هذا الدرس يلقى في مسجد (الشربتلي) في مدينة جدة بعد مغرب يوم السبت الموافق (23 من شهر جمادي الأولى عام 1417 للهجرة) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وهو الدرس الأول من سلسة تأملات في السيرة النبوية.
سيرة من؟!
إنها سيرة خير البشر، وأفضلهم، وأكرم الخلق، فسير العظماء والأبطال والعباقرة جديرةٌ بالدراسة؛ لاستخلاص العبر، ولأخذ المواقف، لكن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من كل سيرة.
إنه ليس رجلاً عبقرياً عظيماً فحسب، وليس بطلاً فقط، يكفيه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه ليس رسولاً فقط، بل هو من أولي العزم، بل هو أفضل الرسل على الإطلاق، وخير وأكرم من خلق الله.
نادى ربنا تبارك وتعالى كل الأنبياء بأسمائهم يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات:104-105].. يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46].. يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ [آل عمران:55].. يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ [القصص:31] وهذا شيءٌ طبيعي أن ينادي الله عز وجل عبيده بأسمائهم، فهم وإن كانوا رسلاً وأنبياء إلا أنهم عبيد، والسيد إذا دعا العبد دعاه باسمه، ولكن محمد صلى الله عليه وسلم ما ناداه ربه باسمه في القرآن، فليس في القرآن يا محمد! بل فيه نداءان اثنان يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:67] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [التوبة:73].
علام يدل هذا التخصيص؟
يدل على عظم المنزلة، وسمو المكانة، وأنه خير من خلق الله، فهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وخير من سار على الأرض في هذه الدنيا، وصاحب اللواء يوم العرض، وأول من يطرق باب الجنة، وأول من يؤذن له بالشفاعة يوم القيامة.
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور |
إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير |
وإذا الجبال تقلعت بأصـولهـا ورأيتها مثل السحاب تسير |
وإذا البحار تأججـت نيرانهـا ورأيتها مثل الحميم تفور |
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضـرت فتقول للأملاك أين نسير؟! |
فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمور |
وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى الحساب وقلبه مذعور |
هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور |
في ذلك اليوم العظيم يطول على الناس الموقف، وعدة ذلك اليوم خمسون ألف سنة، واليوم منها بألف سنة مما نعد، قال عز وجل: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47] فاليوم من أيام الآخرة يعدل ألف سنة، واضرب ألف سنة في خمسين ألف سنة، فهذا يوم القيامة والناس وقوف، والشمس تدنو من الرءوس ولا توجد مظلة إلا مظلة الرحمن، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، وليس هناك ماء إلا حوض الحبيب صلى الله عليه وسلم، نرجو الله أن يسقينا من حوضه، ويحشرنا في زمرته، ويجعلنا من أتباع سنته، ومن الناصرين لدينه وهداه.
والموقف طويل، والانتظار صعب على النفوس، فأنت لا تستطيع أن تنتظر ولا تحب الانتظار، ولو سافرت في رحلة فستظل ترقب الساعة متى يحين موعد الإقلاع، فلا تريد أن تبقى ولو لعشر دقائق. وإذا أتيت إلى المطار، وأعلن أن الرحلة تأخرت ساعة فكيف يكون وضعك؟! ستقول في نفسك: أأجلس، أم أرجع، وتضيق عليك نفسك وأنت جالس تحت المكيف، وعلى الكرسي، وإذا قيل: تأخرت الطائرة ثلاث ساعات أو أربع انزعجت. وإذا أتيت إدارة حكومية ووجدت أمامك عشرة أشخاص أو خمسة عشر، أو عشرين؛ جلست تترقب وصول شخص ما ليساعدك ويخلصك من هذه الزحمة، فلا تريد أن تنتظر. فكيف تنتظر يوم القيامة على تلك الحال؟
ومن غضب الله أن دمر الكون كله؛ لأن الساعة تقوم حينما لا يقال في الأرض: الله .. الله، فيغضب الله ويدمر الكون، فلا يوجد من يجرؤ على الشفاعة في ذلك اليوم.
فالآن المدير عنده السكرتير، ومدير المكتب، والمساعدون، فإذا كان غاضباً وجاء من يقول: من فضلكم! لدي معاملة وأريدكم أن تشفعوا لي عند المدير، فيقال له: المدير ليس في مزاج حسن اليوم، فاذهب وعد في وقت يكون فيه مزاجه حسناً، فيختارون الأوقات المناسبة لذلك.
في ذلك اليوم الأنبياء يقولون: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، نفسي نفسي.
فالنبي يقول: نفسي نفسي، فكيف بنا أنا وأنت -يا أخي- يوم القيامة، لا إله إلا الله! نستغفر الله من الذنوب! فإذا كان الأنبياء المعصومين الذين لا يعصون الله لا يجرءون على سؤال الله شيئاً، فكيف بالمقصرين والمذنبين أمثالنا.
فيقال: اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم، فيقولون له: ألا تشفع إلى ربنا في فصل القضاء؟ فيقول: نفسي نفسي، ويذكر أنه قد كذب ثلاث مرات، ويقول: إني أستحي أن أسأل الله وقد كذبت كذبات ثلاث.
وما هي كذبات إبراهيم عليه السلام؟ إنها كذبات من أجل الدعوة، وهي صدق فيه تورية، فالمرة الأولى: حين خرج قومه لعبادة الأوثان وتقديم القربان قال: إني سقيم، وصدق! يقول: إن في قلبي مرضاً من عبادتكم لهذه الأصنام، لا أقدر أن أخرج معكم فأنا سقيم، قلبي مريض مما فيه من عبادتكم لغير الله، لكنه من محاسبته لنفسه اعتبرها كذبة.
- والثانية: لما قام على الأصنام وحطمها وعلق الفأس على كبيرها، قال تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ [الأنبياء:58] فلما جاءوا: قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء:59-60] فتىً! فأين فتيان الإسلام؟ في المقاهي والمدرجات والأرصفة، وأمام المسلسلات والدخان والجرائد والمجلات إلا من عصم الله، فكان إبراهيم فتىً من فتيان الله، من فتيان الدين: فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ فلما جيء به قالوا: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء:60-62] فقال لهم: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء:63] ويشير إلى الصنم بإصبعه، وهو يعني أن إصبعه هذه كبيرة الأصابع هي التي حطمتها؛ لأنه لولا وجود هذه الإصبع لما قدر الإنسان على عمل شيء، فالإصبع السبابة تعد كبيرة الأصابع، وإذا فقدت هذه الإصبع لا يستفاد من بقية الأصابع بأي حال، قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء:63] يعني: إصبعه، فهم ظنوا أنه يعني الصنم، قال: فَاسْأَلُوهُمْ [الأنبياء:63] وهو أراد أن يقررهم على نقص عقولهم وقلة أفهامهم، إذ كيف يعبدون من لا يمنع نفسه؟ قال: فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء:63] قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ [الأنبياء:65] أي: أنت تعلم أنهم لا يتكلمون، قال: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء:67] لأنكم تعبدون شيئاً لا يمنع نفسه، ولا ينفع، ولا يضر.
- والثالثة: لما دخل مصر وكان حاكمها طاغية مفتوناً بالنساء؛ فلا يرى امرأة جميلة إلا أخذها، وكانت امرأة إبراهيم عليه السلام جميلة، فلما أخبروه بها وقالوا: هناك امرأة دخلت ليس لها وصف، فقال: أحضروها، ولما جيء بها ومعها زوجها، فلو قال: زوجتي، فماذا سيصنع به؟ سيذبحه؛ لأنه لا يمكن أن يسمح له بزوجته، قال: ما تكون لك؟ قال: أختي. وصدق! فهي أخته في العقيدة والإسلام؛ لأنه ليس في الأرض مسلم إلا إبراهيم وزوجه، فقال: اجلس هنا، وأخذها الملك وذهب بها إلى حيث لا يراها زوجها، فلما أرادها دعت الله عز وجل فجمده في مكانه، حاول وحاول ولكن بدون فائدة، فقال: اسألي الله أن يطلقني ولن ألمسك، قالت: اللهم أطلقه، فأطلقه الله، ولما ولت جاءه الشيطان فلحقها فدعت الله عليه ففعل ذلك ثلاث مرات يراودها وهي تدعو الله، حتى ظن أنها ليست من الإنس، فأمر بإخراجها، وفي هذه الأثناء كشف الله لإبراهيم الحجب حتى يرى كل شيء، فلا يبقى في نفسه شك، فلما خرجت أخدمها الملك هاجر وهي أم إسماعيل، ولما دخلت على إبراهيم قال: ما صنعتِ، قالت: أخزى الله الكافر فكف يده وأخدمنا هاجر .
هذه كذبات إبراهيم -في نظره- ومع هذا يقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى موسى.
فيأتون موسى فيقول: نفسي نفسي، إني قد قتلت نفساً، فجريمتي لا تؤهلني لأشفع للناس عند الله، وهو من أولي العزم ومن أفضل الرسل، وقد اصطفاه الله، يقول الله تعالى له: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144] ويقول فيه: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41] وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، فأقوم وإذا موسى قائم عند العرش فلا أدري أبعث قبلي أم جوزي بصعقة الطور) فهو من أولي العزم، ومع هذا يقول: أنا لا أستطيع أن أقول شيئاً، اذهبوا إلى عيسى.
فيأتون عيسى فلا يذكر ذنباً وإنما يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد، لا أسألك اليوم إلا نفسي.
والشفاعة حق لكنها لا تكون إلا بشرطين:
- الشرط الأول: الإذن من الشافع.
- والثاني: الرضى عن المشفوع له، فإذا لم يتوفر الشرطان فليس هناك شفاعة.
قال: (فآتي فأسجد تحت العرش، ويفتح الله عليَّ من المحامد والثناء بما لم يفتح عليَّ من قبل، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يارب! أمتي أمتي) اللهم اجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. أمة الإجابة.
فالأمة تنقسم إلى قسمين: أمة الدعوة، وأمة الإجابة، فأمة الدعوة تشمل كل من على وجه الأرض منذ مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة؛ لأنه دعاهم كافة، أما أمة الاستجابة فهم الذين استجابوا لله وللرسول -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- لأن الله تعالى يقول: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25] فالدعوة عامة ولكن الهداية خاصة وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25].
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد الله له وقال جل ذكره: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فمن الذي يقول هذا؟ إنه الله، وقال له بعد أن سرد الأنبياء في سورة الأنعام: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] ووزع الله جميع الكمالات البشرية في البشر كلهم وأعطى الأنبياء أعظم قدر من ذلك، ثم جمع جميع كمالات البشر في محمد صلى الله عليه وسلم، فما من صفة وكمال إلا وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى قدر منها، فإن قلت: الصدق، فهو أصدق البشر، وإن قلت: الشجاعة، فهو أشجع البشر، وإن قلت: الكرم، فهو أكرم البشر، وإن قلت: القوة، فهو أقوى البشر، وإن قلت: الحلم، فهو أحلم البشر.. فأي صفة تأتي بها تجده يملك الحظ الأوفر منها.
والكتاب الذي اخترته ليكون مرجعاً كتاب عظيم اسمه: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ، ومؤلفه أستاذ مشارك في جامعة الملك محمد بن سعود في كلية التربية وهو الدكتور/ مهدي رزق الله أحمد .
وهو كتابٌ عظيم يتميز أولاً: بترتيبه وحسن تنظيمه.
وثانياً: بتوثيقه لمصادره، واقتصاره على الصحيح مما ثبت عن طريق أهل الحديث، يعني أنه أخذ السيرة من كتب أهل الحديث، واهتم ووثق، وبالإضافة إلى ذلك يتميز هذا الكتاب بميزة استخلاص العبر، وأخذ الحكم من مواقف سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا فهو من أعظم الكتب، وأوصي إخواني طلبة العلم أن يقتنوه، ويراجعوا هذه الدروس، ويقرءوها على أهليهم في بيوتهم، ويقرءوها مع زملائهم، فإنها من أعظم ما يربى عليه الإنسان، فإذا أتيت بيتك في الليل وبعد أن تتناول طعام العشاء تجمع زوجتك وأولادك، وتقول: تعالوا نتدارس درساً من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم، وتأتي بهذا الكتاب وتدرس موقفاً واحداً وتستخلص منه العبر، وفي الليلة الثانية مثل ذلك، فتنشئ أولادك وبيتك على هدي وسيرة أكرم خلق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا درست السيرة؛ وقفت بنفسك على التطبيق العملي، فالقرآن متمثل بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث لما سئلت عائشة رضي الله عنها فقيل لها: (كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن) فإن أردت أن ترى خلق النبي صلى الله عليه وسلم فاقرأ القرآن، كل ما في القرآن من هدىً وفضائل ونور متمثل في شخص النبي صلى الله عليه وسلم.
إذن يلزمك أن تقرأ سيرته، لماذا؟ لترى التطبيق العملي لأحكام القرآن، فمثلاً: حين تسمع أن الله أمر بالصدق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] فأنت تريد نموذجاً من البشر قد تمثل فيه خلق الصدق، فتقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتخرج بنتيجة مفادها أنه منذ خلق حتى مات ما كذب كذبة واحدة، حتى إنه لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالكتب إلى ملوك العرب والعجم، كان من ضمن الكتب كتاب إلى هرقل ، فلما قرأه قال: هل هنا أحد من العرب؟ فبحثوا فوجدوا أبا سفيان ومعه نفر من العرب كانوا في تجارة، فأتي بهم، فوقف أبو سفيان وكان كافراً آنذاك، ووقف أصحابه من خلفه، فقال هرقل : إني سائله، فإن صدق فاسكتوا، وإن كذب فأشيروا إليَّ بأنه كذاب، ثم بدأ يسأل أبا سفيان ومن ضمن الأسئلة قوله: هل جربتم على هذا الرسول كذباً؟ قال: لا. ولو علم أبو سفيان على رسول الله كذبة واحدة لكان قال: نعم. لكنه يعرف أنه لو قال: نعم؛ للزمه أن يحكيها، فما كذب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته قط.
وبعد أن أخبره -والحديث طويل في صحيح البخاري - قال له هرقل : وسألتك: هل جربتم عليه كذباً، فقلت: لا. قلت: فما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله. فمن يستحي أن يكذب على الناس فمن باب أولى أنه لن يكذب على الله. قال هرقل : فما كان -انظر إلى حكمة الرجل- ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله، فعرفت أنه نبي.
إن قدوتك هو رسول الله، ولهذا يقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] فهذه ثلاثة شروط لمن كان يريد أن يكون له أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزمه أن يكون مؤمناً بالله واليوم الآخر، وأن يذكر الله كثيراً، هذا هو الذي له في رسول الله أسوة حسنة، أما الذي لا يرجو الله، ولا يؤمن بلقائه، ولا يذكره فلن يكون محمد قدوته، فتكون له قدوات أخرى، فيكون قدوته اللاعب الفلاني، أو المغني الفلاني، أو الممثل الفلاني، أما أنت أيها المؤمن! يا من ترجو لقاء الله! يا من تؤمن بالله! يا من تذكر الله! من قدوتك؟ من الرجل الكامل الذي تتخذه قدوة يقودك إلى النجاة في الدنيا والآخرة؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما دمنا مأمورين بالاقتداء به؛ فإن الأمر يقتضي معرفة أحواله وشمائله وأخلاقه في جميع الأمور والأحوال والمناسبات؛ لأن من عرف شمائله وأخلاقه أحبه، ومن أحبه اقتدى به، وعلى ذلك سينال الأجر العظيم من الله في الدنيا والآخرة، حيث سيحشر معه، يقول أنس بن مالك في الحديث الصحيح: (جاء رجل أعرابي فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى من كلامه، ثم قال له: أين السائل؟ قال: هأنذا يا رسول الله -فربطه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل- قال: ما أعددت لها؟ -القضية ليست قضية أسئلة- قال: لا شيء غير أني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت) يقول أنس : فما فرحنا يومئذٍ بأعظم من هذا، فإنا والله نحب الله ورسوله.
ونحن أيها الإخوة! نحب الله ورسوله، نسأل الله أن يوفقنا لأن نترجم هذه المحبة إلى عمل؛ لأن المحبة إما صادقة، وإما كاذبة، فالمحبة الصادقة هي التي يتبعها فعل، والكاذبة هي التي لا تتجاوز اللسان، يقول:
تعصي الإله وأنت تزعم حبـه هذا لعمري في القياس بديع |
لو كان حبك صادقاً لأطعتـه إن المحب لمن يحب يطيع |
فإذا أحببت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنك تنساق إلى طاعته واتباعه من غير مشقة؛ لأنك تحبه، وهذا واقع في حياة الناس الآن، فإذا قلت لزوجتك: إني أحبك، وقالت لك في الصباح: اقض لنا الحاجة الفلانية. فسترد عليها قائلاً: أرجوكِ! إن المحبة في القلب، وليست في قضاء الحوائج. فماذا ستقول المرأة؟ هل تصدقك في أنك تحبها؟ أتحبها ولا تقضي لها حوائجها؟ أتحبها ولا تهدي إليها هدية؟ أتحبها ولا تكسوها؟ لأنه من المعلوم أن الذي يحبك يعطيك، ويطيعك، ويحفظك، ولا يحب أن يسيء إليك. فكيف تدعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنت ضد سنته؟ ومخالف لهديه؟ فأنت في وادٍ، وشريعته في وادٍ وتقول: والله إني لأحبه، فهذه محبة الكذابين، فإذا أردت أن تكون محباً فاتبع، يقول الله عز وجل في سورة آل عمران: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] يقول ابن عباس : [امتحن الله الخلق بهذه الآية] فهي اختبار، (قل) هنا للشرط، إن كنتم تحبون الله بصدق؛ فاتبعوا رسول الله، لماذا؟ لأن الله ما أرسله إلا ليطاع، يقول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] فكيف يرسل الله لك رسولاً ولا تطيعه؟
لو أرسل لك مدير قسم الشرطة باستدعائك إلى القسم، فماذا تفعل؟ بالطبع ستقطع أعمالك وتذهب مباشرةً، فهل تشرع في الاستجابة احتراماً للعسكري أم للذي أرسله؟ للذي أرسله بطبيعة الحال.
لكن لو امتنعت ولم تذهب مع العسكري، فسيأتي من يأخذك قهراً مكبل اليدين؛ لأنك رفضت طاعة العسكري الذي يمثل من أرسله وهناك قد تكون قضيتك الأولى بسيطة، لكن يفتح لك تحقيقاً جديداً في موضوع التمرد والعصيان، فكيف يرسل لك رجل الدولة، والذي يحمل شعار الدولة ويعطيك الأمر وتقول: لن تأتي؟! إذاً فأنت عاصٍ، وعلى هذا قد تضاعف لك العقوبة، وتفتح لك قضية، ويمكن أن يحكم عليك بالسجن؛ لأنك عصيت رجلاً من رجال الدولة، وهذا حق، فلا ينبغي أن تعصي، لماذا؟ لأن طاعة العسكري من طاعة ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر من طاعة الله بالمعروف، وأنت مأمور بطاعة ولي الأمر وإلا فإنك تستحق العقوبة.
وكذلك حين يرسل الله إليك رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنت ترفض إجابة دعوته؛ فإن الله سيرسل إليك برسول آخر اسمه ملك الموت يأخذك قهراً، وإذا أخذك قلت: رب ارجعونِ لعلي أعمل صالحاً وأطيع الرسول قال لك: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:100-101].
إذن فيقتضي الاقتداء برسول الله أن ندرس شمائله، وأحواله، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم.
وفي السيرة أيضاً كثير من العظات والعبر والحكم التي يعتبر بها المسلم، ويستفيد منها المؤمن؛ لأنها التطبيق العملي الصحيح لدين الله ولشريعته عز وجل.
وفي سيرته صلى الله عليه وسلم دروس عملية لكثير من الناس وهي تتعلق بالابتلاء؛ لأن البلاء سنة كونية أرادها الله عز وجل لتمحيص الناس، حتى يتبين الصادق من المدعي الكاذب، يقول الله تعالى: ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] فابتلى الله الناس بعدة ابتلاءات ومنها: الابتلاء بالأوامر التي فرضها الله علينا، فالتوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، هل كلها تنفع رب العالمين، ومردودها يعود على الله؟ كلا. فقد قال تعالى في الحديث القدسي: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً) فالطاعات والتكاليف الشرعية فرضها الله على الناس للاختبار والابتلاء، ولتكون سبباً في دخول الجنة، وحتى يتميز الصادقون عن اللاهين.
كذلك المحرمات التي حرمها الله، فقد حرم الله الزنا، والربا، والخمور، والكذب، فكل هذه من المحرمات، لماذا؟ لتصلح الحياة وليتميز الناس، ليعرف الصادق من الكاذب. إذا ابتلاك الله بمرض في ولدك أو جسمك أو زوجتك، فهذا نوع من البلاء، ليعلم الله هل أنت صابر أم عبد للعافية فقط، فبعض الناس عبد للعافية، وإذا جاءه المرض أشرك بالله، يقول الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ يعني: بلاء انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11] فهو موحد حال العافية، فإذا مرض أو مرضت المرأة، أو الولد؛ ذهب للمشركين، وللكهنة، وللمشعوذين، وإذا قيل له: هذا شرك، يقول: ماذا أعمل؟ فقد ذهبنا للمستشفيات فلم نجد علاجاً، وذهبنا إلى من يقرءون القرآن فما نفعوا، فماذا أعمل؟ أأقعد مريضاً؟ لا. ومعنى كلامه: إما أن يعافيني ربي، وإما أن أشرك به، والعياذ بالله! فأين العبودية؟ إن العبودية في أن تصبر؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] فإذا جاءك المرض؛ فاسلك الطرق الشرعية للعلاج، فإما أن يكون العلاج عضوياً في المستشفيات أو نفسياً أو معنوياً عند القراء الذين يقرءون القرآن والسنة فقط. أما أن تذهب إلى كاهن، أو ساحر، أو مشعوذ، أو كذاب، أو عراف؛ فتصدقه فيما قال فعند ذلك تكون قد كفرت، والحديث في صحيح مسلم : (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاه ولم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) بمعنى أنه لو مات في فترة الأربعين يوماً، يموت على غير الإسلام -والعياذ بالله- فهذا المرض بلاء.
كذلك الفقر: فالذي قسم الأرزاق بين العباد هو الله، يقول الله عز وجل: نَحْنُ قَسَمْنَا [الزخرف:32] (نحن) هنا، من؟ أي: الله، مرسوم رباني، و(قسمنا) بصيغة الماضي، يعني: المسألة مقسومة ومنتهية: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32] فالله جعل هذا غنياً وهذا فقيراً، فابتلى الله الغني بالمال، والفقير بالفقر، فماذا يحصل عندك إذا كان الله ابتلاك بالفقر؟ عليك أن تصبر، أما أن تتضجر وتتسخط وتقول: ما بالي أنا من دون الناس؟ الناس كلهم أغنياء إلا أنا، إذن فخذ رزقك بالقوة إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، فهذا لا يصح، وما معك إلا الفقر، والفقر مقسوم لك، رضيت أو لم ترض، لكن الرضا يعوضك في آخرتك، وإلا فقد كتب رزقك، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) فالرزق أمر مفروغ منه، وما على الناس إلا السعي فقط، يقول عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن رزق الله لا يرده كراهية كاره، ولا يجلبه حرص حريص) فإذا ابتلاك الله بالفقر فارض بما قسمه الله لك مع أخذك بالأسباب، ولا تستسلم، وتقول: أنا فقير وسأنام، لا. بل اعمل واطلب الرزق من الله عز وجل، واسترزق الله، ولكن بعد ذلك ارض بما قسم الله.
وأفضل وسيلة لطلب الرزق أيها الإخوة! هي التقوى والاستغفار، يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق فرجاً، ومن كل همٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) فعليك إذا ما أتاك رزق في ذلك اليوم أن تقول: أستغفر الله! أستغفر الله! أستغفر الله! استغفر طوال يومك، وإذا ما أتيت إلى السوق تريد أن تعمل والعمال كثر، والطلب قليل، فاقعد واستغفر الله، فما تبرح حتى يرسل الله إليك من يكون سبباً في رزقك ذلك اليوم، لماذا؟ لأنك استغفرت ربك، فهنيئاً لك الرزق، وقد تستغفر ولا يأتيك رزق؛ لأن بعض الناس يدعو ويستغفر ويريد أن يختبر الله، فإن رزقه وإلا أمسك عن الدعاء والاستغفار، فأنت بهذا ما استغفرت من أجل الله، بل استغفرت من أجل المال، والله علم أن نيتك ليست خالصة له فما آتاك الرزق، لكن لو أنك استغفرت وعلم الله صدقك لرزقك؛ لأن الله يعلم ما في قلبك، ويعلم الموحد من المشرك، والصادق من الكاذب، والمخلص من المرائي، فهو يعلم السر وأخفى، أي: يعلم السر الذي في نفسك ولا يعرفه إلا أنت، ويعلم ما هو أخفى من السر والذي ستعرفه فيما بعد، فالله يعلمه وأنت ما علمت به بعد، فلا إله إلا الله! فيكون البلاء بالمرض، وبالفقر، وبالغنى، وبالزوجة والأولاد: لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165] فهذا كله بلاء.
فعلى المسلم إذا درس السيرة أن يأخذ العبرة، ويتأسى، ويعرف أنه لا بد له من البلاء، ولا بد للبلاء من صبر.
ولا يشترط في الكرامة أن يكون صاحبها تظهر عليه أمارات الصلاح، فقد تظهر الكرامة على يد رجل غير صالح، ولهذا أصلح الناس بعد رسول الله هم الصحابة وليس لهم كثير من الكرامات، لماذا؟ لأن عندهم من الحقائق -كما يقول ابن تيمية - ما أغنتهم عن الكرامات، وظهرت كثير من الكرامات على أيدي بعض المتصوفة ، وأكثرها من مكر الشيطان وتلبيس إبليس، وليست كرامات في أكثرها، وبعضها كرامة؛ لأن الكرامة في معتقد أهل السنة والجماعة شيء مسلم به ولكن في حدود ووفق ضوابط، أما عند المتصوفة فالأمر واسع، وقد ذكر هذا الشعراني صاحب الطبقات الكبرى للصوفية، يذكر عن شخص من أئمتهم أنه كان يأتي حمارة فيطؤها وهو ولي من أولياء الصوفية ، فلما قيل له في ذلك، قال: إنها كرامة من كراماته أن الحمارة ما رفسته.
ورجل آخر من الصوفية يذكر عنه في الطبقات الكبرى أنه كان يخطب يوم الجمعة عارياً -تصوروا أن يصعد المنبر وهو عارٍ كما خلقه الله- فقيل له: ما هذا؟ قال: كرامة، قالوا: تستر، قال: إني أستغنى بستر الله عن ستر الناس، فضح نفسه واستغنى بستر الله، أهذه كرامة؟ هذه فضيحة -والعياذ بالله- إلى غير ذلك من الخزعبلات التي لا يقبلها العقل، ويستحي الإنسان أن يحدث بها، ويسمونها كرامات، وليست بكرامات وإنما هي خزعبلات وأكاذيب وخرافات.
أولاً: الإيمان بالله.
ثانياً: الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن ثبوت المعجزة يدل على أنها واقعة من الذي أرسل الرسول، فتقتضي المعجزة الإيمان بمن أوجدها وهو الله تعالى، وتقتضي صدق من جاء بها وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا أرسل الله الرسل بالبينات، يعني: الشواهد والدلالات، يقول الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ [الحديد:25].
وأيد الله كل نبي بالبينات بما يناسب حال الناس في وقته، ففي عهد موسى كان السحر على أشده، فأيده الله بالعصا تلقف ما يأفك السحرة، وفي عهد عيسى كان الطب متقدماً، ولكنهم عجزوا عن علاج البرص والعمى والكمه - والكمه: هو أن يولد الإنسان أعمى- وهذه الأمراض عجز الطب الحديث عن علاجها، فالله عز وجل أعطاه آية وهي أن يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى، كما أنه يحيي الموتى، حتى لا يقول أحد: إنه قادر على فعل ذلك، لذا جاءت المعجزة مقرونة بالتحدي.
وأما صالح عليه السلام فأرسله الله إلى ثمود وكانوا أهل إبل، وسكنوا مدائن صالح، فكانت آيته ناقة طلبوها هم، وقالوا: نريد أن تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، يعني: في الشهر العاشر؛ لأن الناقة تحمل من عشرة إلى أحد عشر شهراً، فاختاروها فانفلقت الصخرة وخرجت لهم الناقة، وقال لهم: هذه ناقة الله، لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم؛ فالماء لها يوم ولكم يوم، ولا تمسوها بسوء... فعقروها فسلط الله عليهم بأن صاح فيهم جبريل صيحة قطعت قلوبهم في أجوافهم وأصبحوا جاثمين والعياذ بالله!
أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد أيده الله عز وجل بمعجزاتٍ كثيرة، ألفت فيها مؤلفات منها كتاب: دلائل النبوة للبيهقي ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ، كتاب البداية والنهاية لـابن كثير وتحدث عنها كثيراً في الجزء الثاني، وعدها بعض أهل العلم أكثر من ألف معجزة، أي: ألف دليل على أنه رسول من عند الله، ويعدّ أعظمها وأعلاها وأشدها القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت:51] أي: أما كفاهم دليلاً على أنك رسول وجود هذا القرآن معك؟ فهو معجزة باقية؛ لأن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم باقية.
فلو أتيت أحد اليهود قائلاً له: من نبيك؟ يقول: موسى؛ تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: العصا! إذن أين العصا؟ العصا ذهبت وكانت خبراً وانتهى. تأتي إلى النصراني وتقول: من نبيك؟ يقول: عيسى. تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: يحيي الموتى. تقول: ولكن متى كان ذلك؟ يقول: في تلك الأيام الماضية. لكن تأتي إلى المسلم فتقول له: من نبيك؟ يقول: محمد صلى الله عليه وسلم. تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: القرآن خذ، لماذا؟ لأنه رسول خاتم، ورسالته دائمة، فاقتضى الأمر أن تكون معجزته موجودة في كل وقت، دائمة خالدة باقية إلى يوم القيامة.
فأي منصف يريد الحق حين يقرأ القرآن يشهد أن لا إله إلا الله مباشرةً؛ لأنه ليس بمعقول أن يكون هذا القرآن من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الرجل الذي لم يقرأ ولم يكتب حرفاً واحداً، ولو وضعت (أ ب ت) أمام النبي صلى الله عليه وسلم وقلت: ما هذه؟ فإنه لا يعرف ألفاً ولا باءً، ولكنه معلم الإنسانية، ومعلم البشرية كلها، يقول الله عز وجل فيه: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ [العنكبوت:48] يعني لا تقرأ: وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت:48] يعني: لا تكتب، لماذا؟ قال: إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] لو أنك كاتب وقارئ لحصل عندهم ريب وشك وقالوا: هذا كاتب، وهذا من بنات أفكاره، ومن تأليفه، قال الله تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت:49] هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أميته دليل إعجاز، ودليل على نبوته وشاهد على أنه رسول من عند الله عز وجل.
وللرسول صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة، سنعرفها إن شاء الله من خلال السيرة.
وما هي وسائل الحفر؟ الأيدي، لا (دركترات) ولا حفارات ولا أي شيء، إنما بأيديهم وكانوا قلة، وجائعين وضعفاء، وما عندهم شيء، وظروفهم لا يعلمها إلا الله! وكلما وصلوا إلى حجر كبير يريدون إزالته لا يستطيعون، فيقولون للرسول صلى الله عليه وسلم فيأتي فيقول: باسم الله فيضربه فيكسره، وهذه من معجراته صلى الله عليه وسلم. وكانوا على حالهم في الحفر حتى جاء الظهر، ولاحظ جابر رضي الله عنه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمارات الجوع، فذهب إلى البيت وسأل زوجته فقال: هل عندكِ طعام؟ قالت: عندي مد من طعام وعندنا شاة صغيرة، فطلب منها أن تعجن عجينها وذبح هو الشاة، وقال: اطبخيها وسآتي بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعض النفر، يعني: واحد أو اثنان.
قال جابر : فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فساررته في أذنه وقلت: يا رسول الله! إن عندنا مداً من طعام، وعندنا شاة صغيرة ذبحناها وطبخناها، وأريدك أن تأتي أنت ونفر من أصحابك، قال: لا بأس، ثم أمر المنادي في أهل الخندق وكانوا ألفاً وخمسمائة رجل، قال: الغداء عند جابر . لا إله إلا الله! كيف يغدي ألفاً وخمسمائة، هذا المجلس كم فيه -ربما خمسمائة- من يعشيكم؟ لا إله إلا الله!! لكن هؤلاء الصحابة منذ زمن ما ذاقوا اللحم، وما ذاقوا العيش، جائعين، لو قدم لأحدهم ذبيحة لأكلها كلها، وهذه شاة صغيرة من تكفي؟ يقول جابر : فعدت للبيت مباشرةً وقال: جاء رسول الله وأهل الخندق، ولكن انظروا إلى الزوجة المثالية المؤمنة الدينة العظيمة، قالت: هل أخبرته بما عندنا من طعام؟ قال: نعم. قالت: لا عليك فهو يعلم ما يصنع، ولو أنها واحدة من نسائنا لصاحت وولولت وقالت: فضحك الله كما فضحتنا! والله لا أقعد في البيت، وتخرج.
والرسول قال لـجابر : لا تنزلوا القدر حتى آتي، ثم جاء صلى الله عليه وسلم ومعه أهل الخندق كلهم، ودخل البيت وقال لـجابر : أدخلهم عشرة عشرة؛ لأن البيت لا يتسع لأكثر من عشرة، وجلس صلى الله عليه وسلم وقدم القدر وقرب الخبز، فكان يلت الخبز في اللحم ويعطي عشرة فإذا اكتفوا خرجوا ودخل غيرهم، يعني مائة وخمسين مرة، حتى انتهوا كلهم، قال جابر : والله لقد انتهوا وقدرنا ما نقص منها شيء.
وهذا في صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وليس من الإسرائيليات ولا حديثاً ضعيفاً، فهذه المعجزة تأتي على يد من أيها الإخوة؟! والذي شهدها ألف وخمسمائة. ليس واحداً ولا اثنين، فشهود الحادثة بالتواتر كما يقول ابن حجر : تكثير الطعام متواتر، فهو دليل على أنه رسول من عند الله تعالى.
وأما بعض الصوفية وأئمتهم فيكذبون على الناس، ومنهم شخص يخبرني عنه أحد العلماء، كان يرسل في الصباح إلى الصحراء بعض تلاميذه ويقول لهم: دسوا في الرمل برتقالاً وتفاحاً وماءً.. ثم يأتي في العصر ويأخذ المريدين والتلاميذ ويخرجهم إلى المكان المحدد وقد بينه بعلامة ويقول: ماذا تريدون؟ قالوا: ماذا تريد أنت؟ قال: أتريدون تفاحاً؟ قالوا: نعم، قال: احفر هنا يا ولد، فيحفر فيخرج التفاح، قالوا: الله! هذه كرامة من كرامات الولي، وكان أحد تلاميذه ذكياً فراقبهم ذات يوم وحين ذهبوا كعادتهم، ذهب وأخذ البرتقال والتفاح، وجاء الشيخ بعد العصر، وقال: هل تريدون تفاحاً؟ قالوا: نعم يا شيخ، قال: احفروا هنا، وإذا به لا يوجد شيء، قالوا: ماذا هناك يا شيخ؟ قال: فيكم رجل عاصٍ.
قال هذا الولد: والله إنك أكبر عاصٍ، ودجال تضحك علينا وأنت تدسها كل يوم، وقام يتكلم مبيناً لبقية التلاميذ أنه كان يرسل بعض طلابه في الصباح ليدفنوها في الرمل؛ حتى يكذب عليهم.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعجزته صدق.
ومن معجزاته وهي في الصحيحين أيضاً: معجزة نبع الماء من بين أصابعه، والحادثة أيضاً مشهورة ذكرها البخاري ومسلم وعلق عليها ابن حجر وذكرها الأئمة وقالوا: إنها كالمتواتر، وقد حصلت مرات، لكن أشهرها في غزوة الحديبية (عندما منعوا من دخول مكة ونفد الماء، وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما بقي ماء إلا في ركوة صغيرة -الركوة إناء من الجلد- فقال: هاتوها، فجاء وغمس يده فيها فنبع الماء من بين أصابعه وجاء الناس يستقون، فاستقوا وشربوا وملئوا القرب كلها، قال: كم كنتم؟ قالوا: كنا ألفاً وخمسمائة، ولو كانوا مائة ألف لكفاهم) هذه من معجراته صلى الله عليه وسلم.
ثم سرى من ليلته حتى وصل إلى المدينة ، ولا يعلم بخبره أحد في الأرض إلا صفوان ؛ لأنها مؤامرة يريدون تطبيقها واغتيال النبي صلى الله عليه وسلم فما أخبروا أحداً، ودخل المدينة بعد العصر وربط ناقته بجوار المسجد ثم دخل، فلما رآه عمر وكان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر ينظر بنور الله، والحديث في الصحيحين يقول: (إن يكن في أمتي محدثون فإن منهم
فجاء به وهو يمسك بتلابيبه حتى أوقفه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (هذا
فرجع مسلماً، وكان صفوان جالساً في مكة ، ويقول لمن عنده: يوشك أن يأتيكم خبر يسركم، ويوم جاء الخبر وإذا بـعمير جاء بنفسه، ما هو الخبر؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: بئس ما فعلت، قال: هذا رسول الله، وأصبح عمير من حواري الإسلام بعد أن كان شيطان الجاهلية، ونصر الله دينه في كل موقف كان قد خذله فيه هو وابنه رضي الله عنهما.
فهذه طرف من معجزاته صلى الله عليه وسلم وإلا فالمعجزات كثيرة وسوف نتحدث عنها في السيرة بشكل أكبر بإذن الله عز وجل.
فهذه -أيها الإخوة- أهداف دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن لا ندرس السيرة للحكايات، فليست قصصاً نضيع بها الأوقات، ونقطع بها الزمن، بل هي عبر، وآيات، وحكم، ومواعظ، وأحداث، نتعلمها من خير البشر، وأكرم الخلق، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم.
وسوف نواصل هذه الدروس إن شاء الله في كل شهرٍ مرة، وسنبدأ إن شاء الله في بدء الوحي وما يعقب ذلك من الأحداث.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم وفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وطلبة العلم فينا وشبابنا وفتياتنا وجميع المسلمين إلى خدمة هذا الدين، والدعوة إلى هذا الدين إنك ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: لا يجوز لك أن تأخذ من المال دون أن تخبره؛ لأنه شريك، والشريك له حقٌ في ماله، فعليك أن تطالبه بإجراء حساب حتى تعرف ما لك وما عليك، أو تخبره أنك ستأخذ من المال وتسجله بحيث تقول: أنا آخذ كل شهر ألفاً أو ألفين أو ثلاثة أحتاجها في مصاريف، وفي نهاية المدة عند الموعد الذي حددتموه لإجراء الحساب -أو معرفة الأرباح- تبين أن عندك عشرون ألفاً أو ثلاثون فيحسبها مما أخذته، أما أن تأخذ وهو لا يدري فهذه خيانة، وإذا أخذ هو دون أن تدري فهذه خيانة، وإذا دخلت الخيانة في الشركة فسدت وخسرت وغضب الله على الخائنين، قال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف:52].
الجواب: لا أظن حصول اللبس؛ لأني ما أشرت إلى هذا، المعروف أيها الإخوة! أن من أركان الإيمان: الإيمان بالرسل من أولهم إلى آخرهم، فالذي يكفر برسول واحد؛ يكفر بكل الأنبياء والرسل، فنحن نؤمن ونعتقد في قرارة أنفسنا، وجزء من مقتضيات ديننا أن الله أرسل رسلاً إلى الناس، ذكر الله بعضهم وسماهم، وبعضهم لم يذكرهم ولم يخبرنا عنهم ولكننا نؤمن بهم على العموم، ونؤمن على التفصيل بمن أخبر الله عز وجل ومنهم عيسى، وموسى، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط... كل هؤلاء الأنبياء نؤمن بهم لكن لا نتبع شريعتهم؛ لأن شريعتهم نسخت بشريعة الإسلام، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى عمر بن الخطاب وفي يده نسخة من التوراة غضب وقال: (أفي شك أنت يا
الجواب: أولو العزم خمسة وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وسموا بأولي العزم؛ لأنهم كلفوا بشرائع ضخمة، ومن أعظمها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن لهم عزيمة كبيرة في القيام بهذا الأمر.
الجواب: صحيح أن أبا بكر مات وعمره (63) سنة، وعمر مات وعمره (63) سنة، ورسول الله مات وعمره (63) سنة، ورسول الله أكبر من أبي بكر ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات قبل أبي بكر بسنتين، وأبو بكر ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وقليل، فليس هناك خلاف. فهل قصدك أنهما ولدا في يوم واحد ومات الرسول قبله؟ لا. فالرسول ولد قبل أبي بكر بسنتين، ومات قبله بسنتين، فيكون سنهما (63) سنة عند الموت.
الجواب: سبحان الله العظيم!! الرسول صلى الله عليه وسلم هو المطبِق الأول، والتطبيق العملي في حياته هو القرآن والسنة، أما منهج السلف هذا هو السؤال الذي تقوله، فلا تقل: منهج الرسول، فمنهج الرسول هو الإسلام، هو الدين، لكن ما هو منهج السلف في دراسة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: كيف استدلوا على مسائل العقيدة؟ وكيف استدلوا على مسائل العبادة؟ هذا سؤال يحتاج إلى محاضرة مستقلة، أي أن السلف رحمهم الله تميزوا أنهم أهل السنة والجماعة ؛ لأن لهم طريقة في الأخذ من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم اختلفت عن طريق أهل الأهواء والبدع، فهؤلاء ضلوا؛ لأنهم ما اتبعوا طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أما أهل السنة والجماعة فتمسكوا بالكتاب والسنة، فالكتاب هو القرآن، والسنة هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فسموا أهل السنة والجماعة لأنهم اجتمعوا عليها، أما أهل الأهواء والبدع فقد أخذوا مناهج أخرى، واتبعوا طرقاً وأساليب فسموا أهل الأهواء، وهم أربع فرق: الخوارج والروافض والمرجئة والقدرية، وجميع الفرق الاثنتين والسبعين فرقة تتفرع من هذه الأربع، يقول ابن المبارك : [جميع أصول الأهواء والفرق أربع، فمن برئ منها كلها برئ من الأهواء كلها].
الجواب: لا. فصفات الله غير صفات البشر؛ لأن ذات الله عز وجل غير ذات البشر، فالبشر بشر والرب رب، وصفات الله عز وجل صفات تليق بجلاله، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بشر، ولكن كمالاته البشرية أعظم ما يمكن أن يمنح للبشر، ولكنه ليس رباً حتى يمكن أن تكون صفاته مثل صفات الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!
الجواب: هذا مما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيحين أنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: (قد علمتنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) فعلمنا الرسول هكذا فلا يسعنا إلا اتباع تعليماته صلوات الله وسلامه عليه.
الجواب: اسأل الحفظة، أو ارجع إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، شخص من حفظة القرآن يقول: أربع مرات، وأنا أعرف أن الأولى هي قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] والثانية قوله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] والثالثة قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144] والرابعة قوله تعالى: وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [محمد:2] الله أكبر! هذا هو الفخر -يا إخواني- الفخر بكتاب الله وحفظه، لكن لو أننا في مسرح آخر وقلنا: لمن هذه الأغنية؟ لكنت ترى الأصابع كلها ترتفع ويقول أصحابها: أغنية فلان، ولحنها فلان، وقال كلماتها فلان، فلا إله إلا الله!
الجواب: مشتقات من مشتقات اللغة، فلان في مصيبة أو محنة أو فتنة، أو بلية وكلها شيء واحد نسأل الله العافية!
الجواب: قلنا: الكرامة أمر خارقٌ للعادة غير مقرون بالتحدي، ليس فيه تحدٍ يجريه الله على يد بعض عباده، وقد جرت لـعمر رضي الله عنه كرامة وكان يخطب في المسجد، فقطع الخطبة وقال: [يا
الجواب: من أحسن ما كتب في السيرة كتاب الشيخ أبي بكر الجزائري هذا الحبيب يا محب ، وكتابه: أيسر التفاسير في فهم كتاب الله عز وجل، من أعظم ما ألف؛ لأنه ألفه بطريقة بديعة وسهلة، والشيخ حفظه الله وبارك في حياته ومتعه بها، ذو قلم سيال، وأسلوب جذاب، إذا بدأت بالقراءة له فإنك لا تتوقف. فهذا كتاب عظيم وننصح الإخوة بقراءته، وإنما أنا اخترت كتاب السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ؛ لأنه موثق، وليس فيه حدث إلا وجاء به موثقاً من مصادره الأصيلة، على منهج أهل الحديث، فوقع اختياري عليه حتى تكون ثقافتنا في السيرة ثقافة موثقة، أي لا نريد كلاماً فيه شيء غير موثق.
الجواب: أنا ما قلت: إني سأحدثكم عن كل المعجزات؛ لأن المعجزات بلغت الألف وأنا أعطيتكم ثلاثاً أو أربعاً، أما هذه فهي معجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي: أنه لما أسري به إلى بيت المقدس ورجع في ليلته كذبه المشركون، وأرادوا أن يزعزعوا إيمان المؤمنين، وقالوا: إنا كنا نصدقكم، لكن الآن تقولون: ذهب إلى بيت المقدس ورجع في ليلة ونحن نقطعها في شهرين ذهاباً وإياباً، وليته قال: بيت المقدس وسكت، بل يقول: صعد إلى السماء. فجاءوا إلى أبي بكر الصديق وقالوا: استمع إلى ما يقول صاحبك، فلما أخبروه قال: [إن كان قال ما قال فقد صدق] فسمي الصديق رضي الله عنه.
ومن ضمن أسئلتهم لرسول الله أنهم قالوا: صف لنا بيت المقدس ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت المقدس في الليل وصلى بالأنبياء وخرج، والذي يدخل المسجد قاصداً أمراً معيناً لا يقعد يتفكر في هذا المسجد. أنتم الآن حين دخلتم هذا المسجد، كم عدد عمدان المسجد هذا؟ لا تعلمون. وربما أنكم حضرتم عشرين مرة؛ لأنكم ما جئتم لتعدوا ولستم مهندسين. كم عدد النوافذ و(الثريات)؟ لا تعلمون. فهم أرادوا وصفه والرسول صلى الله عليه وسلم دخل لأداء رسالة وهي الصلاة بالأنبياء وخرج. فلما أرادوا أن يمتحنوه كشف الله له بيت المقدس ، وهو في مكة وبيت المقدس في القدس ، فجعل يصفه عموداً عموداً ونافذة نافذة وباباً باباً كأنما يراه، ولكن هل آمنوا؟ قال الله عز وجل: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأعراف:146] هم لا ينقصهم الدليل، الدليل موجود لكنه العناد والرفض.
الجواب: لا يجوز لها، ويحرم عليها ذلك، فالضمان الاجتماعي مبلغ مخصص من بيت المال للمنقطعين والفقراء، للذين لا دخل لهم، ولا أراضي، فإذا جاء شخص عنده أموال أو أراضي أو راتب، فكذب وقدم معلومات خاطئة وأخذ هذا المال فقد أخذه حراماً وحال بين المستحق وبينه. فحين يأتي مستحق، يقال له: المخصصات انتهت، لماذا؟ لأن المخصص أخذه شخص غير مستحق، وبالتالي لا يجوز ذلك. فإذا رفضت أمك إلا أن تقدم، فاذهب إلى الضمان وقل: إن أمي عندها رصيد وعندها أراضي فلا تعطوها شيئاً، ولكن دون أن يخبروها؛ لأنها ستغضب منك.
الجواب: نعم ترث. فإذا عقد وجب لها الإرث، فترث نصيبها من الإرث بحسب دورها في الورثة، فإن كان عنده أولاد فلها الثمن وإن كان ليس عنده أولاد فلها ربع المال ولو لم يدخل بها، ويجب أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام.
الجواب: الحل عندك، وهو أن تنقذ يدك من هذه الفضيحة التي تمارسها معها، وأن تستحي من ربك، وأن تعلم أن الله مطلع عليك وأنت تمارس هذه العادة، فإنها عادة سيئة، وليست عادة سرية، بل عادة خبيثة شيطانية اسمها نكاح اليد، وقد جاء في بعض الآثار أن: [ناكح يده ملعون] لأن يده تحمل منه يوم القيامة، فيأتي يوم القيامة ويده حبلى بكل الحيوانات المنوية التي خرجت منه ليده، فهذه فضيحة يا أخي! وعليك أن تتقي الله فقد أمرك بالعفة إذ قال: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) فما قال عليك بيدك، فاليد ليست حلاً، بل اليد تزيد المشكلة؛ لأنها لا تقضي على شهوة الجنس، فهي تستفرغ هذا المني، لكن يحصل عندك جراء ذلك شبق جنسي، مثل الشارب من البحر؛ فإذا عطش المرء وشرب من البحر هل يزول عطشه أم يزيد؟ بل يزيد عطشه، كذلك الذي يستمني عن طريق يده، فهذا لا يحل مشكلته وإنما يزيدها، حتى يستنفذ كل ما عنده من حيوانات منوية، وإذا كبر وتزوج لا ينجب، ويحصل له أمراض، وتسوء نفسه، ويسقط من عين الله. فاتق الله، وعليك أن تجعل بينك وبين هذه العادة جداراً بالخوف من الله تعالى!
وأيضاً ابذل جهداً بدنياً، ومارس حركة رياضية، واعمل أي شيء حتى تستفرغ الطاقة في هذا الجهد، وقلل من الطعام، فلا تأكل كثيراً، فإذا تزوجت فكل ما تشتهي، لكن أن تأكل وليس معك زوجة، فأين تسير؟ فهذه الأطعمة هي التي تفجر مكامن الشهوة، وأكثر من قراءة القرآن، ودراسة السنة، والصلاة والدعاء، ولا تأت الفراش إلا وأنت تعبان، لكن إذا أتيت الفراش وما قد جاءك النوم يأتيك التفكير والشيطان يزين لك، فإذا لم تستطع النوم فقم وصل ركعتين، وكلما أتاك إبليس رده بركعتين فلن يأتيك أبداً.
الجواب: إذن فماذا تعمل؟ يقول: أدرك ركعة مع الإمام وتشهد مع الإمام وبقي عليه ركعة، ولما انصرف الإمام قام يقضي الركعة الثانية، يقول: هل آتي بتشهد؟ إذن فكيف تأتي بركعة، وكيف تنصرف من الصلاة؟! لابد أن تتشهد وتسلم وهذا شيء من البديهيات، ومعروف عند كل الناس.
الجواب: هذه الأسماء لا اعتبار لها، وإنما الاعتبار بالشروط الشرعية والتي إذا توفرت في الزواج فهو شرعي.
- أولاً: أركان النكاح أربعة:
- أولاً: الزوجين الخاليين من الموانع: زوج خالٍ من الموانع يعني: ما عنده أربع نساء، يأتي يتزوج نقول له: حرام ما يجوز. وزوجه خالية من الموانع، أي: ليست متزوجة. وزوجين ليس بينهما صلة؛ فليست أخته أو أمه أو خالته أو عمته، وهذا أول شيء.
- ثانياً: الولي، إذ لا نكاح إلا بولي، والذي يكون بغير ولي هو الزنا، فما هو الفرق بين الزواج وبين الزنا من حيث العملية الجنسية؟ لا شيء، ولكن الزواج يكون بولي، والزنا يكون بغيبة الولي، والمرأة تزوج نفسها. فهذا هو الفرق، فلا نكاح إلا بولي.
- ثالثاً: الشاهدان، فلابد من الشهود، فإذا حصل نكاح من غير شهود بطل ركن من أركان النكاح.
- رابعاً: الصيغة، وهي الإيجاب والقبول، فالإيجاب من الولي والقبول من المتزوج، يقول الولي: زوجتك ابنتي فلانة بنت فلان، وذاك يقول: قبلت النكاح من ابنتك فلانة بنت فلان، وتم النكاح وصار شرعياً.
ثانياً: يبقى بعد ذلك السنن، وهي: أن يعلن النكاح ويولم له، فإذا وجدت هذه الأربع فهو زواج شرعي.
ثالثاً: يبقى أمر آخر وهو: إذا كانت الزوجة ليست من بلدك أي: ليست من جنسيتك التي تنتمي إليها، فيلزمك أن تستأذن، وهذا الإذن مأمور به في الشرع، لماذا؟ لأن مصادر التشريع عندنا أربعة: الكتاب والسنة، والإجماع والقياس، والاستصحاب والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا شرع لنا على خلاف بين أهل العلم. والمصالح المرسلة هي التي أرسل الشرع أمرها وجعلها في يد ولي الأمر بحيث يسمح بها أو لا يسمح بها، فإذا حددها أصبحت شرعاً، مثل إشارة المرور، فليس في دين الله إذا رأى إشارة حمراء يقف، لكن ولي الأمر رأى أن من تنظيم ومصلحة المسلمين أنه توزع فرص السير على الناس، بحيث إن الذي يأتي من هنا يمشي دقيقة، والذي يأتي من هناك يمشي، ويقف هذا دقيقة، يعني نوع من العدل. فلولا ذلك لحصلت الكثير من الحوادث والخصومات، فجاء ولي الأمر وحدد ذلك، فصارت فرص السير منظمة ودقيقة، فإذا قطعت الإشارة فمعناه أنك خالفت الأمر، ووقعت في معصية، فليست مخالفة مرورية، بل. مخالفة شرعية؛ لأنه يترتب على قطع الإشارة إزهاق روح، وإفساد مال.
كذلك إذا سن ولي الأمر نظاماً وقال: إذا أردت أن تتزوج بامرأة غير سعودية فاطلب إذناً، لماذا؟ للمصلحة، ما هي المصلحة؟ المصلحة واضحة إذ أنه قبل هذا المنع أصبح السعوديون يقبلون على الزواج، فما رأيكم من سيتزوج بالبنات السعوديات؟ وماذا يحصل من الفساد الذي لا يعلمه إلا الله، فإذا أعرض الشباب عن الزواج من بنات البلد، وبقي البنات بدون زواج؛ فسيفتح باب الحرام. لذلك جاء ولي الأمر وقال: أهل البلد يتزوجون من البلد نفسه، فهذه مصلحة، فإن قال أحد: هذا حرام، وهذا تحريم لما أحل الله. نقول: هذا من فقهك الأعوج، فأنت لا تنظر إلا بعين عوراء، فالعين الواضحة تنظر لمصلحة الأمة، ومصلحة الأمة في أن نقصر شبابنا على الزواج من بناتنا، وهناك حالات استثنائية تسمح بها السلطات، فحين تتقدم وتقول: أنا رجل ما وجدت لي زوجة، وما عندي مال، وأنا رجل كبير في السن، فلم أجد من تقبل بي، فهناك إذا اقتنعوا بظروفك فإنهم يعطونك الإذن بالزواج من الخارج، فهذا مطلوب أيضاً.
بقية الأسئلة -أيها الإخوة- جديرة بالإجابة لكن الوقت ضيق والشيخ خالد يخبرني أن في هذا المسجد درس بعد العشاء من كل يوم إثنين لفضيلة الشيخ سعيد الدعجاني حفظه الله وبارك فيه، فأنا أحيل هذه الأسئلة إليه، وأطلب من أصحابها ومنكم جميعاً أن تحضروا عند فضيلته، وهي ساعة بعد العشاء تسمعون فيها ذكر الله عز وجل، وتلين قلوبكم، وتتفقهون في أمور دينكم.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه والله أعلم.
إليكم هذه الأرقام:
- لقد خلفت الحرب الطاحنة التي دارت رحاها في جمهورية البوسنة والهرسك الكثير من المآسي:
-مائة شخص يموتون يومياً بسبب الجوع؛ اسمعوا! نحن الآن نموت بسبب التخمة، فكل واحد يأكل فوق طاقته، وما زاد يرميه في القمامة وإخواننا يموتون من الجوع.
- مليوني لاجئ داخل البوسنة وخارجها.
- أربعة عشر ألفاً وثلاثمائة وخمسة وسبعين شخصاً في المستشفيات بسبب الإصابات.
- مائتين وخمسة وسبعين ألف قتيل.
- خمسين ألف طفل وشاب معوق.
- ألف مسجد دمرت.
- خمسة وثلاثين ألف طفل يتيم خطفوا، وقد بيعوا في الدول الأخرى.
- 90% من أطفال البوسنة يعيشون تحت الأرض في خنادق حتى الآن. حين خرجوا بعد الحرب مات بعضهم، فقد خرجوا مثل الجراد الأصفر، وما عادوا يعرفون الحياة.
- 50% من الأطفال شاهدوا مقتل أقاربهم، وآبائهم، وأمهاتهم أمام أعينهم، مآسٍ لا يعملها إلا الله.
هذه اللجنة العليا لجمع التبرعات قامت بدعم من الحكومة -أيدها الله- والمحسنين في هذا البلد وقامت بدور عظيم في دعم هؤلاء، وتخفيف آلامهم، ومواساتهم بما تقدمه لهم من مساعدات إنسانية، نرجو من إخواننا أن يتبرعوا، والصناديق موجودة على الأبواب لهذه اللجنة، قال تعالى: وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ [البقرة:272] وقال تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215] والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر