إسلام ويب

مهمات في أحكام المواريث - ميراث الزوجللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الميراث له أركان وأسباب وموانع، فلا يتحقق الميراث حتى تتحقق أسبابه وتنتفي موانعه، وإذا توفرت الأسباب ووجدت الموانع قدمت الموانع على الأسباب.

    1.   

    أركان الإرث

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    فإن الإرث له أركان وشروط وأسباب وأقسام.

    وأركان الإرث ثلاثة: الركن الأول المورث.

    والركن الثاني: الوارث.

    والركن الثالث: الموروث.

    شرط المورث

    فالركن الأول: المورث هو صاحب التركة، ولا بد أن تتوفر فيه شروط حتى نأخذ ماله، الشرط الأول: الموت حقيقة، أو حكماً.

    فمثلاً: رجل عنده خمسة أولاد وعنده تركة، فكل واحد منهم يريد من هذا المال فينتظر موت الوالد ليأخذ المال، فلا يستطيع أن يأخذ المال حتى يموت هذا الوارث حقيقة أو حكماً، كأن يكون مفقوداً، كأن يذهب مثلاً في سرية ليقاتل، فيرجع القوم ولا يرجع هو، ولا يعلم أحد من السرية أمات هو أم لا يزال حياً.

    والدليل على اشتراط موت المورث حقيقة أو حكماً، قول الله تعالى: إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176]، يعني: مات، فإذاً المال لا ينقل من المورث إلى الوارث إلا إذا مات المورث حقيقة أو حكماً.

    شروط الوارث

    أما الركن الثاني وهو الوارث، فيشترط فيه شرط واحد ليتملك الإرث، وهو: الحياة بعد ممات المورث ولو لحظة واحدة، وهذا شرط مهم جداً.

    فإذاً: الوارث لا يستحق المال أبداً إلا أن تكون له حياة مستقرة ولو لحظة واحدة بعد موت المورث.

    فمثلاً: رجل معه ابنه وكانا في سفر، وكان الرجل من الأغنياء ومن الأعيان، وكانا في السيارة فقدر الله لها بحادث، فمات الأب وجاء الطبيب ينظر للابن فوجد فيه دقات القلب، فأخذه إلى المستشفى فمات بعده بيوم، فجاء أولاد الميت الولد يسألون هل لأبيهم ميراث أم لا؟ فنقول: نعم.

    ولكن لو مات الابن قبل أبيه فليس له شيء من الميراث.

    لأولاد الابن ميراث، فلابد من اشتراط الحياة ولو لحظة واحدة بعد موت المورث. ولكن الأحناف يقولون بالوصية الواجبة، وهي أن أولاد الابن لهم حق في أموال جدهم الذي مات بعد موت والدهم، وهذا القول هو الذي تعمل به المحاكم، وهذا مخالف ومصادم للشرع.

    والدليل على ذلك قول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، فاللام هنا لام التمليك، ولا يتملك أحد إلا وهو في حال الحياة، ففي هذا دلالة على أنه يشترط في الوارث الحياة؛ لأنه لا يتملك إلا إذا كان حياً .

    الركن الثالث: الموروث، وهو التركة.

    1.   

    أسباب الإرث

    أسباب الإرث ثلاثة: النسب، والنكاح أو المصاهرة، والولاء.

    والنسب هو القرابة، والأقارب يرثون بالفرض والتعصيب، وما كان سببه النكاح فإنه يرث بالفرض فقط لا بالتعصيب، والولاء هو كالنسب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الولاء لحمة كلحمة النسب.

    فإذاً أسباب الإرث ثلاثة: النسب وهي القرابة، والنكاح وهي المصاهرة، والولاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق) .

    ومعنى الولاء أن الرجل يكون رقيقاً، فيعتقه سيده، فإذا مات السيد ولا وارث له، فيرثه المعتق لأن الولاء لحمة كلحمة النسب، أو مات المعتق ولا وارث له، فيرثه سيده الذي أعتقه.

    فيرث بالتعصيب، لحديث: (فلأولى رجل ذكر)، والله جل وعلا لم يقسم للمعتق نصيباً مفروضاً في كتابه، فينزل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فلأولى رجل ذكر).

    الفروض المقدرة في كتاب الله

    وأقسام الإرث: الفرض والتعصيب.

    والفروض في القرآن هي: النصف والربع والثمن والسدس والثلث والثلثان، قال الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] ، إلى آخر الآيات .

    فالنصف نصفه ربع، ونصف نصفه ثمن، ثم الثلثان ونصفهما ثلث، ونصف نصفهما سدس.

    فالفرض هو النصيب المقدر المعلوم في كتاب الله جل في علاه.

    والتعصيب نصيب غير مقدر.

    وإذا بدأنا في التوريث سنبدأ بما بدأ الله به، وقد بدأ الله بأصحاب الفروض والدليل على ذلك، قول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12]، ومن الحديث: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)، فهذا أمر يقتضي الوجوب، وسنبدأ بأهل الفرائض، ونبدأ بالمصاهرة وهي الزواج .

    1.   

    الفروض المقدرة للزوج

    أولاً: الزوج يرث بالفرض فقط، والزوج له حالتان:

    الحالة الأولى: عدم وجود الفرع الوارث للزوجة، والفرع الوارث، هو: الابن وإن نزل، سواء كان ذكراً أو أنثى، فيكون الفرع الوارث هم: الابن وابن الابن وإن نزل، والبنت وبنت الابن وإن نزلت، كبنت ابن ابن ابن.

    فإذا لم يوجد الفرع الوارث للزوجة، فيرث الزوج منها النصف، والدليل على ذلك، قول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12].

    وسواء كان الولد منه أو من غيره، لعموم قول الله تعالى: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12]، فـ (ولد) هنا نكرة، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ فتعم كل الأولاد، سواء كانوا من الزوج نفسه أو من غيره، كامرأةٍ تزوجت أربعة، وأنجبت من كل واحد منهم ولداً، وجاءت إلى الخامس فلم تنجب منه أحداً ثم ماتت، فللزوج الربع فقط لوجود الفرع الوارث للزوجة وإن لم يكن منه.

    فإن وجد الفرع الوارث للميت فللزوج الربع، فمثلاً: ماتت امرأة عن بنت ابن وزوج وأب، فالزوج يستحق الربع لوجود الفرع الوارث وهو بنت الابن.

    والحالة الثانية: وجود الفرع الوارث للميت، فللزوج الربع، لقول الله تعالى: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ [النساء:12] .

    فيكون إذاً للزوج حالتان: الحالة الأولى: وجود الفرع الوارث، فله الربع.

    الحالة الثانية: عدم وجود الفرع الوارث فنصيبه النصف.

    1.   

    مسائل في ميراث الزوج

    كم يستحق الزوج من بعد زوجته في هذه المسائل الآتية؟

    المسألة الأولى: هلكت امرأة عن زوج وأب.

    المسألة الثانية: هلكت عن زوج وابن وابن ابن وبنت ابن .

    المسألة الثالثة: هلكت عن زوج وثلاث بنات .

    المسألة الرابعة: هلكت عن خمس بنات ابن وزوج.

    المسألة الخامسة: هلكت عن ثلاث بنات بنت وزوج.

    المسألة السادسة: هلكت عن ثلاثة أولاد بنت، وأب وزوج.

    المسألة السابعة: هلكت عن أخت وبنت أخت وزوج وبنت بنت بنت.

    أما المسألة الأولى وهي: هلكت المرأة عن زوج وأب، فللزوج النصف، لعدم وجود الفرع الوارث، لقوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12].

    المسألة الثانية وهي: هلكت عن زوج وابن وابن ابن وبنت ابن، فللزوج الربع لوجود الفرع الوارث، والفرع الوارث هو الابن أو ابن الابن وإن نزل أو بنت الابن وإن نزلت، لقوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ [النساء:12]، فاللام التمليك، وهي تدل على اشتراط حياة الوارث بعد موت المورث.

    أما المسألة الثالثة: وهي: هلكت عن زوج وثلاث بنات، فللزوج الربع لوجود الفرع الوارث، والفرع الوارث هنا هو الثلاث البنات، سواء كن بناته أو بنات زوج قبله.

    أما المسألة الرابعة: هلكت عن خمس بنات ابن وزوج، فللزوج الربع، لوجود الفرع الوارث.

    أما المسألة الخامسة: هلكت عن ثلاث بنات بنت وزوج، فللزوج النصف لعدم وجود الفرع الوارث، فبنات البنت من الأرحام اللاتي لا يرثن، فلسن من الفرع الوارث، وإنما الفرع الوارث بنات الابن وبنات ابن الابن وإن نزل.

    أما المسألة السادسة: هلك الميت عن ثلاثة أولاد بنت، وأب وزوج، فللزوج النصف لعدم وجود الفرع الوارث.

    أما المسألة السابعة: هلكت عن أخت وبنت أخت وبنت بنت بنت وزوج، فللزوج النصف لعدم وجود الفرع الوارث، أما بنت بنت البنت فإنها من ذوات الأرحام اللاتي لا يرثن.

    أما لو استبدلنا بنت بنت البنت بابن ابن الابن، فإن للزوج الربع لوجود الفرع الوارث، فابن الابن يحجب الزوج من النصف إلى الربع، ويسمى هذا الحجب حجب نقصان من الفرض.

    1.   

    موانع الإرث

    الرق والقتل واختلاف الدين تمنع الميراث

    موانع الإرث ثلاثة متفق عليها بين الأئمة:

    الأول: الرق.

    الثاني: القتل.

    الثالث: اختلاف الدين.

    فلا يرث الوارث من مورثه إلا إذا تحققت شروط استحقاق الإرث وانتفت موانعه.

    المانع الأول: القتل: فالزوج يرث زوجته لتوفر الشرط وهو المصاهرة، فلو قتلها فإنه لا يرثها لعدم انتفاء مانع الإرث وهو القتل.

    الثاني: الرق: والرق سببه الكفر، لأن الكافر أذل نفسه وعبد الشيطان دون أن يعبد الرحمن، فجعل الله المسلم عليه سيداً، فهو تقييد لحريته من أجل كفره.

    والرقيق ليس لهم تمليك، ولذلك ليس لهم ميراث، فالعبد ليست له قوة ملكية، ولا يد ملكية، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من باع عبداً فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع)، فالعلماء فهموا من ذلك أن العبد لا يتملك شيئاً.

    فمثلاً: رجل كان كافراً، وفر من المعركة ثم أسلم، وكان له ولد صغير في السبي فأسلم، فمات الأب المسلم، وابنه العبد المسلم يريد الميراث، فلا يستحق ذلك؛ لأنه ليست له ملكية، فينتقل هذا المال من يده إلى يد سيده، لأن من موانع الميراث الرق، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من باع عبداً فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع) .

    الثالث: الاختلاف في الدين، فمن أسلم وأبوه على الكفر، ثم مات الأب، فإن الابن المسلم لا يرث أباه الكافر، لوجود المانع من الميراث وهو اختلاف الدين، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)، فجاء النص النبوي فمنع المسلم من أن يرث الكافر.

    أنواع الكفر وحكم كل نوع في الميراث

    والكافر له أحوال ثلاثة: كفر ظاهر، وكفر باطن، وردة.

    فالكفر الظاهر مانع من الإرث، فالكافر لا يرث المسلم بحال من الأحوال، فلو كان الابن كافراً وكان أبوه مسلماً فمات الأب المسلم، فلا يرث الابن الكافر من أبيه المسلم لأن الكافر لا يرث المسلم بالإجماع.

    أما المسلم فهل يرث الكافر؟

    فالأئمة الأربعة أنه لا يرث، ورواية عن أحمد ورجحها شيخ الإسلام ابن تيمية أن المسلم يرث الكافر من باب المصلحة، وهذا قول خاطئ، لأنه لا اجتهاد مع نص، فهذه مصادمة صريحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم)، فالاختلاف في الدين يمنع الإرث.

    أما الكفر الباطن فهو النفاق الاعتقادي، وهو قسمان: نفاق ظاهر، ونفاق باطن. فالنفاق الظاهر كما أظهره الذين تكلموا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قالوا لهم: ما رأينا مثل قرائنا أرغب بطوناً، وأجبن عند اللقاء، فلما أظهروا نفاقهم ثبت فيهم الحكم، قال الله تعالى: لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66]، فالنفاق الظاهر له حكم الكافر، فلا يرث ولا يورث.

    وإن كان نفاقاً باطناً لم يظهر، كـعبد الله بن أبي ابن سلول مثلاً فقد كان نفاقه باطناً، فحكمه حكم المسلم، يرث ويورث، وحسابه على الله جل في علاه.

    أما الردة ففيها اختلافات كثيرة، والصحيح فيها أنها مانع من الإرث، فلا يرث المسلم قريبه المرتد بحال من الأحوال، إلا إذا أسلم قبل أن يموت أو قبل أن يقتل. أي فالردة حكمها كحكم الكفر.

    أنواع القتل وحكم كل نوع في الميراث

    والقتل مانع من الإرث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود (لا يرث القاتل شيئاً)، والقتل نوعان: قتل عمد، وقتل خطأ.

    فاتفق أهل العلم على أن القاتل عمداً لا يرث، وأدلتهم في ذلك من الأثر والنظر.

    أما الأثر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث القاتل شيئاً).

    وأما النظر، فإن من مقاصد الشريعة حفظ الأرواح، فلو قلنا بأن القاتل يرث، فإن هذا القول يفتح لنا باباً للشر، فلو أراد الوارث مال مورثه فله أن يقتله ليستحق منه الإرث.

    أما قتل الخطأ، فاختلف العلماء فيه على قولين، القول الأول: أخذ جمهور أهل العلم بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث القاتل شيئاً)، فقالوا: لا يرث القاتل خطأً أو عمداً.

    والمالكية قالوا: إن قتله خطأ يرث، وإن قتله عمداً لا يرث، ولهم أدلة استدلوا بها من الأثر والنظر.

    أما من الأثر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة التي قتلت زوجها خطأ، فقال: (لها الإرث في ماله وليس لها الإرث في ديته) وقد انتصر ابن القيم لهذا الحديث.

    فجعل لها الإرث في المال، ولم يجعل لها الإرث في الدية، لأنه يجب عليها الدية.

    أما من النظر، فالقاعدة عند العلماء: أن من تعجل شيئاً قبل أوانه، عوقب بحرمانه، فننظر في حاله، هل تعجل الميراث؟

    فالجواب: أنه لم يتعجل الميراث ولم يقصد بحال من الأحوال أن يقتله ليرثه، وإنما قدر الله جل وعلا أن يكون وارثه سبباً في قتله، كمن كان بديناً فوقع على أبيه فأماته، فنقول: هذا قدر محض، فهو لم يتردد في ذهنه الميراث بحال من الأحوال .

    قالوا: فنقول: إذا كان القتل خطأ، فللقاتل أن يرث مورثه؛ لأنه لم يقصد قتله، ولم يتعجل شيئاً قبل أوانه.

    وهذا القول له حظ كبير جداً من النظر، لكن الأسلم والأحوط حتى لا يفتح الباب وتتخذ ذريعة، أن نقول: القاتل خطأ أو عمداً ليس له ميراث من باب سد الذرائع وحسم مادة القتل.

    وهذا هو الراجح الصحيح.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755994374