم عطية رضي الله عنها وأرضاها: (أمرنا أن نخرج الحيض، وذوات الخدور، يشهدهن الخير ودعوة المؤمنين، ثم أمر الحيض باعتزال المصلى).

    ووجه الدلالة: أن الحيض إذا منعت من دخول المصلى فلأن تمنع من دخول المسجد أقوى؛ لأن حرمة المسجد أشد تعظيماً وتوقيراً من حرمة المصلى، فإذا منعها النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً على تلويث المصلى، فلأن تمنع من المسجد من باب أولى، وهذا الحديث فيه دلالة قوية من ناحية النظر على أنه قياس الأولى.

    أيضاً: استدلوا بحديث ضعيف، لكن نسوقه استئناساً لا احتجاجاً به، وهو: ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أحل المسجد لجنب ولا حائض).

    فهذا الحديث الذي رواه أبو داود فيه ضعف في الإسناد، وعلة الإسناد جسرة فإنها لا تعرف، والجهالة في الإسناد تضر، فيضعف الإسناد، ولذلك نقول: هذا الحديث فيه ضعف، ولا يصح الاحتجاج به، وما سقناه إلا استئناساً، والغنية في الأحاديث السابقة والأدلة التي استدل بها الجمهور.

    القول الثاني

    القول الثاني: لبعض أهل العلم، ومنهم ابن حزم الظاهري ومن وافقه، فقالوا: أنه يجوز للحائض دخول المسجد والمكث فيه.

    ولهم أدلة كثيرة منها:

    أولاً: البراءة الأصلية، إذ أن الأصل عدم المنع، إلا أن يأتي دليل يدل على المنع من دخول المسجد، فالأصل براءة الذمة، فلا نلزمها بعدم الدخول إلا بدليل أوضح من شمس النهار.

    ثانياً: حديث المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد، فعن عائشة رضي الله عنها وأرضاها: أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فكان لها خدامة في المسجد.

    ووجه الدلالة من ذلك: أنها سكنت المسجد، والمعهود من النساء الحيض، والله جل وعلا كتب ذلك على بنات آدم، فإنها لابد في لحظة من اللحظات وفي أيام معدودات من الشهر أن ينزل بها دم الحيض، ولم يمنعها النبي صلى الله عليه وسلم من المكث في المسجد مع أنه قد ينزل عليها دم الحيض، فدل ذلك على أنه يجوز للمرأة الحائض أن تبيت في المسجد، وأن تجلس فيه، وهذه أدلة الذين قالوا بجواز دخول المرأة الحائض المسجد، ولعل أقوى الأدلة لهم هو حديث المرأة التي كانت تقم المسجد.

    ترجيح القول بحرمة دخول الحائض المسجد

    والراجح من هذه الأقوال هو قول جمهور أهل العلم، وهو: حرمة المكث في المسجد للمرأة الحائض للأدلة الصريحة الصحيحة في ذلك، فهي قد منعت من دخول المصلى، فلأن تمنع من دخول المسجد من باب أولى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فترجله عائشة وهي حائض، فلو كان دخولها المسجد جائزاً لكان ذلك أيسر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما وهو معتكف، فلا تحوجه أن يخرج رأسه إليها فترجله؛ ولأنه معلوم أن المعتكف لا يجوز له أن يخرج من المسجد وإلا بطل اعتكافه، وأيضاً لا ينبغي له أن يخرج جزءاً من أجزائه خارج المسجد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى باب المسجد ويخرج رأسه فترجل عائشة رضي الله عنها وأرضاها رأسه دون أن تدخل خباؤه، ففيه دلالة واضحة على أن المرأة الحائض تمنع من دخول المسجد.

    أما الرد على ما استدل به من قال بالجواز:

    أولاً نقول: إنه لا يستقيم الاستدلال بالبراءة الأصلية؛ لأنه قد أتى الناقل الصحيح الصريح الذي يمنع دخول الحائض إلى المسجد، ألا وهو: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويعتزل الحيض المصلى)، أو (أمر الحيض باعتزال المصلى)، وهذا بالنسبة للمصلى فكيف بالمسجد!

    وأما استدلالهم بالمرأة التي كانت تقم المسجد فالرد عليهم من وجوه:

    الوجه الأول: أنه يحتمل أنها كانت تقيم في المسجد، ووقت حيضها تخرج من المسجد، وهذا محتمل؛ لأنها عند إقامتها في المسجد تكون قد تعلمت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج رأسه لـعائشة فترجله وهي حائض، وكان يمنع الحائض من دخول المصلى، فهذا الاحتمال إذا تطرق إلى الدليل سقط به الاستدلال.

    الوجه الثاني: نقول: نتنزل معكم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بالمقيمة في المسجد، وعلم أنه حال نزول الدم منها وحال حيضها أنها تمكث في المسجد، فتركها ولم يخرجها من المسجد، ولم ينهها، فهذه هي السنة التقريرية، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بأنها حاضت، وجلست في المسجد فأقرها على ذلك، فنقول: هذه سنة تقريرية، وأما قول النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم: (ويعتزل الحيض المصلى)، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج رأسه لترجله عائشة ، فإن هذا أقوى في الدلالة، فإذا كان ظاهرهما تعارض السنة القولية والسنة الفعلية مع السنة التقريرية، فإن السنة القولية والسنة الفعلية تقدم؛ لأنهما أقوى دلالة من السنة التقريرية، وهذا مقرر عند علماء الحديث وعلماء الأصول.

    الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قد -تنزلاً مع الخصم- علم ذلك وتركها في المسجد، فنقول: هذه واقعة عين، وحال المرأة بأنها شريدة وحيدة فريدة لا مكان لها يؤويها، فالنبي صلى الله عليه وسلم علم بحيضها فاستثناها من الحكم العام، وللشرع أن يستثني من شاء من الحكم والتأصيل العام، فيكون التأصيل العام بأن المرأة الحائض لا تدخل المسجد، وأن المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد، وكانت وحيدة فريدة شريدة لا مكان لها يؤويها قد استثناها النبي صلى الله عليه وسلم من التأصيل العام، وأقرها على أن تبيت في المسجد ولو كانت حائضاً، ونقول أيضاً: هذه واقعة عين، ووقائع العين عند العلماء لا تعمم، ولا يقاس عليها إلا مثلها، بمعنى: أنه إذا وجد في هذا الزمان امرأة شريدة وحيدة لا مكان يؤويها، ولا مكان تأمن فيه على نفسها إلا المسجد، فيجوز لها أن تلبث في المسجد، وحتى لو كانت حائضة إلحاقاً بها على حكم المرأة السوداء.

    الوجه الرابع: أننا لا نقول بأنها واقعة عين، يعني: يلحق بها مثلها، بل نقول: إن هذا خاص بالمرأة السوداء، والنبي صلى الله عليه وسلم قد سمح لها بالمكث في المسجد للضرورة؛ لأنه لا مكان يؤويها، والضرورات تبيح المحظورات.

    ولا بد أن ننبه على أمر مهم، وهو: أن حكم منع المرأة الحائض من المسجد، لا ينسحب على المستحاضة، وبذلك تسلم أدلة الجمهور من المعارضة.

    وأما من قال بجواز الدخول فأدلته ضعيفة جداً، والرد عليها من وجوه كما سبق وبينا، وعند ذلك تسلم الأدلة من المعارضة.

    ونقول: بتحريم دخول المرأة الحائض المسجد، وكفى للمرأة أن تتقي ربها، وتعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد منعها من دخول المصلى، فلأن يمنعها من دخول المسجد هو من باب أولى، وإذا قلنا: بأن هذا خلاف معتبر، فالقاعدة عند العلماء: الخروج من الخلاف مستحب.

    1.   

    جواز مكث المستحاضة في المسجد

    وحكم المنع خاص بالحائض دون المستحاضة، فللمرأة التي تستحاض، أي: ينزل منها الدم ويستمر، أن تدخل المسجد وتمكث فيه، ولها حضور مجالس العلم، والذكر، وحلقات القرآن، فالمستحاضة لا تأخذ حكم الحائض.

    فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (اعتكف معه بعض نسائه، وكانت مستحاضة ترى الدم، وربما وضعت الطست تحتها من الدم).

    وفي هذا الحديث دلالة واضحة جداً على جواز مكث المستحاضة في المسجد؛ لأنها دخلت المسجد، واعتكفت فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم بأنه ينزل منها دم الاستحاضة، وأقرها على ذلك وهي في المسجد، وصلاتها واعتكافها صحيحان.

    قال ابن القيم رحمه الله: المستحاضة يجوز لها اتفاقاً دخول المسجد للطواف إذا تلجمت. وتلجمت معناه: تحفظت.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756037268