إسلام ويب

شرح مقاييس نقد متون السنة - المقياس الأول: عرض السنة على القرآنللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كانت للصحابة الكرام مقاييس وضوابط يعرفون بها كون الحديث ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ثابت، ومن تلك الضوابط عرض الحديث على القرآن، فإن أمكن الجمع بينهما بأي صورة من الصور المقبولة أخذوا بها، وإن كان معارضاً للقرآن من كل وجه فإنهم يردونه.

    1.   

    أسباب وضع الحديث

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]، أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:

    مازلنا في نقد متون السنة، وقد ذكرنا كيف أنفق العلماء كل غالٍ ونفيس من أجل تنقية أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من الدخيل فيها، وكيف باعوا أنفسهم حقاً وصدقاً لله جل في علاه؛ للتفريق بين الحديث الضعيف والصحيح والموضوع، وتكلمنا عن الأسباب التي جعلت العلماء في عصر الصحابة ثم من بعدهم لا يسألون عن الإسناد ثم إنهم شددوا بعد أن ظهرت الفتن.

    وقد كانت هناك أسباب لوضع الحديث، فما هي أسباب وضع الحديث؟ من أسباب وضع الحديث: ما حدث بين معاوية ، وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عنهم وأرضاهم، فقد ظهرت بعدها فتنة وضع الحديث، مثاله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لـعلي بن أبي طالب بالخلافة، ومثل: (خلقت أنا وعلي من نور).

    ومن أسباب وضع الحديث التعصب المذهبي.

    مثاله: (يخرج رجل من أمتي يقال له محمد بن إدريس، وهو أشد على أمتي من إبليس).

    فقد وضعه الأحناف على الشافعي كما وضعوا في مدح إمام مذهبهم حديث: (أبو حنيفة سراج أمتي) وغيرها من الأحاديث التي وضعت بسبب التعصب المذهبي.

    وقد كان الشيخ الكوثري يرد الأحاديث التي تخالف مذهبه وإن كانت صحيحة.

    وروى أحدهم حديثاً قال فيه: (من رفع يديه في ركوعه فقد بطلت صلاته)؛ لأن مذهبه ليس كذلك، كما أن التجار قد وضعوا أحاديث من أجل أن يشتري الناس أشياءهم، منها حديث: (لو علمتم ما في الجرجير لزرعتموه تحت السرير)، وبائع الخضار لعله يحفظ هذا الحديث حقاً.

    ومنها: (الهريسة تشد الظهر)، والحلواني هو من يحفظ هذا الحديث جيداً.

    وفي بعض المساجد التي يتمذهب أهلها بالمذهب الحنفي يوجد في كل مكان أكثر من غطاء رأس لأن الأحناف يقولون: إن الصلاة بغير غطاء الرأس باطلة، وعندهم حديث موضوع: (تعمموا؛ فإن الشياطين لا تتعم)، والرواية الأخرى عندهم هي: (صلاة بعمامة خير من سبعين صلاة بغير عمامة)، وفي رواية: (الصلاة بعمامة خير من صلاة الرجل بغير عمامة بسبع وعشرين درجة)، أي: مثل صلاة الجماعة مع صلاة الفرد!

    وقد روى القصاصون أحاديث أخرى كالرجل الذي تكلم عن النفخ في الصور فقال: هما صوران، فأنكر عليه الشعبي، فضرب من أجل ذلك.

    والأطرف من ذلك ما روي عن ابن جرير الطبري أنه كان يسمع من القصاصين أنهم يقولون: بأن قول الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، فقالوا المقام المحمود: أن يجلسه بجانبه، أو عن يمينه في العرش حاشا لله، وهذا الحديث موضوع فقال ابن جرير الطبري : هذا حديث موضوع، وكتب على باب بيته: سبحان الذي لا أنيس له، ولا جليس عند عرشه، فأخذوا الحجارة فرجموه حتى قيل: إنهم سدوا البيت بالحجارة، حتى أنه لم يستطع أن يخرج من بيته.

    وهناك أسباب أخرى كثيرة جداً للوضع ليس هذا محل الكلام عليها.

    فالعلماء حين نظروا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم تنقية وتنقيحاً، وجرحاً وتعديلاً نظروا إلى الإسناد ونظروا إلى المتن، ولذلك تجد أن قول العالم: هذا حديث صحيح، لا بد أن يكون قد توفر فيها خمسة شروط، لأن الحديث الصحيح هو: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة. فهذه الشروط الخمسة تختص بالمتن وبالسند.

    وانظروا إلى دقة نظر علمائنا في علم الحديث، فقد يقولون: هذا حديث صحيح، وهذا حديث إسناده صحيح، وهذا حديث رجاله ثقات، فما الفرق بين الثلاثة؟

    هذه مسألة ليست بالهينة يتبحر فيها من تعلم علم الحديث، لذلك ترى ابن حجر الهيثمي دائماً يقول: وهذا الحديث رجاله ثقات، فإذا قال علماء الحديث: هذا حديث صحيح، أي: أنها توفرت فيه الخمسة الشروط، وهي: اتصال سنده عن العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.

    وأما إذا قالوا: هذا حديث إسناده صحيح، فقد تكفلوا بثلاثة شروط: اتصال السند مع نقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه فقط، ولم ينظروا إلى الشذوذ ولا العلة.

    والإسناد المعنعن يتوقف فيه على تصريح المدلس بالتحديث، فعلماء الحديث كـشعبة وابن عيينة والثوري يقولون: إن الإسناد المعنعن إسناد متوقف فيه ولا يصح أن نقول: إنه إسناد ضعيف.

    فالعلماء حين يقولون: هذا حديث صحيح فإنهم قد نظروا في الإسناد وفي المتن.

    ومعنى قولهم: هذا حديث رجاله ثقات: أن الناقد والناظر في هذا الإسناد قد تكفل بعدالة وضبط الرواة فقط، دون أن ينظر إلى اتصال السند، ودون أن يرى التدليس في الحديث المعنعن، فإذا قال: رجاله ثقات لا يلزم منه أن الحديث صحيح، وإذا قال: إسناده صحيح، لا يلزم أن الحديث صحيح؛ ولذلك ترى كثيراً من المحدثين ممن لم يبحث في الشواهد والمتابعات، ولا في الشذوذ وغيره يتورعون ويقولون: هذا حديث إسناده صحيح، ويمكن لأي طالب علم أتقن المصطلح وتدرج في مسألة التطبيق العملي أن يصل إلى مرتبة تصحيح الإسناد وتضعيفه، وأما مسألة تصحيح الحديث برمته، أو تضعيف الحديث كلياً فهذه لا تكون إلا لمن قطع شوطاً طويلاً في علم الحديث.

    1.   

    مقاييس نقد المتون عند الصحابة فمن بعدهم

    إن علماؤنا ينظرون إلى المتن فيقولون: هذا من مشكاة النبوة، وهذا ليس من مشكاة النبوة، فما هي الضوابط؟ وما هي الأصول التي ارتكزوا عليها ليعرفوا أن هذا الحديث من مشكاة النبوة أم لا؟

    فتجد أحدهم يقول في حديث معين: هذا ليس من حديث فلان، كأن يقول: هذا ليس من حديث أبي صالح فكيف يقول: هذا ليس من حديثه؟ لأنه قد عرف أحاديث أبي صالح ، ومكث معه مدة طويلة في الطلب ومجلس التحديث، فعلم كيف يحدث أبو صالح ، وما هي السلسلة المنتقاة لـأبي صالح، وهل إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يصل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟

    وكذلك فعلماؤنا الذين نظروا في كلام النبوة بعد ما تبحروا في قراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، واطلعوا عليها، علموا ما يخرج من فيه صلى الله عليه وسلم، وما لا يخرج من فمه الله صلى الله عليه وسلم، لكن بالضوابط والأصول التي ذكرها العلماء؛ حتى نعلم الفارق بين كلام النبي وبين كلام غيره مما هو أشبه بكلام النبوة كأمثال الحسن البصري، فقد قيل: إن كلامه يشبه كلام النبوة.

    عرض الحديث على القرآن

    وهو أصل الأصول الذي ارتكز عليه علماؤنا من الصحابة لتنقية أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، هو عرض الحديث على القرآن، والقرآن والحديث هما وحي أوحى الله بهما إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فكيف نقول: إن عرض السنة على القرآن يظهر الحديث الصحيح من الضعيف؟ نقول: إذا أصلنا هذا الأصل بأن القرآن والسنة خرجا من مشكاة واحدة فالذي يخرج من مشكاة واحدة لا يكون فيه اختلاف، ولا تضاد، قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإني قد أوتيت القرآن ومثله معه)، فهم يأخذون حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيعرضونه على القرآن، فإذا راءوا المعارضة من كل وجه فلا يمكن أن نقول: إن هذا الحديث قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلام هو وحي من الله، لكن اللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون مخالفاً لقول الله من كل وجه؟! فهذا محال.

    1.   

    صور لعرض الصحابة الحديث على القرآن

    الصورة الأولى

    لقد أصل الصحابة هذا الأصل بأمثلة كثيرة منها مثلاً حديث عائشة رضي الله عنه وأرضاها عندما قيل لها بعدما مات عمر والحديث في الصحيح: إن عمر بن الخطاب دخل عليه صهيب بعد ما طعنه أبو لؤلؤة فبكى، فقال عمر: أوتبكي وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)، فلما مات عمر ودفن ذكر ذلك للفقيهة عائشة رضي الله عنه وأرضاها فوهمت عمر رضي الله عنه وأرضاه، وردت عليه الحديث وقالت: يرحم الله عمر! والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك وقد قال الله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

    فانظر كيف محصت حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن غيره، فقد نظرت في الكلام فوجدت أن الحديث المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ليس للميت ذنب في ذلك، من أجل أن يعذب، وإنما هذا فعله أهل الميت، فالفعل فعل أهل الميت وليس فعله، والله جل وعلا يقول في كتابه: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

    ومعنى الآية: أنه لا يعذب أحد بفعل غيره، ويلزم من كلام عمر أن الميت سيعذب بفعل غيره فـعائشة رضي الله عنها وأرضاها لم تنظر في الإسناد في عصرها؛ لأن الصحابة كلهم عدول، وقد ذكر الله عدالتهم من فوق سبع سموات، فيبقى النظر إلى المتن، فلما نظرت إلى المتن عرضته على كتاب الله فوجدت المعارضة، فقالت: كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وقد قال الله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]؟! فالمقصود أن عائشة عرضت هذا الحديث على كتاب الله.

    فإن خالف الحديث كتاب الله من كل وجه فلا بد أن نقول: إن هذا الحديث لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم جزماً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله جل في علاه.

    الصورة الثانية

    عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: ولد الزنا شر الثلاثة، فسمعت عائشة رضي الله عنها وأرضاها هذا الحديث فاحتجت بنفس الآية وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، المرأة زنت وحملت الجنين، فكيف نقول: إن هذا هو شر الناس؟ لأنه إذا كان كذلك فلا يؤمّنّ القوم، ولا يكون خليفةً، ولا يكون رأساً في الناس، ولا يكون معلماً، وقد وردت الأدلة بأسانيد صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه يمكن أن يكون أماماً، ويمكن أن يكون خليفة؛ لأنه لا ذنب له بما جنت أمه، ولا يمكن أن يؤخذ بجريرة الرجل الذي زنى بأمه، فقد قال الله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

    ولذلك ابن عباس نظر في هذا الحديث أيضاً وأصل لنا نفس الأصل فقال: كيف يقولون هذا؟ لو كان كذلك لقتله النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بطن أمه؛ لأنه لا يستحق الجنة فهو شر الثلاثة، فالأولى له أن يموت وهو في بطن أمه، ويشير ابن عباس بذلك إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة جاءت فقالت: يا رسول الله! إني حبلى من الزنا فطهرني، فقال: ارجعي حتى تضعي، فلما وضعت الجنين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: قد وضعته فطهرني يا رسول الله! فقال: ارجعي فأرضعيه، فلو كان ليس له مكانة بين الناس لما فعل بها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولقتل المرأة رجماً، وقتل جنينها في بطنها؛ لأنه لا يستحق أن يعيش فهو سيكون في النار لأنه شر الثلاثة.

    فانظروا إلى ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه فبعد أن أخذ المتن عرضه على الحديث، وهذا هو المقياس الثاني الذي سنتكلم عنه، وعرضه أيضاً على الكتاب، وعلى نفس الآية وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

    فهذا أصل أصله الصحابة لمعرفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا عكس، فلا يمكن أن نقول: إن القرآن إذا شهد لمتن من متون الحديث أن ذلك يقويه على الراجح من أقوال أهل العلم، مثل شهادة القرآن لحديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)، والآية التي تقويه هي: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [التوبة:18]، إلى آخر الآية، ومع ذلك لم يصح لأن العلماء ينظرون بعد العصور المتقدمة إلى المتن والسند، فالحديث لم يصح حتى ولو شهد القرآن.

    وكذلك إذا عارض الحديث القرآن من كل وجه فإننا نقول: حتماً وجزماً أن الله لم يوح بهذا الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جل وعلا قال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

    الصورة الثالثة

    السنة مبينة للقرآن فلا تخالف القرآن، فـابن عباس اشتد على أبي هريرة في هذا الأمر؛ لأنه عرض الحديث على القرآن.

    وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشؤم في ثلاثة: في المرأة، وفي الدابة، وفي الدار).

    فهذا الحديث حين سمعته عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهمت الراوي وقالت: هذا ليس بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (كان أهل الجاهلية يقولون: الشؤم في ثلاثة كذا وكذا)، فالمهم أنها لم تعترض على هذا الحديث بالحديث الآخر، وإنما وجهته، فقالت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قد قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، أي: فليس هناك طيرة، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف:131]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا طيرة)، فقد نفى الطيرة أصلاً، فلا يمكن أن هناك تشاؤماً.

    فعرضت عائشة رضي الله عنها وأرضاها هذا الحديث على قول الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، وقالت: وإن كان في كتاب فلا يمكن أن نقول إن هذه المرأة هي التي تسببت في هذه المصيبة، ولا أن هذا الرجل هو الذي تسبب في هذه المصيبة، كما يفعل بعض الجهال الذين إذا خرجوا من بيوتهم فوجدوا امرأة عجوزاً قالوا: هذه عجوز نحس، ارجع حتى لا تنزل بك مصيبة، أو مثل ما يقول بعضهم: من أن المصائب تنزل في يوم الأربعاء، فيجلس في بيته ولا يخرج، فهؤلاء القوم لم يؤمنوا بالله حق الإيمان.

    والغرض هو أن عائشة قد أصلت لنا أصلاً بيناً واضحاً جلياً في عرض سنة النبي صلى الله عليه وسلم على الكتاب، فإن خالف الحديث القرآن من كل وجه فلا يمكن أن يكون قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الصورة الرابعة

    روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عندما نزل من المعراج فقالوا له: رأيت ربك؟ فقال: (نور إني أراه).

    وهذا تصحيف من الراوي والراجح في الرواية هو (نور أنى أراه) أي: كيف أراه؟ فرووا هذا الحديث عند عائشة فقالت: كما قال مسروق : قلت يا أمتاه هل رأى محمد ربه؟ ثم روى هذا الحديث فقالت: لقد قف شعري مما تقول، من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، فردت الحديث، مع أن هذا رواه ابن عباس وغيره من الصحابة، فكيف ردته؟ لقد عرضته على كتاب الله، فقالت: كيف تقولون: إن محمداً رأى ربه وقد قال الله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ [الأنعام:103].

    والغرض من هذا أننا إذا أردنا أن نعرف أن الأثر من قول رسول الله أو من قول غيره فإننا نعرضه على القرآن.

    وكذلك ابن عمر فقد كان يفعل كما فعلت عائشة، فقد كان يقول: إن لحوم السباع حلال، كالأسد، وهو قول للمالكية.

    فإن قيل: هل الضبع والذئب والثعلب والقرد مما يؤكل أو لا؟

    والجواب: لقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي ظفر من الطير.

    والصحيح أن الثعلب يؤكل، والضبع يؤكل.

    واختلف العلماء في الذئب والقرد، فالمالكية يقولون: يؤكل، والفيل يؤكل، والصحيح الراجح في ذلك أنه لا يؤكل.

    والغرض أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه كان يعرض الحديث على القرآن ليميز هل هو من كلام رسول الله أم ليس من كلامه؟

    وقد أكثرت من الأمثلة حتى يسهل على طالب العلم ضبط القاعدة.

    الصورة الخامسة

    جاء رجل إلى ابن عمر فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم لحوم السباع)، فقال من قال هذا الحديث؟ قال: أبو ثعلبة الخشني، فقال: الأعرابي الذي يبول على ساقيه! وهذه الكلمة معروفة بين العلماء، وعندما يرد طالب علم على طالب علم أو عالم على عالم فلا يؤخذ عليه أنه يرد عليه بشدة؛ لأن هذه المسألة فيها إظهار للحق، حتى أن عائشة كانت إذا سئلت عن مسألة غابت عن الصحابة تقول: على الخبير سقطت، وكان علي بن أبي طالب في مهر المفوضة يقول: لا آخذ بقول أعرابي بوال على عقبيه وأترك كتاب الله جل في علاه.

    فكان ابن عمر يقول: لا آخذ بقول أعرابي يبول على ساقيه، وأترك كتاب الله، والآية التي جعلته يقول: إن لحوم السباع حلال والتي عرض عليها الحديث هي قول الله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام:145]، فهذه الأربعة فقط هي التي حرمها الله جل وعلا، والاستثناء الموجود في الآية يحصر المحرم في الأربعة التي ذكرت.

    فلذلك لما نظر ابن عمر إلى هذه الآية وعرض عليها الحديث قال: لا يمكن أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله أبداً؛ لأن الوحي الأول هو: الأصل الأصيل، والوحي الثاني خرج من نفس المشكاة فلا يمكن أن يتعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول الله جل في علاه.

    الصورة السادسة

    قالت فاطمة بنت قيس : طلقني زوجي فبتّ طلاقي، والمبتوتة هي: المطلقة ثلاثاً، وهي التي بت طلاقها فلا تحل لزوجها إلا بعد أن تتزوج زوجاً غيره ثم يطلقها، وليس معنى ذلك أن يعقد عليها فقط، بل لابد من العقد والدخول.

    قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقه، فأخذ عمر بن الخطاب : قولها وعرضه على كتاب الله فقال: لا نأخذ بكلام امرأة لا ندري أذكرت أم نسيت ونترك كتاب الله، وفي رواية: سنة رسول الله.

    وهذه الرواية ليست صحيحة، بل الصحيح أنه قال: لا نترك كتاب ربنا لامرأة وهمت لا ندري أحفظت أم نسيت.

    والآية التي انتقد عمر بن الخطاب هذه الرواية من خلالها هي قول الله سبحانه وتعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ [الطلاق:6]، فهذه الآية فيها دليل واضح على السكنى، وهناك آيات أخرى تدل على النفقة، فـعمر بن الخطاب نظر في الحديث فعرضه على كتاب الله فظهر له أنه لا يمكن أن يكون هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن والسنة خرجا من مشكاة واحدة فلا يمكن أن يكون بينهما تعارض.

    الصورة السابعة

    عن علي بن أبي طالب قال في مهر المفوضة: لا آخذ بقول بوال على عقبيه -يعني: الأعرابي- وأترك كتاب الله جل وعلا فإن الله قال: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]، والذي يجعل لها المهر كاملاً مخالف لظواهر الكتاب، فالحديث مخالف للآية فلا نأخذ به، فهذا التأصيل أصله علماء الصحابة رضي الله عنهم كـعائشة وعمر بن الخطاب قبلها، وابن عمر ، وابن عباس ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم وأرضاهم.

    1.   

    تثبت الصحابة في رواية الحديث

    لقد كان الصحابة يتثبتون تثبتاً شديداً في قول النبي صلى الله عليه وسلم، ويخافون ويرتجفون من قوله صلى الله عليه وسلم (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).

    ولذلك كان علي بن أبي طالب ، يقول: والله ما حدثني أحد حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد أقسم بالله أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير: أبي بكر رضي الله عنه؛ فإنه حدثني وصدقني.

    فكان التثبت والتشديد في التثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم يجعل كل راوي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بالله أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكان عمر شديداً في التثبت، فـ أبو موسى الأشعري عندما طرق الباب على عمر بن الخطاب ، وكان قد طلبه عمر بن الخطاب فاستأذن مرة فلم يرد عليه، فرجع على عقبيه، فلما استيقظ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه سأل عنه فقالوا: جاءك ثم رحل، فرجع إليه فقال: ما منعك أن تدخل؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الاستئذان ثلاثاً وإلا فارجع) فأخذه عمر من عنقه وجاء إلى مجلس الأنصار مرعوباً مفزوعاً قد خشي على نفسه من عمر رضي الله عنه وأرضاه، فإنه قال له: والله لا أتركك حتى تأتيني بآخر يشهد معك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك.

    وهذا من شدة التثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: والله لا نبعث معك إلا أصغرنا أبا سعيد الخدري فذهب معه وشهد عند عمر رضي الله عنه وأرضاه.

    وهذا يحيى بن معين وهو يموت قيل له: ما تطلب؟ قال: إسناد عالٍ وبيت خالٍ.

    فيا أهل الحديث! لقد اشتهرت الإسكندرية بقلة علم الحديث فيها حتى قيل: إن أهلها ليس لهم همة في طلب الحديث، أيها الجمّاع أريدك أن تكون نقاشاً وقماشاً لا أن تكون قماشاً فقط.

    فإن قيل: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم على أريكته شبعان يأتيه الأمر من أمري فيقول: نعرضه على كتاب الله، فإن وجدناه في كتاب الله أخذنا به، وإن لم نجده في كتاب الله لم نأخذ به، ألا وإني قد أوتيت القرآن ومثله معه)، وقد عرض الصحابة الحديث على القرآن، فهل وقعوا فيما حذر منه النبي أم لا؟

    والجواب: أن هذا الحديث عام، فهذا الشبعان كلما جاءه حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عرضه على القرآن، فإن وجده في القرآن أخذه، وإن لم يجده لم يأخذه، وأما الصحابة فلم يفعلوا ذلك في كل الأحاديث، وإنما فعلوه في الأحاديث التي عارضت كلام الله سبحانه وتعالى، وقد علموا أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يعارض كلام الله جل في علاه، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا ينطبق على القرآنيين الذين يقولون: لا حاجة إلى السنة.

    وأما الصحابة فإنهم كانوا يأخذون بالسنة إلا الشيء اليسير الذي عارض القرآن، فيكون فعل الصحابة مخصوص من عموم الحديث، فالنبي قال في الحديث: يأتيه الأمر من أمري، وفي هذا دلالة على كل أمر من أمر النبي فإنه يعرضه على القرآن، وأما الصحابة فقد كانوا يأخذون بجميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا عارض الحديث القرآن، وأذكر لكم قصة رواها لنا الشيخ أبو إسحاق ، فقد ذكر أنه كان يجلس في مسجد في كفر الشيخ وكان واسعاً جداً، وكان يمتلئ من أوله إلى آخره إذا شرح حديثاً أو تكلم في موعظة، فقال مرة: لا بد أن نؤصل المسائل لطلبة العلم، فندِّرس في مصطلح الحديث، فحضر في أول مجلس نصف المسجد، فقال: الحمد لله على النصف ثم الأسبوع الذي بعده حضر الربع، فقال: الحمد لله على الربع ثم بعد ذلك لم يحضر غير ثلاثة في المسجد.

    وأنا أقول: إن قوام الأمة يكون على أهل العلم، وأما الكثرة الكاثرة فقلما تكون جيده، فقد يكون هناك ضعيف مستضعف يدعو الله جل وعلا فينصر الله به الأمة، لكن هل يمكن أن يكون من قوام الأمة، ومن من الأعمدة التي ترتكز عليها الأمة؟ لا والله، وكذلك إذا نزلت المعضلات وحدثت الملمات على الناس فهل يكون الضعيف هو الذي يتصدى لها؟ لا والله، وهل هو الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله جل وعلا يجعل على رأس كل مائة عام رجل يجدد لهذه الأمة دينها)؟ لا والله، وهل يمكن أن يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، قد يدخل، والمقصود أنهم يفرون من التأصيلات، وهم لن يفقهون تحرير محل النزاع ولا الترجيح إلا بالتأصيلات، لذا فليعلم الإخوة أن التأصيل الصحيح هو الذي سيبني صرح الأمة العالي، وأنا أعرف أن من الطلاب من يتعطش للعلم لكن الطريق ليس مستنيراً أمامهم، وهنا كلمة تكتب بماء الذهب وهي من قول الشيخ محمد إسماعيل حفظه الله فقد كان يقول: بث الجذور في الأرض هو الذي يثمر، فانظروا إلى القياس البديع، فإن الفروع العالية التي نراها إذا هبت الريح القوية كسرتها وانتهت، لكن الجذور في الأرض تبقى ثابتة.

    والإجابة الثانية: نقول: نحن نوافق على قاعدة أن المتن إذا عارض القرآن فهو ضعيف، وذلك بشرط أن تكون هذه المعارضة معارضة كلية، وأما إذا كانت من وجه دون وجه فلا؛ لأنه يمكن الجمع بينهما، واجتهاد الصحابة في تضعيفها لم يكن صواباً، فإن هذه الأحاديث الصحيحة قد أمكن الجمع بينها وبين القرآن، فالجمع بين قول الله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[الأنعام:164]، وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله)، يكون من وجوه: أولاً: أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه إذا أوصى بذلك، فإنه إذا أوصى كان معذباً بوزره وليس بوزر غيره.

    ثانياً: أنه يعذب بشق الجيوب، ولطم الخدود، ويرجع هذا إلى الوجه الأول أيضاً، أي: إذا ارتضى بذلك، أما لو شقوا الجيوب، ولطمعوا الخدود وهو لا يعلم فليس عليه شيء.

    ثالثاً: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: وهم عمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرت عليه جنازة يهودية فبكى أهلها عليها فقال: (إن الميت ليعذب من بكاء أهله)، فهي واقعة عين لا يقاس عليها المسلمون، بل هي خاصة بالكفار وإن الألف واللام في (الميت) للعموم لكنه لا يراد بها العموم هنا، بل هو من باب العام الذي يراد به الخاص وهو الكافر، وهذا هو أوجه الوجوه، وأما بقية الأجوبة فليست بشيء.

    والجمع بين حديث: (الشؤم في ثلاث في المرأة، والدابة، والدار) وقول الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ [الحديد:22]، هو أنه لو كان هناك شؤم فسيكون في ثلاث لكن ليس هناك شؤم؛ لأن الله كتب هذا في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، هذه الإجابة الأولى.

    الإجابة الثانية: أن هذا القول هو قول أهل الجاهلية وذكره هنا من أجل الإنكار عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا طيرة)، وقال: (الطيرة شرك).

    والجمع بين حديث: (نهي النبي عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير) وبين قوله سبحانه: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا [الأنعام:145]، أي: أني في وقت ما تلوت عليكم هذه الآية لم أجد فيما أوحي إلي محرماً عليكم إلا هذه الأمور، ولا يمنع ذلك أن تأتي آيات أخرى تزيد عليها أشياء محرمة، فيكون هذا الحكم الذي ورد في الحديث مما أوحاه الله إليه بعد ذلك فلا يوجد تعارض، ولا يكون هذا نسخاً بل هو إضافة، والإضافة لا تعد نسخاً إلا عند الحنفية.

    والجمع بين حديث ابن عباس (نور إني أراه) وقول الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام:103] أي: لا تحيط بالله جل في علاه، أن نفي الإدراك لا يلزم منه نفي الرؤيا؛ لأن إثبات الرؤيا وردت به أحاديث أخرى صحيحة تخصصه من النفي كحديث: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته) فلا تعارض بين الحديث والآية؛ ولذلك فالمعتزلة لما أنكروا الرؤيا استندوا إلى قول عائشة ونحن نقول: إن عائشة أخطأت في الاستدلال، وأصابت في النفي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن تروا ربكم حتى تموتوا)، والخطاب للأمة خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولما سئل: هل رأيت ربك؟ قال: (رأيت نوراً)، وهذا نور الحجاب، فلم ير الله جل في علاه، وقال أيضاً: (نور أنى أراه)، أي: كيف أراه؟

    وأما تفسير قول الله تعالى في سورة النجم: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى فقد قالت عائشة : رأى محمد جبريل مرتين، له جناح يسد الأفق.

    وبهذه الإجابة عن هذه الأحاديث ننتقل إلى أصل آخر أصله الصحابة على نقد متون السنة وهو عرض السنة على السنة، لكن هذا بحر واسع جداً، وهل يصح أن نعرض السنة على السنة حتى نضعف الحديث أم لا؟ فهذا سيدخل فيه الكلام عن الإسناد في مسألة الشذوذ ..

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756382063