إسلام ويب

شرح كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب - الكلام على صفة النفس لله جل وعلاللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صفة النفس ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة، ولا يمكن إدراكها بالعقل؛ لأنها صفة خبرية، وأهل السنة والجماعة يثبتون الصفات لله تعالى بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، وإذا ذكر العبد ربه في نفسه ذكره ربه في نفسه، وإذا ذكره في ملأ ذكره في ملأ خير منه.

    1.   

    إثبات الصفات لله تعالى على طريقة أهل السنة والجماعة

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: أنا مع عبدي حينما يذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).

    حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج قال: حدثنا ابن نمير قال: حدثنا الأعمش بهذا السند مثله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: عبدي عند ظنه بي، وأنا معه إذا دعاني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وأطيب).

    عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: ابن آدم! اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، فإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة، أو قال: في ملأ خير منهم)

    قال عبد الرحمن : (ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي) ].

    إن صفات الله تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية وصفات سلبية، والصفات الثبوتية: هي الصفات التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم.

    أما الصفات المنفية أو السلبية فهي الصفات التي نفاها الله عن نفسه ونفاها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

    والصفات الثبوتية ثلاثة أنواع:

    صفات ذاتية لا تنفك عن الله، فهي أزلية أبدية.

    صفات فعلية تتعلق بالمشيئة وهي متجددة كالكلام والضحك والغضب.

    صفات خبرية وهذه الصفات المسماة عندنا أجزاء وأبعاض، ولولا السمع لما أمكن للعقل أن يدركها، والفرق بينها وبين سابقتيها من الصفات: أن الصفات الذاتية والصفات الفعلية للعقل مجال أن يدركها ويمكن أن يكون عاضداً في الاستدلال عليها، وهذا الذي ننطلق منه ونقول: طريقة إثبات صفات الله جل وعلا بطريقتين:

    الطريقة الأولى: طريقة السمع.

    الطريقة الثانية: طريقة الصنعة، أو طريقة التدبر، كما قال ابن القيم .

    طريقة السمع: أي طريقة الوحي من الكتاب والسنة.

    فالصفة يثبتها الله في كتابه، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، أثبت لنفسه السمع والبصر سبحانه وتعالى.

    وقال جل وعلا: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].

    وقال جل وعلا: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

    وقال جل وعلا: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5].

    وقال جل وعلا: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا [الأحزاب:38].

    وقال جل وعلا: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11]، فيعلم أنها من عند الله، وأن الله حكيم خبير، ويضع الشيء في موضعه، فإذا علم ذلك هدى الله قلب العبد إلى الإيمان، فأثبتها الله في كتابه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم وحياً، وحي كتاب أو سنة، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني قد أوتيت القرآن ومثله معه) وقال رسول الله صلى عليه وسلم: (أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً).

    وكان يقول: (يا حي! يا قيوم! برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين).

    وكان يقول: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي، وأعوذ بعزتك) فيثبت لله العزة والعظمة.

    هذه هي الطريقة الأولى طريقة الوحي.

    أما الطريقة الثانية فهي طريقة الاستدلال بالصنعة أو بالتدبر والتفكر، إذا نظرت إلى هذا الكون البديع، وإلى هذا التناسق العجيب، فهذه السماوات ذو النجوم المتلألئة الباهرات، وهذه الأنهار والأشجار، وهذه الأرض التي سطحها الله جل وعلا، تدل على حكيم خبير قوي عزيز، تقول: هذا الكون المترابط المتناسق، ما نسقه وما أبدعه إلا قوي ذو علم وذو إرادة وهو كبير سبحانه وتعالى، وأيضاً إذا نظرت إلى الكمالات في الإنسان فتقول: أن صفة الكرم أو صفة الشجاعة أو صفة الجود كمال في الرجل أو في المخلوق، فالخالق أولى بهذا الكمال؛ لأنه إذا كانت صفات الكمال في المخلوق من باب أولى أن تقول: الذي خلقه وأبدعه له هذه الصفات، هذا من طريق العقل، وهي تختص بالذاتية والفعلية، أما الصفات الخبرية لا مدخل للعقل فيها، لولا أن الشرع والسمع جاء بها لا يمكن لك أن تدركها بالعقل، يعني: اليد في الإنسان من الممكن أن تكون كمالاً، لكن لا تكون لله كمالاً؛ لأن القاعدة: ليس كل كمال في الإنسان يكون كمالاً في الرب جل وعلا، وليس كل ما يوصف به الرب يكون كمالاً للإنسان، أقول لك بالتصريح مثلاً: الكبر في الإنسان نقص، ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) فالكبر نقص في الإنسان، أما في الخالق فهو كمال، وكذلك الكبرياء والعظمة لله جل وعلا، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما ألقيته في النار) يقذفه الله في النار لو نازعه في هذه الصفات.

    والإنجاب في الإنسان كمال، ومعلوم أن عدم الإنجاب عند العقيم نقص، وهو يبحث بحثاً حثيثاً أن يرزقه الله من شتى الطرق ولداً، فعدم الإنجاب أو أن يكون عاقراً أو عقيماً نقص فيه، لكن هو بالنسبة لله جل وعلا كمال، لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [الإسراء:111]، فالقاعدة: أنه ليس كل كمال في الإنسان يكون كمالاً لله جل وعلا.

    فلذلك نقول: الصفات الخبرية بالذات لا مدخل للعقل فيها، الشرع هو الذي يبين لنا ذلك، وهي للإنسان جزء منه وهي كمال، لكن أنت لا تستطيع أن تقول: اليد كمال لله جل وعلا، فلولا أن الشرع جاءنا بأن لله يد، كما قال تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، لما قلنا بها، أيضاً الساق، أيضاً الأنامل، كل ذلك هي صفات خبرية لا يمكن أن ندركها بالعقول، ولكن بالشرع ندركها، هذه طريقة إثبات الصفة بالكتاب والسنة، ويدركها العقل إن كانت ذاتية أو فعلية.

    تحريم التشبيه والتمثيل في صفات الله تعالى

    طريقة السلف هي أحكم وأعلم، لا على كلام أهل البدع، وهم يثبتون الصفة بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، أي صفة جاءت عن الرب جل وعلا يثبتونها كما جاءت بظاهر الدلالة بلا تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه.

    التمثيل معناه: أن يعتقد المرء صفة لله وهي مماثلة لصفة المخلوق بالمطابقة، دون أدنى فرق، كأن يجعل اليد اليمنى إذا جاءت على اليسرى مطابقة لها، دون أدنى فرق، تقول الكف الأيمن يماثل الكف الأيسر، فالمشبه يعتقد أن صفة الله جل وعلا في الاستواء على العرش، هي الاستقرار على سرير الملك، فيماثل هذه الصفة بصفة المخلوق، أو يقول يد الله مثل يد المخلوق دون أدنى فرق، هذا معنى التمثيل، فالتمثيل: المطابقة في كلية الصفة.

    أما التشبيه فهو كالتمثيل لكنه أقل درجة منه، فهو تشبيه بأكثر الصفة، لا بكل الصفة، فالمطابقة في التماثل والأغلبية في التشبيه.

    إذاً: لا مطابقة في التشبيه، فالتمثيل مطابقة، وأما التشبيه في الأكثرية والأغلب.

    أما التكييف: فهو أن يثبت لله صفة ويكيف هذه الصفة ويتخيل لها صورة دون أن يقدر لها مماثلاً، كأن يقول: يد الله جل وعلا لها كيفية كذا وأصابع كذا أو أنامل كذا، فيكيف له كيفية دون أن يقدر ويماثل، هذا معنى التكييف. والسلف بطريقتهم الأحكم والأعلم يثبتون لله الصفة بلا تمثيل، يد الله لا تماثل يد البشر، ودون تشبيه، استواء الله على العرش لا يشابه استواء البشر على سرير الملك، ودون تكييف يقولون: إن هذه صفة، لكن لا نعلمها والله يعلمها، ويدل على ذلك الأثر والنظر، أما من الأثر فلنفي المماثلة قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت لنفسه صفات وأخبر بنفي المماثلة، وهذا الخبر يتضمن عدم المماثلة، يعني: ينهاكم أن تماثلوا صفاته بصفات المخلوق.

    وقال الله تعالى مصرحاً بالنهي: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74].

    إذاً: نثبت الصفة وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، دون المماثلة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وفَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74] هذا من الأثر.

    ومن النظر أيضاً ننفي المماثلة والمشابهة، فإن لله ذاتاً -حتى عند أهل البدع- لا تشبه ولا تماثل ذات المخلوق، فنقول لهم: الذات أصل والصفة فرع، وحكم الأصل ينتقل إلى حكم الفرع، والصفة تابعة للموصوف، والقول في الصفات كالقول في الذات، وأنتم توافقون وتقولون: لله ذات لا تماثل ذات المخلوق، إذاً: هذا أصل والفرع عليه الصفة، فقولوا مثلما قلتم في الذات: لله صفات لا تماثل صفات المخلوق، إذاً: ألزمناهم نحن بما أقروا به، هذا الدليل الأول بالنظر.

    الدليل الثاني نظراً: أننا إذا قلنا بأن صفات الخالق تماثل صفات المخلوق لازم ذلك أننا نثبت لله النقص، إذ إن صفات المخلوق لازمها يعتريه النقص، والأصل في المخلوق الجهل والنقص، فلو ماثلنا صفات الخالق بصفات المخلوق يلزمنا أن ننسب النقص لله جل وعلا، وقد نزه الله جل وعلا نفسه عن ذلك، ونزهه رسوله صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: التمثيل والتشبيه منفي، لا يجوز ويحرم أثراً ونظراً.

    تحريم تكييف صفات الله تعالى

    التكييف يحرم أثراً ونظراً، أما أثراً فقد قال الله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110]، الذي يكيف صفة الله جل وعلا، يكيف يد الله جل وعلا، كأنه أدرك يد الله جل وعلا، وكأنه أحاط بها علماً، وهو كاذب في دعواه؛ لأن الله جل وعلا قال: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110]، وأيضاً قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36]، وأنت إذا قلت بكيفية صفة من صفات الله جل وعلا دون أن تراها، ودون أن يخبرك رسولك صلى الله عليه وسلم قد قلت على الله بغير علم، ووقعت في مخالفة هذه الآية: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36]، هذا أثراً.

    أما نظراً فنقول: المكيف إذا أراد أن يكيف الصفة له في هذا التكييف مسالك ثلاثة:

    المسلك الأول: أن يرى صاحب هذه الصفة، فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى بيت المقدس عندما أسري به إليه، فلما سألوا محمداً صلى الله عليه وسلم: صف لنا بيت المقدس، وصفه لهم بكل كيفياته، فالذي يكيف صفة الله نلزمه ونقول: أنت رأيت الله؟ إذا قال: نعم، فهذا إما مجنون وإما يكفر بهذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى الله على التحقيق، وعند أهل التحقيق ما رأى الله في الدنيا، ولن يرى الله أحد إلا في الآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) إذاً: هذا المسلك الأول ينفي التكييف.

    المسلك الثاني: أن يخبره الصادق المصدوق بكيفية هذه الصفة، فهل ثمة دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم يكيف له صفة من صفات الله جل وعلا؟ لن يجد لذلك سبيلاً، فالمسلك الثاني أيضاً لا يمكن أن يقف به أمامنا، فننفيه عنه.

    المسلك الثالث: أن يرى المثيل، وهل لله مثيل؟ والله يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، إذاً: يبطل نظراً أن يكيف هذه الصفة.

    بل نحن نلزمه بما هو أدنى ونقف معه ونقول: كيف لنا ثلاثة أجنحة من أجنحة جبريل الستمائة، لا يستطيع أن يأتي بجناح واحد ليكفيه، فإن لم يستطع أن يكيف صفة لمخلوق، فهو أعجز أن يأتي بكيفية صفة للخالق، ولذلك ورد في الآثار: (لا تتفكروا في ذات الله) يعني: كيفيات صفات الله، فإن الله لا تصل إليه فكرة، سبحانه وتعالى، مهما يصل بك الفكر إلى كيفية من كيفيات صفات الله جل وعلا فالله أعظم وأجل، سبحانه وتعالى، فكبر وسبح ونزه ربك.

    إذاً: فالتكييف باطل أثراً ونظراً.

    فطريقة السلف إثبات الصفة بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف.

    1.   

    إثبات صفة النفس لله تعالى

    ذكر المؤلف رحمه الله صفة من صفات الله جل وعلا الثبوتية، وهي صفة النفس، وهذه صفة ثبوتية، أي: أثبتها الله لنفسه في كتابه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي صفة خبرية، لا مدخل للعقل فيها، وإذا قلنا بأنها خبرية فسنثبتها بالكتاب والسنة دون العقل؛ لأن العقل لا يدرك ذلك، وقد أثبتها الله لنفسه في كتابه، قال لموسى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41].

    وقال جل وعلا أيضاً على لسان عيسى: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ [المائدة:117].

    ثم قال: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116]، وأثبت لله النفس.

    وأيضاً قال الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54].

    إذاً: صفة النفس صفة خبرية، ثبتت لله في الكتاب، وأيضاً أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم كما في الأحاديث التي ذكرها المؤلف: (أنا مع عبدي ما ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) إثبات للنفس.

    وأيضاً في أحاديث أخرى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي).

    وأيضاً: (كتب الله جل وعلا كتاباً عنده على نفسه أن رحمتي سبقت غضبي).

    فإذاً: هذه الصفة ثابتة لله جل وعلا بالكتاب وبالسنة.

    أقول: نعتقد اعتقاداً جازماً ونثبت لله صفة النفس، وأنها صفة كمال وجلال لله جل وعلا لا تماثل نفس المخلوق، مع أن الاسم مشترك، نفس الخالق ونفس المخلوق، والقاعدة: الاشتراك في الاسم لا يستلزم التساوي في المسمى.

    إذاً: نفس الخالق لا تماثل نفس المخلوق.

    إذاً: أثبت لله صفة خبرية ثبوتية، وهي صفة النفس بلا تمثيل، أي: لا تماثل نفس المخلوق.

    ولا تشبيه: ولا تشابه نفس المخلوق.

    ولا تكييف: ولا أقول: النفس ليس لها كيفية، أو أثبت الكيفية، لكني أفوض هذه الكيفية للخالق جل وعلا.

    إذاً: إثبات النفس لله جل وعلا: صفة خبرية تليق بجلال الله وكمال الله، لا تماثل نفس المخلوق، ولا تشابه نفس المخلوق، ولا نعلم كيفيتها، والكيفية أفوضها لله جل وعلا على طريقة السلف الذين هم أعلم، وطريقتهم هي أحكم وأسلم.

    تحريف أهل البدع لصفة النفس لله جل وعلا

    لم يرض أهل البدعة بإثبات صفة النفس، ولم يوفقوا في هذه الصفة، بل كذب أهل الضلالة والبدعة من الجهمية النفاة المعطلة في هذه الصفة، بالتحريف تارة وبالتعطيل تارة، وبالتشبيه تارة، وهم لم يفروا إلى التعطيل إلا لأنهم شبهوا نفس الخالق بنفس المخلوق، فعطلوا الصفة وقالوا: النفس ليست صفة لله جل وعلا، بل إضافتها عندما يقول: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41]، وعندما يقول: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54] كإضافة المخلوق للخالق، مثل قول الله تعالى: نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:13]، فأضاف الناقة لله، إضافة المخلوق إلى الخالق، وكإضافة الكعبة لله، والكعبة بيت الله، وإضافة البيت إلى الله، إضافة المخلوق إلى الخالق، ولم يأتوا على ذلك بالأدلة.

    الرد على أهل البدع في تحريف صفة النفس لله تعالى

    نحن نعتقد أن صفة النفس صفة كمال وجلال لله جل وعلا، ونثبتها لله بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، ونعلم أن لها كيفية، لكن لا نعلم هذه الكيفية.

    وفي الرد على أهل البدع الذين قالوا: هي إضافة مخلوق إلى خالق نقول:

    أولاً: توضيح الإضافة: المضاف إلى الله نوعان: أعيان قائمة بذاتها ومعاني.

    الأعيان القائمة بذاتها إذا أضيفت إلى الله هي إضافة مخلوق إلى خالق، وهذه الإضافة تسمى إضافة تشريف، كعيسى، وعيسى عين قائمة بذاتها، والكعبة عين قائمة بذاتها، والناقة عين قائمة بذاتها، فالأعيان القائمة بذواتها إضافتها إلى الخالق إضافة تشريف، تقول: عيسى روح الله، روح خلقها الله جل وعلا، وناقة الله، أي: ناقة خلقها الله جل وعلا، انفلقت الصخرة وخرجت الناقة لتكون معجزة من المعجزات.

    إضافة المعاني إلى الله إضافة صفة إلى موصوف، كأن تقول: رحمة الله، كرم الله، أمام البشر حتى يؤمنوا بها.

    وقوله تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ [الصافات:180] العزة هنا ليست عيناً قائمة، وإنما صفة معنى، فإضافة المعاني إلى الخالق هي إضافة صفة إلى الموصوف.

    إذاً: الإضافة لله إضافتان: إضافة أعيان فهي مضافة إلى الخالق للتشريف، وإضافة معان، وهي إضافة صفة للموصوف، وإذا نظرنا إلى النفس فالنفس هي معنى من المعاني أضيفت إلى الخالق، وتساوي صفة أضيفت إلى الموصوف، فنرد عليهم بهذا ونقول: إن النفس معنى من المعاني أضيفت إلى الخالق فإضافتها إضافة صفة إلى الموصوف.

    ونرد عليهم بثلاثة وجوه:

    الوجه الأول: أن الله جل وعلا قد أثبت لنفسه النفس وأن رسوله قد أثبت له النفس، أي: أثبت هذه الصفة الخبرية، فكيف تنفون عن الله جل وعلا ما أثبته لنفسه؟ ليس لكم إلى ذلك سبيل إلا أن تجحدوا قول الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم.

    والوجه الثاني: أن ظاهر القرآن وظاهر السنة يثبت لله صفة خبرية وهي صفة النفس، وأنتم خالفتم بقولكم: إنها مخلوقة ظاهر القرآن وخالفهم ظاهر السنة، وقد أجمع السلف على إثبات النفس لله جل وعلا صفة خبرية، وقد خالفتم هذا الإجماع.

    الوجه الثالث: إن ادعاءكم بأن هذه الصفة إضافة مخلوق للخالق، لو قلنا بقولكم يلزمنا لوازم باطلة، والقاعدة: أنه إذا بطل اللازم بطل الملزوم، فننظر إلى اللوازم الباطلة:

    قال الله تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41]، الله جل وعلا اصطنع موسى وخلقه ليؤدي رسالته جل وعلا، وليعبد الناس ربهم جل وعلا، وليجعل الناس يوحدوا الله توحيداً تاماً خالصاً من كل شرك، فإذا قلنا بقولكم فسيكون معنى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41] يعني: اصطنعتك لغيري، فمعنى ذلك: أن موسى يجعل الناس يعبدون غير الله! وهذا لا يقوله إلا كافر، وهذا كفر مبين، والله جل وعلا يقول: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:79]، فكيف يذهب موسى يعبد الناس لغير الله جل وعلا؟! هذا أول لازم باطل وهذا كفر مبين واضح جداً.

    الثاني: قول الله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54] يعني: أن الله جل وعلا يغفر لمن أساء، فالرحمة يستلزم منها أن الله سيغفر لكم الذنوب، من أذنب وتاب وأناب فإن الذي سيغفر هو الله جل وعلا، فاللازم الباطل على قول الجمهية: كتب ربكم على غيره الرحمة، إذاً: غير الله جل وعلا هو الذي سيغفر هذا الذنب، فينيب العبد لغير الله جل وعلا، فأنتم ضاهيتم النصارى الذين يقولون بصكوك الغفران، تدخل المرأة الزانية ويدخل الرجل الزاني إلى القس فيعطيهما صك الغفران، ولا ينيبان إلى الله جل وعلا الذي يتوب على العصاة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن المذنب الذي يستغفر ربه أن الله جل وعلا عندما يقول العبد: رب قد أذنبت ذنباً فاغفر لي، فيقول الله جل وعلا-وهذا هو الشاهد-: (عبدي علم أن له رباً يأخذ بالذنب ويغفره، فاشهدوا أني قد غفرت له).

    إذاً: الرحمة والمغفرة لله جل وعلا ليست لغيره.

    وهذه من اللوازم الباطلة التي تجعلنا نرد قولهم على وجوههم.

    فقوله تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41] أي: لنفس الله جل وعلا.

    وقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54] أي: على نفسه جل وعلا.

    1.   

    الفوائد المستنبطة من الأحاديث التي تدل على فضل الذكر

    الفوائد المستنبطة من هذه الأحاديث الخمسة التي ذكرناها في فضل الذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل بعدما كبر سنه يستنصحه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعل لسانك رطباً بذكر الله)، ولو لم يكن لفضل الذكر إلا أن الله سيذكرك لكفى بها نعمة وفضلاً، فيلزم من أن الله جل وعلا يذكرك أن يحبك، وإذا أحبك نادى في السماء: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فينادي جبريل بعدما يحبه: يا أهل السماء! إني أحب فلاناً فأحبوه، ثم يكتب له القبول في الأرض، ويستلزم من ذكر الله جل وعلا لك أن يرحمك، وأن يثني عليك في الملأ الأعلى.

    ومن الفوائد المستنبطة من هذا الحديث العظيم في فضل الذكر: المعية.

    يقول الله تعالى: (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)، وقال: (أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه) ومعية الله جل وعلا معيتان:

    معية عامة للمؤمن والكافر، ومعية خاصة.

    أما المعية العامة فهي معية العلم والإحاطة، قال الله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ [المجادلة:7]، السياق والسباق بالمقدمة والنتيجة يثبت أنه معهم بعلمه وقد أحاط بكل شيء علماً.

    ومعية خاصة: هي معية التسديد، ومعية التوفيق، والعبد الموفق هو العبد الذاكر لله جل وعلا، فلا تجعل وقتاً يمر عليك إلا وأنت تذكر الله جل وعلا، وفي كتاب شعب الإيمان أثر ضعيف جداً أنه قال: (اذكر الله حتى يقولوا: مجنون)، والمعنى أنك لا تنشغل إلا بذكر الله جل وعلا، فالعبد الذاكر هو عبد مسدد، وعبد موفق من الله جل وعلا، عبد يستجلب معية الله، ومن كان مع الله كان الله معه، فالله جل وعلا يكون معك إذا ذكرته، وإذا ذكرته جل وعلا فإن الله جل وعلا يسددك ويوفقك، لا تسمع إلا به، ولا تبصر إلا به، ولا تبطش إلا به، فهو معك بالتسديد والتوفيق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً لنا هذه المعية مع الله عز وجل: (يا أبا بكر ! لا تحزن فإن الله معنا) فالله جل وعلا جاءه بالنص، وأيضاً موسى عليه السلام قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ [الشعراء:62-63].

    إذاً: معية الله هنا: معية التسديد والتوفيق والنصرة والثبات، وموسى عليه السلام وهارون خافا عندما ذهبا إلى فرعون من بطشه وجبروته، فقال الله تعالى: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، ويستلزم ذلك أن أسددكما وأكون معكما بالتوفيق والنصرة والثبات.

    آخر الفوائد المستنبطة من هذا الحديث: أن الملائكة خير من بني آدم، عند من يقول بذلك، وفصلنا القول فيها، واختلف العلماء فيها على قولين:

    القول الأول: الملائكة خير من البشر، وعمدة أدلتهم هذا الحديث؛ لأن الله جل وعلا قال (.. ذكرته في ملأ خير منهم) وهذا الملأ صرح به في رواية أخرى قال: (في ملأ من الملائكة) فهذا بالتنصيص أن ملأ الملائكة خير من ملأ البشر.

    وقوله: (ذكرني في ملأ) ليس فيه حجة لأهل البدع الذين يتحلقون ويذكرون الذكر الجماعي، فالمقصود بـ(ذكرني في ملأ) مجالس العلم، وتعليم القرآن وتعليم السنة أو الفقه، والحديث يفسر الحديث عندما تأتي الملائكة السياحة وتنظر إلى مجالس العلم وتجلس وتحفهم حتى تصعد إلى الله جل وعلا... إلى آخر الحديث فالله جل وعلا يقول (.. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فهنا معنى (ذكرني في ملأ) أي: مجالس العلم، فيكون في مجالس العلم الثناء في الملأ الأعلى، أنت الآن منتشر اسمك بين الملائكة، وكل ملك يعرف اسمك ويعرف اجتهادك ومجلسك في حلقات الذكر وحلقات العلم.

    إذاً: يستدلون بقوله: (في ملأ من الملائكة)، يعني: خير من هذا الملأ وهو نص صريح.

    القول الثاني: جمهور من أهل العلم قالوا: صالحوا البشر خير من الملائكة، ويستدلون بأدلة كثيرة، وعمدة هذه الأدلة تفضيل الله لآدم على الملائكة حيث أمرهم بالسجود له، وأيضاً فضله عليهم بالعلم، فتمسكوا بالعلم قدر الإمكان؛ لأن آدم ارتفع على الملائكة قاطبة بالعلم، قال تعالى: قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [البقرة:33]، فعلم آدم ورفعه على الملائكة.

    والراجح في هذه المسألة ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية بالتوفيق بين هذين القولين:

    قال: إذا نظرنا للأولية قلنا بقول الأولين، وإذا نظرنا للآخرية قلنا بقول الآخرين، والمعنى: إذا نظرنا للأولية يعني: في الدنيا، قلنا بقول الأولين: يعني الملائكة أفضل؛ لأنهم يسبحون ويحمدون ويركعون ويسجدون ويفعلون ما يؤمرون ولا يعصون الله جل وعلا، وهذا في الدنيا، أما الإنسان فيخطئ ويعصي ويذنب، وهو ينيب ويستغفر، لكن يفعل المعاصي وليس كالملائكة في هذه الطهارة.

    أما إذا نظرت إلى الأخروية فنقول: قد استوى البشر مع الملائكة فأهل الجنة يلهمون التسبيح، فإذا دخلوا الجنان ارتقوا إلى مرتقى عال جداً فتفوقوا على الملائكة، وهذا من أبدع ما يجمع به، ففي الدنيا تكون الملائكة أفضل من البشر؛ لأن الإنسان يخطئ ويذنب في الدنيا، وفي الآخرة يكون البشر الذي يدخلون الجنة أفضل من الملائكة؛ لأن البشر في الجنة يلهمون التسبيح، فيستوي الملك مع البشر في ذلك.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756236907